تقوم طرق و أساليب الفلول أساسا بالتعامل مع التغيير فى مصر على عدة محاور .
المحور الأول .

اعطاء توصيفات و صبغات أخرى للتغيير الذى حدث فى مصر .


احدى أهم الطرق التى يركز عليها الفلول و مريدى اعادة انتاج النظام السابق و قطع الطريق أمام الديمقراطية و التحول الديمقراطى فى مصر هى وضع التغيير السياسى الذى حدث فىمصر فى اطار أنها خيانة تعرض لها النظام المخلوع , فتارة يتم الادعاء انها خيانة لنظام الرئيس المخلوع مبارك من جانب الداخلية - و استندوا إلى انسحاب قوات الشرطة فى بشكل متزامن فى يوم جمعة الغضب فى 28 يناير 2011 .
و تارة يدعون أنها خيانة تعرض لها نظام الرئيس المخلوع مبارك من الولايات المتحدة الأمريكية – مستندين إلى مطالبة الرئيس أوباما لمبارك بالتنحى وقت المطالبة بالتغيير و اسقاط النظام و قبل تنحى مبارك .
و تارة يدعى الفلول أنها مؤامرة إيرانية على مصر لاسقاط نظام مبارك , كما حدث بشكل واضح من الاعلام الرسمى للرئيس المخلوع عندما أعلن فى بداية المطالبات بالتغيير و الاصلاح السياسى أن المتواجدين فى التحرير هم أشخاص ذوى ملامح إيرانية – بحسب تعبير الاعلام المصرى تماما- .

ملحوظة علمية هامة .

و طبقا للمقولة الشهيرة المنتشرة عندنا فى مصر – الشئ بالشئ يذكر – فبشأن المصطلح الذى استعمله التليفزيون الرسمى المصرى من استعماله كلمة أشخاص ذوى ملامح ايرانية , فمن الناحية العلمية فإن الملامح و الصفات الشكلية المشتركة عند البشر كقاعدة عامة إنما هى تخضع للتقسيمات و التصنيفات العرقية و ليست التقسيمات السياسية بالطبع , فعلى سبيل المثال فيمكن من الناحية العلمية و العملية معرفية المجموعة العرقية التى ينتمى إليها بعض الأفراد من خلال صفاتهم الشكلية , فمن الممكن مثلا معرفة أنتماء شخص إلى الجنس القوقازى مثلا من خلال ملامحه الشكلية أو انتمائه إلى الجنس الزنجى مثلا , و لكن من المستحيل تحديد انتماء الشخص لدولة محددة من خلال ملامحه الشخصية , فعلى سبيل المثال , يمكن من شكل الشخص تحديد أنه من المنتمين إلى دول فى أواسط أفريقيا أو جنوبها , و إنما من المستحيل تحديد أنه من غانا أو نيجيريا أو نيجريا أو توجو – من خلال الملامح الشكلية فقط – و كذلك الحال بالنسبة للآسيويين مثلا , فيمكن معرفة انتماء الشخص عرقيا لدولة من دول شرق آسيا مثلا , فيمكن من خلال بعض الصفات الشكلية معرفة انتماء الشخص لمنطقة مثل شرق آسيا و لكن من المستحيل أن نحدد أنه من اقليم معين فى الصين مثلا , أو حتى أنه من الصين تحديدا أو من دولة قريبة منها كتايوان أو الهند أو غيرها من الدول القريبة للصين على الرغم من أن مساحة الصين شاسعة و تبلغ مساحة أضعاف مساحة دول تعد من الدول الكبيرة فى المساحة فى العالم .
الخلاصة أن تحديد انتماء الشخص لدولة ما هو من ناحية الملامح الشكلية هو مستحيل من الناحية العلمية و العملية , لأن الملامح الشكلية و الصفات الشكلية تخضع للعرقيات و الأجناس و ليس التقسيمات و الحدود السياسية .
نضيف إلى ما قلناه نقطة أخرى و هى أن مسألة تحديد انتماء اشخاص لدول معينة تكون أكثر صعوبة عند بعض الدول و منها أن تكون الدولة محاطة بدول مجاورة لها بمساحات كثيرة من اليابسة – أى أنها ليست جزيرة و ليست شبه جزيرة - , كذلك فأن الدول التى كان لها تاريخا من الصراعات و التوسعات الاقليمية خلال تاريخها , أى أن مساحة الدولة اختلفت تاريخيا توسعا و انكماشا يزيد صعوبة تحديد ملامح مميزة لسكان اقليم الدولة , لأنه قد حدث تناسل عرقى بين سكانها و بين سكان أقاليم مجاورة لها , و كل الشروط السابق الإشارة إليها تنطبقعلى إيران مما يؤدى إلى زيادة استحالة معرفة الافراد المنتمين عرقيا لإيران .
و بالتالى فإن المصطلح الذى استعمله الاعلام الرسمى المصرى فى عهد النظام السابق قبل خلعه فى حديثه عن المطالبين بالتغيير عِبارة أشخاص ذوى ملامح إيرنية , إنما هو دليل علىمدى سيطرة الجهل على المفاصل الأساسية و المهمة فى الدول و من أهمها التليفزيون الرسمى و الاعلام بشكل عام فى عهد الرئيس المخلوع مبارك .




