يمر جسم الإنسان في حياته الدنيا بأطوار مختلفة من أطوار الخلق فهو يخرج من بطن أمه طفلاً... لا يعلم شيئاً من أمر الدنيا... ثم ينمو جسمه شيئاً فشيئاً وتبدأ حواسه في العمل... فذلك قول الله عز وجل )والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون ([النحل: 78].ثم يكبر الجسم ويصير الإنسان شاباً قوياً، ثم يصير كهلاً... ويمضي به الزمن ـ إن طال به العمر ـ إلى آخر طور من أطوار خلق جسم الإنسان في الدنيا، وهو طور الشيخوخة...
وفي طور الشيخوخة يضعف الجسم شيئاً فشيئاً وتهاجمه الأمراض البدنية المختلفة في كل مكان... فيضعف من بعد قوة... وإذا امتدت الشيخوخة... وصل الجسم إلى مرحلة الشيخوخة المتأخرة التي هي أشد وطأة على الجسم والنفس معاً.. وأكثر ألماً وضعفاً وأكثر عجزاً... ذلك إن عوامل الهرم في الجسم تصير أكثر من عوامل البناء ويصاحب ذلك تغيرات بيولوجية في خلايا الجسم تقلل من كفاءتها كثيراً.. لذلك ما أن تدب الشيخوخة في الجسم حتى يصاحبها الشعور بالضعف ويتحول الجسم إلى مرعى خصيب لكثير من العلل والأمراض التي ربما تطول إقامتها فيه وقد لا تبرحه قط فالجسم في الطفولة يكون ضعيفاً، لذلك يعتمد الإنسان في طور الطفولة على غيره في القيام بشؤونه... ثم هو يكبر ويصير شاباً قوياً يساعد الآخرين... ثم كهلاً فيه بقية من قوة تساعده على القيام بشؤونه كلها وشؤون غيره أيضاً.. أما بعد ذلك فيدخل في طور الشيخوخة... وهي مرحلة الضعف التدريجي الذي يضطر الإنسان لها إلى الاعتماد على مساعدة غيره في القيام بشؤون نفسه.. ويصير مرة أخرى ضعيفاً كما كان في طور الطفولة فالإنسان يخرج من بطن أمه لا يعلم شيئاً.. وعندما يدخل في طور الشيخوخة المتأخرة يدخل في طور من الخلق لا يعلم فيه شيئاً كما قال الله عز وجل )يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئاً ([الحج: 5]. إنها دورة الحياة وأطوارها التي يمر بها جسم الإنسان إذا امتد به العمر... ضعف ثم قوة ثم ضعف وشيبة... وهذا يذكرنا بقول الله عز وجل في سورة الروم / 54:)الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعفٍ قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير (..ذكر حقيقة اختلاف أطوار خلق جسم الإنسان... ليستدل بها القارىء علىالخلق.ة الإلهية وعلى علم الله وقدرته ذلك مقصد الآية بالقول: )يخلق ما يشاء وهو العليم القدير (.
ولماذا قدم المشيئة على العلم وقدم العلم على القدرة؟ لأن المشيئة سابقة على الخلق ... وعلم الله عز وجل أظهر لنا من القدرة.. لأن علم الله تعالى حاصل وظاهر في كل طور من أطوار الخلق... وفي هذا تبشير وإنذاراً له... فالله تعالى ينبه إلى أنه عالم بالإنسان في كل أحواله.. وهو قادر بعد ذلك على الثواب والعقاب، لذلك ذكر العلم بأطوار خلق الإنسان قبل ذكر القدرة عليه فقال تعالى: )الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل بعد قوة ضعفاً وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير (لأن المشيئة أزلية... ثم إن القدرة في الخلق مؤسسة على العلم.
وذكرت الحقيقة العلمية عن أطوار الشيخوخة )ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئاً (بنفس الكلمات والحروف في سورتي النحل والحج / 5 ... وإذا كان هناك تكرار في الكلمات فليس هناك تكرار في المعنى... وهذه قاعدة عامة في القرآن العظيم كله نزلت أولاً في مكة المكرمة في سورة النحل / 70 في قوله تعالى: )والله خلقكم ثم يتوفاكم ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئاً إن الله عليم قدير (إنها حقائق علمية ثابتة ساقها دليلاً واضحاً على علم الله في خلقه وقدرته في ملكوته.
