[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
لنتأمل هذه الأسرار الشاملة لظاهرة جميلة ومعقدة تشهد على عظمة الخالق وصدق نبيه عليه الصلاة والسلام....
أسرار كسوف الشمس والقمر
يقول تبارك وتعالى في حق نبيه الأعظم صلى الله عليه وسلم: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) [النجم:1-5]. هذا النبي الكريم حدثت ظاهرة في زمانه، حيث انكسفت الشمس، فأسرع الناس وبدؤوا يقولون إن الشمس انكسفت لموت إبراهيم ابن النبي عليه الصلاة والسلام، فقد تصادف في ذلك اليوم أن ابن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو إبراهيم مات في نفس اليوم الذي انكسفت فيه الشمس.
ومن عادة القدماء أنهم ينسبون أي ظاهرة إلى أساطير وخرافات، فكانوا عندما تنكسف الشمس يقولون إنها انكسفت لموت إنسان عظيم، وكانوا أحيانا يقولون إن هذا دليل على أننا سنخسر هذه المعركة أو أن ذلك الملك سيموت أو سيزول ملكه.
من الأشياء المضحكة التي كان بعض الناس يعتقدون بها كما في الصين القديمة كانوا يعتقدون أن الشمس عندما تنكسف كأن هنالك تِنِّيناً ابتلع هذا الشمس فكان يضربون على الطبول، ويقذفون بالأسهم إلى السماء لإخافة هذا التنين، ثم يقولون إن هذا التنين خاف وقذف بالشمس وهرب، وكان بعض الناس يعتقد أن الشمس إذا انكسفت فهذا يدل على أن هنالك حدثاً عظيماً سيحدث، لأنهم كانوا يربطون الشمس بالآلهة. هذه المعتقدات كانت بالنسبة لذلك الزمن معتقدات يقينية، ولكننا نحن اليوم ننظر إليها على أنها مجرد أساطير.
وعندما جاء الناس إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وقالوا لقد انكسفت الشمس بسبب لموت إبراهيم، ماذا قال لهم؟ هل أقرهم على أخطائهم أم أنه صحَّح لهم المعتقدات؟ قال صلى الله عليه وسلم: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تبارك وتعالى لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته) حديث صحيح رواه الإمام البخاري والإمام في مسلم رحمهما الله تبارك وتعالى. نستطيع أن نستنتج من هذا الحديث الشريف عدة معجزات ينفرد بها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وسوف نرى بأن هذا النبي عليه الصلاة والسلام هو أول إنسان وبوحيٍ من الله طبعاً يضع أساساً صحيحاً لدراسة علم الفلك.
ربما من أهم الآثار التي يخلفها كسوف الشمس الاضطراب لدى بعض الحيوانات والطيور، الطيور تتوقف عن التغريد، بعض الحيوانات تظن بأن الليل قد خيّم فتأوي إلى أوكارها، الزهور التي عادة ما تنفتح في النهار وتنغلق في الليل فإنها بمجرد أن يحدث الكسوف فإنها تنغلق على نفسها لأنها تظن أن الليل قد خيم. وهنالك نتائج المدّ والجزر ونتائج كثيرة.
كسوف الشمس ... آية من آيات الله
تضمنت بعض الأساطير أفكاراً نراها مضحكة في عصرنا هذا، ولكنها كانت هي التفسير المنطقي قبل آلاف السنين. فقد كان الصينيون يفسرون ظاهرة كسوف الشمس على أن تنّيناً يحاول أن يبتلع قرص الشمس!!! لذلك كانوا يضربون بالطبول ويقذفون بالسهام لأعلى محاولة منهم إخافة التنين وإعادة الشمس لهم من فمه! وفي الهند كان الناس يغمرون أنفسهم بالماء عند رؤيتهم هذه الظاهرة لكي لا يسقط عليهم شيء منه!! وحتى يومنا هذا يعتقد الإسكيمو أن الشمس تختفي وتذهب بعيداً أثناء ظاهرة كسوف الشمس ثم تعود من جديد!!
ولغاية قرون قليلة في عام 1230 م حدث كسوف في أوروبا الغربية في الصباح مما اضطر العمال للرجوع إلى منازلهم لظنهم أن الليل قد خيم! ولكن في غضون ساعة استعادت الشمس سطوعها مما أدهش الجميع.
عندما تقدم العلم وبدأ عصر الكشوفات الفلكية والبحث العلمي، وجد العلماء تفسيراً لهذه الظاهرة، واتضح أنها ظاهرة طبيعية تحدث نتيجة دوران القمر حول الأرض، ووقوع القمر بين الشمس والأرض مما يمنع رؤية الشمس. وتتكرر هذه الظاهرة باستمرار بقانون كوني ورياضي محسوب ويمكن التنبؤ به مسبقاً.
