القاهرة محمد جمال عرفة

ليست صدفة أن تُفاجئ وأنت تشاهد فيلم أمريكي بالممثلين يسخرون من كاهن مسيحي أو من الطقوس الكنسية أو يمارسون طقوسا شيطانية سوداء..وليست صدفة أيضا أن تقرأ كل فترة خبرا عن ممثل أجنبي أو شخصية شهيرة أو ممثلة اعتنقوا المذهب البوذي أو ذهبوا لجبال الهمالايا لمقابلة الديلايلاما كاهن التبت أو سافروا الي دول افريقية علي النيل تنتشر فيها عقائد وثنية وتبنوها وعادوا لنشرها في بلادهم !.
وليست صدفة كذلك أن العقائد الغريبة التي ظهرت في البلاد العربية مؤخرا مثل عبادة الشيطان بدأت في الغرب نقلا عن عقائد وثنية أفريقية نشأت في الأصل في أحراش أفريقيا ،وانتقلت إلينا عبر الانترنيت والتواصل في عصر العولمة ، أو نقلها شباب فارغ الفكر سافر الي الخارج معه وهو عائد .
والقصة باختصار أنه رغم الترف الزائد والرقي التكنولوجي الكبير ، لم يحسن الإنسان الغربي الاستفادة من هذا التقدم بسبب الخواء الروحي الذي يعاني منه والذي وصل لحد فساد القساوسة أنفسهم وكشف فضائح شذوذ وفساد لهم ، فزاد المجون والأفكار الشاذة التي ملأت الغرب حتى وصلت الان لحد اعتناق البعض علنا لعقائد وثنية قديمة هجرها الإنسان منذ العصور القديمة مع انتشار الدين الحق .
والغريب أن بعض هذه العقائد الوثنية يُقبل عليها الشباب الأمريكي والأوروبي الخاوي من أي إيمان سماوي خاصة أن مروجوها يغلفونها بطابع الحداثة ، حتى انتشرت عقائد غريبة يؤمن بها نسبة كبيرة من الأمريكان الذين اصبحوا يلجئون للكهنة والسحرة المزعومين والدجالين وأصحاب الخرافات .
ومن أشهر هذه العقائد الوثنية ما يطلق عليه (عقيدة الساحرات ) أو (الويكا) وبعضها جاء من عقائد قبلية وثنية أفريقية أو من أمريكا اللاتينية وبعض مظاهرها قد يكون الوشم الكثير علي أجزاء عديدة من الجسم أو عقد جلسات سحر ، أو جلسات لاستدعاء الشيطان ، أو إشعار نيران والرقص حولها !؟.
ويتميز أنصار (عقيدة الساحرات) تحديدا بأن معتنقوها المنتشرين في أمريكا واستراليا يلبسوا ملابس سوداء ويضعون أشكال شاذة من الوشم علي أجسادهم ، ويقتنعون بأفكار غريبة مثل عدم وجود شيء يدعى "الشر" وأن الموت وتدمير الذات بكل صورة هو شكل من أشكال "الجمال" المطلق " وكمال الحياة"، وربما لهذا تنتشر الان نسب كبيرة من الانتحار التي تجد من يشجع عليها .
بل أن أزمة أثيرت مؤخرا في السويد بسبب قيام شركات سياحية بالترويج عبر الإعلام عن (سياحة الانتحار) عبر العديد من الطرق التي توفرها للمنتحرين تتضمن توفير تأشيرة الدخول والإشراف علي الانتحار وتسهيله مع خدمة التخلص من الجثة وفق رغبة المنتحر مما دفع برلمانيين للمطالبة بمنع هذه الظاهرة الجديدة ورفض إعطاء تأشيرات دخول للمنتحرين !.
وقد لفتت ظاهرة اعتناق كثير من الغربيين لهذه العقائد الوثنية ،أنظار العديد من المجلات الاجتماعية الأجنبية خصوصا أن بعض القساوسة بدؤوا هم أيضا يقومون بمظاهر تشبه ما كان يحدث في الأساطير في لقاءات الكنيسة كما لو كانت هي الأخرى تغير الشكل التقليدي للمسيحية الغربية الكاثوليكية إلى مزيج من الدين والخرافات والبدع !.
