مفكرة الإسلام : غدا المسلمون فى فرنسا محور اهتمام العالم فى المرحلة الأخيرة نتيجة ما أثاره قانون منع الحجاب في المدارس الرسمية من جدل كبير حول العلاقة بين الإسلام والغرب وبينه وبين العلمانية الفرنسية على وجه الخصوص ثم تضاعف هذا الاهتمام في ظل حادث اختطاف الصحفيين الفرنسيين في العراق وربط رجال المقاومة الإفراج عنهما بإلغاء هذا القانون وفى الوقت الذي تقيم فيه الأقليه المسلمة المظاهرات من أجل إلغاء قانون منع الحجاب فإن زعماء هذه الاقلية عارضوا عملية الاختطاف هذه وقاموا بدور كبير فى محاولة الإفراج عن الصحفيين من خلال المفاوضات حيث قاموا بزيارة العراق من أجلها أوئل سبتمبر الماضى وقام الدكتور محمد بشاري رئيس الفيدرالية العامة لمسلمي فرنسا بحولة تفاوضية في عدد من العواصم العربية في محاولة للإفراج عن الصحفيين المخطوفين.




ولفهم

هذا الوضع بصورة أدق لابد من إلقاء الضوء أولاً علي مسلمي فرنسا الذين يشكلون أقلية من أكبر الأقليات المسلمة في الغرب حتى يمكننا أن نتفهم مواقفهم الخاصة تجاه تلك القضايا.


تقدر الكثافة السكانية لمسلمي فرنسا بحوالى عشرة بالمائة من مجموع السكان أي حوالى سبعة ملايين نسمة وهم يشكلون الديانة الثانية في البلاد بعد الكاثوليكية وفى البدء فقد أثرت الطبيعة الخاصة للفرنسيين في رفض كل ما هو فرنسي في عدم مقابلة المسلمين الذين وفدوا على فرنسا في العقود الأخيرة بالترحاب وقد يفسر ذلك اتجاه المسلمين إلى العيش فى ضواحى باريس أكثر من وسطها وفى ضوء التناقص الواضح لعدد سكان فرنسا تظل أعداد المسلمين هناك في ازدياد مستمر وفى السنوات الأخيرة أصبح للاقلية المسلمة في فرنسا امتداد اجتماعي وثقافي وحتى سياسي بشكل يختلف تماما عما كانت عليه في العقود الأربعة الماضية وأخذ الأمر خصوصية خاصة بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر الأمر الذى كان له تأثير كبير على تنامى الاهتمام المعرفى بالإسلام والمسلمين بل ويتحدث عدد غير قليل من الفرنسين عن أن باريس قد غدت عاصمة عربية فعلى سبيل المثال فإنه في مدينة سان دونى الضاحية الشمالية الكبرى لباريس تنتشر متاجر العرب وأسواقهم فى مختلف الأحياء والشوارع حتى يخيل للمرء أنه في مدينة عربية وتكثر النساء والفتيات المحجبات حيث تبلغ نسبة المسلمين فى هذه المدينة حوالي 35% وفى تقرير بثته القناة الثانية الفرنسية في أوائل هذا العام عن مدينة تراب والتي تقع بالضواحى الغربية لباريس ذكر أن عدد المسلمين في هذه المدينة التي يبلغ عدد سكانها ثمانين ألف نسمة هو حوالى النصف تقريبا وقد ذكر معد البرنامج أن عمدة المدينة قد رفض في البدء طلب إنشاء مسجد ومركز إسلامى فيها فنظم شباب المسلمين حمله مكثفة تهدف إلى التسجيل في القوائم الانتخابية وعندما أدرك العمدة أن هذه الاصوات الجديدة ستعارض بقاءه فى منصبه استجاب لهم بالموافقة على بناء المسجد الذى غدا ثانى أكبر مركز إسلامى فى البلاد ويبدو أن تنامى هذا الوجود وتنامى فاعليته قد غدا عاملا مهما فى إثارة المخاوف لدى عدد كبير من الفرنسيين وقد تجلى ذلك واضحاً فى التصويت على قانون منع الحجاب بأغلبية نادرة لم يسبق حدوثها في البرلمان الفرنسى الحالى إلا عندما تم التصويت على توسيع الاتحاد الأوروبى وعلى الرغم من التشكيك في القيادات الرسمية الحالية للجالية على أساس أنه قد تم تعينيها من قبل وزير الداخلية الفرنسى الذي هو في نفس الوقت وزير شئون الأديان إلا أنه يجب النظر إلى مواقفهم بعين الاعتبار تبعاً لظروفهم الدخلية في المتغيرات العالمية القائمة فالتوجهات السياسية الفرنسية الحالية ومن بينها قانون منع الحجاب ترمى إلى دمج الأقلية المسلمه في المجتمع الفرنسى وكسر خصوميتها التشريعية أو الدفع بها إلى خارج البلاد وحيث أنهم لن يجدوا وضعاً أفضل حالاً كثيراً في الدول الإسلامية بأنظمتها الحالية فإن العمل على الموازنة تبين أضرار هذه السياسات ومصالح البقاء في فرنسا يكون مشروعا تماما ومن ثم يمكن تفهم موقفهم تجاه موضوع اختطاف الرهينتين الفرنسيتين والذى لم يخرج في عمومه عن موقف الغالب الأعم من التكتلات والحركات الاسلامية في العالم وعلى رأسها مجلس شورى المجاهدين بالعراق والتى نظرت إلى الموضوع على أن هناك مصلحة للأمة الإسلامية بعمومها من مباركة الموقف الفرنسى المناهض لأمريكا في العراق على رغم من مشاركة فرنسا للأمريكيين في غزو أفغانستان وقد قامت هذه القيادات بزيارة تفاوضية في فرنسا استمرت حتى أوائل سبتمبر حاول فيها الدكتور محمد البشارى رئيس الفيدرالية العامة لمسلمى فرنسا التخفيف من حدة الموقف بإعلانه أن هناك إشكالية في تأمين طريق إطلاق سراحهما 0


وقام البشارى ضمن جولة في عدد من عواصم المنطقة في مسعى للافراج عن الرهينتين بزيارة عباس مدني رئيس جبهة الإنقاذ في الجزائر ليؤكد علي التضامن معه في إضرابه على الطعام من أجل الإفراج عن الرهينتين الفرنسيتين.





الكاتب: محمد إبراهيم مبروك