ايجاد حالة من التيئيس و بث الاحباط .


المحور الثانى .


ايجاد حالة من التيئيس و بث الاحباط .


من أهم وسائل الفلول فى محاربة كل محاولات التطوير و ارساء قواعد الدولة الحديثة فىمصر هو التركيز بقوة لبث شعور عام لدى المواطنين بان الثورة لم تحقق شيئا جيدا اطلاقا , و أن الثورة قد تم سرقتها و السيطرة عليها ( مع ملاحظة أن المرشح الرئاسى الرسمى للنظام السابق و الفلول قد تكلم فى مسألة أنه سوف يعيد الثورة لأصحابها فى اشارة إلى أنه قد تم سرقتها و السيطرة عليها ) فوحدة الأسلوب فى التفكير و العبارة التى يتكلم بها كل من مرشحالفلول مع ما يُروج له بقوة من خلال الفلول لهو قرينة على وحدة المصدر و هو – أى مرشحالفلول – قد كشف و بشكل لاشعورى عن مصدر الترويج لفكرة أن الثورة قد سُرقت , إذ أن المصدر بلاشك هم الفلول و من يريدون إعادة انتاج النظام السابق , فبث الاحباط و اليأس منالثورة يصب قطعا فى مصلحة النظام المخلوع , أى أنهم يقومون بالقيام بما اصطلح عليه باسم الثورة المضادة .
و بالمناسبة فإن الثورة المضادة لم تحدث فقط فى مصر , فالثورات التى تقوم فى الدول غالبا ما يصاحبها و يتبعها موجات متتالية من ردود أفعال من النظام الذى تم خلعه أو اسقاطه , و من أكثر الثورات التى برز فيها دور الثورة المضادة هى الثورة الفرنسية و وجود الثورةالمضادة هو ما جعل الثورة الفرنسية تستغرق وقتا طويلا حتى وصلت لحالة من الاستقرار , بعد سلسلة من الاضطرابات الشديدة و التى كان للنظام المخلوع دور كبير فى عدم الاستقرار و الاضطرابات , مثلما حدث فى مصر بعد خلع مبارك .

المحور الثالث .

التركيز على فكرة المؤامرات و الخيانة .

