بين المنتديات العلمية والمنتديات الترفيهية

قال لي : ما لها المنتديات العلمية تشكو قلة الزائرين بالقياس مع المنتديات الترفيهية التي تكتظ بهم ، حتى لا تكاد تجد فيها موطيء قدم ؟
قلت : هلا زرت السينما ، وقارنت بين عدد روادها وبين عدد رواد المكتبات ؟
قال : نعم.
قلت : فما الذي وجدته ؟
قال : لا مجال للمقارنة ، فالسينما مكتظة أغلب الأحيان ، وفي مرات نشتري البطاقات من السوق السوداء، في حين أن المكتبات شبه مهجورة ، إلا في أوقات الامتحانات فتمتليء بعض مقاعدها بالزوار الذين ينشدون الهدوء ليس إلا.
قلت : ولو تذكرت أن دخول السينما مقابل ثمن ، وأن دخول المكتبات مجاني لزادت حيرتك ؟
قال : نعم ، صدقت.
قلت : هذا شأن كل عمل جدي رصين ، يعزف الناس عن سلوك دربه على خلاف العبث واللهو .
قال : ألا يفكر الناس بمثل هذا التفكير ؟
قلت : بلى يفكرون ، ولكن انظر الى أعمار الفريقين ، فريق السينما وفريق المكتبة فماذا سترى ؟
قال : أغلب رواد السينما من الشباب اليافعين ، وأغلب رواد المكتبة من الشباب الذي تخرجوا من الكليات أو كادوا .
قلت : فأين الذين هم أكبر منهم سناً ، يعني الذين جاوزوا الثلاثين ؟
قال : هم قلة ، ألا تخبرني لماذا ؟
قلت : أولئك شغلتهم الحياة وأغلبهم ذي زوجة وأولاد ، يعيل أسرته ويشقى من أجل ذلك ، فلا يكاد يجد الفراغ ، إلا من كان عمله ذا علاقة بالعلم مثل الباحثين والمدرسين.
قال : عجيب هذا الأمر .
قلت : لا تتعجب ، فالمثل الشعبي يقول : امشي وراء الذي يبكيك ولا تمشي وراء الذي يضحكك.
قال : ولم ؟
قلت : لأن الذي يضحكك يشغلك بتفاهات الأمور غالبا ، والذي يبكيك يشغلك بالأمور الجدية.
قال : إنه أمر مثبط للعزيمة موهن للهمة .
قلت : ألم تسمع حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : حفت الجنة بالمكاره ، وحفت النار بالشهوات ؟
قال : آمنت بالله ، لن أضجر بعد الآن .