بعد الانقلاب في مالي: مُستقبل مخيف.. وصعود "جهادي" في الشمال
بات المتمردون الطوارق يسيطرون على كامل شمال مالي تقريبا بعد سيطرتهم يوم 1 أبريل على مدينة تمبوكتو، الأمر الذي يثير قلقا متزايدا في المنطقة.
وتحت ضغوط الدول المجاورة، أعلن الإنقلابيون بقيادة الكابتن امادو سانوغو يوم الأحد الماضي الموافقة على "اعادة العمل" بالمؤسسات الدستورية التي كان تم حلها اثر استيلائهم على السلطة يوم 22 مارس الماضي.
وبالفعل، شكل الإنقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس المالي آمادو توماني توري، انتكاسة حقيقة للديمقراطية في هذا البلد الإفريقي الذي يعيش بين فكي كماشة الفقر والحرب الأهلية. جاء ذلك بعد نحو عقدين من الحياة الدستورية، كان الرئيس المخلوع آمدو توماني توري رائدها، عندما قاد انقلابا عسكريا ضد الدكتاتور موسى تراوري سنة 1992، وأشرف على انتخابات رئاسية وبرلمانية لم يترشح لها، وسلم الحكم للرئيس السابق ألفا عمر كوناري، قبل أن يعود توماني توري إلى الحكم بواسطة صناديق الاقتراع، بعد عشر سنوات من مغادرة القصر الرئاسي.
وقد جاء الانقلاب مفاجئا للجميع ودون سابق إنذار، حيث بدأ بتذمر في أوساط بعض الجنود وصغار الضباط في ثكنة "كاتي" العسكرية شمال العاصمة باماكو، معربين عن استيائهم من عدم تسليح الجيش بما يكفي لمواجهة المتمردين الطوارق في إقليم أزواد شمال البلاد، ثم تحول التذمر إلى تمرد، وتطور التمرد إلى انقلاب عسكري بعد سيطرة قادة المتمردين على مبنى الإذاعة والتلفزيون والقصر الرئاسي.
وقد قادت الانقلاب مجموعة من صغار الضباطـ، ينتمون جميعا ـ حسب المصطلحات العسكرية ـ إلى فئة "الضباط الأعوان" وليس من بينهم "ضباط سامون"، إذ يعتبر قائد انقلاب النقيب آمادو سانوغو قائد المجموعة أرفعهم رتبة، رغم أن الجيش المالي يضم في صفوفه عشرات الجنرالات والعقداء وغيرهم من كبار الضباط. وقد أثارت سيطرة الانقلابيين على الوضع في البلاد حفيظة كبار الضباط في الجيش، الذين اعتقل معظمهم على يد الإنقلابيين، بينما تتحدث المعلومات عن لجوء الرئيس آمادو توماني توري إلى وحدة عسكرية ما تزال مُوالية له.
الإنقلابيون يتحدون الرفض الدولي والداخلي
وواجه الانقلابيون منذ اليوم الأول لاستيلائهم على الحكم رفضا داخليا ودوليا، حيث نددت أغلبت دول العالم والمنظمات الدولية والإقليمية بالانقلاب ورفضت الواقع المترتب عليه، فيما أعلنت المنظمة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا عزمها العمل على إعادة النظام الدستوري ولو بالقوة، فيما رفض معظم السياسيين وقادة الأحزاب والبرلمانيون ونشطاء المجتمع المدني في مالي الإنقلاب، الذي جاء على بُعد شهر واحد من الانتخابات الرئاسية التي كان مقررا إجراؤها في نهاية شهر أبريل الجاري، ويحظر الدستور على الرئيس المنتهية ولايته آمدو توماني توري الترشح لها.
وبالإضافة إلى الرفض الدولي والعقوبات المتوقعة إقليميا ودوليا، يتوقع أن يؤدي الانقلاب إلى انعكاسات داخلية سيئة على مالي، وفي مقدمتها مواجهة حصار دولي، سيكون مُنهكا لبلد يعاني أصلا من الفقر والفساد، ومن حرب أهلية يخوضها المتمردون الطوارق الذين يقاتلون من أجل استقلال إقليم أزواد في شمال البلاد، كما يُخشى أن يفاقم أي يتدخل عسكري أجنبي، خصوصا التدخل العسكري الذي لوحت به المنظمة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا من الأوضاع المتردية، حيث يتوقع أن تترافق أي محاولة لاستعادة النظام الدستوري بالقوة، مع مواجهات عنيفة وحالة من الفوضى وعمليات السلب والنهب.
مخاوف من حرب أهليه
من جهة أخرى، لا يستبعد المراقبون أن تتطور الأمور إلى حرب أهلية بين العرقيات المكونة للمجتمع المالي، حيث يقود الطوارق حربهم الإنفصالية في شمال البلاد، فيما لم تحدد القبائل العربية في الشمال موقفها من تلك الحرب، والتزم معظم قادتها العسكريين ومشايخها الحياد إزاء أزمة الانقلاب، لكنها تستعد بواسطة مليشيات مسلحة للدفاع عن مدنها الرئيسية، مثل مدينتي تيمبكتو (سقطت فعلا يوم 2 أبريل) وغاوه (تمكن الجيش من صد هجوم عليها)، الذين يسعى الطوارق لضمهما بالقوة.
