إن الله قد أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة، فديننا الإسلامي دين كامل لا نقص فيه، وإن الله لا يقبل منا عملاً حتى يكون مُوافقاً لما بيَّنه لنا هذا الدين، أما ما كان مخالفاً له فلا يقبله، والله هو الذي شرع لنا هذا الشرع، وأمرنا أن نعبده على وفقه، فلا نجتهد في عبادات أخرى ليست من دين الإسلام، لأننا ندخل في باب البدع والمحدثات التي نهينا عنها، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " 1، وقال الصحابي الجليل ابن مسعود -رضي الله عنه-: " اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم" 2، فاتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - شرط في قبول العمل.

لماذا لا نحتفل برأس السنة الهجرية كما نحتفل برأس السنة الميلادية ؟

قد يسأل البعض هذا السؤال باعتبار أن المسيحيين يحتفلون برأس سنتهم بل وحتى المسلمين يحتفلون برأس السنة الميلادية فلماذا لا يحتفل المسلمون برأس السنة الهجرية أيضاً ؟ وفعلاً نشاهد اليوم بعض الفضائيات تضع الأناشيد للاحتفال برأس السنة الهجرية من باب التدين والالتزام الديني . لذا لا بد من الإجابة الواضحة لذلك السؤال كي تكون الصورة واضحة للمسلمين .

في البداية نود بيان أن الاحتفال برأس السنة هي سنّة لم يضعها الرسول (ص) مثلاً لكي نلتزم بتطبيقها ، فكم من سنّة وضعها الرسول (ص) ولم نلتزم بها ؟!! كما أن المسلمين الذين يحتفلون برأس السنة الميلادية من الذين ينعقون مع كل ناعق ، فما الداعي الى هذا الاحتفال ؟ أحديث ورد أم آية نزلت ؟ وقد يستنكر البعض هذا الرفض لهذا الاحتفال باعتباره من المباحات كغيره من الأمور المباحة ، لكننا نقول لو بقي الأمر في دائرة المباحات لما اعترضنا ، الجميع يعلم ويشاهد أن المحتفلين (من المسلمين) يحتفل بأساليب محرمة مثل الغناء والرقص وغيرها ، مقلدين بذلك المسيحيين وغيرهم ممن يحتفل برأس السنة الميلادية ، ولا يوجد شخص يحتفل برأس السنة هذه إلا باحتفال محرم إلا ما ندر وشذّ ، لأن الداعي الى الاحتفال بهذه المناسبة هو ليس داعياً دينياً بل هو داعي شيطاني يريد من ذلك إرضاء النفس الأمارة بالسوء .

أما الاحتفال برأس السنة الهجرية فإن كان لأجل كونها رأس سنة فهذا تقليد واضح للغرب والمسيحيين ليس إلا، وأوضحنا التقليد للمسيحيين في احتفالاتهم في رأس السنة أنه تقليد شيطاني وليس تقليد ديني ، والواضح أن من يريد أن يحتفل برأس السنة الهجرية دافعه ديني .
إن مما أحدث الناس من الأمور التي ليست من دين الله الاحتفال بأعياد، ومواسم، لم يأمر بها ديننا الحنيف، إنما هي لمجرد التشبه بأعياد الكفار، ومناسباتهم، أو من باب الابتداع في دين الله، ونحن معاشر المسلمين لنا ديننا وعقيدتنا، ويجب علينا مخالفة الكفار، وعدم التشبه بهم، فقد ثبت عن النبي-صلى الله عليه وسلم- أنه قال:" من تشبه بقوم فهو منهم " 3. كما يجب علينا الإتباع وعدم الابتداع.

وإن من المحدثات التي أحدثت: بدعة الاحتفال برأس السنة الهجرية، ففي بداية كل سنة هجرية تحتفل بعض الدول الإسلامية بعيد رأس السنة، فتعطل الأعمال في اليوم السابق له، واليوم اللاحق له. وليس لاحتفالهم هذا أي مستند شرعي، وإنّما هو حب الابتداع والتقليد والمشابهة لليهود والنصارى في احتفالاتهم. وأول من احتفل برأس السنة الهجرية حكام الدولة العُبيديَّةِ -الفاطميَّةِ- في مصر. ذكر ذلك المقريزيُّ في خِطَطه ضمن الأيام التي كان العُبيديُّون يتخذونها أعياداً ومواسم. قال: (موسم رأس السنة: وكان للخلفاء الفاطميين اعتناء بليلة أول المحرم في كل عام؛ لأنها أول ليالي السنة وابتداء أوقاتها ...) 4 أ.هـ.