وبعد ذلك ذكر هذه الحقيقة العلمية، لتكون دليلاً على حقيقة أخرى غيبية، هي حقيقة البعث بعد الموت، وذلك في سورة الحج، وهي سورة مدنية، ونزلت بعد سورة النور، قال الله عز وجل )يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث (ولماذا لم يوجه الحديث للمؤمنين؟ )يا أيها الذين آمنوا (ذلك لأن الذين آمنوا ليسوا في ريب من البعث. قال الله عز وجل: )يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلاً ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئاً (ذكرت سورتا النحل والحج أطوار خلق الإنسان فبعد الإجمال في سورة النحل نزل التفصيل في سورة الحج وأورد حقيقة )ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئاً (في سياق الحديث عن الاستدلال بحقائق غيبية متعددة وليست متكررة فليس هناك تكرار في القرآن بمعنى التكرار... تكرار في اللفظ وليس تكرار في النفس إلا إذا أراد به التأكيد مثل فبأي آلاء ربكما تكذبان وأرذل العمر مرحلة لا يتمناها أحد لنفسه أبداً لذلك علمتنا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستعيذ من الله منها فقد روى البخاري: أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو ربه فيقول: ( اللهم إني أعوذ بك من الجبن وأعوذ بك من أن أرد إلى أرذل العمر وأعوذ بك من فتنة الدنيا وأعوذ بك من عذاب القبر... والرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أن الله تعالى عصمة من كل ذلك ولكنه كان يناجي ربه أمام الناس في أمور يريد بها تعليماً للناس وإرشاداً لهم كيف يدعون ربهم لأن الله عز وجل بعثه هادياً للأمة ومعلماً لها وإلى يوم القيامة...
الشيخوخة من سنن الله الكونية
إن الذي ينظر إلى سنن الله الكونية يجد أن الشيخوخة طور زمني حتمي، في دورة حياة كل مخلوق، أو دورة خلق كل موجود، فالشيخوخة من فطرة الخالق في هذا الكون، من أول الخلية الحية التي لا ترى إلا بالمجهر إلى خلق المجرة الهائلة في الفضاء الكوني...، كل شيء في الكون يبدأ خلقه بطور الطفولية وينتهي إلى طور الشيخوخة... نجد ذلك في الإنسان والنبات والحيوان والطير وحتى الجماد كالجبال والمحيطات... وحتى الكواكب والنجوم، وتبدأ كل خلية في الجسم في طور شبابها ثم بعد ذلك تظهر عليها أعراض الشيخوخة ومع أن زمن الخلية البيولوجي ـ وهو ما يسمى بالعمر الافتراضي ـ موجود بها منذ خلقها إلا أن عوامل البيئة المحيطة بها قد تؤثر عليها، فكل خلية بالجسم تعيش في توازن فسيولوجي في منتهى الدقة ويصيب الخلل هذا التوازن الفسيولوجي مع تقدم العمر وذلك بسبب تغيرات بالبيئة الداخلية المحيطة بالخلية مما يعجّل بحلول الشيخوخة فيها ومهما يكن من أمر فإن الشيخوخة طور حتمي من أطوار حياة الجسم لا يمكن منعه فالزمن يسوق الجسم إلى الشيخوخة سوقاً ويدفعه إليها دفعاً وتجري الحياة والموت جنباً إلى جنب في جسم الإنسان: ملايين الخلايا تموت كل ثانية من الثواني وملايين أخرى من الخلايا تحيا... ففي جسم الإنسان منايا وحياة.. حتى إذا جاءت الشيخوخة زادت عمليات الموت والهدم على عمليات الحياة والبناء وبذلك تحل الشيخوخة في الجسم ولا يمكن إعادة الشباب في خلايا الجسم أبداً... نجد ذلك من فيض المعاني في الحديث النبوي الذي رواه الإمام الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال:
( مثل ابن آدم وفي جنبه تسع وتسعون منية إن أخطأته المنايا وقع في الهرم حتى يموت ).
فالحياة والموت يجريان في جسم الإنسان جنباً إلى جنب... ولا بد للجسم من أن يصل إلى الشيخوخة إن أخطأته المنايا فطال به العمر.... ولن يجد الإنسان من شيخوخة الجسم مفراً ولن يجد منها مهرباً.
والإنسان يخشى الشيخوخة إذا كانت مقبلة عليه... ويخرج منها إذا حل فيها، كما قال الشاعر:
ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيب
وقال آخر:
ذهب الشباب فماله من عودة وأتى المشيب فأين منه المهرب
وما يحدث في خلايا جسم الإنسان يحدث في خلايا كل كائن حي.. فكل كائن حي يمر بأطوار الطفولة والشباب والشيخوخة... ففي عالم النبات مثلاً نجد هذه الأطوار في كل نبتة وكل شجرة، ونقرأ عن هذه الحقائق في سورة الإسراء في قول الله عز وجل.
)ألم تر أن الله أنزل من السماء ماءً فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به زرعاً مختلفاً ألوانه ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يجعله حطاماً إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب (.لما وصف الله تعالى أحوال المتقين في الجنة في الآية السابقة )لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار وعد الله لا يخلف الله الميعاد (بعد ذلك ذكر أحوال الدنيا بصفات تنفر الإنسان منها لأنها إلى زوال، والإنسان فيها مثل النبات مصيره إلى الضعف والشيخوخة.. وعقبت الآية بقوله تعالى: )إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب (أي: أن من يشاهد هذه الأطوار في خلية النبات يقارنها يما يحدث له في بدنه فإذا هي تماماً ما يحدث للنبات ومصيره إلى شيخوخة ثم إلى موت وحطام فالذين يتذكرون ذلك يزهدون في الدنيا ويرغبون في الآخرة لما فيها من نعيم وقدم الترغيب في الجنة على التنفير من أهوال الدنيا لماذا؟ لأن الترغيب في الجنة مقصود بالذات... والتنفير عن الدنيا مقصود بالعرض والمقصود بالذات مقدم على المقصود بالعرض.
