تمهيد:

الاستشراق ظاهرة شملت شتى فروع المعرفة الإسلامية، وشمولها هذا أتضح مؤخراً بعد أن تخطى الاستشراق مجرد كيل الإتهامات على الكتاب السنة والتراث العربي. وبسبب من شمولية الدراسات الاستشراقية في الآونة الأخيرة يستبعد الناهلون من الإنتاج الفكري للاستشراق أن تكون هناك علاقة بين هذه الظاهرة وبين ظواهر أخرى تختلف مع الاستشراق في الطريقة والوسائل، ويقف البعض موقف المتحفظ عندما تكون هناك إشارة لقيام رابطة بين الاستشراق والاستعمار أو التنصير أو اليهودية/ الصهيونية. ومجيء المستشرقين من دول كان لمعظمها صولات وجولات مع الاستعمار في البلاد العربية والإسلامية[1]، ومجيء المستشرقين من دول تدين بالنصرانية كخلفية دينية لم تستطع التخلص منها وإن فضلت أن تظهر للآخرين بالمظهر العلماني، ومجيء المستشرقين من مجتمعات نشأ فيها اليهود وكان لهم تأثيرهم على هذه المجتمعات سلباً أو إيجاباً، كل هذا لا يبرر قيام رابطة قوية أو علاقة متينة بين هذه الخلفيات والأحداث، وظاهرة الاستشراق، إذ أن الاستشراق في مجمله كان مجرداً من هذه الخلفيات والأحداث على اعتبار أن الاستشراق منهج علمي يدرس ظواهر علمية خلفها سلف الأمة الإسلامية ويحاول الخلف أن يكونوا امتداداً لأولئكم السلف. هكذا يرى البعض الاستشراق إلى الدرجة التي جعلت بعضهم ((يتبنى)) آراء المستشرقين في الكتاب والسنة والتراث العربي الإسلامي، مصراً على أنه لا يخرج بهذا عن الخط الإسلامي وإن قال في كتاب الله وسنة نبيه – عليه السلام – ما يصل بالمرء إلى الخروج من الملة.
والطيب في الأمر أن هؤلاء المنبهرين قلة. وهم يتقلصون مع ارتفاع نسبة الوعي الثقافي والفكري بين العرب والمسلمين، وإدراك الكثير من المفكرين أن الهروب من الدين لم يعن الأمة على الوقوف على أقدامها بقدر ما أعانها على التعثر أكثر مما تعثرت من قبل. فبحث المفكرون مرة أخرى في أسباب انحطاط المسلمين وما خسره العالم من هذا الانحطاط، فلم يكن هناك بد من الوقوف على إسهامات المستشرقين مجملة وكونها أثراً من آثار هذا الانحطاط عندما تبين أن هؤلاء المستشرقين – في مجملهم – كانوا عوناً على الحملات الاستعمارية على البلاد العربية والإسلامية، و((قاعدة المعلومات)) لحملات التنصير التي لا تزال تجتاح المجتمع العربي والإسلامي، وتبين لهؤلاء أن قسماً من المستشرقين – كانوا منصرين، كما تبين لهؤلاء أن الاستشراق مهد بطريق مباشر لقيام وطن قومي لليهود في فلسطين وأن الاستشراق لا يزال يسعى إلى تسهيل مسألة قبول قيام الوطن القومي لليهود في فلسطين بين المفكرين الغربيين والمفكرين العرب على حد سواء.
ولا يكفي أن يقال أن هناك علاقة ضعيفة أو قوية بين التيارات المعادية للإسلام دون اللجوء إلى إقناع بوجود هذه العلاقة مع شيء وافر من التجرد الذي تفتقر له التيارات. والتجرد ديدننا لا نستطيع الخروج عنه مغلبين جوانب أخرى كالعاطفة مثلاً وإلا خالفنا نصاً منهجياً من نصوص القرآن الكريم. وفي التجرد عدل نحن مطالبون به حتى مع أولئكم الذين لم يراعوا فينا هذه الجوانب التي تسمو بالإنسان وترتفع به إلى درجات الكمال الإنساني، قال تعالى: {ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقو الله إن الله خبير بما تعملون} الآية (8) من سورة المائدة.