وعلي سبيل المثال ، لجأ الأسقف البريطاني "روان ويليامز" الذي عُين كبيرا لأساقفة كنيسة "كانتر بري" الشهيرة ربما لجذب هذه النوعية من الشباب المقبل علي هذه العقائد الوثنية باحتفالاتها ومظاهرها الغريبة لتدشين طقوس لا تخلو من مظاهر وثنية استغرقت ساعة في حفل تنصيبه ،شملت مسيرة عبر ممر حجري ، وتلاوة الكهنة للصلوات على أنغام موسيقي "الهارب" وآلة "الترومبيت".. مما دعا صحيفة "التايمز" للخروج عن صمتها ووصف هذا الحدث بأنه طقسًا وثنيًا !؟.


الوثنية رد فعل علي انحسار المسيحية

والملفت أن الإقبال المتزايد من جانب الشباب الغربيين علي هذه العقائد الشاذة الوثنية ، يتواكب مع إحصاءات ودلائل حقيقية علي تزايد انحسار المسيحية في الغرب حتى أنه صدرت إشارات تحذير من بعض الكنائس بتزايد إعراض الجمهور المسيحي الأوروبي عنها بسبب الفضائح التي انتشرت بين القساوسة أنفسهم والكشف عن أعداد كبيرة من القساوسة الشواذ .
فقد أعلن الكاردينال "كورمك ميرفي أوكونور" رئيس الكنيسة الكاثوليكية في إنجلترا وويلز في يوليه 2001 "أن المسيحية أوشكت على الانحسار في بريطانيا، وأن الدين لم يعد يؤثر في الحكومة، أو في حياة الناس" . وقال: "إن الموسيقى والمعتقدات المستحدثة والحركة البيئية والتنجيم والسحر واقتصاد السوق الحر حلت محل السيد المسيح عليه السلام"، ودعا إلى ما أسماه "فكر ثوري" يستهدف الوصول إلى جموع الشباب الكاثوليك وإلى المارقين والملحدين منهم.
كذلك قال تقرير لراديو لندن: "إن الفضائح المتعلقة بالجنس لعدد من القساوسة كانت أحد الأسباب التي دفعت الناس إلى الابتعاد عن الدين المسيحي الذي لم يعد بالنسبة للمسيحيين يجيب عن الكثير من الأسئلة التي يطرحها الشباب وهو ما دفعهم إلى الاتجاه نحو الحركات الحديثة كحركة المحافظة على البيئة والحركات الاجتماعية التي تنمي طاقاتهم". وأشار إلى أن استطلاعا للرأي قد أظهر مؤخرا أن الكثيرين ممن يترددون على الكنيسة يعتقدون بأنه لا تتاح لهم الفرصة للإجابة عن الأسئلة التي يطرحونها بشأن الدين، وقد أدى هذا كله إلى ثقافة بديلة عن الدين . وكان أسقف كانتربري قد ذكر أيضا أن الناس كانوا يلجئون في الماضي إلى القسيس للتعبير عن مشاكلهم وقلقهم النفسي، أما الآن فيلجئون إلى الأطباء، ويعتبرون أن الدواء ربما يكون سببا لإسعادهم، وأضاف: "ويلجأ بعضهم إلى الجنس والمخدرات والخمور اعتقادا منهم بأن فيها علاجا لراحتهم وإسعادهم بدلا من الدين المسيحي". ‏
أما ما لم يقله أسقف كانتربري فهو أن قسم أخر بدأ يلجأ إلى العقائد الوثنية للبحث عن ملجأ لتساؤلاته وخوائه الروحي ، أو قد يمن الله بنعمة الإيمان علي كثيرين منهم فيلوذون لحظيرة الإسلام ، وهذا سر من أسرار تزايد اعتناق الإسلام في الغرب .
وكانت دراسة سويدية نشرت منذ شهرين قد أكدت ارتفاع نسبة الانتحار في البلدان الاسكندنافية بشكل ملحوظ وان أسباب تجرع زجاجة السم ما عادت تقتصر على العزلة والكآبة فقط لأن الخوف من " بهدلة " آخر العمر تدفع العديدين للانتحار بسبب الفردية وعدم الترابط الاجتماعي في المجتمع !.
كذلك كشف استطلاع للرأي أجري في الولايات المتحدة عن تراجع ثقة الأمريكيين في الكنيسة حيث أشار الاستطلاع إلى أن نصف الأمريكيين فقط لديهم انطباعا إيجابيا عنها .
وتزامن هذا مع فضيحة القساوسة الشواذ وقول وكالة أسوشيتدبرس الأمريكية إن عدد القساوسة الشواذ الذين سلمت أوراقهم إلى الشرطة قد ارتفع إلى 260 قسا في أمريكا فقط ، بعدما رفع 550 شخصا قضايا ضد رجال دين مسيحيين في ولايتي (ماسوشيستس) و(مين) فقط بسبب سلوكياتهم الأخلاقية الفاضحة !.