كيف يحدث كسوف الشمس؟
إن القمر يدور حول الأرض، والأرض تدور حول الشمس كما هو معلوم، فلكل منهم مدار محدد وفلك محسوب بدقة فائقة. وعندما يمرّ القمر بين الأرض والشمس أثناء النهار فإنه سيحجب ضوء الشمس عنا وتغيب هذه الشمس لفترة من الزمن هي ما نسميه بكسوف الشمس، ويكون القمر والأرض والشمس على خط واحد أثناء حدوث هذه الظاهرة.
أنواع الكسوف الشمسي
وربما يكون من أجمل أنواع الكسوف هو ما نسميه بالكسوف الكلي عندما تختفي أشعة الشمس بشكل كامل. أما إذا مرّ القمر أمام الشمس وحجب جزءاً منها فإن هذا سيسمى بالكسوف الجزئي. وهنالك نوع ثالث هو الكسوف الحلقي عندما لا يعترض القمر الشمس بشكل كامل بل تظهر هالة دائرية حوله وهو أيضاً من المناظر الجميلة والرائعة.
إن قطر الشمس أكبر من قطر القمر 400 مرة، وحتى يحدث الكسوف يجب أن تكون الشمس أبعد بـ 400 مرة من بعد القمر عن الأرض وعندها سيغطي قرص القمر قرص الشمس، ويظهران كأنهما بنفس الحجم، وطبعاً سوف يحدث الكسوف في هذه الحالة.
خطورة النظر إلى الشمس أثناء الكسوف
إن النظر إلى الشمس أثناء أي نوع من الكسوف يسبب أضراراً دائمة للعين بسبب تلقيها كمية من الإشعاعات الخطرة والمركزة. وحتى النظارات الشمسية التي يستعملها البعض فهي خطرة أيضاً ولا تمنع كل الأشعة تحت الحمراء الضارة.
كما ينبغي الحرص على الأطفال ومنعهم من النظر إلى الكسوف لتفادي الأخطار المحتملة على عيونهم. ولكن هنالك تقنية بسيطة يمكن من خلالها النظر إلى كسوف الشمس وهي أن نستخدم قطعة من الكرتون المقوى ونحدث فيها فتحة بقطر ميليمتر واحد فقط ويمكن استعمالها بأمان ورؤية البقع الشمسية أو حتى الانفجارات الشمسية.
لا تنظر إلى الشمس أثناء الكسوف الكلي أو الجزئي أو الحلقي بالعين المجردة، فإن هذا سيسبب أضراراً دائمة في شبكية العين، وقد لا تظهر هذه الأضرار إلا بعد فترة من الزمن. وقد يتسبب ذلك في العمى الدائم للعين.


إن الخطر يأتي من الأشعة تحت الحمراء المخفية، وهي لا تُرى بالعين ولذلك يظن الناظر إلى الشمس أنه لا مشكلة في ذلك وهو لا يعلم أن هذه الأشعة الخطرة إذا ما دخلت عيناه فيمكن أن تسبب جروحاً بالغة في الشبكية. ويمكن النظر فقط لثوان قليلة بالعين المجردة في حالة الكسوف الكامل.


يمكن النظر للكسوف الشمسي بشكل آمن بطريقة إحداث ثقب صغير جداً يدخل منه ضوء الشمس وينعكس على ورقة أو كرتونة، طبعاً لا يجب أن ننظر من خلال الثقب مباشرة إلى الشمس.
التأثيرات المترافقة مع الكسوف الكلي
في حالة الكسوف الكلي وحالما يبدأ القمر بالعبور أمام الشمس يبدأ الظلام بالحلول حتى يغطي السماء بشكل تام، ونرى منظراً فريداً ورائعاً: ظلام أثناء النهار!


هنالك العديد من الظواهر تحدث أثناء الكسوف. فالأزهار سوف تبدأ بالانحناء وتبدأ تنغلق على نفسها كما لو كان ليلاً! النحل يصبح في حيرة من أمره، والطيور تتوقف عن التغريد، وتنخفض درجة الحرارة قليلاً. ثم يستمر القمر برحلته ويغادر من أمام الشمس وتبدأ الشمس بالظهور من جديد وتعود الأمور تدريجياً كما كانت، ببساطة هذا كل شيء يحدث.
