إعدام لزعيم "بوكو حرام"..
نهاية تنظيم مثير للجدل أم بداية موجة من العنف الدموي في نيجيريا
[size=9]ضحايا أعمال العنف في نيجيريا
[/size]
عواصم: أثار إعدام محمد يوسف زعيم تنظيم "بوكو حرام" أو "طالبان نيجيريا" أو "حركة الهجرة" بعد ساعات من اعتقاله، مخاوف النيجيريين من قيام اتباعه بعمليات مسلحة ضد منشآت للجيش أو الحكومة ثأرا لمقتله، وذلك في الوقت الذي أكدت فيه السلطات النيجيرية ان تنظيم "بوكو حرام، لن تقوم له قائمة بعد اليوم وان قوات الأمن تطارد عناصره للقضاء عليهم.
وكان يوسف قائدا للشيعة بولاية برنو حتى أوائل التسعينات، ثم ادعى التحول للمذهب السني واتسمت دعوته بالتشدد ومنع التوظف "بالحكومة الكافرة"، كما كفـّر جميع العاملين في حفظ الأمن وكذلك البرلمانيــين ورؤساء الحكومة. ثم شكّل جماعة اسمــها شباب السنة، عرفت بالدعوة لرفــض المدارس الأجنبية، ومن هنا سموا جماعة "بُوكُو حرام".
وتزايد عدد أتباعه من عام 2003 حتى صاروا يعدون بعشرات الآلاف، يملؤون الشوارع في أوقات دروسه. وتنتشر دعوته على وجه الخصوص في ولايات الشمال الشرقية الخمس برنو ويوبي وبوثي وغمبي وأدماوا وبعض ولايات الشمال الغربي مثل كانو وجيغاوا وكتسينا.
ويرى مراقبون ان إعدام يوسف لن يوقف نزيف الدماء المستمرة في المحافظات الشمالية بسبب الاشباكات الدامية بين عناصر التنظيم وقوات الجيش في ظل وجود آلاف العناصر المدربة على استخدم السلاح من اتباع يوسف ، مؤكدين ان الحكومة النيجيرية أخطأت بإعدامها محمد يوسف بعد اعتقاله وعرض صوره لوسائل الإعلام مما قد يعرضها لأعمال انتقامية من قبل اتباعه.
ولفتوا إلى أنه حتى بعد مقتل يوسف فإن الخطر لا زال قائماً، إذ إن دموية الاشتباكات، التي أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 600 شخص معظمهم من عناصر المجموعة والمدنيين، تشير إلى تضاعف في عدد المجموعة، كذلك تنذر باحتمال اندلاع أعمال ثأرية يقودها من بقي من أعضائها.
ويثير نشاط المسلحين في نيجيريا مخاوف كبيرة على اعتبار أنها أكثر الدول سكانا في أفريقيا إضافة إلى أنها تمتلك أكثر من 2.6% من احتياطات النفط العالمية. ومما يزيد الأمور خطورة الخوف من تشكيل تحالف بين حركة الإصلاح في دلتا النيجر و"طالبان نيجيريا" في الشمال بما يستتبع ذلك من تصعيد في الأوضاع الأمنية في منطقة إنتاج النفط.
سحق الحركة
[size=9]أكثر من 600 قتيل راحوا ضحية المواجهات
[/size]
وكانت مدينة مايدوجوري عاصمة ولاية بورنو الواقعة شمال شرق نيجيريا قد شهدت خلال الخمسة أيام الماضية قتالا عنيفا بين عناصر حركة "بوكو حرام" وبين القوات الحكومية في نيجيريا.
ويبدو ان الحركة قد أخطأت في حساباتها هذه المرة وراهنت على رد الفعل "الهادئ" من قبل السلطات الحكومية " كالعادة" ، إلا أن ما حدث من تدخل الجيش النيجيري للمرة الاولى في تصديه لعناصر الحركة شكل صدمة صاعقة للحركة وزعيمها.
فقد قتل المئات من عناصر الحركة على أيدي قوات الجيش حيث كانوا متحصنين بأحد مساجد المدينة، وكان من بين القتلى في المواجهات بوكار شيكاو مساعد زعيم الطائفة.
وذكرت الرابطة النيجيرية لحقوق الإنسان أن قوات الأمن التي أخذها الحماس الزائد تقتل مدنيين أبرياء في غمرة محاولات الجيش سحق عناصر الحركة.
