«القتل والتّباكي»

عمّار عبيدي

« لم يحدث حتى في إسرائيل» هكذا علّق المتابعون في تونس على مقتل الشابيّن السلفيين (محمد بختي ومحمد القلي) جراء اضراب «جوع قاس» - دون ماء ولا طعام لأكثر من خمسين يوما- وهما لم يحتجّا كما يقول محاميهما أنور أولاد علي على سجنهما ظلما بل يحتجّان على تأخّر محاكمتهما أشهرا في عهد حكومة اسلامية.

المحامي خرج عن هدوئه خلال اعلان وفاة أحد القتيلين قال مخاطبا النهضة «إما أن تعبدوا الله أو تعبدوا أمريكا» وهكذا أيضا خاطبهم حتى غلاة اليسار الذي انتفضوا لموت سلفيين ! قد يبدوا الأمر غريبا لكن هذه عجائب ما بعد الثورة في تونس على حد تعبير روّاد الشبكات الاجتماعية الذين ألهتهم مصيبتهم في تونس ما بعد الثورة عن غزّة التي تنزف هي الأخرى.

ربّما باب المقارنة بين أسرى الاحتلال الفلسطيني وأسرى حزب النهضة كان قريبا لأذهان كل روّاد الشبكات الاجتماعية خاصة الفايسبوك حيث تزامن وفاة الشابين مع أحداث العدوان على غزّة، واستحضر رواد هذه الشبكات اطلاق سراح العديد من الأسرى الفلسطينيين بعد اضراب الجوع الذي خاضوه بينما ترك حزب حركة النهضة شابيّن دون علاج ودون تفقّدهم لمدّة طويلة مما استوجب نقلهم لغرف الانعاش لكن كان الوقت متأخرا وقتها على انقاذ ما أخذه الظلم على حد تعبير كل المقربين من الضحيّتين.

هو إجماع نادر بعد الثورة بين كل مكونات المجتمع التونسي على إدانة هذه المعاملة السيّئة للسجناء من طرف وزارة العدل بل ذهب كثيرون إلى ضرورة استقالة وزير العدل نور الدين البحيري متعلّلين بأن الدول الديمقراطية يستقيل فيها الوزراء عند وقوع مثل هذه الأحداث في السجون.

»التباكي «

في ظل غياب التغطية الإعلامية العادية العادلة لمثل هذه الأحداث المؤسفة حاول المحتجون على مقتل الشابين السلفيين نقل المعركة إلى الفضاء الافتراضي عبر الفايسبوك أساسا، لكنّهم لم يفلتوا من ملاحقة ما أصبح معروفا لدى الشباب التونسي بمليشيات «الحزب الحاكم» في الشبكة الاجتماعية، حيث يعمد كل واحد من أنصار حزب حركة النهضة حسب مصادر عديدة إلى فتح حسابات عديدة بأسماء مختلفة ويهاجم كل التعليقات والمنشورات التي لا تخدم مصلحة حزبهم على الفايسبوك وهو نفس الشيء الذي عمدوا إليه في وفاة الشابين السلفيين.

أنصار النهضة حسب الصحفي بقناة سكاي نيوز بسام بونني أصبحوا «جماعة تكفير لـإضراب الجوع» لكن الصحفي يذكرهم «بإضراب قيادات حزبهم في لندن خاصة رئيسه راشد الغنّوشي على مدى سنوات» كما ذكّرهم بـ«عملية الأمعاء الخاوية في السجون الإسرائيلية والتي كان المضربون مستعدون فيها للموت ! »بل حاول المدافعون عن حقوق الانسان في تونس فضح ممارسات حزب النهضة وأنصاره متهمين إياهم بإغراق الشبكات الاجتماعية بتعليقات ومنشورات تتباكى على غزّة لإخفاء معالم جريمة أشنع اقترفوها هم في حق بني جلدتهم التونسيين المسلمين، وينتقد عديد من روّاد الشبكات الاجتماعية والصحفيين ممارسات أنصار النهضة في الشبكات الاجتماعية ومحاولاتهم المستمرة لطمس التحركات الاحتجاجية الافتراضية اعتمادا على أسماء وحسابات فايسبوك مزيّفة.

ومن الأسلحة الجديدة التي اعتمدتها النهضة مؤخرا هي سلاح السلفية العلمية ممثلة اساسا في الشيخ البشير بن حسين الذي أوحى إلى أنصار النهضة بأن إضراب الجوع حرام ولا يجوز زيادة على تصدّره المعركة ضد السلفية الجهادية حتى أن الرئيس التونسي المنصف المرزوقي فتح له أبواب قصر قرطاج ليُسَفّه منهج الجهاديين لكن الذين يعرفون جيّدا الشباب التونسي يدركون أن مثل هذا الرجل ليس بإمكانه إلا إقناع بعض تابعيه فقط خاصة وأنّه سبق أن حرّم الخروج على بن علي لكن كلّ تونس خرجت على الطاغية.

عموما يجمع المتابعون للوضع التونسي على أن حركة النهضة التونسية تعيش عزلة شعبية ومن النخبة والتيارات الإسلامية وغيرها، خاصة بعد فشلها في حل أمهات القضايا منذ أخذها بزمام الأمور إلى اليوم وهو ما ينذر بتحولات عميقة في الانتخابات القادمة أو ربّما حتى قبل الانتخابات...

* 26 نوفمبر 2012