مفاهيم مغيّبة " الإختلاف "

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه ...,

تصدم في بعض الأحيايين وأنت تسير في طريقك ببعض من كنت تحسبهم أخيار , هم أخيار ولكن ليسوا هم الذين حلوا في عقلك وقلبك , والخطأ هنا على المتصور وكذا المصور .., إذ إن العقل البشري في أول صورة له عن شخصية معينة " سمع عنها , قرأ لها , سمع حديثها , رأى ما هي عليه من الحظوة ..." مباشرة تنتقل هذه الصورة إلى منظر جميل وقصر مشيد وحدائق معلقة وبساتين نظرة و جنات و أنهار و أشجار وثمار ..., وهذه مشكلة النظرة الكمالية والجهل بأحوال الناس وترك قراءة التاريخ والنظر في أحوال الرجل وحوادث الزمان ..,

كالشيطان في تزيينه للمرأة المتبرجة , لا يعدل في القسمة , فلا يظهرها على الحقيقة بل يجعلها ملكة لا تعرف إلا خدرها , وبعض الناس يفتن من إمرأة متسترة محتشمة متغطية لأنه رأى عينها بادية , زين له الشيطان صورتها , ولو رأى الحقيقة لعزف عنها بل لعافها ..,

أين تكمن المشكلة ؟؟؟ ..,
الجواب : كما ذكرنا في معرفة المرء بأحوال الناس و تقلبات الأيام , والإطلاع على التاريخ وحوادث الزمن , فإذا عرف المرء هذا , سكنت نفسه و اطمئن قلبه و صقلت فراسته ..,

فليس كل من أحسن الله خلقه , أحسن خلقه .., وليس كل من أسبغ عليه العلم , تحلى بالأدب .., وليس كل من أُعطي مالاً , أنفق منه ..,

من المفاهيم التي غيبت في عالمنا الذي نحيطه ويحيط بنا :

* الإختلاف :

كل من عرف هذه النفس وعرف تقلباتها وتباين تواجهاتها أدرك على الحقيقة ما جلبت عليه .., وكما يقال عند أهل التجارة " لولا اختلاف الأذواق , لبارت السلع " أي : لولا ما عليه الناس من الإختلاف في أذواقهم , وكانوا على ذوق واحد , لفسدت بقية السلع , لأن الحاجة إليها معدومة ..,

و الإختلاف ينقسم إلى قسمين " في نظري " :

* خلاف في الطبع
* خلاف في الفكر

أما خلاف الطبع فالناس تسلّم به لأنه لا يد لها في إيجاده فقد طُبع الإنسان وجبل عليه ولكنه قد يتغير بالأفكار , مثال : رجل جبل وطبع على الغضب والشدة , هل يمكن أن يتغير ؟؟؟ ..,

نقول نعم , فالحلم بالتحلم , محاولة ضبط نفسك مرة بعد مرة مع دعاء الله و زيادة التعلم والتفقه و استحضار ما أعد الله لمن كظم غيضه .., تذهب هذه الشدة والقسوة شيئاً فشيئاً .., و خلاف الطبع مرتبط بخلاف الأفكار , فالطبع هو الطبق الذي ستقدم عليه الفكر ..,

* خلاف الأفكار وهو سبب المعارك الفكرية الدئرة اليوم و الخلاف فيه ناجم عن المعطيات و الأرضيات التي تستند عليها الأفكار وتقوم , مثال : هناك أرضية تقول : كل مجتهد له أجر .." طبعاً إذا كان من أهل النظر والإجتهاد , أجران للإصابة والإجتهاد وأجر للإجتهاد "

نأتي الآن إلى تعاملنا مع هذه الأرضية , نزلت نازلة , فشرع العلماء في البحث , كلٌ يبحث على حسب علمه و معطياته , ثم تكلم العلماء فيها فقال أحدهم : الحكم في هذا الأمر الجواز , وقال آخر : الحكم فيه التحريم .., هنا نقول : لابد أن أحدهم مصيب والآخر مخطئ , فإن أخذت بقول من قال بالجواز , فإنك تعتذر للمانع بناء على أرضيتك التي تعلمتها ,

