أنصح نفسي أولا ثم إياكم

أعمال قليلة بأجور كبيرة

الإخوة والأخوات :


جماع الخير كله الأعمال الصالحات، وجماع الشر كله الأعمال السيئات، وهل شقي بطاعة الله أحد؟! وهل سعد بمعصية الله أحد؟! وقد جعل الله الجنة ثوابًا لفعل الخيرات وترك المنكرات، وجعل النار عقابًا لفعل المنكرات وترك الخيرات، كما قال تعالى:

{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل: 5 -10]،

{وَتِلْكَ الجَنَّةُ الَتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف: 72]،

وقال تعالى: {فَأَمَّا مَن طَغَى * وَآثَرَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الجَحِيمَ هِيَ المَأْوَى} [النازعات: 37 - 39].

وقد جعل الله الأعمال الصالحات أسبابًا لكل خير في الدنيا والآخرة؛ فلا تزهد أيها المسلم في أي عمل صالح، واحرص على فعل الخير في أي وقت تيسر لك؛ فإنك لا تدري أي عمل خير يرجح به ميزان حسناتك، {فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} [القارعة: 7].

والإكثار من قليل الأعمال الصالحة يكون كثيرًا مباركًا كما قال تعالى:

{إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً} [النساء: 40]،

فكيف بالأعمال المباركة العظيمة؛ فطوبى لمن جمع بين أجناس الأعمال الصالحة أعلاها وأدناها، فذلك الذي سبقت له من الله السوابق.


والمسلم إذا أدى الفرائض، واكتسب ما تيسر من أعمال البر، فهو على سبيل نجاة، قد وفقه الله لطريق الفائزين المفلحين، وطرق الخير كثيرة، وأبواب البر مشرعة، والأعمال الصالحات واسعة الميادين، وقد قال تعالى:

{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133]،

وقال تعالى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ} [الحديد: 21]،

وقال تعالى: {فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} [المائدة: 48].


وكما على المسلم أن يحرص على الأعمال الصالحة ولو كانت قليلة، فعليه أن يحذر المعاصي ولو كانت حقيرة في عينه؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم:

((إياكم ومحقرات الذنوب، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه)).


والأعمال الفاضلة ترجع إلى ثلاثة أنواع:


النوع الأول: الأعمال الفاضلة التي يعود نفعها إلى المكلف نفسه ولا تتعدى لغيره:كالصلاة، والذكر، والصيام ونحو ذلك.

وقد جاء في هذا النوع ترغيب كبير؛ فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال:

((سئل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة؟ قال الصلاة في جوف الليل، قال فأي الصيام أفضل بعد رمضان؟ قال شهر الله المحرم))؛ رواه مسلم.

وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

((من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة))؛ رواه الترمذي والطبراني بلفظ ((انقلب بأجر حجة وعمرة))، قال المنذري: وإسناده جيد.


وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

((كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يومٍ تطلع فيه الشمس، ويجزئ من ذلك ركعتا الضحى))؛ أي أن كل عضو من أعضاء الإنسان عليه صدقة، فإذا تصدق بعدد أعضائه فقد زكى بدنه، ويجزئ عن ذلك ركعتا الضحى.


وعن أبي الدرداء – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: يقول الله تعالى: ((يا ابن آدم اركع لي أربع ركعات أول النهار، اكفك آخره))؛ رواه الترمذي، وهذه الأربع غير الفجر وسنته.


وعن أبي ذر – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((وإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحط عنك بها خطيئة)).


وعن أبي الدرداء – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:

((ألا أخبركم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، وخير لكم من أن تلقوا العدو وتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ذكر الله))؛ رواه أحمد والترمذي والحاكم وصححه.


وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في أول يومه مائة مرة، كانت له عِدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت حرزا له من الشيطان يومه ذلك حتى يُمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك))؛ رواه البخاري ومسلم.


وفي صحيح مسلم:

((من قال سبحان الله وبحمده، في أول يومه وفي آخره مائة مرة، لم يأت أحد بأفضل مما جاء به)).


ومن أفضل الذكر ما يقال عقب الصلوات الخمس، من الأذكار المشروعة، فهي باب جامع للخيرات، ودافع للشرور والمكروهات.


وعن عبدالله بن عمرو – رضي الله عنهما – قال: قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((صم من كل شهر ثلاثة أيام، وذلك كصيام الدهر)).


والنوع الثاني من فضائل الأعمال الصالحة: ما يتعدى نفعه إلى الخلق:

وهي إحسان إلى النفس، وإحسان إلى الغير، وفيها تسابق المتنافسون، وفاز أهلها بخيري الدنيا والآخرة.

عن عبدالله بن عمر – رضي الله عنهما – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال:

((أربعون خَصلة أعلاها منيحة العنز، من عمل خصلة منها، رجاء ثوابها، وتصديق موعودها - دخل الجنة)) رواه البخاري.


