مصر في القرآن الكريم:
يقول الله تعالى:﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾يونس: 87. وما ذكره الله عزَّ وجلَّ حكايةً عن قول يوسف:﴿فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ﴾يوسف: 99. وقال الله عزَّ وجلَّ: ﴿اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ﴾البقرة: 61.



وقال الله تعالى:﴿وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ ﴾المؤمنون: 50. قال بعض المفسرين: هي مصر. وقال بعض علماء مصر: هي البهنسا، وقبط مصر مجمعون على أنَّ المسيح عيسى بن مريم وأمَّه عليهما السَّلام، كانا بالبهنسا، وانتقلا عنها إلى القدس. وقال بعض المفسرين: الرَّبوة دمشق، والله أعلم.



ويقول الله تعالى:﴿وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾يوسف: 21. وقال الله تعالى:﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾يوسف: 30. والمدينة: منف، والعزيز: ملك مصر حينئذ. وقال الله تعالى: ﴿وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا﴾القصص: 15. هي منف، مدينة فرعون.



وقال تعالى: ﴿وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ يَسْعَى﴾القصص: 20. هي منف أيضاً، وتسمَّى: المنوفيَّة حاليَّاً. وقال الله تعالى حكايةً عن إخوة يوسف:﴿قَالُوا يَأَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ ﴾يوسف: 88. وقال الله تعالى حكايةً عن يوسف عليه السَّلام: ﴿وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ﴾يوسف: 100. فجعل الشَّام بدواً >



وقال تعالى حكايةً عن فرعون وافتخاره بمصر:﴿وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾الزخرف: 51. وقال الله تعالى حين وصف مصر، وما كان فيه آل فرعون من النِّعمة والملك، بما لم يُصَفْ به مشرقٌ ولا مغربٌ، ولا سهلٌ ولا جبلٌ، ولا برٌ ولا بحرٌ:﴿كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ﴾الدخان: 25- 28. وعلى العموم ذكرت مصر في القرآن الكريم تصريحاً أو تلميحاً، في ثمانية و عشرين موضعاً.

فهل يُعلم أنَّ بلداً من البلدان، في جميع أقطار الأرض أثنى عليه القرآن الكريم بمثل هذا الثَّناء، أو وصفه بمثل هذا الوصف، أو شهد له بالكرم غير مصر؟!!.



مصرُ في السُّنَّة النَّبويَّة الشَّريفة:
عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: " إنَّكم ستفتحون مصر، وهي أرض يسمَّى فيها القيراط، فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها، فإنَّ لها ذمَّة ورحماً، أو قال: ذمَّة وصهراً، فإذا رأيتم رجلين يختصمان في موضع لبنة فاخرج منها ". قال: فرأيت عبد الرحمن بن شرحبيل بن حسنة وأخاه يختصمان في موضع لبنة فخرجت منها. رواه مسلم برقممصر في القرآن و السنة وعند السلف الصالح Frown 5916). فأمَّا الرَّحم، فإنَّ هاجر أمَّ إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السَّلام من القبط، من قرية نحو الفرما يقال لها: أمُّ العرب. وأمَّا الذِّمَّة: فإنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم، تسرَّى من القبط مارية أمَّ إبراهيم بن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وهي من قرية نحو الصَّعيد، يقال لها: حفن من كورة أنصنا، فالعرب والمسلمون كافَّة لهم نسب بمصر، من جهة أمِّهم مارية أمِّ إبراهيم بن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؛ لأنَّ أزواج النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أمَّهات المؤمنين، والقبط أخوالهم. وصارت العرب كافَّة من مصر، بأمِّهم هاجر؛ لأنَّها أمَّ إسماعيل عليه السَّلام، وهو أبو العرب. فالمصريُّون هم أخوال العرب، فعلى كلِّ عربيٍّ أصيلٍ، حين يقابل مصريَّاً أن يقول له:" أهلاً بالخال!! كيفك يا خال!! ".



مكانة مصر عند السَّلف الصَّالح:
كان بمصر إبراهيم الخليل، وإسماعيل، وإدريس، ويعقوب، ويوسف، واثنا عشر سبطاً، ووُلد بها موسى، وهارون، ويوشع بن نون، ودانيال، وأرميا، ولقمان عليهم جميعاً أفضل الصَّلوات وأزكى التَّسليمات..



وكان بها من الصِّدِّيقيين والصِّدِّيقات: مؤمن آل فرعون الذى ذكره فى القرآن فى مواضع كثيرة، وقال على بن أبى طالب اسمه: حزقيل، و كان بها الخضر، وآسية امرأة فرعون، وأم إسحاق، ومريم ابنه عمران، وماشطة بنت فرعون.



