إن من القواعد المقررة في نظام الحكم الإسلامي أن السيادة للشرع، وأن الشرع فوق الجميع، وأنه لا يحق لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، وأنه من يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا. قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا}. وهذه الآية من آيات البلاء والإمتحان والتمحيص، تضع المؤمن على المحك الحقيقي لإيمانه ليتميز الصادق من الدعي، والكيّس من العاجز، وتكشف حقيقة الإيمان عندما يصطدم أمر الشرع مع هوى النفس، وعندما يكون أمر الله ورسوله في كفة، وحظوظ النفس وشهواتها في الكفة. الأخرى. فمن كان يحب الإسلام، ويحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويطمع في رضوان الله وجنته، ويتمنى أن يكون مؤمنا صادق الإيمان، فعليه بالعمل والإخلاص، فالإسلام هو الإستسلام لله عز وجل، والإنقياد له والخضوع له بالطاعة. ولا مجال فيه للإختيار بين قبول ورفض، ولا بين أخذ ورد. فإذا جاء أمر الله ورسوله في مسألة من المسائل فليس غير السمع والطاعة. ولا اعتبار وقتها لهوى النفس ولا لعادات المجتمع، ولا لأي اعتبار آخر. هذا هو معنى الإستسلام لله، والإنقياد له، أما إذا تخيرنا من شرع الله ما يوافق أهواءنا ورغباتنا وعاداتنا وإملاءات الكفار علينا، والمفاهيم الدخيلة على ثقافتنا، فذلك هي الخيرة التي لم يرتضها لنا ربنا سبحانه وتعالى.
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم المبلغ عن ربه تبارك وتعالى كما أمرنا بالصلاة والصيام والزكاة أمرنا بغض البصر وحفظ الفرج وصلاة الجماعة وطاعة الوالدين وصلة الأرحام وحجاب النساء وغيرها من الأوامر ونهانا عن الغيبة والنميمة وأكل الربا وأذى الجار وغيرها من النواهي مما لا يخفى على مسلم ولا مسلمة، فإنه كذلك أمرنا بالحكم بما أنزل الله، وتطبيق الشريعة الإسلامية، وتنصيب إمام واحد على المسلمين جميعا في الدنيا، ونهانا عن موالاة الكافرين واتباع خطوات الشياطين وطاعة أوليائهم وأتباعهم وأفرقائهم، ونهانا عن الحكم بنظامهم واتباع سننهم. قال سبحانه: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ}. وعلى هذا تكون الديموقراطية بمفهومها الغربي محرمة لأنها اعتداء على حق الله ورسوله في التشريع، وتكون الحرية محرمة لأنها تسيب وتفلت من الالتزام بالقوانين الشرعية التي فرضها الله ورسوله، وتكون الاستعانة بالكفار محرمة لأنها تجعل للكافرين على المؤمني سبيلا، وهكذا دواليك.
إن ريح التغيير التي تعصف بالحكام الطواغيت اليوم هي العذاب المقرر لهم في الدنيا، وهي الخزي والمقت لهم باعتبارهم قد ضلوا ضلالا مبينا في عدم التزامهم بما قضى الله ورسوله في أمور الحكم والتشريع، عدا عن عدم التزامهم في أحوالهم الشخصية وضبط أسرهم في تسيب أفرادها الظاهر والخفي. وهذه الريح الشعبية العاتية التي تحمل العذاب الأليم للحكام الطواغيت وللشعوب الثائرة على حد سواء، تجعل كلمة الشعب فوق الكتاب والسنة، وتجعل الشعب مصدر التشريع، وتجعل السيادة والسلطان له جميعا. وفي هذا بلاء كبير، وشر مستطير. فليست العبرة بالأكثرية، ولا يجوز لنا أن نعرض دين الله وشريعته للتصويت، ونأخذ رأي الشعب في دستور لا يقوم على الكتاب والسنة، فالله سبحانه وتعالى يقول: {وإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ}. أي أن أكثرهم يريد الشهوات وانتهاك الحرمات. فليست القضية قضية ديمقراطية وحرية وحقوق مواطنة، مهما كثر عدد المنادين بها، وإنما هي قضية اتباع ما أمر الله به وأداء حقوقه وقيام بواجباته، مهما قل عدد المنادين بها! فيجب علينا أن ندعو الناس إلى ما أنزل الله، وندعوهم إلى تجمعات حاشدة تدعو إلى تطبيق شرع الله بإقامة الخلافة التي هي فرض ربنا، ومبعث عزنا، وقاهرة عدونا، ومحررة أرضنا، وهي منارة الخير والعدل في ربوع العالم. وألاَّ نتبع أهواءهم، وألاَّ نرد الأمر إلى آرائهم، فهي متعددة بعدد رؤوسهم. فإن فعلنا فقد حققنا الهدفين، الإطاحة بحكامنا الطواغيت، وتبني شرع ربنا بعد مبايعة إمامنا. فالحكم لله العلي الكبير، والسيادة للشرع أيها الشعب.