الهدي النبوي في الكسوف
رأينا فيما سبق كيف تطورت المعرفة بالكسوف من الأساطير والخرافات وصولاً إلى التفسير العلمي الذي أظهر بأن الكسوف هو حدث كوني عادي جداً. فالشمس لا تنكسف لحياة ملك ولا لموت حاكم، فالأمر أكبر من ذلك بكثير.
الثابت أن هذه المعتقدات كانت سائدة في حياة سيدنا محمد صلوات الله عليه وسلامه. وقد شاءت إرادة الله تعالى أن يحدث الكسوف على زمن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم. وعلى الفور سارع الناس للقول بأن أحد العظماء مات أو وُلد!
ولكن ماذا كان موقف من تلقى علمه من ربّ الشمس والقمر؟؟ هل صحح المعتقدات؟ هل وضع الأساس العلمي قبل أن يراه العلماء بأكثر من ألف سنة؟ هل وافقهم على معتقدهم أم هداهم إلى الحقيقة العلمية اليقينية؟
لقد قال كلمات قليلة لخّص فيها كل الحقائق التي اكتشفها العلماء في القرن العشرين؟ لقد خاطب قومه ومن بعدهم فقال عليه أفضل الصلاة والسلام: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله تعالى وإلى الصلاة) [رواه البخاري و مسلم وغيرهما]. لقد حدّد هذا الحديث عدة حقائق علمية لم تكن معروفة من قبل:
1- وضّح الحديث الشريف أن الشمس والقمر مخلوقات وآيات سخرها الله تعالى ولا علاقة لهما بما يحدث على الأرض من ولادة أو موت أحد أو غير ذلك. وفي هذه العبارة قد وضع الرسول الكريم أساساً للبحث العلمي في الظواهر الكونية على اعتبار أنها آيات من عند الله ومخلوقات تخضع لإرادة خالقها عز وجل.
2- أشار الحديث إلى أن هذه الظاهرة تحدث بفعل الشمس والقمر معاً! بينما كان الناس يعتقدون أن القمر لا علاقة له بهذه الظاهرة، بل إنهم كانوا يعتقدون أن الشمس تختفي وتذهب بعيداً أو أن هنالك قوة ما تحاول أن تلتهمها.
ولو كان رسول الله يأتي بشيء من عنده لكان وافقهم على معتقدهم. ولكن نجده عليه الصلاة والسلام يميز بين الحق والباطل، كيف لا وهو الذي قال الله تعالى عنه: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) [النجم: 3-4].


3- لقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نفزع إلى الصلاة والدعاء عند كسوف الشمس: (فافزعوا إلى الصلاة). أليس هذا أسلوباً لوقاية العين من الأشعة تحت الحمراء الخطيرة والتي قد تسبب العمى الدائم؟ وإذا كانت الزَّهرة تنحني أوراقها عند كسوف الشمس وربما هي تسجد لله تعالى، أفلا نسجد نحن لله تعالى كما علّمنا الرسول الكريم عليه الصلاة والتسليم؟
4- روى البخاري عن المغيرة بن شعبة قال: انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم، فقال الناس: انكسفت لموت إبراهيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموها فادعوا الله وصلوا حتى ينجلي).
وقد وجدتُ في هذه الرواية إعجازاً في قوله عليه الصلاة والسلام: (حتى ينجلي). أليست هذه العبارة تحمل إشارة إلى جلاء القمر أي ذهابه من أمام الشمس؟ وفي معجم مختار الصحاح نجد معنى كلمة (ينجلي) أي ينكشف، ومعنى ذلك أن القمر قد أظل الشمس وسوف ينجلي ويذهب عنها وسوف تنكشف الشمس من جديد، وهذه منتهى الدقة اللغوية والعلمية، والله تعالى أعلم.
5- هنالك شيء مهم يثبت أن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول من عند الله تعالى، وهو أن هذا النبي الكريم لو كان يريد الشهرة والمال وجاءه من يمدحه ويجعل من كسوف الشمس مناسبة لموت ابنه، فلو كان الرسول كذلك لسكت عن هذا الأمر، وترك الناس يقدسونه ويرفعون من شأنه. ولو كان يجب المديح والثناء لتركهم يتحدثون عن كسوف الشمس وأنها انكسفت بسبب موت ابنه إبراهيم، وهذا سيزيده علوّاً عند قومه.
ولكنه عبد من عباد الله تعالى لا يريد شيئاً إلا رضا ربه والقرب منه وتبليغ ما أُمر به. وهذا يؤكد أنه رسول صادق لم تكن الشهرة تعني بالنسبة إليه شيئاً، بل كان كل همه رضوان الله تعالى. ولذلك فقد مدحه الله في كتابه الكريم فقال عنه: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) [التوبة: 128-129].