من مصر تزوَّج إبراهيم الخليل هاجر أمَّ اسماعيل، وتزوَّج يوسف عليه السَّلام من زليخا، ومنها أهدى المقوقس الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام مارية القبطية، فتزوجها وأنجبت له إبراهيم.
ومن الأسماء المصريَّة اللامعة في الرِّياضيات، والفلك، والطِّبِّ، والفلسفة، والمنطق وغيرها من العلوم: الإسكندر ذو القرنين، الذي تلا الله قصَّته في القرآن الكريم، وفيثاغورث، وسقراط، وأفلاطون، وأرسطاطاليس، وأرشيمدس في الهندسة، وجالينوس في الطَّبيعة. حتَّى إنَّ مصر كانت وما زالت تعلِّم وترسل بعثاتها إلى الخليج العربيِّ لتعليم كافَّة العلوم والفنون، في الأدب، والفقه، والشَّريعة، والحديث، والقرآن وغيرها من العلوم.



قال أبو بصرة الغفاري: مصر خزانة الأرض كلِّها، وسلطانها سلطان الأرض كلِّها، وبها من الخير ما يكفي لإطعام الأرض كلِّها، ووصف الله مصر بكونها مبوَّأ صدق، قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ﴾يونس: 93، وأخبرنا أنَّها أرض مباركة، قال الله تعالى:﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا﴾الأعراف: 137، وقال الله تعالى على لسان يوسف عليه السَّلام:﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾يوسف: 55، ولم تكن تلك الخزائن بغير مصر، فأغاث الله بمصر وخزائنها كلَّ حاضر وباد من جميع الأرض.



وقال سعيد بن أبي هلال: مصر أمُّ البلاد، وغوث العباد.
وقال عمرو بن العاص رضي الله عنه: " ولاية مصر جامعة، تعدل الخلافة ". وقد جباها في أوَّل سنة عشرة ملايين دينار، وقد كانت تجبي قبل ذلك للرُّوم عشرين مليون ديناراً، فانظر كيف أتى الإسلام بالرَّحمة لأهل مصر.



وقال عبد الله بن عمرو: من أراد أن ينظر إلى الفردوس؛ فلينظر إلى أرض مصر، حين تخضرُّ زروعها، ويزهر ربيعها، وتكسى بالنَّوار أشجارها، وتغنِّي أطيارها.



وقال كعب الأحبار: من أراد أن ينظر إلى شبه الجنَّة، فلينظر إلى مصر إذا أخرفت وأزهرت، وإذا اطَّردت أنهارها، وتدلت ثمارها، وفاض خيرها، وغنَّت طيرها.



ودخل مصر من الصَّحابة كثير منهم: الزَّبير بن العوام، والمقداد بن الأسود، وعبادة بن الصَّامت، وأبو الدَّرداء، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عمر بن الخطاب وعقبة بن عامر، وعمار بن ياسر، وعمرو بن العاص، وأبو هريرة وغيرهم.



وعاش في مصر من الفقهاء والعلماء الكثير منهم: اللَّيث بن سعد، والعزُّ بن عبد السلام والإمام الشافعي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن حجر العسقلاني، والإمام الشَّاطبي، ووُلِد فيها عمر بن عبد العزيز، وجعفر المتوكل على الله من الخلفاء.



وقال أحمد بن صالح: قال لي سفيان بن عيينة: يا مصريُّ! أين تسكن؟. قلت: أسكن الفسطاط. قال: أتأتي الإسكندريَّة؟. قلت: نعم. قال لي: تلك كنانة الله، يحمل فيها خير سهامه.
وقال يحيى بن سعيد: جُلْت البلاد، فما رأيت الورع ببلد من البلدان أعرفه، إلا بالمدينة وبمصر.



وقال خالد بن يزيد: كان كعب الأحبار يقول: لولا رغبتي في الشَّام لسكنت مصر؛ فقيل: ولم ذلك يا أبا إسحاق؟. قال: إني لأحبُّ مصر وأهلها؛ لأنَّها بلدة معافاة من الفتن، وأهلها أهل عافية، فهم بذلك يعافون، ومن أرادها بسوء أكبَّه الله على وجهه، وهو بلد مبارك لأهله فيه.



أختم القول: إنَّ مصر مقبرة الغزاة، ويتميَّز أهلها بقتال المعتدين والمحتلِّين، وكانت تُرسل المجاهدين لمقاومة الحملات الصَّليبيَّة، وتصدَّت للحملة الفرنسيَّة حتَّى أخرجتها وهي صاغرة، ووقفت للاستعمار البريطانيِّ وأخرجته رغماً عن أنفه، وواجهت العدوان الثُّلاثي الغاشم عليها بكلِّ قوَّة وعنف وصلف، ويوجد في أهل مصر من العاطفة الدِّينيَّة الجيَّاشة؛ لو قسمت على المسلمين جميعاً لوسعتهم، لو قلت لواحد منهم واعظاً له: اتق الله! رجف قلبه، ودمعت عينه، وتراجع عن خطئه. وأنا على ثقة تامَّة بأنَّ الجيش المصريَّ، سيكون في مقدِّمة الجيوش الزَّاحفة، لتحرير الأقصى السَّليب من أبناء القردة والخنازير، وسيلقن الجيش المصريُّ اليهود درساً لن ينسوه بحول الله وقوَّته.