انحصرت البدائل التى يطرحها بعض بني ملتنا للخروج من ظاهرة صدام الحضارات إلى التعايش بينها أو فى كنف الأقوى منها فى رؤيتين أساسيتين:
الأولى: تبني إسلام عصراني متوافق مع العصر يؤمن بقدسية المقاصد الكلية للدين وتاريخية وسائل التدين ليفتح المجال أمام تبديل تلك الوسائل على نحو يجعل من الإسلام »موضات وموديلات«!، فهنالك إسلام كان يرى فى العام 1968 حرمة ولاية الكافر وأن المسلمين محرمٌ عليهم أن يتولى أمرهم غيرهم وإسلام آخر فتح الباب على مصراعيه عام 1998 لتولي الكافرين لزمام أمر المسلمين فى هذه البلاد، ففكرة المقاصد وقدسيتها والوسائل وتاريخيتها هى اسم »الدلع« لتحريف الدين الذى وقع لليهودية والنصرانية من قبل، والذين يطرحون هذا الطرح مع تفاوت بينهم فى طرد القاعدة وإعمالها على جميع وسائل التدين وتفريقٍ بين العبادات والمعاملات على قاعدة لا تنضبط إلا أنهم يفتحون باباً خطيراً »للتملص« من شعائر الدين على قاعدة التشهي!، فمن القائلين بهذه القاعدة من يقول إن الحدود لغاياتها وليست لآياتها ليُسقطوا بذلك وجوب الالتزام بها وإن الهدف من الحدود إذا تحقق بغيرها سقطت لتبقى المطالبة بتحكيم الشريعة دعوى »سطحية وفارغة«!، وقال بعضهم إن المقصد من الصوم التقوى، والمقصد من الصلاة النهي عن الفحشاء والمنكر، فإذا تحقق للإنسان هذا تسقط تلك الأحكام وصولاً إلى ما انتهى إليه الهالك محمود محمد طه من الزعم بأن عبادة الله الهدف منها تحقق اليقين فإذا تحقق سقطت عن الإنسان جميع التكاليف مستدلاً بقوله تعالى »واعبد ربك حتى يأتيك اليقين« علماً بأن اليقين فى الآية هو الموت كقوله تعالى »ما سلككم فى سقر❊ قالوا لم نكُ من المصلين ولم نكُ نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين« يعني الموت. والمدرسة هذه تفريغٌ للإسلام كله من شعائره وأحكامه ولكن بدعوى تحقيق مقاصده، والمدرسة هذه تقدِّم نفسها للغرب باعتبارها الإسلام المعتدل المستنير وأنها المخرج من حالة الصراع التى أعقبت تفجيرات الحادى عشر من سبتمبر.
الثانية: المدرسة العلمانية المتطرفة ــ والعلمانية كلها تطرف ــ وهي تتبنى أن حل الأزمة العالمية والإقليمية والمحلية السياسية منها والاجتماعية والأمنية والاقتصادية فى إبعاد الدين تماماً عن الشأن العام وأن يبقى الدين شأناً خاصاً يؤديه الإنسان فى مسجده وكنيسته وديره أو يبقى الإنسان بلا دين فهذا وشأنه، وأن الصلاة والصوم والحج والصلوات والترانيم إذا لم تصبح معياراً للتمييز بين الناس فلا بأس بها ولا مانع منها، والعلمانية هذه التي تدعو لفصل الدين عن الحياة بحاجة إلى تعريف الحياة وتعريف الدين نفسه، والعبارات التى يهرف بها العلمانيون مع قليل من التحقيق يتبين لكل صاحب فطرة أنها فكرة غبية ساذجة شرمة، إذ تتدخل العلمانية فى حرية الشخص وهو يقود سيارته، فتسن القوانين لمعاقبة من لا يربط الحزام وهو يقود السيارة، فهي تدخل لحمايته من الهلاك فى الدنيا ثم تمنع الدين من التدخل لحمايته من الهلاك فى الدنيا والآخرة معاً!، فأي التصوُّرين أعمق فهماً وأبعد نظراً؟!. والعلمانية بدعوتها للفصل بين الحياة والدين ترى أنها البديل الأفضل للتعايش بين أهل الأديان قد كتبت من قبل عن سذاجة هذه الفكرة واحب ان اعرف : هل قبِل الغرب عبْر مؤسساته البحثية وتقاريره الدورية بالمدرستين كمدخل للتعايش مع المسلمين أم أن الغرب مضى فى تطرُّفه فى محاربة الإسلام بطريقة جعلته يَعُدُّ المدرستين إرهابيتين أيضاً إذ الإرهاب عنده أن تسمِّي نفسك مسلماً وإن كنت تحارب الإسلام وتنخره من الداخل.
باحث بريطاني مخبول قريب من مخابراتها وأجهزة تنفيذ القانون وجهود مكافحة الإرهاب ومعه عشيقته الدميمة التى ما ظهرت على فضائية إلا وتم تعريفها بالخبيرة فى شؤون الإرهاب يُصدِران دراسة عن مؤشرات الإرهاب والصفات التى يمكن أن نعرف بها الإرهابي وقد تم تلخيصها فى خمس:
1/ المحافظة على الصلوات الخمس فى المسجد لا سيما تلك الصلاة التطوعية منها وما يكون منها ليلاً على وجه الخصوص!!.
2/ المحافظة على صيام شهر رمضان كاملاً وترك كل المكيِّفات فى نهاره والانتظام فى التراويح طيلة الشهر!!.
3/ شد الرحال إلى مكة للطواف حول أحجار الكعبة هنالك وتقديسها والوقوف على قبور الإرهابيين من الصحابة.
4/ التظاهر.. الاحتجاج.. الرفض لحرية التعبير وهي تتناول ما يظنه مقدساً من كتاب أو رسول بالنقد والتجريح!!، مجرد الاحتجاج إرهاب! مجرد التظاهر!، عزيزى القارئ الكريم ليبقى من يوزِّع الملصقات لنصرة الرسول، ومن يحمل المتفجرات سيان!، وكذا من يكتفي بالهتافات، ومن يقذف الدانات، فالجميع فى نظر الباحثين المخبولين إرهابيون.
5/رفض المثلية الجنسية: كل من يقول إن الذكورة والأنوثة بأصل الخلقة وإن الله هو الذى خلق الذكر والأنثى فهو إرهابي!، ذلك لأن الذكورة والأنوثة اختيارية وليست خلقية فالإنسان هو الذي يختار أن يكون ذكراً أو أنثى!!

أيها العلمانيون والمقاصديون على حد سواء هذا هو الغرب الذي تبحثون عن صيغة للتعايش معه رغم كل ما قدمونه من مرونة تحولت إلى سيولة ثم غازية!، ما زال الغرب يعدكم إرهابيين فماذا أنتم قائلون؟