يتضح لنا مما سبق أن الكسوف آية من آيات الله تعالى كما حدّثنا عنها حبيبنا عليه الصلاة والسلام عندما قال: (آيتان من آيات الله) وبما أنه ينبغي على المؤمن أن يتفكر في آيات الله تعالى فإن قراءة أبحاث كهذه هي نوع من أنواع العبادة لله!
وهذه الكلام ليس من عندي بل هو كلام الله تعالى القائل: (كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [يونس: 24]. ويقول أيضاً: (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) [البقرة: 266]. والقرآن يحضنا على التفكر في مخلوقات الله وآياته الكونية، وذلك لنصبح أكثر علماً بالله تعالى. وعسى أن نكون من الذين قال الله تعالى فيهم : (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا) [الفرقان: 73].
وما هي أسباب الكسوف ونتائجه؟
الأرض التي نسكن عليها تدور حول الشمس دورة كاملة كل سنة، والقمر يدور حول الأرض، ويستغرق شهراً قمرياً كاملاً حتى يُتمّ دورته. إذاً لدينا الأرض يدور حولها القمر، وتدور الأرض مع القمر حول الشمس، ويتصادف أن يقع القمر في وجه الشمس، وتكون الشمس مشرقة وترسل بأشعتها باتجاهنا وأثناء دوران القمر فإنه في أوقات محددة يقع أمام الشمس تماماً فيحجب ضوء الشمس فنقول إن الشمس قد كُسفت.
عندما تنكسف الشمس فإن هذه الظاهرة خطيرة جداً لان الشمس هي السراج الذي يبث الضوء وتبث الإشعاعات الخطيرة، ومن أخطر هذه الإشعاعات الأشعة تحت الحمراء. والأشعة تحت الحمراء هي أشعة تبثها الشمس بشكل دائم، ونتلقاها ولكنها لا تضر بنا لأننا لا ننظر للشمس مباشرة، ولكن أثناء الكسوف يقع القمر أمام الشمس فيحجب جزءاً منها ويبقى جزء ظاهر ويسمى هذا الكسوف الجزئي، وعندما ينطبق قرص القمر تماماً أمام قرص الشمس ويحجب ضوءها بالكامل فهذا هو الكسوف الكلي حيث تختفي الشمس وتظلم الدنيا فجأة لمدة دقيقة أو دقيقة ونصف ثم تعود.
عندما يمرّ القمر أمام الشمس يحجب جزءاً من ضوئها، فإذا نظرنا إلى الكسوف في هذه اللحظة فإننا نستطيع أن ننظر إلى الشمس ولكن لا نرى الأشعة تحت الحمراء التي تأتينا فبمجرد النظر لمدة ثوانِ قليلة فإن شبكية العين تصاب بجروح وقروح خطيرة، وقد تسبب هذه الأشعة العمى المؤقت أو الدائم، ولذلك فإن العلماء يقولون: لا يجوز النظر إلى الشمس أثناء الكسوف لأنها تبث كميات كبيرة من الأشعة تحت الحمراء.
إن القمر لا يبث أي أشعة، والله تبارك وتعالى وصفه بدقة قال: (وَقَمَرًا مُّنِيرًا) [الفرقان: 61]، ليس فيه ضياء، وليس فيها إشعاعات، إنه يعكس هذه الإشعاعات فيصلنا من الإشعاعات ما هو سليم ومفيد لنا، لذلك شبه الله تعالى القمر بأنه جسم منير، وجسم يبث النور، بينما الشمس هي ضياء وسراج. ولذلك عندما ننظر إلى القمر أثناء الكسوف فهذا ليس فيه أي مشكلة.
والظاهرة الثانية هي خسوف القمر أو كسوف القمر، فالقمر يعكس أشعة الشمس باتجاهنا فنراه في السماء قمراً منيراً كما حدثنا الله تبارك وتعالى عن هذه الآيات الكونية بقوله: (تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا) [الفرقان:61]. الذي يحدث أن الأرض تقع في الوسط بين القمر وبين الشمس، فتحجب ضوء الشمس عن القمر، فنرى القمر في ليلة الخسوف وكأنه قرص نحاسيٌ باهت، هذا ما يُسمّى بكسوف القمر أو خسوف القمر.

إن هذا الكسوف يحدث على الأرض، ولكن أيضا هنالك كسوف يحدث على جميع الكوكب ومعظم الكوكب في الكون لها أقمار تدور حولها وهذه الأقمار أحياناً تمر أمام الشمس وتحجب ضوء الشمس عن هذا الكوكب، فيصاب هذا الكوكب بالكسوف، وقد صوّر العلماء كسوفاً كبيراً حدث على كوكب المشتري، الصورة التقطها مرصد هابل الفضائي التابع لوكالة ناسا، والبقعة السوداء تمثل ظل القمر التابع للمشتري أثناء كسوف الشمس بالنسبة له.