وعن جابر – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((كل معروف صدقة، ومن المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق، وأن تفرغ من دلوك بإنائه)) رواه أحمد.


وعن أبي ذر – رضي الله عنه – قال:

((قلت: يا رسول الله دلني على عمل إذا عمل به العبد دخل الجنة، قال: يؤمن بالله، قلت: يا رسول الله إن مع الإيمان عملاً، قال: يرضخ مما رزقه الله – يعني يتصدق – قلت: وإن كان معدمًا لا شيء له، قال: يقول معروفًا بلسانه، قلت: فإن كان عييًا لا يبلغ عنه لسانه، قال: فيعين مغلوبًا، قلت: فإن كان ضعيفًا لا قدرة له، قال: فليصنع لأخرق، قلت: فإن كان أخرق – يعني لا يحسن صنعة – فالتفت إلي فقال: ما تريد أن تدع في صاحبك شيئًا من الخير؛ فليدع الناس من أذاه، قلت: يا رسول الله إن هذا كله ليسير، قال: والذي نفسي بيده ما من عبد يعمل بخصلة منها يريد بها ما عند الله، إلا أخذت بيده يوم القيامة حتى يدخل الجنة))؛ رواه ابن حبان في صحيحه، ولبعض ألفاظه شواهد في الصحيحين.

وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: ((إن امرأة بغيًا سقت كلبًا فغفر الله لها))؛ رواه البخاري ومسلم.

وقال – صلى الله عليه وسلم -: ((في كل كبد رطبة أجر))؛ رواه البخاري ومسلم.


والنوع الثالث من أبواب الخير العظيمة: كف الشر والأذى عن الناس:

فيحفظ لسانه، ويحفظ يده، ويحفظ جوارحه كلها، فلا يؤذي أحدًا، ولا يوقع الشر بأحد؛ فيحفظ المسلم بهذا حسناته، ويريح الناس من شره.

فعن أبي ذر – رضي الله عنه – قال: ((قلت: يا رسول الله أي العمل أفضل، قال: الإيمان بالله والجهاد في سبيله، قلت: فإن لم أفعل، قال: تعين صانعًا أو تصنع لأخرق، قلت: أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل، قال: تكف شرك عن الناس؛ فإن ذلك صدقة)) رواه البخاري ومسلم.

قال الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} [الجاثية: 15]،

وقال تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَراًّ يَرَهُ} [الزلزلة: 7 - 8]، وقال تعالى: {إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيماً} [النساء: 31].



فما أفلح أحد إلا بالتقوى، وما خاب أحد إلا باتباع الهوى، والإعراض عن عبودية الخالق، الذي ينفع ويضر ويعذب من يشاء بعدله، ويرحم بفضله من يشاء.

و قوموا بما فرض الله عليكم حق القيام، وتحروا بعباداتكم سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ليكون العمل مقبولاً، واحذروا مبطلات الأعمال، أو ما ينقص الأجور، فإن الرجل يعمل الحسنة ثم يُتبعها سيئة؛ فتبطلها أو تنقص أجرها، واحذروا مداخل الشيطان الذي قعد بكل طريق خير، وتمسكوا بوصية رسولكم – صلى الله عليه وسلم – في قوله:

((إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودًا فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تسألوا عنها)).


واستبشروا عباد الله من الأعمال الصالحات، فقد قال ربكم جل وعلا:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77]،

فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وليحدث كل امرئٍ توبة بعد سيئة، فعن معاذ – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:

((اتقِ الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحُها، وخالق الناس بخلقٍ حسن)).

وأصلحوا القلوب بالإخلاص والتوحيد تصلح الأعمال، وفي الحديث:

((إن الله لا ينظر إلى صوركم، ولا إلى أعمالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم))؛ رواه مسلم.


وفي الحديث عن النبي – صلى الله عليه وسلم -:

((صيام وصدقة وشهود جنازة وعيادة مريض، ما اجتمعت لعبد في يوم إلا دخل الجنة)).


عباد الله {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب: 56]،

وقد قال صلى الله عليه وسلم:

((من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرًا))؛

فصلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين وإمام المرسلين،

اللهم صلِ على محمد وعلى آله محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وسلم تسليمًا كثيرًا.



اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبسًا علينا فنضل،

يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك يا رب العالمين.


اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة،

اللهم أعذنا وأعذ ذرياتنا من إبليس وذريته وجنوده وشياطينه يا رب العالمين، اللهم أعذ المسلمين وذرياتهم من إبليس وذريته وجنوده وشياطينه يا رب العالمين، إنك على كل شيء قدير.

اللهم إنا نسألك أن تغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت،


باختصار
من خطبة للشيخ علي بن عبد الرحمن الحذيفي حفظه الله
__________________

نقلته لكم
والدال على الخير كفاعله
ومن استطاع أن ينشر ما ننقله فجزاه الله خيرا
****