فقه التعامل مع الشائعات 399971_240462986030417_165362713540445_557040_2047957770_n


إن من أخطر الأمراض التي تفتك بالأمة هي الشائعات اذ يضطرب الصف وتهتز الثقة وتشمت الخصوم ويظن ضعاف النفوس بالله الظنون، وجيش الشائعات هو مقدمة جيوش العدو حين تلقاه الأمة بثبات وقوة وعظيم يقين فيعمل على تفتيت اليقين وهز الثقة وهلع النفوس ثم يعيد الكرّة والأمة هزيلة بفعل الشائعة، وصفّها مضطرب بسبب تلك الفتنة، فيقضي العدو عليها بعد أن عجز عن إهلاكها وهي مؤتلفة الفؤاد مجتمعة الصف موحدة الكلمة فالإشاعة يستخدمها المتربصون بالأمة لتحقيق ما عجزت عن تحقيقه الدانة!! والساذجون الذين يطيرون بكل ما يسمعون ويغضبون لكل ما يبلغهم بلا تثبت ولا روية هم أصحاب تديُّن غبي وعقول ضعيفة، فما أسعد العدو بورعهم الكذوب وغيرتهم العوراء وغضبتهم العرجاء، ومن السذاجة وعظيم الحمق وغاية السطحية وأقبح البلادة أن يركب «الغيارى» سفينة إشاعة لا يدرون أنها سترسو بهم في شواطئ العدو بل من خذلان الله للعبد أن يجعل ورعه المُدّعى وغيرته البكماء لإنكار قبيح وتمكين الأقبح ولتغيير السوء وتسليم الرقاب إلى الاسوأ ولمحاربة الفساد والوقوع في فك الأفسد، هكذا تُساق الأمة من مسلخ إلى مسلخ ومن مذبحة إلى أخرى حين تواجه أمورها وتتعاطى مع الواقع بقلب ورع لا عقل له وفؤاد غيور بعيون عمياء وآذان صمّاء يقول الله تعالى «إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينًا وهو عند الله عظيم» وللتعامل مع الإشاعة ثلاث قواعد:
القاعدة الأولى: التثبت
فإن خفيف العقل من يطير بكل شائعة ويُخرج كل ما يدخل بأذنيه من غير وعي ولا بصيرة، ورب كلمة يطير بها تهدم للأمة بنيانًا وتفسد للأمة عملاً والقرآن وهو يدعو إلى التثبت يضع منهجًا رائعًا في تلقي الأخبار لا تمتلكه أمة من الأمم.
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ» الحجرات «6»
القاعدة الثانية: استشارة أهل الخبرة في التعامل مع الإشاعة

فإنه إن نصحت عنده الأخبار وثبتت عنده الأنباء يرجع في فهمها وتحليلها واتخاذ الموقف منها إلى من عركته الفتن وتمتّع بخبرة في إدارة الأزمات فإن من الحديث حديثًا مظهره حلو وسياقه منطقي إلا أن الخبير يعلم من أي كيس خرج ولغة من هذه التي صيغت بها الإشاعة ولماذا وإلى أي شيء ترمي وعلى أي مرحلة من مراحل الصراع تدل.
«وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً» النساء «83»
القاعدة الثالثة: حسن الظن

فإن التشكيك لا سيما في مستقبل الأمة وقادتها ورموز المجتمع يصرف الناس من دراسة الواقع وحقائقه وأفكارهم ومواقفهم إلى البحث عن النوايا التي لن يطولوها ولا يستطيعون إليها سبيلا، والمرء يحاسَب بما قال فإن كان له فيه تأويل سائغ فهو من أهل الأجر وإن لم يكن له ذلك فهو من أهل النصح «لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ»
القاعدة الرابعة: النظر إلى الجانب الإيجابى في الفتنة
فإن الله لم يخلق شرًا محضًا فكل شر فيه الكثير من جوانب الخير وكل محنة فيها الكثير من النعم والمنح والموفق هو الذي يرشده الله إلى ذلك فيخرج أقوى عزيمة وأمضى إرادة وأثبت موقفًا يقول تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ».
القاعدة الخامسة: الإنصاف:
فإن الله تعالى يرشد عباده إلى الإنصاف وعدم الظلم بتحميل الأمور ما لا تحتمله من أوجه الشر واستصحاب الصلاح والفساد معًا فلا ينظر المرء للأمور بعين واحدة )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ» بل يبحث في خير الخيرين وشر الشرين فإن كان هنالك شر فما أدراك إن لم تكن مسيطرًا على الموقف أن تأتي بما هو أشر منه وتقع في أحضان ما هو أسوأ منه تحت دعوى الغيرة على الأمة والدين فربما دفع الراشدون بالشر ما هو أعظم شرًا وربما فوّتوا خيرًا لما هو أعظم خيرًا منه. )غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ( «سورة الروم». فليس عبقرية أن تصنع الفوضى فذلك من أسهل الأمور ولكن العبقرية كيف تديرها وتُمسك بخيوطها بما يحقِّق أهدافك، وللأسف الشديد هذا ما تحسنه تلك الدولة الرابضة خلف البحار والأغلبون أحجار في رقعة شطرنج!!