وقال مدير الرابطة شاماكي جاد بيتر إن العاملين في حقل حقوق الإنسان شاهدوا جثثا لأكثر من 20 شخصا بعد أن بدأت القوات هجومها على معاقل الطائفة في مايدوجوري مضيفاً أنهم لاحظوا أنه من الواضح أن أولئك القتلى لم يكونوا مسلحين وأن بعضا منهم أصيبوا بأعيرة نارية من وراء ظهورهم، ومن الواضح أيضا أنهم كانوا يحاولون الفرار من تلك الفوضى.
واضاف عمال حقوق الإنسان إن الكثير من الأبرياء جرى اعتقالهم، فيما أعلن الرئيس النيجيري عمر يارادوا أن" أجهزة المخابرات النيجيرية كانت تتعقب هذه الحركة منذ سنوات وأن أعضاءها يجمعون السلاح ويتعلمون صناعة القنابل من أجل فرض معتقداتهم"
إلى ذلك، دعت منظمة الدفاع عن حقوق الانسان ''هيومن رايتس ووتش '،' نيجيريا إلى التحقيق في مقتل يوسف بعد اعتقاله عقب معارك ضارية بين قوات الامن والمتمردين.
ودعا اريك جوتسشوس الباحث في المنظمة السلطات النيجيرية إلى اتخاذ مبادرات فورية وملاحقة المسؤولين عن هذه الجريمة التعسفية وغيرها من الجرائم التى ارتكبت خلال المواجهات العنيفة الأسبوع الماضي.
وأضاف ان عدم محاسبة عناصر الأمن على تجاوزاتهم شجعهم على ارتكاب جرائم خطيرة دون ان يخشوا ملاحقة القضاء،مؤكدا ان مقتل يوسف يدل على احتقار تام للقانون وحقوق الانسان الاساسية.
ومن جانبها أدانت منظمة العفو الدولية قيام قوات الامن النيجيرية باعمال قتل ''غير قانونية'' وطالبت في بيان لها بإحالة كل المسؤولين عن هذه العمليات الى العدالة .
"دموية" رد الفعل الحكومي
أثار المواجهات بين الشرطة والمسلحين
وكان مسلحو "طالبان نيجيريا"، شنوا منذ الأحد الماضي سلسلة من الهجمات المتتالية على 3 ولايات، هي كانو وبورنو وباوتشي، لم تسلم منها كما العادة مراكز الشرطة، إضافة إلى بعض الكنائس، وذلك على خلفية إلقاء الشرطة القبض على أعضاء في الجماعة للاشتباه في تخطيطهم لهجوم على مركز للشرطة.
وكانت هذه الهجمات كافية لتدفع القوات النيجيرية إلى إطلاق حملة أمنية محكمة تهدف إلى سحقها، وذلك بعدما لامست الخطوط الحمر المسموح فيها بالنسبة إلى النظام. كذلك كانت مناسبة لزعيم الحركة لكي يؤكد عدم وجود نية لدى الحركة للاستسلام.
هذا التهديد سرعان ما تبدد، بعدما أعلنت القوات الأمنية النيجيرية أنها تمكنت من سحق الجماعة وقتل زعيمها، بعد ساعات من تصفية الرجل الثاني في التنظيم أبو بكر شيكاو ومعه 200 من أنصاره.
وعلى الرغم من أن ظروف إعدام محمد جاءت غامضة، إذ إنه قتل بعد ساعات من إلقاء القبض عليه واحتجازه لدى الشرطة، فقد طرحت قضية "طالبان نيجيريا" تساؤلات عن مدى انتشار مابات يعرف بـ "التطرف الإسلامي" في نيجيريا، ومدى تأثيره، وقدراته.
فنيجيريا، بلد المئة وخمسين مليون نسمة، والمئتي وخمسين قبيلة، ينتشر في ولاياتها الشمالية، ذات الغالبية المسلمة، عدد من المجموعات الإسلامية المتشددة، مستغلة غياب فعّال للشرطة على الحدود التشادية والنيجيرية، لكن هذه الجماعات لا تتمتع بقيادة موحدة، وتسود بينها الخلافات.