فالشيخوخة تحدث في النبات كما تحدث في الإنسان والحيوان ذلك أن الشيخوخة من سنن الله الكونية... وساقها الله مثالاً في آية سورة الزمر لتكون ذكرى لأولي الألباب ونجد حقيقة الشيخوخة في النبات أيضاً مذكورة في سورة الحديد / 20 في قول الله عز وجل: )اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يكون حطاماً وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور (ساق الله تعالى حقيقة أطوار خلق النبات وأن مصيرها إلى الزوال تشبيهاً بما يحدث للإنسان الغافل عن ربه وعن الحساب وعن الآخرة.
اللعب:هو ما رغب في الدنيا واللهو ما ألهى عن الآخرة وشغل الإنسان عنها.
والزينة:هي زينة الدنيا وما يتزين به الإنسان لغير الله في الدنيا... وكل هذا مصيره إلى زوال... كما ترون في أطوار خلق النبات من شباب ثم إلى شيخوخة وحطام.
إن الدارس لأطوار الخلق التي تنتهي بالشيخوخة يوقن تماماً أن الحياة الدنيا هي بمثابة لحظة في تاريخ الإنسان الطويل وأنها دار ممر وإن الآخرة هي الحياة الحقة ودار المقر الدائم كما قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يا عبد الله كن في الدنيا كعابر سبيل )... فشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم الإنسان في الدنيا ليس كسائر في طريق... وإنما كعابر الطريق، إشارة إلى قصر الحياة الدنيا، ولا شك أن الشيخوخة تعطي الدليل على حقيقة البعث بعد الموت، نقرأ سورة الحج / 5 قول الله تعالى:
)يا أيها الناس إن كنتم فيريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم (. هذه حقيقة أولى.
)ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى (وهذه حقيقة ثانية.
)ثم نخرجكم طفلاً ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئاً (وهذه حقيقة ثالثة.
)وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج (وهذه حقيقة رابعة.
إنها أربع حقائق علمية نستدل بها على أربع حقائق غيبية:
الأولى: ذلك إن الله هو الحق.
الثانية: وأنه يحيي الموتى.
الثالثة: وأنه على كل شيء قدير.
الرابعة: وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور.
وجاء ذكر الأرض بوصفها هامدة في الآية الكريمة لأن ذلك أنسب في سياق الحديث عن خلق الإنسان منذ بدء خلقه نطفة وأنه قد يتوفى وقد يرد إلى أرذل العمر وجاء ذكر الأرض بوصفها خاشعة في سورة فصلت / 39 )ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت (لأن ذلك أنسب في سياق الحديث عن سجود الكون ومن فيه لله عز وجل، قال تعالى:
)لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون. فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون. ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير ([فصلت: 37 ـ 39].
إذن: فالحقائق العلمية إذ تذكر في القرآن الكريم إنما لتؤدي قصداً معيناً ولنستدل بها مع حقائق أخرى لا نحسها بحواسنا.. فنستشعر الحقيقة الغيبية في القلب عن طريق العقل وهذا أفضل الإيمان.... وما ذكرت الشيخوخة كحقيقة علمية في آي القرآن العظيم والحديث النبوي الشريف لمجرد الإعجاز العلمي، وإنما لنستمد منها تربية نفسية ونستدل بها على حقائق أخرى عن طريق الاستنباط والقياس.
شيخوخة جسم الإنسان
يمضي الجسم الرابع الأول من حياته في نمو وزيادة بينما يمضي الأرباع الثلاثة الأخرى في شيخوخة تدريجية ومستمرة، وليس للشيخوخة عمر محدد فبعض الأجسام تشيخ في عمر مبكر وبعض الأجسام لا تشيخ إلا بعد عمر طويل... فليست الشيخوخة معتمدة على العمر فقط وإنما على عوامل أخرى كالوراثة والبيئة والأمراض العضوية التي تصيب الجسم، كما تعتمد على صحة الشرايين..
وحتى في الشيخوخة هناك من يعاني منها كثيراً. وهناك من يعاني منها قليلاً ويظل نشطاً واسع الإدراك حاضر الذهن وقادراً على الحكم على الأمور في حكمة وبعد نظر بناء على خبرة طويلة يفتقر إليها من هو أقل منه عمراً وتحدث تغيرات بيولوجية وفسيولوجية في أعضاء الجسم في طور الشيخوخة.
فمثلاً شرايين الجسم: يحدث لها في الشيخوخة ما يسمى بتصلب الشرايين ما يؤدي إلى ضيق سعتها وبالتالي: قلة كمية الدم التي تجري فيها... وبالتالي إلى قلة توارد الدم إلى أعضاء الجسم المختلفة مما يؤدي بالتالي إلى ضعف تدريجي في الجسم عموماً وضعف بالقدرة الذهنية.
إلا أن بعض المسنين يظل نشاطهم الذهني حاداً وذكاؤهم شديداً كما في القادة والمفكرين والمخترعين والعلماء... فكثير من العلماء لم يكتشفوا اكتشافاتهم العلمية العظيمة ولم يبدعوا إلا في طور الشيخوخة... ذلك: أن صحة الجسم من صحة شرايينه فما دامت الشرايين سليمة، فمهما طال عمر الإنسان، فإنه سيظل قوياً ونشيطاً وحاضر الذهن.