ومع هذا فإن محاولات إيجاد علاقة بين هذه التيارات المعادية للإسلام لم تخل في مجملها – وليس كلها – من تغليب العاطفة في مواقف يمكن حصرها. ولأن هذه المحاولات مكتوبة قابلة للمراجعة فينتظر منها أن تعالج هذا الجانب الذي يمكن أن يفهمه ويقدره المتلقي لو كان التلقي مشافهة وارتجالاً. وعلى أي حال فإن تغليب جانب العاطفة ليس سمة يمكن تعميمها على جميع الأعمال التي سعت إلى تأكيد هذه العلاقة.
على أن الأعمال العلمية التي سعت إلى تأكيد العلاقة بين التيارات المعادية للإسلام والتي لم تقتصر على هذه التيارات الأربعة (الاستشراق والتنصير، والاستعمار، والصهيونية) لم تعالج هذه القضية بتوسع لأنها كانت ضمن أعمال عامة في مجال الاستشراق بخاصة. عدا بحث في العلاقة بين الاستشراق والتنصير نشر في ((أخبار العالم الإسلامي)) في حلقات، لعله يجمع ويصدر في كتيب واحد تعميماً للفائدة وقد ورد ذكره في هذه المحاولة لتأكيد العلاقة بين الاستشراق والتنصير.
ولا يزال موضوع العلاقة بحاجة إلى مزيد من البحث والغوص في حياة المستشرقين العلمية – وربما أنشطتهم الأخرى، يستشف منها الباحث دلالات مقنعة لقوة العلاقة ناهيكم عن تحققها، ولا يبدو أننا – هنا – بحاجة قوية لتحقيق وجود العلاقة. ولكن الحاجة قائمة لتأكيد مدى القوة في العلاقة بين مجموع هذه التيارات المعادية. وربما بحثت العلاقة بين الاستشراق وبعض التيارات الأخرى التي خرجت عن الملة وهي لا تزال تدعي أنها من الإسلام.
وعلى أي حال فظاهرة الاستشراق[2] تحتاج إلى مزيد من الدراسة والبحث تسبر غورها وتبتعد عن التكرار وتتخصص في جوانب ضيقة من هذه الظاهرة. ولعل الأقسام العلمية في الجامعات الإسلامية والعربية تسهم في مثل هذه الطريقة في البحث وتكثف من اهتمامها بهذه الظاهرة، على اعتبار أنها الظاهرة الوحيدة من بين الظواهر الأخرى التي ادعت العلمية والمنهجية، وسعت بهذا اللباس إلى تحقيق أهداف استعمارية وتنصيرية واقتصادية وعقدية وفكرية، كلها تتعارض مع الخط الإسلامي على أخف الأحكام.
ولعل مراكز البحوث المهتمه بالدراسات الإسلامية تسهم في هذا المجال فتوفر المادة العلمية للباحثين وتعينهم على الدراسات وتعقد المؤتمرات والندوات التي تُقوِّم جهود المستشرقين وإسهاماتهم في خدمة التيارات الأخرى، وعقد الموازنة بين خدمتهم للإسلام والتراث وجهودهم في خدمة التيارات. وكان الله في عون الجميع.

1 – الاستشراق في خدمة التنصير:
يقيم الإسلام حواجز ضخمة أمام المسيحية في كل مكان حل فيه دعاته وعلماؤه. وقد أظهر واقع الأحداث التي عاشها المنصرون خطاً ما ذهب إليه القدماء من أن الإسلام يعتبر بالنسبة للشعوب الإبتدائية خطوة أولى ممهدة لاعتناق المسيحية. فاعتناق الإسلام يقود الإنسان إلى الإيمان بوحدانية لها من القوة على النفوس يمكنها من تحصينها ضد الدخول في المسيحيه بعد أن صار المرء مسلماً[3].
