نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


لم يكن محمد إلياس وهو يجمع حوله بعض الرجال بميوات الهندية يعتقد أن تنظيمه سينتشر يوما ما في أصقاع العالم، وفي ذلك الغرب الإسلامي، ولم يكن في حسبان الرجل أن تعمل جماعة الدعوة والتبليغ، فرع المغرب، باسم جمعية أسست بناء على أسس قانونية شرعتها السلطة السياسية المغربية، وبما يتوافق وظهير الجمعيات، المسمى بالمغرب بـ"ظهير الحريات العامة"، الصادر بتاريخ 15 نوفمبر 1958، والذي عدل وتمم بظهير شريف 10 أبريل 1973. فمن الناحية التاريخية تعتبر الجماعة أقدم حركة إسلامية بالمغرب؛ حيث تأسست سنة 1962م، كما يذهب إلى ذلك الدكتور فريد الأنصاري في كتابه "الفجور السياسي والحركة الإسلامية بالمغرب.. دراسة في التدافع الاجتماعي".


وهذا الرأي للأنصاري أكده لنا زعماء التنظيم وقيادات إسلامية عديدة، على خلاف ما ذهب إليه كل من الباحثين المتخصصين في شئون الحركة الإسلامية، محمد الطوزي ومحمد ضريف؛ فالأول يعتبر سنة 1975 هو تاريخ التأسيس (راجع كتابه الملكية والإسلام السياسي، ص 259)، أما الباحث ضريف فيقول: إن فرع المغرب تأسس سنة 1964 (انظر كتابه الإسلام السياسي بالمغرب.. مقاربة وثائقية، الطبعة الأولى 1992 ص210).
التأسيس والتوسع
وكان للشيخ يوسف الكندهلوي مؤلف كتاب "حياة الصحابة" الذي زار المغرب، كبير الفضل في هذا التأسيس؛ فقد التقى الأستاذ الحمداوي، وبعض أصدقائه من رجال التعليم، وكان الكندهلوي مرشد الجماعة في ذلك الوقت، واقتنع الحمداوي بدعوته، فأسس جماعة التبليغ فرع المغرب مستفيدا من عاملين مهمين: الأول: رضا ملك البلاد آنذاك عن مثل هذا العمل، والثاني كون الحمداوي واحدا ممن تخرجوا في جامع القرويين بفاس، ثم اشتغل بالتعليم فيما بعد.
وقد عرفت الجماعة في عهده توسعا بارزا، وتمكنت من توسيع قاعدتها العضوية، ومساحة ممارستها للدعوة؛ انطلاقا من مدينة الدار البيضاء، في اتجاه الشمال والجنوب، وتمكنت سنة 1970م من الوصول إلى المناطق الجنوبية للمملكة، خاصة الأمازيغية منها، واتخذت من أحد مساجد مدينة أكادير عاصمة الجنوب مقرا لعملها هناك، وبإشراف رجال تبليغيين أمازيغ.
بعد وفاة مرشدها الأول بالمغرب سنة 1987م، أصبح الشيخ البشير اليونسي قائدا للتنظيم إلى يومنا هذا، ويعتبر مرشدها الحالي من علماء المغرب.. حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، وتلقى تعليمه بمدارس التعليم الأصيل (درس على ما كان يسمى في التعليم الأصيل "بالأوراق"، ويؤدي هذا المنهج إلى التحكم في علوم اللغة والعلوم الشرعية)؛ وهو ما سهل عليه الالتحاق بسلك التعليم كأستاذ للتعليم الثانوي، وقدم استقالته منه ليتفرغ للعلم والدعوة.. له خبرة علمية ودعوية كبيرة مستمدة من مجالسة العلماء بالمشرق والمغرب وأوروبا.. جمع في بيته مكتبة كبيرة ومتنوعة، خاصة بالعلوم الشرعية، ويشهد له بسعة الاطلاع، ومتابعته للتحولات في الواقع الإسلامي المعاصر.
كما ساهم، إلى جانب زعماء الحركات الإسلامية، في ندوات جامعة الصحوة الإسلامية التي كانت تقام بالمغرب، وما زال يشارك إلى اليوم في عدة ندوات بأوروبا ودول الخليج العربي، وهو كذلك خطيب منذ ما يفوق 35 سنة بمسجد الفتح بمدينة القصر الكبير المشهورة أيضا بمدينة الدعوة والتبليغ؛ لكونها مقر سكناه، كما تعتبر ثاني مدينة من حيث انتشار وعمل الجماعة بعد الدار البيضاء، التي تحتضن المقر المركزي للتبليغ المغاربة.
ورغم أن الملك الراحل محمد الخامس استقبل الشيخ الحمداوي وأثنى على دعوته وأسلوبه المعتدل، فإن علاقة الدولة بجماعة الدعوة والتبليغ المغربية في عهد الملك الراحل الحسن الثاني والملك الحالي محمد السادس لم تستقر على حال معينة، وتتقلب بحسب الظروف السياسية.