من الوسائل التى تُستعمل بقوة لضرب المحاولات الديمقراطية و القضاء على محاولات التغييرالديمقراطى فى مصر استعمال لغة وجود خيانة و مؤامرات .
فمن بدايات المطالبة بالتغيير و بدأت مرحلة التفسير التآمرى , والحديث عن أن ما حدث هو عبارة عن خيانة من الداخلية تارة , ثم الحديث عن مؤامرة ايرانية كما سبق الاشارة إليه , ثم الحديث عن مؤامرة بمساعدة أمريكية , ثم الحديث عن أنها مؤامرة من البرادعى مع الدول الخارجية , ثم الحديث عن مؤامرة و لكن من نوعية أخرى إذ أنها عبارة عن جزء من مخطط كبير لتقسيم مصر .
عموما فإن فكرة التركيز على وجود مؤامرات سواء خارجية أو داخلية فهى بشكل عام من المفردات الشائعة جدا فى الأنظمة الشمولية , فلا توجد اشكالية كبيرة فى فهم مسألة التفسير التآمرى للمطالبات بالتحول الديمقراطى فى مصر .
ففكرة المؤامرة نفسها و التفسير التآمرى للأحداث هى مسألة شائعة فى الأنظمة الشمولية و هى موروث موجود فى مصر فى لغة السياسية بشكل عام و ترجع لأسباب تعرضنا لها بشئ من التفصيل فى كتاب الثورة المصرية من منظور سياسى و سوسيولوجى و اقتصادى .
و لكن توجد العديد من النقاط المهمة و التى تحتاج إلى تمحيص , ألا و هى اختيار الجهة التى تنسب المؤامرة لها , لأن الاختيار له دلالة مهمة فى توقع مصدر الترويج , إذ أن اختيار الطرف المتآمر إنما هو يحدد الايديولوجية وراء السبب فى نسب المؤامرة لجهة بعينها .
فمن حيث المبدأ فمسألة الحديث عن وجود مؤامرة إيرانية تبدو بالفعل مسألة واضحة لا لبس فيها .
إذ أن هناء حالة من الباعد السياسى الشديد بين مصر و إيران للعديد من الأسباب و التى تخرج عن إطار كتابنا و إن كان أبرزها موقف إيران من مقتل الرئيس السادات , قد ظلت العلاقات الرسمية المصرية الإيرانية فى حالة من الاختلاف و الخلاف السياسى الشديد فاختيار إيران بالقطع اختيار من جهة رسمية و غالبا للحديث عنا باعتبارها هى الداعم للمطالبات بالتحول الديمقراطى و التى روج لها النظام المخلوع باعتبار أنها مؤامرة ضد مصرفاختيار الجهات الرسمية لإيران هو أمر لا يصعب تفهمه بأى حال .
و لكن المسألة تحتاج لتمحيص جيد فى سبب الترويج للقول بأن المطالبات بالتغيير الديمقراطى إنما هى مؤامرة بدعم أمريكى , فالمسألة بالطبع مختلفة و هى بحاجة لفهم أكثر , إذ أن مبارك معروف عنه بقوة أنه كان حليفا لأمريكا و أنه كان رجلا مهما لأمريكا , بل و لدولة و حكومة اسرائيل كما دلّ بوضوح سلوك و مواقف الكثير من المسئولين فى حكومة اسرائيل , بل كما صرح الكثير من المسئولين فى حكومة اسرائيل بنفسهم خاصة فى إبان المطالبات بخلع مبارك و ما بعدها .
فمسألة الادعاء و الترويج للثورة أنها مؤامرة أمريكية هى مسألة تبدو لحد كبير أنها بعيدة عن كون مصدرها هو احدى الجهات الرسمية , إذ أنه معروفا فى الداخل و الخارج أن مبارك هو مِن أهم رجال أمريكا فى فى المنطقة , و كذلك معروف فى داخل أمريكا نفسها كما هو معروف فى مصر عن مدى تداخل و تشابك العلاقات و المصالح بين إدارة أمريكا و بين مبارك و نظامه , كما تعرضنا له بتفصيل أكثر فى كتاب الثورة المصرية من منظور سياسى و سوسيولوجى و اقتصادى .
و بالتالى فإن ربط المطالبات بالتحول الديمقراطى بأنها مؤامرة أمريكية على مصر يتضح بجلاء كبير أنها عقلية يسارية الايديولوجية .
أى أن هناك تقارباً أو نقاط تلاقى بين فلول النظام المخلوع و بعض التيارات الأيديولوجية تشترك فى عرقلة التحول الديمقراطى فى مصر .
و المنطق يقول أن الرابط المشترك المباشر بينهم فى مسألة عرقلة التحول الديمقراطى فىمصر مصدرها بالطبع هو العداء لجماعة الإخوان المسلمين , أى أن الممارسة الديمقراطية فىمصر على أرض الواقع عندما وضعت المصريين على المحك مابين الاختيار بين نظام تم خلعه و بين مرشح حزب الحرية و العدالة و الذى هو منتميا لجماعة الإخوان المسلمين جعل اليسار – أو لنقل معظمه ينتحى ناحية النظام السابق ليقطع الطريق أمام جماعة الإخوين المسلمين لأن يكون الرئيس من بينها .