نستطيع أن نستنتج من كل هذه المعلومات والحقائق العلمية: أن الشمس والقمر يسيران بنظام محكم ودقيق، وأن عملية الكسوف هي عملية طبيعية جدا ليس فيها آلهة وليس لها علاقة بموت أحد من الناس ولا بحياة أحد. والآن نعود مرة ثانية إلى الحديث الشريف، لنحلل هذا الحديث ونتأمل هذه المعجزات الرائعة.
المعجزة الأولى
أن النبي عليه الصلاة والسلام صحح المعتقدات عندما قال: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تبارك وتعالى) آية كونية تسير بنظام محسوب (الشمس والقمر بحسبان) في هذا الحديث عندما أكد النبي عليه الصلاة والسلام أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، فهذا يعني أنه وضع أساساً لعلم الفلك ولم يدرك العلماء هذه الحقائق إلا حديثاً، ففي أوربا حتى عهد قريب كان الناس يعتقدون أن ظاهرة الكسوف ظاهرة ترتبط بالآلهة! ولكن تبين فيما بعد يقينا أن هنالك نظاماً مقدراً ومحسوباً، حتى إن العلماء اليوم يضعون الجداول التي تمتد لعشرات السنين يحددون بدقة كبيرة موعد الكسوف وتوقيته ومكان حدوثه ونوعه.
إذاً النبي عليه الصلاة ولسلام في قوله: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تبارك وتعالى) وضع أساساً علمياً لعلم الفلك الحديث، وعندما قال عليه الصلاة والسلام: (لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته) إنما أبعد الخرافات عن عقول البشر، فالناس في ذلك الزمان كانت عقولهم تمتلئ بالخرافات والأساطير ولكن هذا النبي الرحيم الذي وصفه الله تبارك وتعالى بأنه (بالمؤمنين رؤوف رحيم) لا يريد لنا أن نعتقد بهذه الخرافات! يريد أن يصحح لنا هذه المعتقدات.
المعجزة الثانية
أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطانا علاجاً لهذه الظاهرة لندرأ خطرها عن أنفسنا، فالعلماء يؤكدن على ضرورة أن نبتعد عن النظر إلى الشمس أثناء الكسوف، وهذا ما فعله النبي عليه الصلاة والسلام عندما أمرنا أن نلجأ إلى الصلاة والدعاء وذكر الله تعالى.
ويمكن أن أذكر لكم بعض الأساطير التاريخية هناك شعوب كانوا يعتقدون أن النظر إلى الشمس أثناء الكسوف هو أمر جيد وأمر يجعلك عظيماً ولكن النبي صلى الله عليه وسلم هو الروؤف الرحيم بنا لم يرد لأشعة الشمس تحت الحمراء أن تؤذي أعيننا فقال: (فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله تعالى وإلى الصلاة)، ماذا يعني أن نفزع إلى ذكر الله؟ ينبغي أن نُسبّح ونوحد الخالق، نقول دائماً عندما نرى أي ظاهرة كونية: (ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار) ينبغي أن ندعو الله تبارك وتعالى في هذه اللحظة أن يقينا شر هذا الكسوف.
ينبغي علينا عندما يحدث هذا الكسوف أن نلجأ إلى الدعاء وإلى ذكر الله تبارك وتعالى وإلى الصلاة، وهذا أحوط بالنسبة لنا أن نخرج وننظر إلى الشمس، مع العلم أيها الأحبة أن الخروج إلى الشارع يوم الكسوف ليس فيها أي مشكلة، المشكلة في أن تنظر إلى الشمس وهي تنكسف بالعين المجردة ولكن هنالك ما يسميه العلماء بعض النظارات الشمسية المخصصة لمراقبة الكسوف هذه يمكن أن يضعها الإنسان وينظر بأمان إلى الكسوف، أما أن يخرج وينظر بالعين المجردة فإن عينه ستتلقى كميات كبيرة من الأشعة تحت الحمراء ويؤدي به ذلك إلى العمى المؤقت أو العمى الدائم.