كما أن خبرة أهل التبليغ المغاربة ساعدتهم على التكيف مع الوضع السياسي، الذي يمثل فيه الملك أميرا للمؤمنين ورئيسا للدولة في نفس الوقت؛ مما كرس لدى زعمائه أسلوب الحيطة والحذر في التعامل مع الكثير من المبادرات -وفيها اللقاءات المباشرة مع الصحفيين والباحثين في ظاهرة الحركة الإسلامية- باعتبارها قد تمس بالتنظيم، ونشير هنا إلى أن الجماعة تطلق لقب الأمير على زعيمها في كل الدول، باستثناء تلك التي تتبنى النموذج الملكي (والمغرب واحد منها)، فإن تسمية المرشد هي المستعملة.
التعاطي الأمني مع التبليغ
وبعد التوسع المثير الذي حققته الجماعة في الأوساط المثقفة، والشعبية المغربية، أخذت السلطة السياسية تتعامل بكثير من الحزم الأمني مع رجال التبليغ، وقد استغلت الدولة المغربية أحداث الحرم سنة 1979م لتشن حملة اعتقالات واسعة النطاق لأعضاء التنظيم، كما هددت وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بضم كل مساجد الجماعة على التراب الوطني سنة 1982م، وتعرض أفراد التنظيم كذلك للاعتقالات بعد الإضرابات التي عرفها المغرب سنة 1983م.
بعد فترة من الخنق الممنهج ضد الجماعة عادت الدولة بقيادة الأجهزة الأمنية، ووزارة الأوقاف إلى التساهل معها، وتأكيدا لهذا النهج الجديد استدعت الجماعة للمشاركة إلى جانب الحركات الإسلامية (غير المعترف بها قانونيا آنذاك) في بداية التسعينيات، في أنشطة جامعات "الصحوة الإسلامية"، التي كانت تقوم بها الدولة، تحت رعاية الملك الراحل الحسن الثاني، وتجمع فيها العلماء ورجال الحركات الإسلامية بالعالم.
ورغم الحرية الواسعة التي تزعم الدولة والجماعة معا أنها ممنوحة للتبليغ، فإن واقع الحال يؤكد أن التعاطي الأمني مع فرع المغرب ظل ثابتا إلى اليوم، وقد عاينت شخصيا بعض تضييق رجال الدرك الملكي (شرطة بالقرى المغربية) على رجال التبليغ، كما أن بعض رجال السلطة بالعالم القروي يشيعون أن أفراد التنظيم مسيحيون؛ لتنفير السكان البسطاء منهم.
ومما يؤكد التعاطي الأمني مع التنظيم بالمغرب إرغام السلطة للجماعة -إلى اليوم- على الاطلاع على لائحة زوار مسجد النور بالدار البيضاء، وكذا تقديم دفتر التسجيلات الخاص بذلك لممثل الشرطة.
تحسن العلاقة بالدولة
وبعد الأحداث الإرهابية، التي شهدتها مدينة الدار البيضاء في 16 مايو 2003، تعرضت الحركات الإسلامية، وفيها جماعة التبليغ، لهجمة أمنية وإعلامية شديدة؛ مما عطل إلى حد كبير عمل رجال التبليغ حوالي ثلاث سنوات؛ إذ لم يستطع التنظيم -حسب رواية بعض أعضائه- العودة إلى العمل التلقائي، إلا في سنة 2005م؛ حيث رجعت الجماعة إلى العمل العادي.
ويمكن التأكيد اليوم أن علاقة التبليغ بالدولة قد تحسنت؛ حيث حضر كل من عبد الله أجديرة، رئيس المجلس العلمي للرباط (والمجلس العلمي من المؤسسات الدينية العليا بالمغرب)، ووالي عاصمة المملكة المغربية (وهو ممثل لأعلى سلطة أمنية بالعاصمة الرباط)، كممثلين للسلطة المغربية مراسيم تدشين مقر الجماعة الجديد بالرباط أوائل سنة 2009م، كما حضر بعض رجال التنظيم الدروس الحسنية التي ألقيت أمام الملك محمد السادس بصفته أميرا للمؤمنين خلال شهر رمضان لهذه السنة.
وهكذا استطاعت جماعة الدعوة والتبليغ المغربية، منذ تأسيسها، أن تنشط الحركية الدينية في المجتمع المغربي، وتربى في صفوفها زعماء الحركة الإسلامية، بما في ذلك قيادات تنظيم الشبيبة الإسلامية الذي تعتبره جل الكتابات المؤرخة للحركة الإسلامية المغربية أول حركة إسلامية مغربية، والتي تأسست عمليا سنة 1972م.

منقول عن إسلام اون لاين نت