لقاهرة- أسماء بجاتو، العربية.نت
طالبت النيابة العامة المصرية، اليوم الخميس، في مرافعتها أمام محكمة جنايات القاهرة بالإعدام الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك شنقاً، وبقية المتهمين بقتل المتظاهرين، فيما أجلت المحكمة برئاسة المستشار أحمد رفعت القضية إلى التاسع والعاشر من يناير الموافقين الاثنين والثلاثاء من الأسبوع المقبل لسماع مرافعة المدعين بالحق المدني.
وقالت النيابة إن الرئيس السابق الذي مثل أمام المحكمة مسؤول عن قتل المتظاهرين خلال الانتفاضة الشعبية التي اندلعت يوم 25 يناير/كانون الثاني وأطاحت به بعد 18 يوماً.
وأشارت النيابة إلى أن مبارك كان باستطاعته إصدار أمر بوقف استعمال العنف ضد المحتجين السلميين.
تحقيق مصالح شخصية
وقارن ممثل النيابة بين موقف مبارك من المتظاهرين وموقفه حين قتل عشرات السائحين في هجوم مسلح بمدينة الأقصر عام 1997. وقال للمحكمة إن مبارك انتفض حين علم بالهجوم على السياح وأقال وزير الداخلية في ذلك الوقت اللواء حسن الألفي.
واستمعت المحكمة خلال مرافعة الأمس فى الجزء الخاص بإهدار المال العام وتصدير الغاز لإسرائيل واستغلال النفوذ، وجاء فى مرافعة المستشار وائل حسين، المحامى العام الأول لنيابة الاستئناف، الخاصة بجريمة الإضرار غير العمدى بالمال العام، والموجه للمتهمين بصفتهم موظفين بوزارة الداخلية، ومهمتهم الحفاظ على مصالح وأموال الدولة، سواء أكانت عامة أو خاصة، أن المدعى حسن عبد الرحمن، رئيس جهاز مباحث أمن الدولة، أخل بالتزامه وواجبه الوظيفى بالحصول على المعلومات، مما أدى إلى عجز أجهزة الشرطة عن رفض العناصر الإجرامية، وساعد فى اقتحام السجون وتهريب المساجين والانفلات الأمنى بالبلاد، كما أهمل المتهمون، وزير الداخلية ومدير أمن القاهرة ومديرى أمن الجيزة وأكتوبر، فى أداء وظيفتهم وإدارة العمليات الشرطية، والحفاظ على الأموال العامة والخاصة، وقاموا بسحب عناصر الشرطة المكلفة بحماية المنشآت وجنودها لقمع المظاهرات السلمية، مرجحين فى ذلك مصالحهم الخاصة لحماية النظام، والتسبب فى الانفلات، مما أثار الذعر والخوف فى نفوس الشعب، ووضع شعب أعزل فى مواجهة البلطجية الذين استحلوا حرماتهم دون رقيب أو حسيب، مما جعل الجميع ينزلون إلى الشوارع كأننا بدائيون، ولسنا أقدم دولة فى التاريخ، فيما تسبب فى العديد من الأضرار المادية الجسيمة موضع جريمتنا.
وبعدها استمعت المحكمة إلى مرافعة المستشار عاشور فرج، المحامى العام لنيابة الاستئناف، والذى بدأ مرافعته بعدة آيات قرآنية منها "وإذا قيل لهم لا تفسدوا فى الأرض قالوا إنما نحن مصلحون إلا أنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون"، موضحًا أننا اليوم أمام إحدى قضايا الفساد، حيث إننا أمام طائفتين من المجرمين تجمعهم الأنانية والإضرار بالمصلحة العامة لتحقيق المصلحة الخاصة، فنسوا واجباتهم ومسئولياتهم، واستغلوا ودبروا وقرروا ونسوا أن عين الله ساهرة لا تنام، وسقطوا فى قفص الاتهام، مضيفًا أن مصر أعطت مبارك ما لم تعطه لأحد من أبنائها، ولكنه جار عليها ولم يحفظ جميلها، وكان نعم قائد للقوات الجوية فى حرب أكتوبر وصاحب الضربة الأولى، ونحن لا نجحد عليه إنجازه، وكان من المفترض الحفاظ عليها، ولكنه بدد بترولها مما ساعد المستغلين على أخذه.
وعبر ممثل النيابة عن حزنه عند سماعه كلمة أحد الرؤساء العرب، قاصدًا القذافى فى احتفالات ثورة 23 يوليو، عندما قال إن مبارك يتسول من أجل مصر، ووصلت الأوضاع فى مصر لبيع أراضيها بأمر من مبارك بأرخص الأسعار.