والحديث عن نشأة الاستشراق ودوافع الاستشراق وأهدافه قد أبانت عن قيام علاقة قوية بين الاستشراق والتنصير. والتنصير كان دافعاً وهدفاً من جملة الدوافع والأهداف الدينية للإستشراق. وعشرون من تسعة وعشرين من طلائع المستشرقين كانوا منصرين أو رهباناً أو عاملين في الأديرة[4].بل إن أول المستشرقين في نظر ((العقيقي)) وهو (جرير دي أورالياك 938 – 1003) كان من الرهبانية البندكتية. ومع أن الاستشراق قد بدأ عليه التحرر من سيطرة المنصرين ونفوذهم إلا أن فكرة التنصير لا تزال عالقة في أذهان المستشرقين[5]، على إعتبار أنها كانت هي المنطلق الأول لهذا الإتجاه الفكري. وانشغال المستشرقين بالرهبنه قد لا يوحي للبعض إنشغالهم بالضرورة بالتنصير. وقد يصدق هذا على غير المستشرقين من المنشغلين بالرهبنة والأديرة والكنائس، ولكنه يبعد أن يصدق على مستشرق وجه جهوده العلمية إلى مواقع للتنصير فيها مطامع قديمة متجددة.
ويفرد ((نجيب العقيقى))[6]، فصلاً كاملاً عن المستشرقين الرهبان وهم موزعون على النحو التالي:
– الرهبان البندكتيون. – الرهبان الكرمليون. – الرهبان اليسوعيون.
– الرهبان الفرنسيسكان. – الرهبان الدومنيكيون.
– الرهبان الكيوشيون. – الرهبان البيض.
وقد أوصل عدد المستشرقين الرهبان إلى مائة واثنين وثلاثين (132) مستشرقاً راهباً، 75% منهم عاشوا في القرن العشرين.
أما الفصل الخامس عشر من الجزء نفسه فقد خصصه المؤلف للمستشرقين اللبنانيين، وركز فيه على المدرسة المارونية، وأوصل عدد مستشرقيها إلى ثمانية وثلاثين مستشرقاً مارونياً جعل نفسه آخرهم. وأكثر من 25% منهم عاشوا في القرن العشرين.
وإذا كنا قد وصلنا إلى أن الاستشراق في نشأته قد انطلق من الأندلس وعلى يد تلامذة المسلمين من النصارى فإن التنصير قد انطلق أصلاً مع الحروب الصليبية[7]، بشكل أوضح من وفد نجران الذي قدم على الرسول عليه الصلاة والسلام[8]. فلا يبدو أن وفد نجران كان يسعى إلى تنصير محمد عليه السلام. ويمكن أن يعد خطوة أولى في تحدي الإسلام بالنصرانية.
ويأتي الاستشراق ((ليصقل)) التنصير ويكون له مركز المعلومات الذي يمده بما يحتاج إليه قبل أن يقدم على مجرد التخطيط ((وصاموئيل زويمر 1867 – 1952م)) وهو مستشرق منصر في آن واحد يصدر دورية كاملة يستعين بها المنصرون على أداء مهماتهم في العالم الإسلامي الذي بدت عليه الاستحالة في التحول إلى النصرانية، فيعلنها ((زويمر)) نفسه أنه ليس الغرض من حملات التنصير في العالم الإسلامي أن يتحول المسلمون إلى نصارى، فقد أثبتت التجارب استحالة هذا، ولكن مهمة التنصير في هذا القسم من العالم هو التحول عن الإسلام وكفى[9]. وقد صرح بهذا في مؤتمر القدس التنصيري المنعقد عام 1935م.
