بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم ،الحمد لله الذي علم المسلم أن يحتكم لشرعه،والصلاة والسلام علي خير من وُلـِّىَ وحَكَم فقال عنه ربه في كتابه :


{فَلاوَرَبِّك َلايُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَاشَجَرَبَيْنَهُم ْثُم َّلايَجِدُوافيأَنْفُسِهِم ْحَرَجاًمِمَّا قَضَيْت َوَيُسَلِّمُواتَسْلِيماً]


فقد أقسم الله بنفسه الكريمةالكريمةالمقدسة،أنهلايؤمن أحدحتىيحكم رسول هصلىالله عليه وسلم في جميع الأمور،ثم ينقادل ماحكم به ظاهراوباطنا ويسلم تسليماكليامن غيرممانعة ولامدافعة ولامنازعة، وعلم الصحب الكرام هذا فامتثلوا له في خلافاتهم ،لذا أردت أن أسطر هذه المشاركة عن صور من خلافات الصحب الكرام رضوان الله تعالى عليهم.



اختلاف الصحابة في عهد الرسول( صلى الله عليه وسلم)



لم يكن في عهده صلى الله عليه وسلم ما يمكن أن يؤدي إلى الاختلاف بالمعنى المفهوم؛ذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤجع الجميع باتفاق، ومردهم في كل أمر يحزبهم،ومفزعهم في كل شأن،وهاديهم من كل حيرة ،فإذا اختلف الصحابة رضوان الله عليهم في شيء ردوه إليه عليه الصلاة والسلام فبين لهم وجه الحق فيه،وأوضح لهم سبيل الهداية،وأما الذين ينزل بهم من الأمور ما لا يستطيعون رده إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لبعدهم عن المدينة المنورة،فكان يقع بينهم الاختلاف كاختلافهم في تفسير ما يعرفونه من كتاب الله،أو سنته صلى الله عليه وسلم وتطبيقه على ما نابهم من أحداث وقد لا يجدون في ذلك نصاً فتختلف اجتهاداتهم، هؤلاء إذا عادوا إلى المدينة،والتقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم عرضوا عليه ما فهموه من النصوص التي بين أيديهم أو ما اختلفوا فيه من القضايا،فإما يبن لهم وجه الحق والصواب فيطمئنون لحكمه،وإما يقرهم على ذلك فيصبح هذا الإقرار جزءاً من سنته صلى الله عليه وسلم،فيأخذون به ويرتفع الخلاف،ومن أمثلة ذلك:


1ما أخرجه البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الأحزاب:


"لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة" فأدرك بعضهم العصر في الطريق،فقال بعضهم:لا نصلي حتى نأتيها،أي ديار بني قريظة.


وقال بعضهم:بل نصلي حتى نأتيها،لم يُرد من ذلك.


فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم،فلم يعنف أحد منهم، وظاهر هذا الحديث الشريف أن الصحابة رضوان الله عليهم انقسموا إلى فريقين في موقفهم من أداء صلاة العصر: فريق أخذ بظاهر اللفظ أو كما يسميه أصول الحنفية(عبارة النص) وفريق استنبط من النص معنى خصصه به.


وتصويب الرسول صلى الله عليه وسلم للفريقين دليل على مشروعية المذهبين.


فالمسلم إذن:له أن يأخذ بظاهر النص،وله أن يستنبط من المعاني ما يحتمله النص ـ وأعني بذلك أهل الاجتهاد من العلماء الأجلاء ـ ولا لوم على من بذل جهده ،واكن كؤهلا لهذا النوع من الجهد.


فالفريق الثاني من الصحابة وكلهم أهل اجتهاد فهموا من الأمر المبالغة في الإسراع؛وذلك اعتبروا أن أداءهم الصلاة قبل الوصول إلى بني قريظة لا ينافي الأمر بالاسراعما دامت الصلاة لا تؤخرهم عن الوصول.


ومن الطريف أن ابن القيم رحمه الله تعالى في إيراده اختلاف العلماء في تصويب أي من الفريقين،وبيان الأفضل من فعل كل منهما،


فمن قائل:إن الأفضل فعل من صلى في الطريق فحاز قصب السبق في أداء الصلاة في وقتها ولبـَّى أمر الرسول صلى الله عليه وسلم.


ومن قائل: إن الأفضل فعل من أخرها ليصليها في بني قريظة.


قال ابن القيم في كتابه إعلام الموقعين: ما دام رسول الله صلى الله عيه وسلم لم يعنف واحدا من الفريقين،فكان على الفقهاء رحمهم الله أن يسعهم ذلك من سنة النبي صلى الله عليه وسلم وألايخوضوا في أمر قد تولى حسمه عليه السلام والانتهاء منه.


2ومن أمثلة اختلاف الصحابة رضوان الله عليهم:


ما أخرجه أبو داود والحاكم من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه،قال: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فاشفقت إن اغتسلت أن أهلك،فتيممت ثم صليت الصبح، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:" ياعمرو صليت باصحابك وأنت جنب؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال ،وقل:إني سمعت الله يقول: (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً)]النساء:29] فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاُ.


أنظر أُخـَيَّ كيف كان الصحب الكريم يردون اختلافهم إلى الله ورسوله فسرعان ما يزول،فتسعد نفوسهم ولا يحدث الخلاف بينهم شقاقن وأنى له ذلك؟ فعلينا التشبه بهم إن لم نكن مثلهم إن التشبه بالرجال فلاح، ولندع الاجتهاد لأهله ولا يشاق أحدنا أخاه لهوى نفسه ،أولعدم امتثاله لرأيه، هذا والله أعلم