وماذا عن العضلات والجلد والشعر؟ مع تقدم العمر تحدث تغيرات بيولوجية في خلايا الجسم ومن ذلك خلايا العضلات فالعضلة مكونة من خيوط عضلية كثيرة مثل حزمة من الخيط... كل خيط لا يزيد قطره عن 1.10 مللي متر.... وفي كل خيط نظام دقيق وعجيب من شأنه تقلص العضلة وارتخاؤها بقوة وسهولة... ومع تقدم العمر يضعف ذلك النظام داخل الخيوط العضلية فتتصلب العضلة ويقل حجمها وتتضاءل قوتها الأمر الذي يؤدي إلى حالة الضعف العضلي.
فالعضلات في طور الطفولة تكون ضعيفة ثم تنمو وتكبر وتقوى في الشباب ثم بعد ذلك تضعف شيئاً فشيئاً كلما دخل الجسم في طور الشيخوخة... إنها ثلاث مراحل: ضعف ثم قوة ثم عودة إلى الضعف مرة أخرى.
وكذلك شعر الجسم بتغير مع تقدم العمر... ونلاحظ ذلك بوضوح في شعر الرأس ولعوامل الوراثة دور كبير في ذلك... فالشعر في صغر السن يكون مرناً وقوياً وكثيفاً ومع تقدم العمر تقل مرونة الشعر وتضعف قوته وتقل كثافته ويزداد جفافه ويتساقط الشعر عن ذي قبل وخاصة في الرجال... ويبيض الشعر ويشيب الرأس.
نقرأ في سورة الروم / 54 قول الله عز وجل:
)الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير (.
الشيخوخة والإنجاب
مع مرور الزمن تصل المرأة إلى منتصف العمر الذي هو بين الأربعين والخمسين وفي آخر هذه المرحلة ينقطع الطمث في كثير من الحالات، وذلك بسبب عجز المبيضين عن إفراز الهرمونات ( الاستروجين والبروجستيرون ) وقد يصاحب ذلك أعراض تشعر بها المرأة مثل الإحساس بالسخونة في الجسم والضيق النفسي والتوتر العصبي ونزول العرق وهذا ما يسمى (Menopausal syndrome)وتفقد المرأة القدرة على الإنجاب... أما الرجل فلا تتوقف القدرة على الإنجاب فيه إلا بعد أن يدخل في الشيخوخة، ومثالاً على ذلك في سياق الحديث عن قصة النبي إبراهيم عليه السلام وزوجه في سورة هود / 71 ـ 72:
)وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب. قالت: يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً إن هذا لشيء عجيب (.
قال بعض المفسرين: فضحكت: أي: حاضت تحقيقاً لبشارة الملائكة لها التي أخبر الله عنها في قوله تعالى: )ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاماً قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا: لا تخف إنا أرسلنا على قوم لوط. وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب. قالت: يا ويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً إن هذا لشيء عجيب (.
وقال بعض المفسرين: فضحكت أي: ضحكت فعلاً، ضحكت تعجباً.. أو ضحكت من خوف زوجها النبي إبراهيم من ثلاثة نفر وهو في خدمة وحشمة، ولا نتفق في تفسير الآية الكريمة مع هؤلاء ولا مع هؤلاء فليس معنى ضحكت حاضت وإن كان ذلك صحيحاً لغوياً ـ كما أنه من غير المعقول أن تضحك من اضطراب زوجها وخوفه من قوم قدموا إليه زائرين فهذا لا يكون من امرأة نبي. ولكنها ضحكت فعلاً تعجباً ودهشة.. وهي عجوز عقيم لا تحيض.. وقد أحست بتحرك الجنين في بطنها... لو كان المعنى أنها حاضت تحقيقاً للبشارة، لسألت عما هو بعد الحيض وهو الحمل ولقالت: ( يا ويلتا أأحمل وأنا عجوز ) ولكنها وقد أحست بتحرك الجنين في بطنها سألت ضاحكة مندهشة عما سيكون بعد الحمل وهو الولادة... قال تعالى يحكي على لسانها: )قالت: يا ويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً إن هذا لشيء عجيب (قولها هذا إشارة إلى موجود بين وهذا بعلي شيخاً: أي: إن زوجي هذا الذي هو أمامي شيخ لا ينجب... إن هذا لشيء عجيب أي: إن حدوث الحمل هذا الذي أحس به شيء عجيب.
ولا أدري لماذا غاب عن بعض المفسرين هذا المعنى في الآية الكريمة مع وضوحه ووضوح السياق في الآية الكريمة وفي سورة الذاريات / 29 ـ 30 قال الله عز وجل: )فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم. قالوا: كذلك قال ربك إنه هو الحكيم العليم(.في صرة أي: في تأوه وتعجب... فلما شعرت بالحمل ضربت وجهها بيدها ـ على عادة النساء عند التعجب والمفاجآت وقالت: كيف ألد وأنا عجوز عقيم؟.
ولماذا لم تذكر آية سورة الذاريات قولها: )أألد وأنا عجوز عقيم (واكتفت بالقول: )فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم (.