كما يأتي المستشرقون ليصبحوا جنود المسيحية الشمالية ((الذين وهبوا أنفسهم للجهاد الأكبر، ورضوا لأنفسهم أن يظلوا مغمورين في حياة بدأت تموج بالحركة والغنى والصيت الذائع، وحبسوا أنفسهم بين الجدران المختفية وراء أكداس من الكتب مكتوبة بلسان غير لسان أممهم التي ينتمون إليها، وفي قلوبهم كل اللهيب الممض الذي في قلب أوروبة، والذي أحدثته فجيعة سقوط القسطنطينية في حوزة الإسلام، ولكن لاهم لهم ليلاً ولا نهاراً إلا حيازة كنوز علم دار الإسلام بكل سبيل، تتوهج افئدتهم ناراً أعتى من كل ما في قلوب رهبان الكنيسة، ولكنهم كانوا يملكون من القدرة الخارقة أن يخالطوا أهل الإسلام في ديارهم، وعلى وجوههم سيمياء البراءة واللين والتواضع وسلامة الطويلة والبشر. وبفضل هؤلاء المتبتلين المنقطعين عن زخرف الحياة الجديدة، وبفضلهم وحدهم بفضل ملاحظاتهم التي جمعوها من السياحة في دار الإسلام ومن الكتب، وبذلوها لملوك المسيحية الشمالية نشأت طبقة الساسة الذين يعدون ما استطاعوا من عدة لرد غائلة الإسلام ثم قهره في عقر داره، ولتحقيق الأحلام والأشواق التي كانت تخامر قلب كل أوروبي أن يظفر بكنوز الدنيا المدفونة في دار الإسلام وما وراء دار الإسلام. وهم الذين عرفوا فيما بعد باسم رجال ((الاستعمار)). وبفضلهم وحدهم أيضاً، وبفضل ملاحظاتهم التي زودوا بها رهبان الكنيسة ثارت حمية الرهبان ونشأت الطائفة التي تدرت نفسها للجهاد في سبيل المسيحية، وللدخول في قالب العالم الإسلامي لكي تحول من تستطيع تحويله عن دينه إلى الملة المسيحية، وأن ينتهي الأمر إلى قهر الإسلام في عقر داره – هكذا ظنوا يومئذ – وهذه الطائفة هي التي عرفت فيما بعد باسم رجال ((التبشير)). فهذه ثلاثة متعاونة متآزره متظاهرة، وجميعهم يد واحدة لأنهم أخوة أعيان، أبوهم واحد، وأمهم واحدة، ودينهم واحد، وأهدافهم واحدة ووسائلهم واحدة[10].
ويصعب جداً أن تقوم حركة التنصير في بيئة ما دون معرفة هذه البيئة معرفة شاملة. ثقافية ودينية وتاريخية وجغرافية واجتماعية. وتتأتى هذه المعرفة عن طريق الاستشراق حتى أن أحد الكاتبين أراد أن يقسم التنصير إلى نوعين، التنصير الصريح والتنصير المختفي. والتنصير الصريح يكون علمياً نقاشياً أو سفسطائياً تشكيكياً. ويكون أيضاً بالعنف. فالتنصير العلمي هو ما جاء عن طريق المستشرقين. أما التنصير بالعنف فهو ما جاء عن طريق الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش واختطاف الأطفال ثم الاستعمار.
والتنصير الخفي أو المختفي هو ما يأتي عن طريق الإرساليات الطبية والتعليمية المهنية والفنية والجمعيات الخيرية الإجتماعية وغيرها[11]. ويلاحظ أن جزءاً من العالم الإسلامي لا يزال يسمى الممرضة إلى اليوم ((سستر)) وهي الأخت في عالم الرهبنة، بينما أوروبا وأمريكا لا تسميها إلا بالممرضة. وهناك بعثات تنصيرية توغلت في مجتمعات المسلمين واكتسبت شهرة عالمية وتعاطفاً لم يسلم منه بعض من أبناء المسلمين. مثل بعثة ((الأم تيريزا)) في الهند التي لم تعلن يوماً أنها جاءت إلى شبه القارة رغبة في بسط تعاليم المسيح، ولكنها تظهر دائماً رغبتها في إحتضان المشكلات الصحية والطبية وعلاجها والقضاء على الأوبئة والأمراض المعدية، يعمل معها فريق من الممرضات الهنديات ذوات التأثير