ولذلك فإن النبي عليه الصلاة والسلام عالج هذه الظاهرة، عالجها بأن جعلنا نذهب طيلة هذا الكسوف إلى بيت الله أو إلى ذكر الله أو إلى الصلاة، حتى لو كان إنسان يمشي في الطريق وحدث هذا الكسوف فالأفضل أن يدعو الله تبارك وتعالى ويزيد من رصيده في الحسنات، لأن المؤمن دائماً في حالة تفكر في خلق الله، وقد مدح الله تبارك وتعالى أولئك أولي الألباب، ماذا قال في حقهم؟ قال تبارك وتعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ) ما هي صفاتهم؟ من هؤلاء أولوا الألباب؟ يتابع البيان الإلهي: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) وبعد ذلك ماذا يقولون؟ (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران:190-191].
هذا هو حال المؤمن في كل لحظة من لحظات عمره، تجده يذكر الله تبارك وتعالى. حتى إن النبي عليه الصلاة والسلام من رحمته بنا لم يرد لأي ظاهرة كونية أن تمر أمامنا إلا أن نتذكر الله، ينبغي علينا دائماً عندما نرى أي ظاهرة كونية أن نقول: (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) ينبغي أن نكون في حالة ذكر ودعاء لله تبارك وتعالى.
المعجزة الثالثة
كما رأينا من خلال الحقائق السابقة النظر إلى الشمس ضار ومؤذٍ جداً عندما تنكسف الشمس. بينما النظر إلى القمر أثناء الكسوف ليس فيه أي مشكلة. ولذلك فإن النبي الأعظم حذّر من ظاهرة كسوف الشمس، لأنها هي الأخطر، فسبحان الله.
من خلال هذه المعاني نرى بأن هذا الحديث يحمل في طياته إشارة خفية تدل على أن النبي عليه الصلاة والسلام صادق في دعوته إلى الله وأنه لا يريد الدنيا ولا زينتها ولا شهرتها. فلو كان عليه الصلاة والسلام يريد شيئاً من الدنيا لأقرّ قومه على قولهم عندما قالوا: (إن الشمس انكسفت لموت ابن النبي عليه الصلاة والسلام)، فهذا الكلام يزيد من قيمته في نظر قومه، ويعزز مكانته بينهم، ولكنه لا يريد الدنيا، ولا يريد الشهرة، بل يريد وجه الله تبارك وتعالى، ويريد لنا أن نبني إيماننا على أساس علمي متين.
أطول كسوف للشمس
لقد حدث أطول كسوف في القرن الحادي والعشرين مؤخراً ومر فوق الصين والهند وهنا لابد من وقفة إيمانية مع هذا الحدث، حيث بدأ كسوف كامل للشمس رحلته منذ مدة (22/7/2009) عبر جزء ضيق من آسيا حيث راقب ملايين الناس السماء وهي تظلم على الرغم من سحب الصيف الكثيفة. وتقول وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) إنه أمكن رؤية أطول كسوف كامل للشمس في القرن الحادي والعشرين على امتداد ممر يبلغ اتساعه نحو 250 كيلومترا حيث قطع مسافة نصف الكرة الأرضية ومر عبر الهند والصين.
وشق آلاف الأشخاص طريقهم عبر الأزقة الضيقة لمدينة فاراناسي القديمة المقدسة عند الهندوس وتجمعوا ليغطسوا في نهر الجانج وهو طقس يعتبر أنه يؤدي إلى الخلاص من دورة الحياة والموت. وأخذ رجال ونساء وأطفال يرددون ترانيم هندوسية وخاضوا في مياه النهر وقد تشابكت أياديهم وصلّوا للشمس مع بزوغها في السماء المعتمة.
تتيح ظاهرة الكسوف للعلماء إلقاء نظرة نادرة على هالة الشمس وهي الغازات المحيطة بها. وقال الدكتور "بات" إن العلماء في الصين يعتزمون التقاط صور ثنائية الأبعاد لهالة الشمس التي تصل حرارتها إلى مليوني درجة مئوية بمعدل صورة واحدة في الثانية تقريباً. وقالت وكالة ناسا إن الكسوف استمر لمدة أقصاها ست دقائق و39 ثانية فوق المحيط الهادي.
في الثقافة الصينية القديمة فإن كسوف الشمس فأل مرتبط بالكوارث الطبيعية أو الوفيات في الأسرة الإمبراطورية. وبذل المسؤولون ووسائل الإعلام الحكومية جهوداً كبيرة لطمأنة الجماهير بأن خدمات المدينة ستجري بصورة طبيعية. ويعتقد الهندوس أن هذا هو الوقت الأمثل لتحسين الحياة الآخرة.
ماذا عن الثقافة الإسلامية؟
تصوروا يا أحبتي كيف أن الناس في الصين يعتقدون بأن ظاهرة الكسوف يمكن أن تضرّ وتنفع، ويمكن أن تعبر عن غضب الآلهة، أو يمكن أن تكون الصلاة للشمس وسيلة للتقرب إلى الآلهة والنجاة من غضبها... كل هذه المعتقدات موجودة حتى يومنا هذا ونحن نعيش عصر التقدم العلمي.
