ستر الله تعالى عنّا عذاب القبر حتى نستطيع أن نتدافن، ولو أسمعنا سبحانه عذاب القبر، ما دفن أحدٌ منا أحداً، وما استطعنا أن نقترب من القبر، فالحمد لله الذي ستر عنا عذاب القبر بلطفه وكرمه لعلمه سبحانه وتعالى بضعفنا، ولو كشف لنا لصعقنا من هوله وشدته,قال القرطبي,

فكتمه الله سبحانه وتعالى عنا حتى نتدافن بحكمته الإلهية ولطائفه الربانية, لغلبة الخوف عند سماعه، فلا نقدر على القرب من القبر للدفن، أو يهلك الحي عند سماعه,إذ لا يُطاق سماع شيء من عذاب الله في هذه الدار

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه(إذا وضعت الجنازة، فاحتملها الرجال على أعناقهم فإن كانت صالحة قالت, قدموني قدموني، وإن كانت غير صالحة قالت,يا ويلها أين تذهبون بها، يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعها الإنسان لصعق،وهذا وهو على رءوس الرجال، وهي صيحة من غير ضرب,فكيف بهذه الصيحة المدوية عندما يضرب المقبور بمطرقة من حديد لو ضرب بها الجبل لصار تراباً، وهذه الصيحة,كما مر بها,يسمعها جميع الخلائق إلا الثقلين,


كما جاء عند الإمام أحمد في مسنده عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في حديث طويل وفيه(ثم يقمعُه قمعة بالمطراق، فيصيح صيحة يسمعها خلق الله عز وجل كلهم غير الثقلين) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو في آخر التشهد ويقول(إذا تشهد أحدكم فيتعوذ من أربع,من عذاب القبر، ومن عذاب جهنم، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال)

وعن أم حبيبة رضي الله
قالت,سمعني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أقول,اللهم متعني بزوجي رسول الله، وبأبي أبى سفيان، وبأخي معاوية، فقال,سألت الله لآجال مضروبة، وأيام معدودة، وأرزاق مقسومة، لن يعجل شيئاً منها قبل أجله ولا يؤخره، ولو كنت سألت الله أن يعيذك من النار، وعذاب القبر كان خيراً وأفضل,فلا يموت أحد منهم حتى يستوفي رزقه,أما علمت أن هذه القبور مليئة ظلمة ووحشة، ولا ينور قبرك ولا يؤنس وحشتك إلا العمل الصالح، فهو جليسك إلى يوم القيامة,وليس لنا إلا أن نعود إلى سنته ونهتدي بهديه، وهذا هو سبيل لإنارة القبور,فالعاقل هو الذي يستعد لهذه اللحظة، ويسعى أن يعمر بيته الذي فيه مقامه،وكل من لا يستعد لهذه اللحظة فقد فرط وليس من العقلاء,قال عبد الله بن العيزر,لابن آدم بيتان، بيت على ظهر الأرض، وبيت في بطن الأرض،فعمد إلى الذي على الأرض فزخرفه وزينه، وجعل فيه أبواباً للشمال وأبواباً للجنوب،وصنع فيه ما يصلحه لشتائه وصيفه,ثم عمد إلى الذي في بطن الأرض فخربه،إن أمنية الموتى في
قبورهم حياة ساعة، يستدركون فيها ما فاتهم من توبة وعمل صالح، وأهل الدنيا يفرطون في حياتهم،فتذهب أعمارهم في الغفلة، ومنهم من يقطعها بالمعاصي,يتمنون أن لو رجعوا إلى الدنيا؛ ليصلحوا الزاد ليوم الميعاد، وقد عرفوا قيمة العمر بعد انقطاعه,قال إبراهيم التيمي,مثلت نفسي في الجنة آكل من ثمارها، وأشرب من أنهارها، وأعانق أبكارها، ثم مثلت





نفسي في النار آكل من زقومها، وأشرب من صديدها وحميمها، وأعالج سلاسلها وأغلالها، فقلت لنفسي,أي نفسي





أي شيء تريدين, فقلت لها,فأنت في الأمنية فاعملي,

فالحذر,قبل مجيء هادم اللذات،فما نجا من نجا يوم القيامة إلا





بمحاسبة النفس ومخالفة الهوى، فمن حاسب نفسه قبل أن يحاسب خف في القيامة حسابه، وحضر عند السؤال جوابه،





ومن لم يحاسب نفسه دامت حسراته، وقادته إلى الخزي سيئاته,أقبلوا على الله,فإن الله يناديكم ويقول لكم(قل ياعبادي





الذين أسرفوا على أنفسهم لاتقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاّ إنه هو الغفور الرحيم)توبوا إلى الله جميعاً أيها





المؤمنون لعلكم تفلحون,فمن تاب وأناب ورجع إلى ربه واستقام، واستكثر من الحسنات، نجا من هذه الأهوال




والكربات، ورزقه جنة عرضها السماوات الأرض,





أسـأل الله عز وجل أن يعيذنـا وإياكم من عذاب القبر، ومن عذاب جهنم

وأن يختم لنا بخاتمة السعادة وأن يرزقنا الجنة والزيادة, اللهم آمين.