وذلك: لأن عجبها من أمر الولادة جاء ذكره والإشارة إليه في آية سورة هود من قبل... وسورة هود نزلت قبل سورة الذاريات بزمن طويل: فترتيب نزول سورة هود 52 وترتيب سورة الذاريات 67.
ووصفت امرأة النبي نفسها بالعجوز العقيم في سورة الذاريات لأنها لم تصف نفسها من قبل بالعقيم في سورة هود... وعكس العقم: الحمل وليس الحيض.
وما حدث من إعجاز في الحمل من عقم، هو أمر من الله عز وجل الذي بيده الخلق والأمر )ألا له الخلق والأمر(... ونجد فيه الحكمة أظهر من العلم وأعجب، لذلك عقبت الآية الكريمة بالحكمة قبل العلم قال الله عز وجل: )إنه هو الحكيم العليم ()قالوا كذلك قال ربك إنه هو الحكيم العليم (قال ربك أي: أمر ربك وقضى... وإذا قال الله تعالى لشيء كن فيكون أي: أمر وقضى.... وهذا ما عقبت به أية سورة هود قال تعالى: )قالت: يا ويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً إن هذا لشيء عجيب. قالوا: أتعجبين من أمر الله؟ رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد (وقول الله في هذا المقام هو الحمل والخلق وليس الحيض... ومثل ذلك في سورة مريم قول الله عز وجل: )قالت أنّى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغياً (.
)قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمراً مقضياً (فإذا قيل: قال الله أي: أمر الله وقضى.
وماذا عن شيخوخة الجلد والشعر؟
مع تقدم العمر تحدث تغيرات بيولوجية في خلايا الجسم ومن ذلك الجلد والشعر فتقل مرونة الجلد ويضمر ويرتخي ولذلك تتغير ملامح الوجه... كما أن الشعر يجف ويتساقط ويشيب الرأس ففي سورة مريم يقول الله عز وجل يحكي عن النبي زكريا: )ذكر رحمت ربك عبده زكريا. إذ نادى ربه نداء خفياً. قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيباً ولم أكن بدعائك رب شقياً (.
ولقد أشارت الآية الكريمة إلى ضعف العظام في جسم الإنسان في طور الشيخوخة ونفهم أن تضعف العضلات وتضعف الذاكرة ويضعف الجلد... ولكن كيف يضعف العظم؟ وهو جسم صلب لا يلين إلا إذا مرض بمرض لين العظام وهو مرض غير متعلق بالشيخوخة. جاء لنا التقدم العلمي بتفسير قوله تعالى وهن العظم مني: ففي أثناء الشيخوخة يحدث ما يسمى بتخلخل العظام أو هشاشة العظام فتتناقص كتلة العظام تدريجياً... وتعمل الهرمونات الجنسية في كل من الرجل والمرأة على إنشاء الأنسجة البروتينية في العظام... فإذا أقبلت الشيخوخة قلت تلك الهرمونات... وبالتالي يقل بناء تلك الأنسجة البروتينية في العظام فيحدث تخلخل بالعظام وضعف بها ووهن... وتصير سريعة الكسر... فإذا وقع شاب على الأرض على علو نصف متر مثلاً ووقع إنسان في سن الشيخوخة فغالباً تماماً... فإن الشاب يقوم وعظامه سليمة عادة لأن أنسجتها البروتينية تقوي العظم... أما في الشيخوخة فغالباً ما يحدث كسر بالعظام أو كسور... وإذا شبهنا عظام الشباب والشيخوخة فإننا نشبهها بساق نبات الذرة مثلاً إذا كان أخضر لا ينكسر إذا ركلناه في كل الاتجاهات وإذا يبس فإنه ينكسر من أقل حركة...
وفي الشيخوخة يحدث ضعف آخر في العظام بسبب تآكل الغضاريف وما يصاحبها من التهاب مزمن بالمفاصل أي: الاعتلال العظمي المفصلي... وتصاب المفاصل الكبرى والصغيرة على سواء كما تصاب مفاصل العمود الفقري... وتآكل الغضاريف كثيراً ما تصاحبه الآلام العضلية أو ما يسمى الآلام العضلية العظمية والحديث في هذا الموضوع طويل ليس هذا مجال بيان أي: تفصيلات فيه... فالمهم: أن نفهم أن مع الشيخوخة تضعف عظام الجسم جميعاً وبلا استثناء قال الله عز وجل:)قال رب إن وهن العظم مني (...أي: عظم الجسم كله... وهذه حقيقة علمية أن الهيكل العظمي في الجسم جهاز واحد... إذا دب الضعف ببعض العظام أثناء الشيخوخة فإن جميع عظام الجسم يكون قد دب الضعف فيها أيضاً... وقد يصيب الضعف بعض العظام أكثر من عظام أخرى إلا أن الضعف يشمل العظم كله وإن كان بدرجات متفاوتة قليلاً... وهذا ما أشارت إليه الآية الكريمة )قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيباً (ونجد التشبيه لانتشار شيب الشعر في الرأس بالنار في انتشارها في الهشيم فأخرجه مخرج الاستعارة... وأسند التعبير القرآني الاشتعال إلى مكان الشعر ومنبته وهو الرأس فلم يقل: ( واشتعل الشعر شيباً ) ولكنه قال: ( واشتعل الرأس شيباً ) وبذلك وصل وصف الشيب في الشيخوخة إلى قمة الإعجاز البلاغي.