وفي ما يتعلق بالقدرات التنظيمية والعسكرية لهذه الجماعات، تظهر الأسلحة التي تمتلكها جماعة "طالبان نيجيريا"، المتمثلة بالمناجل والسكاكين وبنادق الصيد المحلية الصنع والقنابل الحارقة، ضعف التسلح الذي تعانيه، وهو ما يفسّر في نظر البعض تعمد أعضائها اللجوء على نحو متكرر إلى استهداف مراكز الشرطة بهدف الحصول على أسلحة متطورة. كلك يظهر ضعف القدرات العسكرية عدم وجود جهات خارجية تمول المجموعة.
أما عن أسباب تأخر الحكومة في الرد طوال السنوات الخمس الماضية، فتقول تقارير صحفية إن هناك اعتقاداًَ شائعاً بأن السلطات لم تكن راغبة بالتعامل مع نشطاء الحركة لأنهم من عائلات ثرية وذات نفوذ، لكن الحكومة أدركت خطأها وأيقنت أنها كلما أسرعت في التعامل مع الخطر كان أفضل، وخصوصاً بعدما توسع انتشارهم
نشأة الحركة
اثار اعمال العنف
تعود نشاة الحركة إلى عام 2003، عندما قرر بعض الطلبة الجامعيين الناقمين على نظام التعليم الغربي المعتمد في نيجيريا، الذين فشلوا في الانخراط فيه، الخروج عن واقع مجتمعهم الذي يرون أنه آثم، واتجهوا نحو الجبال للانعزال بعيداً عن فساد الأرض، ثم ما لبثوا أن قرروا العودة، لكن لتغيير المجتمع هذه المرة. تغيير لا يكتمل إلا بإحداث انقلاب في نظام الحكم في ولايات نيجيريا الستّ والثلاثين، التي تطبق اثنتا عشرة منها الشريعة الإسلامية.
وتحولت عناصر الحركة إلى ما يشبه الشوكة في ظهر الحكومة النيجيرية من خلال استهداف مقار الشرطة والتحريض على قتل العناصر الأمنية النيجيرية والتعامل مع العناصر الأمنية بوصفها" عناصر كافرة" إضافة إلى استهداف غير المسلمين والمسلمين الذين يتخلقون بما يرون أنها أخلاق غربية إضافة إلى رفض التعليم الغربي باعتباره حراماً وهو الرفض الذي اكتسبت منه الحركة اسمها" بوكو حرام".
وتعني "بوكو حرام" أن التعليم، وتحديداً الغربي، حرام، أما "طالبان نيجيريا" فنسبة إلى أن أعضاء الجماعة استوحوا أفكارهم من حركة طالبان الأفغانية، رغم عدم وجود صلات تنظيمية أو ارتباط ظاهر بين الطرفين.
أما "حركة الهجرة"، فتشير إلى هجرة عناصرها للمجتمع النيجيري الذي ينظرون إليه بوصفه مجتمعاً مدنساً غارقاً في الفقر الأخلاقي والسياسي، ولذلك فإن أفضل شيء للمسلم المتدين ـ من وجهة نظرهم ـ هو هجر الخطايا والفساد إلى مكان أو مجتمع تتحقق فيه العدالة الإسلامية، والوسائل الشرعية في الحصول على الرزق، وهم بهذا يعتقدون أنهم ينقذون أنفسهم من عبء التعامل مع المجتمع.
وتعرف الحركة احيانا بلقب" اليوسفية" نسبة إلي زعيم الحركة في مايدوجوري محمد يوسف والذي يبلغ من العمر 39 عامًا، وإن كان هناك من يرى أن محمد يوسف ربما يكون المتحدث باسم الحركة وليس القائد الميداني لها.
وشهدت منطقة بورنو في عام 2004 الظهور الأول لمجموعة الشبان الذين أعلنوا الجهاد لإقامة نظام إسلامي يتوافق مع إيديولوجيتهم التي تحرّم تعليم المناهج الغربية. شبان كانوا نواة لجماعة "بوكو حرام" أو "طالبان نيجيريا" أو "حركة الهجرة". تسميات مختلفة أطلقها السكان والإعلام على هذه المجموعة للدلالة على أهدافها.
وبدأ الظهور الأول للمجموعة، بزعامة محمد يوسف، مع إنشاء قاعدة لها في بلدة كاناما في ولاية يوبي على الحدود مع النيجر، مطلقةً على معسكرها اسم "أفغانستان"، لتدخل منذ عام 2004 في صراع مع الشرطة، مما أدى إلى مقتل ما يقارب ثلاثين من عناصرها، فضلاً عن اعتقال عدد آخر، ما دفعهم إلى اللجوء للعمل سراً في مايدوغوري عاصمة ولاية بورنو.