ولم يكتفوا بهذا الاحتفال بل تجاوزوه إلى الاحتفال برأس السنة الميلادية الذي يحتفل به النصارى، فتجد كثيراً من البلدان الإسلامية، بل ولا تجد بلدة إسلامية إلا وتحتفل العامة فيها بعيد رأس السنة الميلادية, ولا شك أن الاحتفال سواء أكان برأس السنة الهجرية أو رأس السنة الميلادية، أو غيرها مما أحدثه الناس، من البدع التي نهينا عنها، وهي مخالفة لشرع ربنا، فاتقوا الله أيها المسلمون، واعلموا أن هذا مما يُغضب ربكم عليكم ، ويُعرِّضكم لأليم عقابه.

ثبت عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: ( ما هذان اليومان؟) قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-لماذا لا نحتفل برأس السنة الهجرية كما يحتفل برأس السنة الميلادية ؟ Smile25 إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر) 5.

ومما يدل على أن الاحتفال برأس السنة من البدع, وأنه من محدثات المتأخرين؛ أنه لم يُؤثر عن النَّبيِّ-صلى الله عليه وسلم- ولا عن أحدٍ من أصحابِهِ - رضوان الله عليهم - ولا عن السَّلفِ الصَّالحِ من التابعين وتابعيهم وأعلام الأمة وعلمائِها من الأئمةِ الأربعةِ وغيرهم - رحمة الله عليهم- فلم يثبت عنهم قط أنهم احتفلوا به، ولكن حدث ذلك بعد القرون المفضلة، بعد أن اختلط المسلمون بغيرهم من اليهود والنصارى، بدأ المسلمون يتبعون سنن من كان قبلهم، مصداق قوله-صلى الله عليه وسلم: ( لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لاتبعتموهم)، قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى قال: ( فمن؟!) 6.

ولم يقتصر أهل الإحداث على مجرد الاحتفال فحسب وإنما اخترعوا لأنفسهم عبادات وأذكار في هذه الليلة مثل: دعاء لليلتي أول يوم من السنة وآخرها، والذي يردده بعض العامة في بعض البلدان الإسلامية مع أئمتهم في بعض المساجد، وهذا الدعاء لم يُؤثر عن النبي- صلى الله عليه وسلم - ولا عن أصحابه، ولا عن التابعين، ولم يُروَ في كتاب من كتب لحديث. ومما يقولونه فيه قولهم: " اللهم ما عملته في هذه السنة مما نهيتني عنه ولم ترضه، ونسيته ولم تنسه، وحلمت عليَّ في الرزق بعد قدرتك على عقوبتي، ودعوتني إلى التوبة بعد جراءتي على معصيتك، اللهم إني استغفرك منه فاغفر لي، وما عملته فيها من عمل ترضاه، ووعدتني عليه الثواب، فأسألك يا كريم، يا ذا الجلال والإكرام أن تقبله مني، ولا تقطع رجائي منك يا كريم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم". ويقولون: فإن الشيطان يقول: قد تعبنا معه سائر السنة، فأفسد عملنا في واحدة، ويحثو التراب على وجهه، ويسبق هذا الدعاء صلاة عشر ركعات، يقرأ في كل ركعة الفاتحة، ثم آية الكرسي عشر مرات، والإخلاص عشر مرات 7. ولا يخفى على ذي لب فضلاً عن طالب العلم بطلان هذا الأمر وأنه لم يرد في كتابٍ ولا سُنَّةٍ، وأنَّ دينَ الإسلامِ منه براء .

ومما أُحدث أيضاً في يومي آخر السنة وأولها صيامهما، واستند المبتدعة إلى حديث: (من صام آخر يوم من ذي الحجة، وأول يوم من المحرم، فقد ختم السنة الماضية، وافتتح السنة المستقبلة بصوم جعل الله له كفارة خمسين سنة) وهو حديث مفترى على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد رواه ابن الجوزي في "الموضوعات" (2/199).

تلك هي بدعة الاحتفال برأس السنة الهجرية
وهناك من يقول أن الاحتفال برأس السنة هو احتفال بهجرة الرسول الأعظم محمد (ص) من مكة الى المدينة ، وهذه المناسبة تدعونا الى الاحتفال برأس السنة الهجرية ، إلا أن هذا تبرير غير صحيح لأن الهجرة النبوية من مكة الى المدينة كانت يوم (12 ربيع الأول) كما ذكر الطبري في تاريخه (2/338) 1 ، كما ذكر الطبري أنهم اقترحوا محرم كبداية للسنة القمرية لأنه منصرف الناس من الحج وهو شهرٌ حرام .


وبعد كل هذا يريد البعض الاحتفال برأس السنة الهجرية . { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} سورة آل عمران: 31.