خواطر إسلامية
في تحويل القبلة
لايزال تحويل القبلة من بيت المقدس إلي الكعبة المشرفة هو موضع اهتمامات المتحدثين في هذه الأيام. فنحن في الأيام الأولي من الشهر الذي تم فيه التحويل وهو شهر شعبان والذي يجب ان يشغل الناس في هذه المناسبة هو أمر التحويل نفسه وليس ما يتصل به من أقوال المتأخرين في أدعية معينة اعتاد الناس التوجه بها إلي الله في ليلة النصف من شعبان. وهي أدعية غير مأثورة حتي يصر الناس علي الاتجاه بها دون غيرها إلي ربهم في هذه الليلة.
وتحويل القبلة في حد ذاته حدث جليل الشأن يحسن بالناس ان يكون في دعييهم. فالقبلة الأولي لسيدنا إبراهيم عليه السلام هي الكعبة والمعروف ان دين الله واحد في الاتجاه بالعبادة إليه وفي طاعته لما أمر به ولما نهي عنه وقد كان الاتجاه إلي بيت المقدس في الصلة مشروعاً في أول الأمر ثم جاء أمر الله بالتحول عنه في الصلاة إلي الكعبة التي هي قبلة أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام وليس في تحويل الاتجاه عنها إلي الكعبة إهمال لشأنها أو انتقاص من قدرها. فبيت المقدس له حرمته وله احترامه في سائر الزمان. والأرض كلها لله كما نص القرآن الكريم ذلك في أمر الله لنبيه صلي الله عليه وسلم عند تحويل القبلة. وذلك في قوله تعالي في الآية "142" من سورة البقرة: "سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلي صراط مستقيم" فالقرآن الكريم قد أخبر مقدماً عما سيقوله السفهاء وهم بنو إسرائيل عند تحويل القبلة فقد كانوا يقولون علي النبي صلي الله عليه وسلم قبل هذا التحويل وهو يأمرهم بالإسلام إذ كانوا يقولن: "ما بال هذا الرجل يخالف ديننا ويتبع قبلتنا" والجدال في كل أمر خصيصة من خصائص بني إسرائيل نراها فيهم حتي اليوم. وستظل فيهم فيما يقبل من الأيام والليالي إلي آخر الزمان وقد وصفهم الله بالسفهاء. ولذلك ستظل السفاهة في طباعهم إلي أن تنتهي الدنيا لأن اخبار الله صادق في كل شيء. والأمر للنبي صلي الله عليه وسلم بأن يقول: إن المشرق والمغرب لله. وليس معني "فأينما تولوا فثم وجه الله" أن يتخذ الإنسان قبلته بنفسه. لأن الصلاة لله. وهو الذي حددها وصفا وطريقة وعدد صلوات وعدد ركعات كل صلاة وذلك اخبار من النبي صلي الله عليه وسلم لأمته. فيجب الالتزام بها كما أخبر رسول الله صلي الله عليه وسلم. فهو القائل: "صلوا كما رأيتموني أصلي" وهو القائل لأمته في الحج: "خذوا عني مناسككم" ولذلك فإن شعائر الإسلام منقولة عن النبي صلي الله عليه وسلم. وهو الذي تلقي الوحي بالدين كله من الله سبحانه وتعالي والاتباع أساس في الإسلام وإذا كان للعقل مجال في التفكير الإنساني. فإن هذا العقل لا مجال له في شرعية العبادات وأوصافها فلا يصح أن تكون العبادات محل تفكير عقلي. وليس علي الإنسان إلا أن يدخل إلي الإسلام بعقله. وبعد ذلك يتلقي الأوامر من الذي فرض هذا الدين بالعبادات. وإذا جاء العقل يفسرها بعد ذلك بالطهارة للصلاة وبالصحة للصيام. فهذا لا شأن له بتقرير العبادات. لأن العبادة لله الذي يؤمن به المسلم. وهو جل شأنه هو الذي يقرر كيفيتها. ولذلك فإنها لا محل فيها لأعمال العقل ومنذ سنوات غير قليلة تحدث أحد الأطباء في الصيام ويهدف من حديثه إلي تجريح الصدق فيما ينسب إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم من قوله "صوموا تصحوا" وأخذ يوظف علمه الطبي في تجريح كون الصيام متضمناً كمال الصحة للإنسان. ولكن أقواله التي استند فيها إلي قواعد علمية ذهبت هباء وبقي الصيام كما هو عبادة يحتفي بها المسلمون حفاوة بالغة. لأن الشهر الذي أمر الله بصيامه هو شهر رمضان وهو الشهر الذي أنزله فيه القرآن هدي للناس وبينات من الهدي والفرقان. ولذلك أمر الله بصيامه حيث قال بعد هذا البيان "فمن شهد منكم الشهر فليصمه" ثم بين الأعذار التي قد تمنع من الصيام كالمرض والسفر وأمر بقضاء الصيام بعد انتهاء هذه الأعذار.
ونحن إذ نذكر ذلك ونتذكر تداعياته في مناسبة تحويل القبلة في ليلة النصف من شعبان فذلك إيمان منا بالإسلام كما أنزله الله. وكما أخبر به رسول الله صلي الله عليه وسلم