بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
اندفع أكثر الاتجاهات الإسلامية في طريقه الذي يراه ملقياً باللوم على من خالفه والتقصير والفشل، وزادت نبرة الحديث بين الإسلاميين حدة، واشتعلت حواراتهم ومجادلاتهم بعبارات نارية وقذائف ملتهبة على المخالفين، مما دفع بالبعض في محاولة لعلاج قضية الخلاف إلى نبذ العمل الإسلامي الجماعي جملة؛ للتخلص من خلافات الجماعات

الخلاف أمر قدري :
دلت الأدلة القاطعة من الكتاب والسنة على وجود الاختلاف بين بني البشر وتقدير الله ذلك عليهم، قال الله -تعالى-: (وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (يونس:19)، فبين الله -سبحانه وتعالى- كلمته السابقة وقضاءه الأول في تأجيل الخلق على أجل معدود لا يقضى بينهم قبله في اختلافاتهم.



يمكن أن نقسم الخلاف الواقع بين المسلمين إلى:
1- اختلاف التنوع
2- اختلاف التضاد
اختلاف تنوع :
وهو ما لا يكون فيه أحد الأقوال مناقضاً للأقوال الأخرى، بل كل الأقوال الصحيحة، وهذا مثل وجوه القراءات وأنواع التشهد والأذكار، فمن قرأ مثلاً في الفاتحة: )مَالِكِ يَوْمِ الِّديِنِ(، وهو يعلم صحة قراءة من قرأ )مَلِكِ يَومِ الدِّيِنِ(، فلا يكون هذا مناقضاً لهذا، فالكل يعلم أن القرآن نزل على سبعة أحرف، كلها شافٍ كافٍ، كما ثبت في الحديث المتفق عليه، وكل هذه القراءات الثابتة الصحيحة قد نزل من عن الله -سبحانه وتعالى-.

اختلاف التضاد
وهو أن يكون كل قول من أقوال المختلفين يضاد الآخر ويحكم بخطئه أو بطلانه، وهو أن يكون في الشيء الواحد قول للبعض بحرمته وللبعض بحله -من جهة الحكم لا من جهة الفتوى-، فالحكم أن يقال: هذا الفعل حرام، كشرب قليل النبيذ المسكر كثيرُه غير عصير العنب، والمخالف يقول: قليله حلال، وليس من جهة الفتوى، كإنسان في حالة ضرورة ومخمصة لم يجد إلا ذلك النبيذ ليسد رمقه فهو حلال له في هذه الحالة كفتوى، أما الحكم العام فهو حرمته عند من يقول بذلك

الخلاف السائغ : كثير من العلماء يقيده بأنه الخلاف في الفروع، أي من الأمور العلمية لا الاعتقادية، والصحيح أن يقيد بأنه: ما لا يخالف نصاً من كتاب أو سنة صحيحة أو إجماعاً قديماً أو قياساً جلياً، وهذا سواء أكان في الأمور العملية الاعتقادية -وهذا نادر- أم في الأحكام بين الفقهاء.


أسباب الخلاف السائغ :
من هذه الأسباب: أن الشرع لم ينصب دليلاً قاطعاً على كل المسائل

ومنها: أن أفهام العباد مختلفة متفاوتة

ومنها: أن قدرة العباد على البحث والاجتهاد مختلفة أيضاً

ومنها: اختلاف طريقة العلم والتعليم بين علماء المسلمين في بلادهم المختلفة
ومن الأمثلة للاختلاف السائغ: الخلاف في تفسير بعض آيات القرآن، ومنها ما يتعلق بالأسماء والصفات، كقوله -تعالى-: ( فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّه) (البقرة:115) هل هذه من آيات الصفات أم لا؟ فالاختلاف في فهم معانيها داخل في الأمور العلمية الاعتقادية، وأكثره خلاف سائغ.

الخلاف غير السائغ
وكثير من أهل العلم يضبطه بأنه الخلاف في الأصول أي في العقائد، والصحيح أن يقيد بأنه ما خالف نصاً من كتاب أو سنة أو إجماعاً أو قياساً جَلِياً لا يُختَلف فيه، سواء أكان في الأمور الاعتقادية العلمية -وهذا أكثر أنواع هذا الاختلاف-، أم في الأمور العملية الفقهية، فإن كثيراً من مسائل الفروع (أي الأحكام) فيها نصوص من الكتاب والسنة والإجماع، بل قد يكفر المخالف فيها، كوجوب الصلوات الخمس، وصوم رمضان، وحرمة الزنى والخمر، وهذه من مسائل الأحكام المسماة عند الكثيرين بالفروع، وقد يبدع المخالف فيها كإنكار المسح على الخفين، والقول بجواز نكاح المتعة، وإن كان الأغلب على اختلاف أهل اعلم في هذه المسائل أنه من الاختلاف السائغ كما سبق بيانه.

أسباب الاختلاف المذموم:

1- البغي والتنافس على الدنيا ورئاستها

2- الجهل ونقص العلم وظهور البدع واختلاف المناهج

3- ظهور رؤوس الضلال الدعاة على أبواب جهنم

4- التعصب المذموم للأسماء والأشخاص وضعف الولاء على الكتاب والسنة

ا

لشيخ عبد المنعم الشحات