إهدار المال العام
ودللت النيابة العامة على فساد مبارك بالتحقيقات التى فتحتها فى قضية مكتبة الإسكندرية، حيث كشفت الوقائع عن إخفائه التبرعات الأجنبية، الواردة من عدة دول ومن الاتحاد الأوروبى، فى حساب يستطيع هو فقط التعامل عليه، وأهدر 398 مليون جنيه من موازنة الدولة على بناء المكتبة وتجهيزها.
وأضافت النيابة أن المتهم الثانى حسين سالم صاحب نفس أسيرة للمال، وقد أدار شركات للغاز والبترول، ولكن الطمع أعمى بصيرته وقتل ضمير المتهمين علاء وجمال، واللذين أرادا الكسب وزيادة أموالهما باغتيال الخزانة العامة بالمكر والدهاء وارتكاب كل شىء بحيل قانونية، أو من خلال استغلال نفوذ والدهم، واقتسام خيرات البلاد والسلطة، وأصبح "علاء" من الأغنياء فى سنوات طويلة، أما "جمال" فأراد تحقيق أطماعه فى السلطة وحكم البلاد، ودفعت مصر وشعبها ثمنًا من أطماع المتهم، واستغل المتهم منصبه بالفساد والحصول على نعيم دائم.
وقالت النيابة إن القضية الأخرى، المتهم فيها الأول والثانى باستغلال النفوذ وتربيح الغير، هى مثال لفئة تسلل للطبقة الحاكمة عن طريق العطايا، واستغلال ذلك فى سلب الوطن، وأن المتهم حسين سالم رجل أعمال متعدد الجنسيات لا انتماء له إلا لماله، فجاء إلى مصر وقدم العطايا للرئيس السابق وزوجته، واستغل نفوذ الرئيس السابق فى الحصول على الأراضى المتميزة بأسعار رمزية، وسلب أموال البنوك الوطنية بضمان المشروعات وهربها خارج البلاد، وذلك منذ منتصف التسعينيات حتى الثورة، حيث قام بإعطاء المتهم الأول عطايا عبارة عن 5 فيلات قدرت بـ39 مليونًا و759 ألف جنيه، وأشار إلى أن لدى النيابة العديد من الأدلة على تلك الجريمة المادية، عبارة عن مستندات رسمية أراد المتهمون إخفاءها، وتفيد بأن المتهم حسين سالم باع القصر والفيلات للمتهمين الأول وأبنائه بعقود صورية وليست حقيقية، فجاء سعر إحدى الفيلات، والتى قدرت مساحتها بـ15 ألف متر، بمبلغ 500 ألف جنيه، برغم أن سعرها بالملايين، بالإضافة إلى تقارير خبراء وزارة العدل والخبراء الهندسيين، والذين أوضحوا الفارق الكبير بين القيمة السوقية للفيلات محل الاتهام والأسعار التى باعها بها، وشهادات اللواء ممدوح الزهيرى محافظ جنوب سيناء الأسبق، والذى قرر أن المتهم الأول خصص أراضى للمتهم الثانى فى أماكن متميزة، نتيجة لعلاقة الصداقة الشخصية بينهما، حيث قام المتهم الأول باصطحاب الثانى فى سيارته الرئاسية بالمخالفة للبروتوكولات الرئاسية، كما كان المتهم الأول يطمئن عليه شخصياً فى حالة إصابته بوعكة صحية، مما يوضح جريمة استغلال المتهم الأول نفوذه فى تربيح المتهم الثانى.