وقد بدأت بوادر توتر بين العرب والطوارق تظهر ملامحها، ويخشى المراقبون أن تندلع مواجهات عرقية بينهما، وفيما ينتمي الرئيس المطاح به آمادو توماني توري إلى عرقية "الصونغاي"، ينتمي قائد الإنقلابيين ومعظم رفاقه إلى قومية "البمبارة"، الأمر الذي يعزز من فرضية احتمال مواجهة بين القوميتين الزنجيتين إذا ما حاول أنصار الرئيس السابق استعادة الحكم من الإنقلابيين بالقوة.
ورغم خروج مسيرات في العاصمة باماكو مؤيدة للانقلابيين، إلا أن السخط يسيطر على الشارع المالي بشكل عام، جراء الانقلاب، ولم يفلح الإنقلابيون حتى الآن في استمالة أي قوى إقليمية أو دولية، حيث سارعت دول جوار مالي إلى التنديد به ورفض السلطات الجديدة في البلاد، كما رفضته القوى العالمية، ولوحت بتشديد العقوبات على الإنقلابيين، الذين لم يولوا أي اعتبار للمناشدات الدولية بالتراجع عن انقلابهم وإعادة الشرعية الدستورية، كما عمد الانقلابيون إلى إرسال مؤيدين لهم لمهاجمة اجتماعات قوى المعارضة في باماكو، وهو ما قد يستدعي ـ حسب المراقبين ـ التعجيل بالمواجهة الداخلية إذا ما دفع المعارضون للجوء إلى القوة لحماية أنفسهم ومؤيديهم.
الطوارق يحصدون نتائج الإنقلاب
وفي الشمال ساعد الانقلاب بشكل واضح في انهيار معنويات الجيش المالي أمام المتمردين الطوارق، وهو انهيار بدأ تدريجيا قبل الانقلاب، وتفاقم بعده بشكل أكبر، وقد ساعد على ذلك التفوق الذي أظهره المتمردون الطوارق تسليحا وتكتيكا على القوات المالية ومكنهم من السيطرة على أجزاء كبيرة من إقليم أزواد، وإن كانت المدن الكبرى ما تزال حتى الآن خارج سيطرتهم.
ورغم أن الانقلابيين برروا الانقلاب بتهاون الرئيس آمادو توماني توري في المواجهة مع المتمردين الطوارق، إلا أنهم أحجموا حتى الآن منذ استيلائهم على السلطة، عن التدخل في الشمال وتركوا وحدات الجيش هناك مقطعة الأوصال تتناهشها نيران المتمردين ويحاصرونها في أماكن مختلفة.
القاعدة وحلفاؤها.. المستفيد الأول
في الأثناء، يبدو أن المستفيد الأكبر من الانقلاب والفوضى في مالي، هو الجماعات الجهادية في شمال مالي، والتي ظهرت فجأة كقوة صاعدة، حيث اتضح أن "حركة أنصار الدين" السلفية الجهادية، التي يقودها القنصل المالي سابقا في السعودية "إياد أغ غالي"، أصبحت تشكل الفصيل الأقوى بين المتمردين الطوارق، مدعومة من طرف تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، وحركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا، وهذه الأخيرة حركة سلفية جهادية تعتمد على عناصر من الأقلية العربية في إقليم أزواد.
وتسعى الحركات الثلاثة (أنصار الدين، والقاعدة، والتوحيد والجهاد) إلى بسط سيطرتهما على أكبر مساحة من الإقليم، وتطبيق الشريعة فيها، حيث بدأت حركة "أنصار الدين" تجربة الحكم في مدينتي "تساليت" و"أغلهوك" الواقعتين تحت سيطرتها، وفرضت المظاهر الإسلامية فيهما، ومنعت النساء من الخروج إلا إذا كن متحجبات (مع العلم أن سفور النساء جزء من تقاليد الطوارق)، كما انتشر الملتحون في الشوارع، ويتحدث القادمون من تلك المناطق عن حياة في تلك المدن شبيهة بالوضع في أفغانستان أيام حكم طالبان لها، هذا فضلا عن عزم الحركة تطبيق الحدود الشرعية ونبذ القوانين الوضعية.
وتوحي المؤشرات الميدانية على الأرض أن الحركة الوطنية لتحرير أزواد القومية الطارقية، التي تأسست في الغالب من مقاتلين عائدين من ليبيا في أعقاب سقوط نظام القذافي، تعرف تراجعا في حضورها العسكري والميداني لصالح حركة أنصار الدين السلفية، الأمر الذي يرجح فرض حركة أنصار الدين وحلفائها من القاعدة والحركات الجهادية بسط سيطرتهم، وإعلان كيان إسلامي جهادي في تلك المنطقة، من قبيل إمارة أو دولة إسلامية.
محمد محمود أبوالمعالي - نواكشوط- swissinfo.ch
03-04-2012م