مساجد جزيرة جربة التونسية: البساطة في التصميم.. والتواضع في الزخرفة
بعضها لعب دور الحصن العسكري.. والآخر بني تحت الأرض احتماء من المناهضين
= 350) this.width = 350 ; return false;" src="http://www.asharqalawsat.com/2008/12/23/images/religion1.499970.jpg" border="0">جامع بن فضلون في جزيرة جربة التونسية
تونس:
يمثل المسجد في جزيرة جربة التونسية أحد المعالم الاجتماعية المهمة التي تنبني عليها «الحومة»، وهو يتوسط كل المنازل ويستقطب نشاط المتساكنين في المناسبات والأعياد.. ويعد معمار المسجد في جربة فريدا من نوعه سواء على مستوى التوزيع الجغرافي للعمارة أو كذلك من ناحية الزخارف المعتمدة في تزيين المساجد. وتمتاز المساجد في جزيرة جربة بالبساطة والتواضع، فلا نجد فيها الزخارف المعتادة في بقية المساجد التونسية، وهي لا تتعدى في مثل هذه الحالات الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والأدعية.. ويطغى على المعالم الدينية لونان أساسيان اللون الأبيض كلون أساسي واللون الأخضر لزينة الأبواب والنوافذ. وتتميز مساجد الجزيرة كما ورد في إحدى دراسات رياض المرابط حول تاريخ الجزيرة، بتخطيطها المنفتح، ويتألف المعلم الديني من عدة وحدات معمارية منها ما هو مخصص للشعائر الدينية مثل المساجد و«البرطال» و«دكات» الصلاة. ومنها ما هو مخصص للطهارة كـ«الميضة»، ومنها ما هو مخصص للإقامة كالغرف أو كذلك للتدريس كالكتاب، ونجد من ناحية أخرى فضاءات للنشاطات الاقتصادية كالمخازن وللمنافع الاجتماعية مثل المطابخ.. وعادة ما تتوزع هذه الوحدات المعمارية فوق فضاء مبلط ومعد لتجميع المياه في «مواجل» وفسقيات، كما يحيط بالمعلم الديني سور قليل الارتفاع يمكن من رؤية كافة أجزاء المعلم.
ويصنف الدارسون المعالم الدينية بجزيرة جربة إلى مساجد منقورة في الصخر أو تحت الأرض وأخرى ناتئة ظاهرة للعيان قبالة السواحل البحرية.
وتعبر المساجد المنقورة عن تواصل العادات البربرية وتمازجها مع مميزات العمارة الإسلامية.. وهذه النوعية من المساجد هي الأقدم في جزيرة جربة. وتتدرج هذه المعالم المنقورة كليا في الصخر والتي تجد أصولها المعمارية في القصور البربرية المنتشرة في مناطق الجنوب التونسي.. إلا انه يلاحظ أن بعض تلك المعالم يتطابق مع التخطيط المتداول للمساجد الإسلامية مثل جامع البرداوي.. وهناك نوعية ثالثة منقورة جزئيا في الصخر واعتمدت على مواد البناء المعروفة بالجزيرة.
وتتركز المساجد الناتئة في المواقع العليا؛ فالمساجد الواقعة على شواطئ الجزيرة على سبيل المثال تلعب دور نقاط المراقبة والإنذار المبكر في جزيرة مفتوحة على كل الجهات، وأحجام هذه المعالم الدينية غالبا ما تكون محدودة. أما المساجد الواقعة على السواحل فهي تتميز بمتانة البناء وتوفر تجهيزات دفاعية ضد الأعداء، وهي لا تختلف عن المواقع العسكرية. وهناك مساجد الأحياء؛ وهي محدودة المساحة وموجهة بالأساس لتلبية الحاجيات المباشرة لسكان الحي. كما توجد كذلك مساجد معروفة بحلقاتها العلمية. لذلك نجد من بين مكوناتها الغرف المخصصة للتدريس والغرف الموجهة لإقامة طلبة العلم.
وعلى وجه العموم تسيطر على مساجد جزيرة جربة التونسية الواقعة على مسافة 400 كلم عن العاصمة، روح البساطة مع وجود بعض الاستثناءات البسيطة. وتعتمد أعمال الزخرفة على الأشكال الهندسية دون سواها وذلك على غرار المثلثات والمعينات والدوائر وأنصاف الدوائر.
ولجزيرة جربة تاريخ طويل بدأ مع رحلة «أوليس» منذ أكثر من 30 قرنا وبناء معبد الغريبة والفتح الإسلامي والكر والفر الذي حدث بين المسلمين والبربر، وهو ما أفرز خلافات مذهبية أهمها الصراع المعروف في الجزيرة بين السنة المالكية وأتباع المذهب الاباضي.. ومن اغرب المساجد الموجودة في الجزيرة اليوم مسجد «سدويكش» المبني تحت الأرض وكذلك مسجد طريق «أجيم»؛ وهذان المسجدان موجودان بالكامل تحت الأرض ما عدا المدخل وبعض القباب التي تبقى على السطح.. وتقول المراجع التاريخية إن أتباع المذهب الاباضي كانوا يلجأون إلى أسلوب التقية ويمارسون شعائرهم الدينية بعيدا عن مناهضيهم. ويعتبر جامع بن فضلون من بين أعجب وأغرب المعالم الدينية في الجزيرة، وقد اكتسب شهرته بفضل ما يسمى بالهندسة اللامتوازية التي اعتمدها من بناه؛ وهو متفرد في هذا المجال بالمقارنة مع التراث المعماري التونسي، فإذا شاهده الزائر من بعيد يبدو له متناسقا تناسق سائر المباني الدينية في الجزيرة، أما إذا اقترب منه فانه سيعجب لتفكك مجموعة المباني وغياب النمطية والتوازي مما يوحي بالعظمة والعمق في بناء الأشكال المعمارية. ويعود تاريخ بناء هذا المسجد إلى القرن الرابع عشر للميلاد؛ أي ان له من العمر حاليا أكثر من ستة قرون، وهو يتألف من ثلاثة فروع أساسية حيث ينتصب المسجد وسط صحن مسيج وطليت أرضيته بطلاء كلسي. أما التوابع الداخلية فهي تشتمل على قاعة رئيسة مخصصة لتعليم القرآن وبجانبها غرفتان صغيرتان إحداهما للسكنى والثانية لحفظ المؤن، وهناك توابع خارجية تشمل الميضة والمدرسة القرآنية وتقع قبالتها مطحنة حبوب ومخبزة تحت الأرض. أما المسجد في حد ذاته، فهو شاسع نسبيا ومن مكوناته مئذنة قصيرة وعريضة دعمت جدرانها الخارجية بأكتاف، وهذه الطريقة في دعم المباني هي عسكرية في المقام الأول وربما يفسر ذلك بوجود جامع بن فضلون على مقربة من السواحل مثله مثل مجموعة أخرى من المساجد التي اعتمدت نفس هذه التحصينات، وهي بذلك تلعب دور خط الدفاع الثاني مباشرة بعد المساجد الموجودة على الشواطئ في صورة هجوم الأعداء على الجزيرة.