ولا يقتصر الشذوذ والسقوط من جانب القساوسة علي أمريكا فقط ، ولكنه يمتد إلى كل كنائس أوروبا التي اصبحت تعاني فراغا وإعراض الجمهور عنها .
وكمثال ، فقد سعت الكنيسة الكاثوليكية في بلجيكا إلى تكثيف جهودها لمكافحة الاعتداء الجنسي على الأطفال من جانب القساوسة وموظفي الكنائس. وشكَّل أساقفة الكنيسة الكاثوليكية في مؤتمر عقدوه في بروكسل العام قبل الماضي لجنة تحقيق داخلية مستقلة لهذا الغرض.. حسبما أعلنت وكالة الأنباء الكاثوليكية "كاث برس".
ونظرت اللجنة في شكاوى الضحايا المعنيين، ودرست إجراءات تأديبية بحق عناصر الكنيسة المتورطين في ممارسات لا أخلاقية بحق الأطفال. وجاء هذا الإجراء عقب الكشف عن حالات اعتداء جنسي عديدة تورَّط فيها قساوسة كاثوليك في بلجيكا خلال السنوات القليلة الماضية .

صرخة ما قبل انهيار الحضارة الغربية
وقد دعا هذا التطور الخطير وتزايد اعتناق الشباب الغربي للعقائد الوثنية التي سبق أن أنتشرت في بعض الدول الأفريقية مع ما يرتبط بها من تزايد السلوك العدواني والرغبة في الموت والخلاص من الحياة ، لفتح مجلات أمريكية عديدة لهذا الملف خصوصا مع تزايد حالات الانتحار الناتجة عن هذه العقائد الوثنية .
وفي هذا الصدد نشرت مجلة "وستلبيلاور" الأمريكية ملف كامل تحذر فيه من هذه الوثنية الجديدة "التي تستهدف – كما قالت - الأساس الديني المسيحي في أمريكا وتعمل على هدمه" كما تقول المجلة. وقالت أن هذا الغزو الوثني يشمل عقائد شاذة قديمة عرفها المجتمع البشري في عصوره المظلمة (الويكا) جنبًا إلى جب مع أفكار متطرفة ظهرت حديثًا مثل "العولمة" ، وأفكار أخري لديها اهتمام مبالغ فيه بالبيئة ويصل إلى تقديسها يطلق عليها أسم "الدين الأخضر" !.
وتحذر المجلة من أن الوثنين الجدد الذين يرتدون قناع الحداثة يستهدفون خلق قاعدة من المهووسين بهم من كل العمار ليكونوا فيما بعد نواة تمهد لنشر دعواهم الغريبة التي تتميز بالتطرف في كل أنحاء العالم بما يهدد بانهيار المجتمع الأمريكي ومفهوم الكيان المميز والخاص لأمريكا.
ولكي تدلل علي خطورة الظاهرة قالت المجلة أن هذا الغزو الوثني يشمل عقائد شاذة قديمة طالما عرفها المجتمع البشري في عصوره المظلمة السحيقة قبل ظهور الديانات السماوية جنبًا إلى جنب مع الأفكار المتطرفة التي ظهرت حديثًا، وإن الكثير من هذه الأفكار المتطرفة ما هي إلا ردة يشهدها المجتمع الأمريكي وإحياء للعديد من مظاهر الوثنية البدائية، ولكن في القرن الواحد والعشرين وخطورتها أنها تعمل على تدمير الاقتصاد والحضارة البشرية وتنتشر من الغرب الي كل العالم .
بل أن الدراسة التي وضعتها مجلة "وستلبيلاور" اتجهت اتجاها أخرا علي غرار ما جاء في كتب الماسونية وبروتوكولات حكماء صهيون لتشير إلى أن الأمر يبدو وكأن هناك - أفرادا ومنظمات للعولمة تهدف إلى إنشاء "حكومة عالمية واحدة" تسيطر على مجريات الأمور لصالح جماعات محدودة بعينها تضع في يدها حوالي 60% أو 65% من مجمل الثروات العالمية، ويفضل المحللون تسمية هذه الجماعات "بالصفوة".
وعلى رأس هؤلاء جماعة من المسيطرين على قطاع البنوك ألمعهم (اليهوديان) "ديفيد ركفلر" و"جبينجنو برجينسكي" وآخرون يجمعون في أيديهم محصلات التجارة وقطاع المصارف في أهم ثلاث دول في هذا المجال الآن وهي " الولايات المتحدة" و"كندا" و"اليابان".