إن هذه المعتقدات كانت موجودة زمن بعثة المصطفى عليه الصلاة والسلام، وقد سارع الناس عندما كسفت الشمس في عهد النبي ليقولوا: إن الشمس قد انكسفت لوفاة ابن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد تصادف في ذلك اليوم أن توفي إبراهيم ابن النبي مع كسوف للشمس، فربط الناس بين هذين الحدثين.
ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقرّهم على هذا الاعتقاد، بل صحّح لهم أسلوب التفكير وخاطبهم بشكل علمي، وحقيقة لو تأملنا كلام النبي نجده كلاماً علمياً لا يختلف عن كلام العلماء اليوم، بل هو أكثر بلاغة وتعبيراً ودقة.
لقد شغَل النبي صلى الله عليه وسلم الناس بالصلاة طيلة فترة الكسوف لماذا وما الفائدة؟ طبعاً ليجنبهم أشعة الشمس فوق البنفسجية الحارقة والتي تؤذي العين وقد تسبب العمى، حيث إن هذه الأشعة تكون أخطر ما يمكن أثناء الكسوف!
لقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً الناس بأن يبعدوا الأساطير والخرافات عن عقولهم وألا يعتقدوا أن الكسوف له علاقة بموت أحد أو حياته، بل هناك نظام كوني مقدر من خالق الكون تبارك وتعالى. وهذا هو أرقى أسلوب للخطاب... ونقول لكل من يتصور بأن النبي كان يساهم في تخلف الناس وإغلاق عقولهم:
انظروا إلى هذا الخطاب العلمي: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات) وهنا دعوة لتفتيح العقول ودعوة للتأمل والتدبر والبحث، وانظروا كيف أبعد عن الناس التخلف والجهل بقوله: (لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته)، وانظروا كيف اختار لهم طريقة مناسبة ليبعدهم عن أشعة الشمس أثناء الكسوف وليتجنبوا النظر إليها: (فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الصلاة)، فلو قال لهم هناك أشعة فوق بنفسجية لم يفهموا خطابه، ولذلك أمرهم أن يلجأوا إلى الصلاة والدعاء وأن يغتنموا هذه الفرصة في التقرب من الله تعالى، وليبعدوا شبح الجهل والتخلف السائد في ذلك الوقت عن عقولهم.


ونقول: بالله عليكم هل يمكن أن يساهم هذا النبي الرحيم في تخلف الأمة وجهلها، أم أنه يأمر بفتح العقول والتدبر والبحث والدراسة وأن ينظر الناس إلى الكون نظرة علمية.
ظاهرة خسوف القمر
إنها ظاهرة جميلة وممتعة وتبهج الناظرين، ولكن الناس نسجوا حولها الأساطير والخرافات، فجاء الإسلام قبل علماء وكالة ناسا بـ 14 قرناً ليؤكد بأنها مجرد ظاهرة وآية من آيات الله.
مما لفت انتباهي تصرح لأحد علماء الفلك وهو "روبرت ماسي" من المجمع الفلكي في بريطانيا، يقول فيه: "لا نعتبر هذه الظاهرة ذات قيمة فلكية إلا أن العديد من الناس يستمتعون بمشاهدتها". هذه النتيجة وصل إليها هذا العالم بعد سنوات طويلة من مراقبة هذه الظاهرة ودراستها دراسة دقيقة.
ولكن قبل قرون قليلة كان الناس يعتبرون أن كسوف الشمس وخسوف القمر من الظواهر المخيفة، فكانوا يظنون عندما تنكسف الشمس أن تنيناً ابتلعها، أو أن عظيماً مات، أو أن حدثاً خطيراً سيحدث. وغير ذلك من الأساطير التي لا تقوم على أساس علمي.
ويعتبر النبي الكريم عليه الصلاة والسلام أول من وضع أساساً علمياً لهذه الظاهرة (أي كسوف الشمس والقمر)، فقال: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله تعالى وإلى الصلاة) [متفق عليه].
ونستطيع من هذا الحديث النبوي الشريف أن نستنتج أن ظاهرة خسوف القمر ليست ذات قيمة أو تأثير على البشر أو مستقبلهم، بل هي مجرد ظاهرة كونية سماها النبي الأعظم (آية من آيات الله)، وهذه الظاهرة تدل على قدرة الخالق وعظمته ودقة صنعه.
