[CENTER]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول
الله صلى الله عليه وسلم .
أيها الأحبة في الله ...
انتشر في الأمة داء عضال ، وهو من مظاهر
الانتكاس الذي عمَّ وباله ، فتملأ المجالس بالقيل والقال ، وكثرة المراء
والجدال ، والخوض في أخبار الناس وأحوالهم ، ومثالبهم ونقائصهم .
وربما لا همَّ لهم إلا الاشتغال
بالصالحين ، وانتقاد العاملين ، وتجريح الناشطين ، وتخذيل المجتهدين ، وتصنيف
الباذلين ، وإساءة الظن في المؤمنين ..
سَلِمَ منه اليهود على ظلمهم ،
والنصارى على ضَلالهم ، وأهل العلمنة على كيدهم ، وأهل الشهواتِ على فسادهم ،
وأهل التصوف على انحرافهم ، وأهل التشيّع على زَيغهم ، وأهل الأهواء والأدواء
، واشتغلَ ـ تربت يده ورغم أنفه ـ بالمؤمنين الصادقين ..
التهى بعيوب الناس عن عيبه ، واهتم
بذنوبهم عن ذنبه ، وأصبح من أَكَلَةِ لحومِ البَشَر ، ينهش في لحوم الغائبين عنه
، ويتشهى بذكر عيوبهم ورصد أخطائهم ، وكل ذلك تحت مسميات شرعية
( كمصلحة الدعوة !
) و ( كشف أهل البدع ! ) و ( بيان إحداث
أهل الأهواء ! )
مصطلحات ظاهرها وباطنها الرحمة عند أهل
الحق ، وحقيقتها ـ عند هذا وأمثاله ـ الشهوات الخفية ، و الحقد والحسد ، وأمراض
القلوب وأدواؤها ،
كما قال عمرو بن الحمق عندما دخل مع من تسوروا الدار على
الحيِيِّ عثمانَ بن عفان ـ رضي الله عنه ـ ليضربه تسع ضربات في صدره ، وهو يقول :
ثلاثٌ لربي وسِتٌ لقلبي ، وذلك عندما ضرب الغافقي ـ عليه من الله ما يستحق ـ
عثمانَ رضي الله عنه بحديدة معه ، وضرب المصحف برجله ، فاستدار المصحف واستقر بين
يديه ، وسالت عليه الدماء ..
" وهم يهابون في قتله ، وكان
كبيراً ، وغشيَ عليه ، ودخل آخرون ، فلما رأوه مغشياً عليه جروا برجله ، فصاحت
نائلة وبناته ، وجاء التَّجيبي مخترطاً سيفه ليضعه في بطنه ، فَوَقَته نائلة ،
فقطع يدها ، واتكأ بالسيف عليه في صدره ، .." وأما عمرو بن الحمق فوثب على
صدره وبه رَمَقٌ ، فطعنه تسعَ طعناتٍ ، وقال : فأما ثلاث منها فإني طعنتهن إياه
لله تعالى ، وأما ست فلما كان في صدري عليه . وأرادوا قطع رأسه ، فوقعت عليه نائلة
وأم البنين ، وصاحتا ، وأقبل عمير بن ضابىء فوثب عليه ، فكسر ضلعاً من أضلاعه
.." الكامل ـ ابن الأثير (3/179 )
في سنن أبي داود وصححه الألباني عن
المستورد ـ رضي الله عنه ـ
أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال :" من أكلَ
برجلٍ مسلم أكلَة فإنَّ الله يطعِمه مِثلَها من جهنم ، ومن كسي ثوباً برجل
مسلم فإن الله يكسوه مثله من جهنم ، ومن قام برجل مقام سمعة ورياء ، فإن الله يقوم
به مقام سمعة ورياء يوم القيامة " .
وفي سنن أبي داود وصححه الألباني وعن
معاذ بن أنس الجهني ـ رضي الله عنه ـ
عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال :"
... ومن رَمَى مسلماً بشيء يريد شَينَه بهِ حَبَسَه الله على جِسرِ جهنم
حتَّى يَخرجَ مِمَّا قالَ "
ومن علامة إعراض الله عن العبد أن يشغله
بما لا يفيد ، وأن يجعله ممن ورد فيهم الذم الشديد لأهل السعير : " وَخضتم
كَالَّذِي خَاضوا أولَئِكَ حَبِطَت أَعمَالهم فِي الدّنيَا وَالآَخِرَةِ
وَأولَئِكَ هم الخَاسِرونَ "
يا إخوتاه ..
تعلموا هذا الأدب وانشروه في الآفاق ،
ليكن هم أحدكم إصلاح نفسه ، ولا يشتغل بعيب غيره ، ولا يسمع لقالة السوء ، ولا
يذهب مذاهب المجرحين لأهل الخير .
وتذكروا قول المصطفى صلى الله عليه وسلم
: " إن أحبكم إليَّ أحاسنكم أخلاقا
، الموطئون أكنافا ، الذين يألفون ويؤلفون
، وإن أبغضكم إليَّ المشاؤون بالنميمة ، المفرقون
بين الأحبة ، الملتمسون للبرآء العيب " [ رواه الطبراني في الصغير والأوسط
وحسنه الألباني ]
وصدق عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حين
قال والذي لا إله غيره ما على ظهر الأرض من شيء أحوج إلى طول سجن من لسان .[ رواه الطبراني وصححه
الألباني ]
فانتبه لإصلاح عيوبك لعل المشتري يرضى ، واكفف ثوب الكلام بالصمت .
فصدق الصادق المصدوق
: " من صمت نجا " [ رواه الترمذي وصححه الألباني ]
فاللهم كما حسَّنت خَلقنا حسِّن أخلاقنا
، واجعلنا ممن يترك ما لا يعنيه ، ولا يلتفت عن النظر لعيبه . والله الموفق