وانتظرت الحركة أكثر من عامين للانتقام، إذ شنت في مايو/ أيار 2007 هجوماً على مركز شرطة في ولاية كانو، فقتلت أحد عشر ضابطاً، وصولاً إلى شهر يونيو/ حزيران الماضي حيث أُصيب العديد من أعضائها بالرصاص في صدامات مع شرطة مايدوغوري.
مطالب الحركة
ضحايا أعمال العنف في نيجيريا
يرفع عناصر" طالبان نيجيريا" راية المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية على الرغم من أن هناك 12 ولاية في شمال نيجيريا ذات الأغلبية المسلمة تطبق فيها الشريعة الإسلامية بعد عودة الحكم المدني عام 1999.
ويقوم على تطبيق الشريعة مجموعة من المحاكم الإسلامية لها جهاز شرطة خاص يقوم بتنفيذ القوانين والحدود منذ صدور قرار تطبيق الشريعة في عام 2000، وهو القرار الذي اعترف بهذه المحاكم دستوريا، لكن "بوكو حرام" لا تعترف بالتطبيق الحالي للشريعة بدعوى أن هناك أحكاما كثيرة تخالف القرآن.
ويذهب عناصر الحركة إلى حد تكفير غيرهم من أعضاء الجماعات والتنظيمات بما في ذلك أعضاء الجماعات والتنظيمات الإسلامية على اعتبار أنهم يقبلون العيش في مجتمع كافر يجب الانعزال عنه، وهو ما جعلهم يرفضون الصلاة خلف من لا ينتمون إلى جماعتهم حركياً وتنظيمياً، بل ويتعاملون مع من دونهم بوصفهم" مرتدين عن الدين".
وعلى الرغم من قلة عدد الجماعة إلى أن هناك مخاوف كبيرة من تصاعد حدة العنف الذي يمكن أن تشهده نيجيريا على يد عناصر" طالبان نيجيريا" وغيرها من الجماعات المسلحة الأخرى.
أصابع الأمريكان
تؤكد تقارير استخباراتية وجود تنسيق بين الأجهزة الأمريكية وبين المخابرات النيجيرية لتحديد ورصد والقضاء على الشبكات الإسلامية وتجفيف مصادر تمويلها.
وتهدف هذه الاستراتيجية على المدى الطويل إلى محاصرة نمو الأصولية في نيجيريا وتأثيرها المحتمل على الأمن الإقليمي والطاقة. وهو التنسيق الذي ظهر بوضوح في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة حيث جرى اعتقال العديد من الأفغان والباكستانيين وغيرهم من الدعاة وترحيلهم إلى خارج نيجيريا.
وشهدت منطقة غرب أفريقيا مع مطلع القرن الجديد موجة من العنف والعمل المسلح لم تشهدها منذ ثورات التحرير أثناء فترة الاستعمار.
وتركزت هذه العمليات على وجه الخصوص في منطقة خليج غينيا الغنية بالنفط. وحصدت نيجيريا الحصة الكبرى من الأعمال الدموية التي تعصف بهذا الجزء من القارة السمراء والتي تستهدف ضرب بنيتها الاقتصادية المتمثلة في النفط في دلتا النيجر.
وهو ما دفع المراقبين للتعبير عن خوفهم من أن تتحول المنطقة مستقبلا إلى معقل للجماعات المسلحة العالمية، مشيرين إلى أن "الفساد والفقر المستشري في أجزاء من غرب أفريقيا يوفر تربة خصبة للإرهاب". وتنشط في هذه المنطقة حركة تحرير دلتا النيجر التي ينسب إليها معظم عمليات الاختطاف في المنطقة.
ومن أبرز رموز هذه الحركة الزعيم المعتقل دوكوبو اساري الذي يرى أوجه شبه بين كفاحه ضد الحكومة النيجيرية وبين ما يقوم به زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن. كما اكتسب الصراع في دلتا النيجر بعدا خارجيا بسبب التأثير الكبير لفكر الجماعات المسلحة في منطقة الشرق الأوسط على الجماعات المحلية.