ها هي تونس بعد هروب بن علي منها تُحكم بغير ما أنزل الله، وها هي مصر بعد تنحي مبارك عن رئاستها تُحكم بغير ما أنزل الله، وها هي اليمن تتهيأ لرحيل رئيسها، وبوصلة التغيير فيها تتجه إلى الحكم بغير ما أنزل الله، ولربما تبعتها سوريا أو الجزائر أو الأردن أو غيرها، والنتيجة واحدة لا تتغير، حكم بغير ما أنزل الله فيها، وبقاء لسيطرة الكافر المستعمرين عليها. فلا حول ولا قوة إلا بالله، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
(الخطبة الثانية)
إن الكفار المهيمنين على بلاد المسلمين لهم أصابع ظاهرة فيما يحصل في ثورات الشعوب ضد حكامها المجرمين لامتطائها وتجييرها، ذلك أن مصالحهم لا يمكن حصرها من كثرتها، وليس يحركهم شيء غير تلك المصالح، وقد بدأت تظهر بعض الخيوط التي ترشد إلى تلك الأصابع. فالإنجليز قد بدأوا بتعميق الاتصالات مع المجلس الوطني الانتقالي الليبي مع اقتراب التخلص من عميلهم القديم الذي انتهى تاريخ صلاحيته، وقد رأيتم كيف زار مندوبو المجلس فرنسا. والأميركان قد أوفدوا وزيرة خارجيتهم إلى كل من مصر وتونس بعد هلاك طواغيتهما، وبريطانيا اليوم تسابق الزمن في إيجاد بديل لعميلها علي عبد الله صالح المنتهية صلاحيته قبل أن تتمكن أميركا من قلع نفوذها والانقلاب عليها من خلال مؤسسات المجتمع المدني، وقد عقد السفير الأمريكي اجتماعاً مع منظمات المجتمع المدني في صباح نفس اليوم الذي أعلن فيه علي محسن الأحمر انضمامه إلى المعتصمين. وفي اليوم التالي بدأ الحديث في ساحة الاعتصام عن عدم القبول بحاكم عسكري رئيساً جديداً لليمن. فانضمام علي محسن هو إزاحة لعلي عبد الله صالح وبقاء النظام الحالي على شكله وتحسين صورته فقط!
إننا بحاجة إلى الوعي على ما يدور حولنا، وأن يكون وعينا هذا نابعا من كتاب ربنا عز وجل، وسنة نبينا عليه الصلاة والسلام، عندها فقط نأمل أن ينظر إلينا ربنا بعين الرضى والقبول، ويرفع عنا ما بنا من بلاء، وتتوجه بوصلة حركتا نحو الإسلام.
اننالم نسمع أحدا من المنتفضين الثائرين يقول ليس الحكم لله، ولكنهم يقولونها بطريقة أخرى، يقولون دولة مدنية، ويقولون علمانية، ويقولون ديموقراطية، ويقولون حرية، ويقولون مواطنة، ويرفعون أعلام سايكس بيكو، فمن تابعهم في قولهم فهو مثلهم. أما المخلصون الداعون إلى الله فيقولون: إن الحكم الا لله، ويقولون: أليس الله بأحكم الحاكمين؟ ويقولون: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ويقولون: أمة الإسلام واحدة، لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى، ويقولون، لا تونسية ولا مصرية ولا يمنية ولا أردنية ولا باكستانية ولا غير ذلك من الدعوات الوطنية، بل يقولون خلافة إسلامية، ويرفعون راية العقاب التي هي راية رسول الله صلى الله عليه وسلم. أجل، أيها المسلمون، هكذا يجب أن تكون شعارات التغيير، فالإسلام يعلو ولا يعلى عليه، وهو مظلة تستظل تحته الرؤوس، وليس يستظل هو بظل أحد كائنا من كان. فلا تجعلوا فرحتنا بالإطاحة بحكامنا تفسد باستمرار غضب ربنا علينا. فاللهم إنا نسألك الإخلاص في القول والعمل، وحسن القصد والتوكل.







"نعم إن الخلافة هي البضاعةُ والصناعة، هي العزُّ والمنعة، هي حافظةُ الدين والدنيا، بها تقام الأحكام، وتحدُّ الحدود، وتفتح الفتوح وترفع الرؤوس بالحق"