شيكا خليل
عدد المساهمات : 10008 نقاط : 30030 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 25/06/2013
| موضوع: من لا يعرف(أستاذ فن الفداء) الإثنين يوليو 01, 2013 4:29 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] (رضي الله عنه وارضاه) خرج نفر من القرشيين نحو دار خبّاب، ليتسلموا منه سيوفهم التي تعاقدوا معه على صنعها.. فقد كان خباب سيافاً؛ يصنع السيوف ويبيعها لأهل مكة، ويرسل بها إلى الأسواق.. وعلى غير عادة خباب الذي يكاد لا يفارق بيته وعمله، لم يجده ذلك النفر من قريش، فجلسوا ينتظرونه.. وبعد حين طويل جاء خباب على وجهه علامة استفهام مضيئة، وفي عينيه دموع مغتبطة.. وحيا ضيوفه وجلس.. سألوه: هل أتممت صنع السيوف يا خباب؟ جفت دموع خباب، وحل مكانها في عينيه سرور متألق، وقال وكأنه يناجي نفسه: إن أمره لعجب.. وعاد القوم يسألونه: أي أمر يا رجل..؟ نسألك عن سيوفنا، هل أتممت صنعها..؟ يستوعبهم خباب بنظراته الشاردة الحالمة ويقول: هل رأيتموه؟ هل سمعتم كلامه؟ وينظر بعضهم إلى بعض في دهشة وعجب.. ويعود أحدهم فيسأله في خبث: هل رأيته أنت يا خباب؟ فيسخر خباب من مكر صاحبه، ويرد عليه السؤال قائلاً: من تعني؟ فيجيب الرجل في غيظ: أعني الذي تعنيه؟ يردّ خباب بعد أن أراهم أنه أبعد منالاً من أن يُستدرج، وأنه اعترف بإيمانه الآن أمامهم، فليس لأنهم خدعوه عن نفسه، واستدرجوا لسانه، بل لأنه رأى الحق وعانقه، وقرر أن يصدع به ويجهر، يجيبهم قائلاً وهو هائم في نشوته وغبطة روحه: أجل، رأيته وسمعته.. رأيت الحق يتفجر من جوانبه، والنور يتلألأ بين ثناياه! وبدأ عملاؤه القرشيون يفهمون، فصاح به أحدهم: من هذا الذي تتحدث عنه يا عبد أم أنمار..؟ أجاب خباب بهدوء: ومن سواه يا أخا العرب.. من سواه في قومك من يتفجر من جوانبه الحق، ويخرج النور بين ثناياه؟! وصاح آخر مذعوراً: أراك تعني محمداً.. فهز خباب رأسه المفعم بالغبطة، وقال: نعم إنه هو رسول الله إلينا، ليخرجنا من الظلمات الى النور.. لا يدري خباب ماذا قال بعد هذه الكلمات، ولا ماذا قيل له.. كل ما يذكره أنه أفاق من غيبوبته بعد ساعات طويلة، ليرى زواره قد انفضوا.. وجسمه وعظامه تعاني رضوضاً وآلاماً، ودمه النازف يضمخ ثوبه وجسده. كان خبّاب عبداً لأم أنمار، التي طلب منها أهل قريش أن تعذبه، عله يرجع عن دين محمد عليه الصلاة والسلام، فكانت تأخذ الحديد المحمّى الملتهب وتضعه فوق رأسه ونافوخه، وخباب يتلوى من الألم، لكنه يكظم أنفاسه، حتى لا تخرج منه زفرة ترضي غرور جلاديه! ومر به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوماً، والحديد المحمى فوق رأسه يلهبه ويشويه، فطار قلبه حناناً وأسى، لكن ماذا يملك عليه الصلاة والسلام يومها لخباب؟ لا شيء إلا أن يثبته ويدعو له.. هنالك رفع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كفيْه المبسوطتيْن إلى السماء، وقال: "اللهم انصر خباباً".. ويشاء الله ألا تمضي سوى أيام قليلة حتى ينزل بأم أنمار قصاص عاجل، كأنما جعله القدر نذيراً لها ولغيرها من الجلادين، ذلك أنها أصيبت بسعار عصيب وغريب جعلها كما يقول المؤرخون تعوي مثل الكلاب! وقيل لها يومئذ لا علاج سوى أن يكوى رأسها بالنار! لم يكتف خباب (رضي الله عنه) في أيام الدعوة الأولى بالعبادة والصلاة، بل استثمر قدرته على التعليم، فكان يغشى بيوت بعض إخوانه من المؤمنين الذين يكتمون إسلامهم خوفاً من بطش قريش، فيقرأ معهم القرآن الكريم ويعلمهم إياه.. فقد نبغ في دراسة القرآن الكريم وهو يتنزل آية آية.. وسورة سورة، حتى أأن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه)، كان يعتبر خباباً مرجعاً فيما يتصل بالقرآن الكريم؛ حفظاً ودراسة. شهد خباب بن الأرت (رضي الله عنه) جميع المشهد والغزوات مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعاش عمره كله حفيظاً على إيمانه ويقينه. وعندما فاض بيت مال المسلمين بالمال أيام عمر وعثمان، رضي الله عنهما، كان خباب صاحب راتب كبير، بوصفه من المهاجرين السابقين إلى الإسلام، وقد أتاح هذا الدخل الوفير لخباب أن يبتني له داراً بالكوفة، وكان يضع أمواله في مكان ما من الدار يعرفه أصحابه وروّاده، وكل من وقعت عليه حاجة يذهب فيأخذ من المال حاجته، ومع هذا فقد كان خباب لا يرقأ له جفن، ولا تجف له دمعة كلما ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام، وأصحابه الذين بذلوا حياتهم لله، ثم ظفروا بلقائه قبل أن تفتح الدنيا على المسلمين، وتكثر في أيديهم الأموال. مات خباب في السنة السابعة والثلاثين للهجرة.. مات أستاذ صناعة السيوف في الجاهلية.. وأستاذ صناعة التضحية والفداء في الإسلام. | |
|
robotico
عدد المساهمات : 6979 نقاط : 7133 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 20/05/2012
| |