وبالطبع لم تنس المجلة الأمريكية ما سبق أن أشرنا اليه انفا من أن الخواء الروحي في المجتمع الأمريكي هو الذي مهد لعودة الكثير من الخرافات والدجل الذي مارسته البشرية قبل ظهور الأنبياء، حتى إن الولايات المتحدة أصبحت مسرحًا لعقائد شاذة أغرب من أن يتم ذكرها، وعلى رأس هذه العقائد تأتي ممارسات "الويكا" أو " شعوذة" الساحرات" كما عرفت في عصور ما قبل التنوير، وهي ممارسات انتشرت كثيرًا في "بريطانيا" في الأربعينيات من القرن الماضي.
وقد شهدت "الويكا" عدة إضافات عقائدية حديثة مهدت لإعادة انتشارها في "الولايات المتحدة" والعالم حيث إنها أعادت طرح بعض العقائد والأفكار الماسونية والخلاص الروحي، بعد أن سادت هذه الأفكار في المجتمعات الغربية مؤخرًا، ونتيجة لذلك انتشرت "الويكا" بسرعة الصاروخ في أمريكا وأوروبا وكندا، حتى إن هناك 13 جماعة مسيحية متدينة طالبت بمقاطعة الجيش الأمريكي عام 1999 حتى يحدد موقفه من قبول اتباع "الويكا" أو "عقيدة الساحرات" بين صفوفه .
كذلك تؤكد المجلة ما سبق الإشارة إليه عن أن ضعف وفساد الكنيسة عجل من انتشار هذه العقائد حيث تقول :"إن الكنسية الكاثوليكية"التقليدية تتعرض لهجوم واسع النطاق من أكثر من جبهة، وأن ما ينشر عن فضائح رجال الدين الجنسية داخل مؤسساتها ما هي إلا إحدى صور هذا الهجوم الذي كان من نتائجه أن تم قبول فكرة الشذوذ بين القساوسة، وهي الفكرة التي يرفضها الكتاب المقدس تمامًا، مما ينذر بقرب انهيار مفهوم الكنسية ذاته!
هذا بخلاف منع دراسة مادة الدين وفقرات الكتاب المقدس في المدارس الأمريكية، مما أسهم بصورة كبير في تراجع "المسيحية" أمام العقائد الشاذة التي تغزو المجتمع الآن.
والسؤال هو : هل يتسارع انهيار القيم الأخلاقية في الغرب مع انتشار هذه العقائد الوثنية ،وهل ينعكس هذا علي الحالة السياسية ومن ثم انتشار مفاهيم العنف والبلطجة في العلاقات الدولية علي غرار ما تسعي واشنطن لتنفيذه بضرب العراق حتى لو عارضت الأمم المتحدة ذلك ؟!
ثم هل يعجل كل ذلك بانهيار الحضارة الغربية كما انهارت من قبل حضارات كبري كالرومانية بسبب الانهيار الأخلاقي وازدياد اللجوء للقوة والعنف مع تزايد اللجوء الأمريكي المفرط لاستخدام القوة (حملة الإرهاب) وتشجيع حليفته إسرائيل عليها ضد الفلسطيني ؟!.
هنا نشير الي رأيين غربيين هامين :
الأول : في عام 1987 وصف آستا التاريخ في جامعة ييل، بول كندي في كتابه- قيام وسقوط الإمبراطوريات وقدم تحليلا حول الكيفية التي وصلت بها جميع الإمبراطوريات إلى نقطة الاستنفاذ التي أدت في نهاية المطاف إلى تدميرها.
وكان مما قاله أن القلق الزائد عن حده بخصوص الأمن والإنفاق المفرط دون تناسب على الشؤون الدفاعية كانا من الأوبئة التي أدت إلى سقوط الإمبراطوريات السابقة التي درسها كندي.
الثاني : في كتابها "مسيرة الحماقة" قالت المؤرخة باربرة توكمان: "جميع أنماط الحكم الخاطئة تتناقض مع مصلحتها الذاتية على المدى الطويل ولكن الكثير منها تعزز سلطة النظام مؤقتا، إلا انهار تتحول إلى حماقة عندما تصبح متفشية ودائمة في إطار سياسة غير قابلة للتطبيق عمليا أو على الأقل ستؤدي إلى نتائج عكسية" .
ويبقي السؤال : هل هذا السلوك غير الحضاري الغربي يساعد علي وأد هذه الوثنيات القديمة أم يزيدها انتعاشا بعد انتعاش ؟!

منقوووووووول