هل للشيخوخة علاج؟.... نعم. هل للشيخوخة دواء؟...لا
لا شك أن الشيخوخة طور من أطوار العمر تزعج الإنسان المقبل عليها وتكدر الإنسان الذي هو فيها... وعبر الشاعر العربي عن ذلك بقوله:
ذهب الشباب فما له من عودة وأتى المشيب فأين منه المهرب
وشاعر آخر:
ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيب
لذا اهتم الناس منذ آلاف السنين بهذا الموضوع... وبذلوا الكثير من الجهد في البحث عن شفاء للشيخوخة أو حتى علاج يعيد جانباً من شباب الجسم أو يدفع عجز الشيخوخة.. وكان ذلك جهداً منطقياً نابعاً من غريزة حب الدنيا وطول الأمل... وطول العمر مطلب للإنسان لكنه مشروط بتوفر الصحة والعافية... لذلك كان الجهد الذي بذله الناس منذ فجر التاريخ في البحث عن علاج للشيخوخة لا يزال مستمراً حتى اليوم... ولكن تبين أن الجهد كان بدون جدوى وكان الناس في بحثهم عن شفاء من الشيخوخة إنما كانوا يسعون وراء سراب.
والإنسان في هذه المحاولات يريد أن يخرج من نسق التغير إلى نسق الثبات ويحيا في شباب دائم بلا شيخوخة.. وهذا أمر مستحيل الوقوع.. لأن ذلك لو تحقق وقف الزمن.. ولا يتوقف الزمن أبداً في الحياة الدنيا... وإنما يتوقف في الحياة الآخرة فذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجنة: ( إن لكم أن تصحو فلا تسقموا أبداً.. وأن لكم أن تشبوا لا تهرموا أبداً).
وروى مسلم عن السيدة عائشة رضي الله عنها: أن الأعراب سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة فنظر إلى أحدث إنسان فيهم وقال:
( إن يعش هذا لا يدركه الهرم قامت عليكم ساعتكم ) وإذا عاش إنسان ولم يدركه الهرم فإن هذا يدل على أنه يعيش في اللازمن.. ولا يكون ذلك في عالمنا هذا وإنما في العالم الآخر حيث تقوم الساعة... ونفهم من الحديث النبوي الشريف أيضاً: أن كل إنسان طال به العمر لا بد أن يدركه الهرم لأن الزمن يجري في الإنسان والإنسان يجري في الزمن لا يتوقف أبداً في هذه الدنيا... ولا يتوقف الزمن إلا في الحياة الأخرى... لذلك فإن فيها الخلود ولا يحرم الناس فيها أبداً...
وكان سبب بحث الناس عبر العصور عن شفاء للشيخوخة هو شعورهم الداخلي بالخوف من الموت ورغبتهم في البقاء أحياء... ونسمع في أساطير الأولين عن رحلة البحث عن سر الخلود وإكسير الشباب الدائم... واعتقد فريق من الناس قديماً أن نباتاً في قاع البحر إذا أكل منه المسنون عادوا إلى الشباب.. وتبين أنها نباتات بحرية لا تفيد شيئاً في ذلك.. وفي مصر القديمة كان المصري القديم لا يهاب الموت ولكنه يخاف الحساب بعد الموت... وكانوا يعتقدون أن الموت رحلة إلى حياة أخرى وإلى عالم سفلي.. وكانوا يكررون دائماً قولهم: ( إن الموتى يعيشون ) ( إنك لم ترحل ميتاً إنك رحلت حياً )... وربما نقل المصريون القدماء عقيدتهم هذه عن رسالة سيدنا إدريس عليه السلام الذي عاش في منف ( البدرشين حالياً ) قبل العصر الفرعوني... واعتنق المصريون عقيدة التوحيد ولما جاء العصر الفرعوني حرفوا اسم إدريس إلى ازوريس...
وتدل أوراق البردي في الآثار المصرية القديمة على أن قدماء المصريين قاموا عبر عصورهم بمحاولات كثيرة لاسترداد الشباب... ولكنهم لم ينجحوا... وحاول الهنود القدامى ولكنهم لم يكونوا بأسعد حظاً من المصريين القدماء... وكذلك فعلت الأمم السابقة في الصين وغيرها من أمم الشرق الأدنى والأقصى.
أما في أوروبا فقد اهتمت شعوبها عبر القرون بالبحث عن شفاء أو علاج للشيخوخة.. فمنذ عهد الإغريق كان اهتمام الناس بهذا الموضوع.. فما دام الأمر يخص صحة الإنسان فإنه يمثل من تفكير الإنسان المقام الأول... وتحكي لنا أساطير الإغريق العديد من المحاولات في هذا الموضوع مثل محاولة يوسانيانس وكيف اعتقد أن ( ينبوعاً للشباب ) موجود في مكان ما في العالم واعتقد أن أي إنسان يعاني من الشيخوخة إذا نزل في ذلك الينبوع فسوف يخرج منه شاباً فثار فضول الناس... وراحوا يبحثون عن ذلك الينبوع... وصار البحث عن ينبوع الشباب شغلهم الشاغل... ومرت العصور والناس لا تكف عن البحث عنه حتى العصور الوسطى.. وكان آخر المحاولات في البحث تلك الرحلة التي قام بها بونس دي ليون سنة 1512 في المحيط الأطلسي وسار غرباً حتى وصل إلى العالم الجديد.. ولكنه لم يكتشف شيئاً.. ولكنه اكتشف ما هو أهم من ينبوع الشباب.. اكتشف قارة أمريكا الشمالية...