اليوم نرى مثل هذا المفهوم وهو : فهم حقيقة الإختلاف والسعة فيه , معدوم عملياً في الغالب , لذلك قالوا : الخلاف لا يفسد للود قضية , لماذ ؟؟؟
لأننا ندور في حقلة يمكن أن تشملنا ونحن مختلفين ..,

والمسألة ليست متعلقة بأقوال علمية شرعية .., بل حتى في التعامل مع الأحداث الدائرة اليوم .., لا يصح أن نعامل الغير على نظرتنا نحن للواقع , ولسان الحال من ليس معنا فهو ضدنا .., بل قد يكون عرف ما لم نعرف وقد يكون جهل ما عرفنا ,

والأشد من ذلك أن يرتب بعضنا الأحكام وينزلها على المخالف بل وينعته بتعمد المخالفة بعد المعرفة , والحقيقة أن بعضنا يحكم وبينه وبين الرجل بحار وقفار , لم يجالسه يوماً ليسمع منه و لم يتحقق من الأمر ولم يجمعه من كل طرف حتى يكون الحكم صحيحاً ..,

هناك مقدمة عقلية منطقية كررتها وسمعتومها كثيراً " الحكم على الشيء فرع عن تصوره " معنى ذلك : إصدار الأحكام نتاج عن الإحاطة الكاملة ..,

فأي : خلل في التصور قد يؤثر في النتيجة ..,
هذا الأمر يعمل به في كل قضية نحتاج فيها للحكم و للإصابة ..,
نحتاج أن نفهم مسألة الإختلاف على الحقيقة وندركها حتى نحفظ اتصالنا ببعض وحتى نحفظ ألسنتنا من الخوض في الناس والإنتصار للرأي ..,


هنا أنبه إلى أن كثيراً من النزاعات الفكرية يكون مصدرها سوء الطبع , وهذا يؤثر على إنتصارنا للحق , فننتصر له مع انتصار للطبع والنفس , وصورة ذلك : في السب والشتم التي نراها اليوم في الحوارات , فإذا سألت صاحب الحق عن ذلك , قال : إني أنتصر للحق الذي معي , وهذا من التصورات الخاطئة الظاهرة في الحورات اليوم ..,

والحقيقة أن هذا السب والشتم لا علاقة له بالحق إنما إنتصار للطبع .., و الحق يستمد قوته من نفسه , " إِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ " هنا إبراهيم عليه السلام , هزم النمرود بالحجة دون الحاجة إلى السب والشتم بل كسر كل شوكة له وكبرياء .., إذا أظهرت الحق وجعلته مهيمناً على ساحة التحاور فإن المحاور سيدرك الهزيمة في نفسه بل قد تتزلزل قوته وسطوته فلا تكون له شوكة بعدها , لأن الحق قوي وقاتل ..,

نحتاج في إظهار الحق والبحث عنه : أن نعترف بأننا كنا على خطأ إذا بين لنا .., وهذا قد لا تجده اليوم لأن غلبة الطبع تغلب على التجرد للحق , فهل نملك الشجاعة ونحن ممن يطلب الحق ويصدح به , ونقول نعم كنا على خطأ ؟؟

فاختلاف الطبع مؤثر على اختلاف الفكر , وقد يؤثر الفكر في الطبع ويغيره وهذا ما نريده ولا يكون إلا بالتعلم والتزود منه و النظر في سير الأنبياء والمرسلين ..,

وكل من خضع للحق وتجرد جعل الله له في قلوب الناس محبة وهيبة قد لا ينالها بكثير من الإحسان .., فالناس تقدر من يذعن ويعترف وينقاد للحق لأنها ترى في هذا الأمر شدة على النفوس ..,

أكتفي بهذا القدر و إلى مفهوم آخر " إن شاء الله "

أخوكم السلطان سنجر