قضية الغاز
ثم جاءت مرافعة المستشار أحمد حسين، المحامى العام بنيابة استئناف القاهرة، والذى استعرض فى مرافعته الأضرار التى شهدتها البلاد، والجرائم التى وقعت بالمال العام نتيجة تصدير الغاز إلى إسرائيل منذ عام 2000، مشيرًا إلى أن العقد الذى حرره المتهم الأول "مبارك" بالأمر المباشر للشركة الإسرائيلية أدى إلى وقوع خسائر جسيمة للجانب المصرى، بالإضافة إلى عدم قدرة مصر على تعديل سعر الغاز مطلقًا بسبب الشروط الجزائية، الأمر الذى يعد برمته جريمة تربيح للغير بطريق الاشتراك، والمنصوص عليها بالمادة 115 من قانون العقوبات، فجاء بيع تصدير الغاز المصرى بالأمر المباشر ليطرح تساؤلاً عما إذا كان تصدير الغاز لإسرائيل بدلاً من البترول، وذلك بسبب العلاقات مع إسرائيل، مما يسهل تدعيم السلام، مضيفًا أن المتهم الأول قال فى تحقيقات النيابة إنه قام ببيع الغاز دون النظر لأى خسائر، بالأمر المباشر، فكان من الممكن عمل مزايدة ولكنه أراد تربيح شريكه، وكان ذلك بالمخالفة للقانون وللائحة الهيئة العامة للبترول التى تحظر عدم بيع الغاز بالأمر المباشر، والدليل الآخر هو ما شهد به الخبراء بالتحقيقات من أن التعاقد تم بأسعار عام 2000 دون أى مراجعة فى الفترة التى ارتفع فيها سعر الغاز، وأن العقد خلا من أى بنود تسمح للجانب المصرى برفع السعر ومراجعته، كما أعطى ميزة للجانب الإسرائيلى فقط، وهى مد فترة التعاقد بنفس الأسعار، بالإضافة إلى شهادات اللواء عمر سليمان، الذى أكد أن مبارك أمر بتصدير الغاز بالأمر المباشر عن طريق شركة المتهم الثانى، وهى شركة خاصة، وليس عن طريق الهيئة العامة للبترول حتى لا يتهم بالتطبيع، وبالإضافة إلى تحقيقات الرقابة الإدارية التى أكدت أن شركة المتهم الثانى حققت أرباحًا مالية ضخمة بعد تلك الصفقة، بسبب ارتفاع أسهم الشركة من 1 إلى 9 دولارات.
واستكمل ممثل النيابة مرافعته بأن النيابة قامت بفتح تحقيق حول حصول المتهم الأول على سبيكة ذهبية من إحدى شركات البترول، وأنكر فى البداية حصوله عليها، ولكنه أقر بها بعد ذلك بعد أن أثبتت التحقيقات حصوله عليها، وأكد أنها كانت فى طريقها إلى المتحف الرئاسى فرأت النيابة أنه لا وجه لإقامة الدعوى.
وكانت محكمة جنايات شمال القاهرة، اليوم الخميس، برئاسة المستشار أحمد رفعت قد استأنفت محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك ونجليه علاء وجمال ووزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي و6 من كبار مساعديه ورجل الأعمال الهارب حسين سالم في قضية قتل المتظاهرين السلميين، وإهدار المال العام، وذلك لاستكمال الاستماع لمرافعة النيابة.
وقد اتهمت النيابة العامة أمس الرئيس السابق حسني مبارك بالاشتراك في قتل المتظاهرين، مؤكدة أن لديها أدلة قوية على ذلك منددة في الوقت نفسه بعدم تعاون السلطات مع الادعاء.
وقالت النيابة في مرافعتها في القضية إن أجهزة الدولة لم تتعاون في التحقيقات.
كما ذكرت النيابة أمام محكمة جنايات القاهرة أن من بين الأجهزة التي لم تتعاون في التحقيقات وزارة الداخلية وجهاز الأمن القومي، في إشارة إلى المخابرات العامة.
وزير الداخلية: لا يجوز التعليق على مرافعة النيابة
من جهة ثانية، علق اللواء محمد إبراهيم، وزير الداخلية، حول ما أكدته النيابة من عدم قيام وزارة الداخلية بتقديم بعض المعلومات والأدلة التي طلبتها النيابة في قضية قتل المتظاهرين، بأنه لا يجوز التعليق على أحكام القضاء أو مرافعة النيابة، وفقاً للمؤتمر الصحافي الذي أجراه وزير الداخلية مساء اليوم الخميس.
وقال إنه بالرغم من عدم معاصرته لتلك الفترة إلا أنه في إطار تبرير الموقف فإن الوزارة قد انهارت ابتداءً من يوم 28 يناير الماضي، وبالتالي فقد تعذر على الوزارة تقديم أي معلومات أو أدلة للنيابة، ولا يمكن للجهاز الأمني عمل تحريات وتقديمها لجهات التحقيق في تلك الفترة، نظرًا للظروف التي مرت بها وزارة الداخلية من انهيار تام.
وفيما يتعلق بقيام بعض الضباط خلال محاكمة مبارك ونجليه والعادلي ومساعديه الستة بأداء التحية للعادلي، أكد وزير الداخلية أن تعليماته مشددة في هذا الأمر وهي التعامل مع جميع المتهمين في القضية وفقاً للقانون، مرجحاً أن وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي هو الذي يبادر بالسلام على الضباط، الذين ينظرون إلى الموضوع من الناحية الإنسانية فقط.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]