وظل العلماء حتى العصر الحالي يبحثون عن علاج للشيخوخة واستعادة الشباب ولكنهم لم ينجحوا ولعل آخر المحاولات كانت محاولة الدكتورة أنا أصلان من رومانيا في منتصف هذا القرن.. وصاحبتها ضجة إعلامية كبيرة إلا أنه في النهاية لم يكتب لها النجاح وأخيراً تأكد لدى العلماء أنه لا يوجد أي دواء يشفي من الشيخوخة.. فالشيخوخة هي نتيجة تغير بيولوجي حتمي في جسم الإنسان لا يوقفه شفاء ـ ولا يفيده علاج ولطالما أضاع الناس من جهد ومال ودراسة وراء البحث عن دواء لعلاج الشيخوخة فما وجدوا شيئاً....
ولو تدبر الناس ما جاء في الحديث النبوي في هذا الموضوع ما أضاعوا كل هذا الجهد وما خسروا كل تلك الأموال في البحث والعناء فيما لا طائل من ورائه... فقد أخرج أبو داود والترمذي عن زياد بن علاقة، عن أسامة بن شريك قال: قالت الأعراب: يا رسول الله! أنتداوى؟ قال: نعم عباد الله تداووا فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له دواء إلا داءً واحداً قالوا: وما هو قال: الهرم. ( أي: الشيخوخة لا دواء لها ).
وروى الترمذي، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( مثل ابن آدم وإلى جنبه تسع وتسعون منية إن أخطأته المنايا وقع في الهرم حتى يموت ).
قوله صلى الله عليه وسلم: وقع في الهرم حتى يموت يشير إلى أن الذي يقع في الشيخوخة لا يشفيه دواء ولا ينفعه علاج وفي هذا الحديث النبوي الشريف الكثير من الحقائق العلمية سنتطرق إليها فيما بعد.
بعض مظاهر الشيخوخة في الجسم
تحدثنا من قبل عن مظاهر الشيخوخة وآثارها في عظام الجسم والجلد والشعر والقدرة على الإنجاب وعن تأثير الشيخوخة على شرايين الجسم...
ويخشى الناس من ضيق الشرايين في القلب.. لأنها تؤدي إلى حدوث الذبحة الصدرية وإلى جلطة الشرايين وما يؤدي ذلك إلى أخطار صحية كبيرة... إلا أن ضيق الشرايين يسبب انحطاطاً بوظائف الأعضاء الأخرى... فضيق شرايين الكلى يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم وفشل كلوي، وضيق شرايين المخ يحدث تدهوراً بوظائف المخ تدريجياً وتضعف الذاكرة تدريجياً للأحداث القريبة وتظل قوية للأحداث البعيدة ويفقد الإنسان القدرة على التكيف مع الظروف المحيطة به.. ويظهر عدم التناسب في سلوكه واضحاً مع رد الفعل المطلوب والمناسب... ويحدث تغير في عواطفه وفي شخصيته ويدخل في حالة العته الشيخوخي ويعيش في الماضي ويرفض التغيير والتكيف مع الحياة الحديثة... وهناك أيضاً شيخوخة الرئتين والعين والسمع.. وأجهزة الجسم الأخرى وليست الشيخوخة متعلقة بالسن وحده فهناك
ما يسمى بشيخوخة الأطفال
وشيخوخة الأطفال مرض نادر... ويكون الطفل طبيعياً بعد ولادته ولكن يبطىء نموه البدني بعد السنة الأولى من عمره حتى يصير نحيل الجسم قزماً إلا أن ملامح وجهه تنم على كبر السن ويدب الصلع في الرأس بعد خمس سنوات وتبدو العينان جاحظتين ويضمر الجلد وتقل طبقة الدهن تحته فيترهل ويتأخر ظهور الأسنان أما العظام فهي مثل عظام المسنين هشة وضعيفة وتعاني مفاصل الطفل من شيخوخة المفاصل وتتصلب الشرايين في جسده وقد تحدث له ذبحات صدرية وجلطات بالقلب في سن دون العاشرة غالباً ويموت هؤلاء الشيوخ من الأطفال قبل سن العشرين.
وما سبب الشيخوخة؟.
لا زال سر الشيخوخة غامضاً ومعقداً... وهناك نظريات كثيرة تشير إلى أسباب تتعلق بالخلية وأسباب تتعلق بالنظام الوراثي وعوامل الوراثة وأسباب تتعلق بالزمن البيولوجي بالأجسام... وتؤثر على كل هذه العوامل عوامل البيئة وعوامل المرض وعوامل معاناة الحياة وأغلب الظن أن سر الشيخوخة يكمن في كل تلك الأسباب مجتمعة... لكن ما هو علاج الشيخوخة؟ لا يوجد للشيخوخة شفاء ولكن لها أنواعاً كثيرة من العلاج التي تخفف من آلامها وتحافظ على صحة أعضاء الجسم أثناءها.