الفعال في مجتمعهن. ولا تبرز في عمل ((الأم تيريزا)) العلاقة الواضحة بينها والاستشراق ولا يمكن للمتعاطفين معها أن يربطوا بينها وبين المستشرقين. وإن لم تكن هناك علاقة قوية فلا شك أن منطلقها كان عن طريق هؤلاء المستشرقين الذين أعانوها على التعرف على البيئة التي تعمل بها. وأمثال ((الأم تيريزا)) كثير في آسيا وأفريقيا، تحاول بقدر الإمكان الإبتعاد عن الأضواء خشية الإلتفات إلى الأغراض الحقيقة لهذه الأعمال ((الإنسانية)). كما تحاول الابتعاد عن إبراز وجود علاقة بين العلم – الآتي عن طريق المستشرقين – والدين الذي تتبناه بناء على ما شاع من العداوة بين العلم والدين في العقيدة المسيحية المتأخرة. فإذا برزت هذه العلاقة ظهر التناقض وخفت حدة التأثير على المستهدفين. ومن المعلوم أن تهيئة المنصرين إنما قامت على أيدي المستشرقين سواء كان هؤلاء المستشرقون من الرهابنة القساوسة أو كانوا بعيدين عن الألقاب الدينية. يقول ((محمد عبدالفتاح عليان)): "لم يكن عمل المستشرقين منفصلاً عن عمل المبشرين، فالاستشراق في نشأته ما هو إلا أداة من أدوات التبشير – ثم استغل في مرحلة لاحقة – لتحقيق مطامع الدول الاستعمارية. وقد نزل كثير من أساقفة الكنيسة الكاثوليكية إلى ميدان الاستشراق بقصد التبشير وتدريب المبشرين على العمل في بلاد الشرق"[12].
فتعلموا العربية ودرسوا الإسلام واهتموا بالترجمة وأقاموا المطابع العربية.
وقد سبقت الإشارة إلى أن الاستشراق قد ولد من أبوين غير شرعيين هما الاستعمار والتنصير. فالاستشراق لا يزال يعمل من أجل هذا الغرض الذي وجد من أجله، وإنما تتغير الأساليب والطرق والوسائل ملائمة للزمان. ويجد المرء أهداف المنصرين واردة في أعمال المستشرقين التي وجدت رواجاً بين المنصرين في معاهدهم وإرسالياتهم ومؤتمراتهم بل جامعاتهم المقامة في العالم الإسلامي على شكل مناهج ودراسات في مجال الإنسانيات[13].
ولابد من الإلتفات إلى المجتمع الغربي نفسه، فالتنصير لم يكن موجهاً إلى آسيا أو أفريقيا فحسب، ولكن أوروبا وأمريكا أيضاً حظيتا بنصيب وافر من حملات التنصير التي أرادت تأكيد قوة الكنيسة خاصة بعد أن بدأت المعلومات عن الإسلام ((تتسرب)) إلى المجتمعات الأوربية، وخاصة منها المفاهيم الصحيحة عن الإسلام فاستعان التنصير هنا بالاستشراق في الافتراء والتشنيع على الإسلام وتشويه أحكامه الإلهية العادلة))[14]، قصداً إلى الحد من انتشار الإسلام في أوروبا نفسها في الوقت الذي تتجه فيه الأنظار إلى تنصير معاقل الإسلام. ومعلوم أن الطريق إلى تحقيق غايات التنصير يبدأ قطعاً بتجريد الأمة من انتماءاتها العقدية أولاً، يقول ((وليم جيفرد بالغراف)): "متى توارى القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرج في سبيل الحضارة التي لم يبعده عنها إلا محمد وكتابه"[15].
وربط علاقة بين الاستشراق والتنصير على وجه العموم تصطدم بوجود مجموعة من المستشرقين ((العلمانيين)) واليهود الذين لا يتصور منهم أن يكونوا مدفوعين بخدمة التنصير أو أن تكون من أهدافهم خدمة الكنيسة، فهذه الفئة من المستشرقين تتناقض في منطلقاتها مع الكنيسة. وعليه فلابد هنا من الاحتراز من خلال الابتعاد عن التعميم الذي قد يفهم عند الحديث عن الروابط بين الاستشراق والتنصير.