ا
بعد ان تناولت بالدرس مفهوم الدولة ووظائفها ثم ذكرت الأبواب التي وردت في كتب الفقه وقد تناولت تلك الأبواب بنصوص القرآن والسنة وظائف الدولة ومهامها وأردت بذلك أن أبين أن قول العلمانيين انه لا دولة فى الاسلام ناتج من جهلهم بمفهوم الدولة وجهلهم بالإسلام ولا إخالهم يقرأون كتب الفقه ليعلموا ما إذا كان الفقه الإسلامي تناول وظائف الدولة أم لا!!؟ وايراد هذه الأبواب من كتب الفقه الإسلامي مقصوده بيان فساد هذا القول وقد اصبح العلمانيون بعد هذا البيان امام خيارين اما ان يقروا بأن ثمة نصوصًا فى القرآن والسنة تناولت وظائف الدولة واما ان ينكروا ذلك وعندئذٍ يظهر بما اوردناه انها حالة جحود وعناد وليست حالة موضوعية ناتجة عن بحث علمي، واذا اقروا بوجود تلك النصوص التى تعالج وظائف الدولة فسد قولهم الاول واصبحوا امام خيارين اما ان يسلموا لها ويذعنوا بعد اقرارهم بوجودها ان كانوا حقًا مسلمين يستسلمون لأحكام الله ورسوله صلى الله عليه واله وسلم، واما ان يقولوا هذه النصوص موجودة لكنها لا تصلح لهذا الزمان!! و عندئذ يصبح خلافنا معهم فى تحكمهم فى النصوص وزعمهم تاريخيتها علمًا بأنه لا يستطيع احد ان يقيد كلام احد من الناس دعك من كلام الله تعالى الا بقيد يذكره المتكلم نفسه فان كان لا يجوز لاحد التحكم فى كلام احد من الناس تفسيرًا وشرحًا وتعليلاً وتقييدًا وتخصيصًا فكيف بالتحكم فى كلام الواحد الأحد الفرد الصمد فالقول بتاريخية النص _ما لم يقم دليل على هذا من القرآن والسنة _ استعباط متعمد واستهبال مقصود ومغالطة و شبهة من شبهات بني علمان يدلّسون بها على الناس ليصرفوهم عن الحقيقة. فموضوع الفصل بين السياسة والدين لم يخطر على بال علماء الإسلام لا قديمًا ولا حديثًا، بل لم تكن للانبياء وظيفة غير السياسة فالأنبياء كانوا أئمة الحياة بالنسبة لأتباعهم وليسوا أئمة الصلوات فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي وسيكون بعدي خلفاء فيكثرون قالوا يا رسول الله فما تأمرنا؟ قال : أوفوا ببيعة الأول فالأول» متفق عليه فانظر الى قوله عليه الصلاة والسلام «وإنه لا نبي بعدي وسيكون بعدي خلفاء» فالذى سيخلفه فيقوم مقامه هو الحاكم وليس الداعية او امام المسجد فاذا كانت وظيفة النبوة يخلفهم عليها اتباعًا لنهجهم وسيرًا على طريقتهم هم الحكام اذن فهى وظيفة سلطانية تقوم على ادارة شؤون الناس بالاحكام الشرعية ولم يظهر الزعم بالفصل بين الدين والدولة إلا حديثًا، خصوصًا بعد إلغاء الخلافة؛ لأن القوم يريدون أن يؤسسوا لمبدأ فصل الدين عن السياسة. فالدولة في الإسلام ليست ثيوقراطية؛ لأن الحاكم في النظام الثيوقراطي سلطته إما من رجال الدين وإما من الحق الإلهي بوصفه ظِلُّ الله في الأرض، وهو يحكم على حد زعمه باسم الله بينما الحاكم فى الدولة الإسلامية يحكم «بما انزل الله» لا «باسم الله» وما انزله الله ليس امرًا سريًا يعلمه قوم او يأتيهم فى مناماتهم وانما هو موجود فى القرآن والسنة تحاكم الامة حاكمها الى القرآن والسنة فما صوّباه فهو الصواب وما خطآها فهو الخطأ وان قال به الحاكم، فالعلمانيون فى عالمنا الإسلامي يخشون من تكرار تجربة وقعت فى الغرب وهذه التجربة لا يمكن ان تقع في المجتمع المسلم لأن طبيعة الدين عنده وعلاقة الأمة بالسلطة تختلف اختلافًا جذريًا وإن وقعت في بعض الصور الشائهة في تاريخنا فقد ادركت الأمة انها صور شائهة وواجهها العلماء الربانيون في زمانها ووقفوا في وجهها حتى دخلوا السجون وضُربت منهم الظهور، فالإمام أحمد رحمه الله تعالى كان يُضرب حتى يُغمى عليه حتى كتب الله له النصر في الدنيا قبل الآخرة ومنهم من واجه هذا الانحراف الذي احدثه بعض الملوك حتى لقي الله شهيدًا فالدين لم يندثر وتلك الصور والتطبيقات الشائهة لم تجعل العلماء المستنيرين في ذلك الزمان في ردة فعل غير موضوعية ينكرون صلة الدين بالحكم والسياسة لكنهم راحوا يعالجون ذلكم الانحراف، والأمة حين تدرك أن نظام الحكم في الإسلام يقوم على قاعدتين عظيمتين أولاهما استمداد التشريع من الله واستمداد السلطان من الأمة تدرك جميع حقوقها.. وعن القاعدتين أحدِّثكم ان شاء الله مع مقارنة بمقولات العلمانيين.