المبادىء الأساسية في علاج أمراض المسنين:
ـ محاولة تقليل المدة التي يقضيها الإنسان المسن في الفراش في حالة استرخاء عضلي كامل لأن ذلك يترتب عليه ظهور أمراض فيه فضلاً عما يصيبه من ضعف وضمور في العضلات والعظام... ولا بد من الرياضة البدنية الخفيفة مثل المشي وهذا يؤجل شيخوخة العضلات والعظام...
ـ عدم إعطاء أدوية كثيرة للإنسان المسن للأسباب الآتية:
أـ قد ينسي الجرعى المناسبة أو يتناول الدواء في غير مواعيده... وثبت أن 60% من المسنين يقعون في أخطاء في تناول الأدوية... وقد يودي ذلك بحياتهم..
ب ـ بعض الآثار الجانبية لا يتحملها الجسم في الشيخوخة...
ـ العلاج الغذائي:الإكثار من تناول الفاكهة والخضروات والفيتامينات ( وخاصة ج ، هـ ) والتقليل ما أمكن من اللحوم والدهون الحيوانية... وعقدت الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية على مدى ثلاثة أيام مؤتمراً دولياً عن الشيخوخة في أوائل شهر مايو 1996 وذلك لدراسة ما من شأنه الحفاظ على صحة المسنين دون تعرضهم لأمراض الشيخوخة التي تمثل عبثاً ضخماً على الخدمات الصحية والاجتماعية وخاصة أن عدد المسنين هناك في ازدياد. إذاً هناك أنواع من العلاج والدواء ولكن لا يوجد شفاء من الشيخوخة قط هذا هو آخر ما توصل إليه العلم في عصرنا هذا.. وهذا ما لم يفهمه الناس عبر العصور الماضية... ولو درسوا السنة النبوية المشرفة لعلموا ما لم يكونوا يعلمون ولو فروا على أنفسهم أموالاً كثيرة بذلت وجهوداً مضنية استنفدت:
فقد روى الترمذي وأبو داود وابن ماجة عن زياد بن علاقة، عن أسامة بن شريك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( عباد الله تداووا فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا ووضع له دواء إلا داءً واحداً هو الهرم ) أي: الشيخوخة ليس لها دواء.
وهل تشيخ نفسية الإنسان؟ يشيخ الجسم ولكن لا تشيخ النفس.
ولكن الإنسان في الشيخوخة يشعر بمتع أخرى لم تكن تستهويه من قبل... ويصير أكثر نضجاً وتعقلاً ولا يستجيب لاندفاعات الشباب وحماسة غير المبني على مبرر معقول ويصير أكثر حرصاً على المال وأكثر ميلاً إلى البخل وأكثر تؤدة في التفكير وأقل اندفاعاً في تصرفاته وأكثر رؤية وأبعد نظراً...
وكثير من المسنين تزداد فيهم هذه الميول إلى درجة هي أقرب إلى البخل من الحرص على المال وأقرب إلى العجز من الرؤية... وأقرب إلى الجبن من بعد النظر والاتزان في التفكير فذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل.. وأعوذ بك من البخل وأعوذ بك من الجبن وأعوذ بك من الهرم )...
ويكبر الإنسان في السن ويكبر حرصه على المال والولد وهما زينة الحياة الدنيا... ويكبر معهم حب الدنيا وطول الأمل في الحياة حتى أن الأمل يسبق العمر بكثير... إذن الجسم يشيخ ولكن النفس لا تشيخ.. وهذا قصارى ما وصل إليه علماء النفس في هذا الموضوع إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا عن أسرار النفس البشرية في الشيخوخة... فقد روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
( لا يزال قلب الكبير شاباً في اثنتين: حب الدنيا وطول الأمل ).
ونتوقف عند قوله صلى الله عليه وسلم حب الدنيا: ونفكر فنجد أن منع الإنسان في شيخوخته تختلف تبعاً لميوله ودرجة الإيمان والتقوى فيه... فالإنسان المؤمن يحب في الدنيا أن يقضي أيامه في الصلاة والعبادة والتقرب إلى الله تعالى... وغير المؤمن في شيخوخته يود أن يقضي ما بقي له في الدنيا من أيام في جمع المال والحصول على متع الدنيا التي تستهويه، لذلك ذكر الحديث النبوي كلمة ( حب الدنيا ) مطلقة ليتسع التعبير اللغوي لكل الاتجاهات النفسية للإنسان في شيخوخته.
وروى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( قلب الشيخ شاب في اثنتين: طول الحياة وكثرة لمال ).
ويشكو الإنسان من الضعف والعجز في الشيخوخة كما قال الشاعر:
ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيب
دكتور
أحمد شوقي إبراهيم

عضو كلية الأطباء الملكية بلندن، ورئيس لجنة الإعجاز العلمي للقرآن والسنة بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر.