لم يدون تاريخ المسلمين ولم تتعاقب أجيالهم على إحياء ذكرى أول فريضة أديت من الصلاة ــ ركن الإسلام ــ ، ولا أول يوم صامه المسلمون ولا أول زكاة دفعت ولمن دفعت ومن دفعها ؟ ولا أول حج فى الإسلام، ولكن المسلمين مضوا يحيون ذكرى بدر وفتح مكة وتحرير بيت المقدس!!، وإذا نظرنا في مراتب تفاضل الصحابة فيما بينهم فقد كانت على هذا النحو: أصحاب الهجرة الأولى، أصحاب الهجرة الثانية، الانصار، المهاجرون، البدريون، أهل بيعة الرضوان، مسلمة ما قبل الفتح، مسلمة ما بعد الفتح !!، ولم يكن من مراتب تفاضل الصحابة الصوامون، القوامون، البكاءون إلا أولئك الذين جاءوا ليتحركوا للدين ويخرجوا لنصرته، فلم يجد الرسول عليه الصلاة والسلام ما يحملهم عليه!!، إن مؤشر التدين عند الصحابة الذي يتفاضلون عليه هو الحركة لنصرة الدين والقيام بواجب نشر الإسلام بالدعوة والجهاد، فهذا تحرك إلى الحبشة مهاجراً، وذاك هاجر إلى المدينة وأولئك نصروا من جاءهم مهاجراً، وآخرون خرجوا في أول غزوة وليس أول ركعة أو حجة أو صدقة، فلم تكن لبقية الصحابة مكانة تماثلهم وهم البدريون، وأهل بيعة الرضوان لما عزموا المضي في دخول مكة وفتحها كان لهم ذلكم الشرف!!
إن التشوه الذي لحق بمؤشر التدين بعد ذلك في من جاء بعد الصحابة حتى صار الشرف الذي لا يدانيه شرف أن نقول عن المترجم له في كتب السير والجرح والتعديل إنه من طبقة العباد أو الزهاد !! فاضمحل مؤشر الحركة بالدين إلى البروك للتدين والانقطاع عن الخلق!! وتحولنا من مشروع هداية للبشرية والتضحية بالنفس والمال لإنقاذ البشرية إلى مشروع الخلوة بالله !! ووجد العباد من لذة السكينة الكذوب ما صرفهم عن أعظم لذة وهي الضرب بالسيف والسكين والحركة لهذا الدين بالدعوة بالحسنى والقتال بالحسنى، والحسنى في كلا الأمرين مطلوبة حتى يكون الدين كله لله، ثم تدحرجت الأمة في هاوية التشوه حتى صار التفاضل بعد ذلك والمنزلة التي لا تدانيها منزلة هي منزلة القراء يزينون أصواتهم وهم يتلون القرآن ويتنطعون في ذلك حتى كتب عنهم صاحب كتاب «تلبيس إبليس» الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى، وانشغل القراء إلا من رحم الله بتذويق القرآن بأصواتهم عن السعي لتحكيمه وجعله منهج حياة بدعوتهم وأسيافهم !! ثم خلف من بعدهم خلف أصبح تفاضل التدين عندهم أن تقول عن أحدههم إنه داعية!! ومن الدعاة هؤلاء من صرف الأمة إلى معركة الأخلاق ونشر الحجاب، وهذا خير عظيم، لكننا انشغلنا به عما هو أعظم وهو أخذ السيف وضرب الرقاب جهاداً في سبيل الله، فقد كان سلف الأمة يعلن النفير للجهاد إذا وقع عشر معشار ما نراه في واقعنا اليوم، ومن الدعاة هؤلاء من لا يعرف ما أديس أبابا وما مفاوضاتها، وإذا طلبت منه الحديث عن المهددات التي تواجه الأمة وتستهدف الدولة وتسعى لتفكيكها وزوالها، قال لك بصوت خافت بارد يخشى أن يسجل عليه ما يقول «نسأل الله أن يصلح حال الأمة ويولى من يصلح»، وما علم هذا الداعية الدعي أن الله عندما يستجيب لدعائه هذا هو لا يجريه على أيدي ملائكة ينزلهم من السماء، وإنما يجريه على يد بشر يمشون في الأسواق ويأكلون الطعام فهلا كان منهم؟! ومنهم من شغل الأمة ببرنامج التربية وتصحيح المعتقد، والمعتقد يصح عنده بهدم القباب، بينما تبني أمريكا تحت نظر علماء هذه المدرسة القواعد العسكرية التي تنطلق منها طائرات f16 تهدم المساجد وتقتل الأبرياء، وغيرها كثير من الصور الشائهة لأنموذج الداعية ومرتبة التفاضل هذه التي علاها من ليس أهلاً لها، ومضت دروب بعض الدعاة المنحرفة تمضي بالأمة في كل اتجاه غير اتجاه يذهب بالأمة إلى بيت المقدس للتحرير، بل أصبح الدعاة هؤلاء أجرم قطاع طرق في دروب تحرير عواصمنا من الاحتلال !! في عملية إلهاء منظم للأمة تارة على لسان مغنٍ فاسق وتارة على لسان داعية ذي وجه كالح !!، ثم تدحرجت صخرة الأمة إلى هوة سحيقة عندما أصبح التفاضل في فهم الدين والعمق فيه عندما يقال عنك مفكر !! ودخلنا عصر ظاهرة «المفكرين الإسلاميين» الذين إن تحرروا من الدين القديم كان هذا غاية الاستنارة، وإن دعوا إلى حقوق الإنسان بفهمها الغربي كان هذا أرقى فهم للدين!!، وتحولنا من غزاة للكفر إلى مغازلين له طالبين لوده!! أخبروني بالله عليكم أين كانوا وأين صرنا، أين كان أولئك الذين إذا اشير إلى أحدهم أنه بدري احتفل به المجتمع وافتخر، وأين صرنا اليوم والجهاد أصبح عند الذين في قلوبهم مرض إرهابا.
القارئ الكريم إن المؤشر الحقيقي لتدينك هو حجم التضحيات التي قدمتها وأنت تتحرك بهذا الدين، وحجم ومساحة الحركة التي قطعتها نصرة للشرع وسعيا لإقامته، إن مؤشر التدين عند جيل التأسيس هو كم غزوة خرج، ومقدار التي سال منها الدم، وكم عرق منه تصبب، إن الحركة بالدين والعمل لإقامة الشرع هو وصية الله عز وجل لأولى العزم من الرسل شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا و الذى اوحينا اليك وما وصينا به ابراهيم وموسى و عيسى ان اقيموا الدين و لا تتفرقو فيه كبر على المشركين ما تدعوهم اليه الله يجتبي اليه من يشاء و يهدى اليه من ينيب هذا أكبر شيء على المشركين وأثقل أمر عليهم، والله يختم الآية بأنه يجتبي من يشاء إلى هذه الوظيفة ويوفقه إلى هذه المرتبة التي كان يتفاضل على أساسها الصحابة.