المحور الرابع .

اظهار أن نظام مبارك كان هو الأنسب و أن البلد ( باظت بالعامية الدارجة ) بعد خلع مبارك .

من أكثر الوسائل التى يرتكن عليها الفلول فى محاربة التغيير و التحول الديمقراطى فى مصرهو الترويج بقوة أن مبارك كان هو القادر على التعامل الادارة و مع الحكم فى مصر .
و طبيعى أن افتعال الأزمات سواء الأمنية أو أزمات الوقود الخاص بالسيارات كالبنزين و السولار , و نشر البلطجية فى الشوارع كلها بالفعل أفعال تؤدى إلى نتائج تخدم الفلول و تخدم النظام المخلوع و تصب بقوة فى صالح الفلول , بل إن الفائدة تكون من أكثر من ناحية .
فمن ناحية فإن افتعال الأزمات الأمنية و السماح للبلطجية لتهديد الناس يؤدى إلى وجود حالة من عدم الارتياح و لغضب عند الناس فى الشارع و بالتالى فهو يجعل الناس مُهيئون بشكل أكثر لسماع عبارة تحمل على معنى و مفهوم أن النظام المخلوع كان ناجحا فى بسط الأمن و الأمان فى الشارع .
من ناحية ثانية أن الانفلات الأمنى و و جود الأزمات المتعلقة بالبنزين و السولار بشكل متكرر يؤدى بلا شك إلى حالة من الضجر و الغضب ضد الثورة , و بشكل خاص عند الربط المباشر بين الأزمات و بين الثورة و هو ما كان يتم بشكل مباشر من خلال بعض الأجهزة الرسمية عند رجل الشارع و بشكل غير مباشر من خلال الاعلام .
من ناحية أخرى فإن بث حالة الفوضى غير العادية , بلا شك يجعل مسألة الأمن من أولى الأولويات عند المواطنين , و الحق فى وجود أمن هو شئ منطقى و حق من الحقوق الأساسية للمواطنين , بل هو من الحقوق الأساسية و بالتالى يكون الحديث يكون الحديث عن مسألة الأمن و إعادة الامن و استخدامها هى ورقة رابحة تماما من جانب فلول النظام السابق تسهل لهم تمرير مرشحهم للرئاسة باظهاره الوحيد القادر على اعادة الأمن , أى أن عدم و جود برنامج سياسى– بالمفاهيم السياسية و الاقتصادية العلمية السليمة – لمرشح النظام السابق للاسباب التى تعرضنا لها فى نفس الكتاب فى موضع آخر , جعل داعمى مرشح النظام السابق يستعملون ورقة الأمن و ضرورة وجود الأمن , و الذى هو حق من أهم و أبسط حقوق المواطنين هو البرنامج السياسى الرئيسى لمرشح الرئاسة .
و عموما فإن مسألة الأمن و التعويل عليها بقوة كانت من أهم أسباب التصويت من جانب الكثيرين لمرشح الفلول , و خصوصا أن معظم المواطنين فى مصركما ذكرنا فى موضع مختلف من نفس الكتاب هم من الناحية الوجدانية و النفسية على درجة عالية من الاستعداد لتقبل أن مسألة وجود أمن فى مصر و إدارة مصر بشكل عام لا يمكن أن يقوم بها و لن يقوم بها إلا شخصا عسكريا.
الكاتب السياسى
أحمد غانم