كيف يحدث خسوف القمر؟
هذه العملية نفهمها اليوم بغاية البساطة، بينما كانت في الماضي من الأسرار الخفية للكون حيث كان الناس يعتقدون أشياء لا أساس لها من الصحة، فكانوا ينسبون هذه الظواهر للآلهة، مثل أي شيء غريب يعجزون عن تفسيره فينسجون الأساطير حوله.
لقد بينت الأبحاث العلمية في العصر الحديث أن كسوف القمر أي اختفاء القمر لفترة من الزمن ناتج عن وقوع الأرض بين الشمس والقمر فتحجب الأشعة المنعكسة عن القمر فنظن أن القمر اختفى ولا يُرى منه إلا آثار بسيطة. ويحدث الكسوف للقمر دائماً عندما يكون القمر بدراً.
إن كسوف القمر يحدث مرة على الأقل في كل عام، وعند حدوث الكسوف الكلي للقمر يمكن رؤيته بسهولة من أي مكان على الأرض بشرط أن يكون في الجهة المقابلة للقمر. والعجيب أن الذي يجلس على القمر في هذه اللحظة أي لحظة كسوف القمر فإنه يرى كسوف الشمس! أي أنه لن يرى الأرض ولكن يرى ظلها لأن الشمس تقع خلفها. وسوف تظهر الأرض من على القمر محاطة بحلقة حمراء رائعة!
(وكل في فلك يسبحون) هذه الحقيقة العلمية والقرآنية هي المسؤولة عن ظاهرة خسوف القمر، فعندما تقع الأرض بين الشمس والقمر أثناء دوران القمر حولها، تحجب ضوءه ويظهر كقرص متوهج بلون نحاسي محمر، هذا هو خسوف القمر.
تبلغ سرعة القمر خلال الكسوف حوالي 1 كيلو متر في الثانية، ويستمر الكسوف لمدة مئة دقيقة عادة. إن القمر يبدو خلال الكسوف الجزئي مثل قرص من النحاس العتيق. ويظهر عليه شيء من التوهج بسبب أن الغيوم والغبار في الجو تعترض طريق الأشعة القادمة من القمر وتبددها فيظهر لنا هذا التوهج.
إن درجة حرارة سطح القمر المضاء بالشمس تبلغ أكثر من 130 درجة مئوية أي إذا وضعنا الماء فسوف يغلي مباشرة! وعندما تعترض الأرض أشعة الشمس الساقطة على القمر فتحجبها تماماً تنخفض درجة الحرارة على سطح القمر إلى ما دون -99 درجة تحت الصفر، وهذا يعني أنه في غضون الساعة والنصف وهي مدة الكسوف تقريباً يعاني سطح القمر من تغير في درجة حرارته بحدود 229 درجة مئوية!
صورة رائعة لخسوف القمر يظهر فيها بلونه النحاسي المتوهج. ويمكن القول إن النظر إلى القمر أثناء الخسوف هو عملية آمنة ولا تضر العين، بعكس النظر إلى كسوف الشمس الذي يعتبر خطيراً جداً ومؤذياً للعين. أخي القارئ لا يمكننا عندما نرى هذه الظاهرة الجميلة إلا أن نقول: (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران: 191].
أسرار كسوف القمر
قبل آلاف السنين كان بعض الناس يعتقدون أن الكسوف هو نتيجة لتصارع الآلهة، وكانت بعض الشعوب في الصين يرمزون للشمس بأنها طائر ذهبي، ويرمزون للقمر بضفدع وعند حدوث الكسوف فإن معركة ما تدور بين هذين الرمزين.
أما قبائل الأمازون فكانوا يعتقدون أن القمر أثناء الكسوف قد رماه أحد الأطفال بسهم في عينه ما أدى إلى نزيف في هذا القمر ثم يُشفى القمر بعد ذلك ويعود لوضعه الطبيعي!
في ظل هذه الأساطير كان العرب ينظرون إلى كسوف الشمس على أنه يمثل موت إنسان عظيم، أو خسارة معركة عظيمة. وفي ذلك الوقت بُعث نبيّ الرحمة والهدى عليه الصلاة والسلام. وسارع كفار مكة للتشكيك برسالة هذا النبي الخاتم.
ولكن كيف تناول الرسول الأعظم هذه الظاهرة وكيف تحدث عنها، وهل امتزج كلامه بتلك الأساطير السائدة؟ أم أنه وضع أساساً لعلم الفلك الحديث؟ سوف نرى من خلال هذه المقالة كيف يحدث كسوف القمر ونتحدث عن أسرار هذه الظاهرة الجميلة، وما كشفته أبحاث القرن الحادي والعشرين، ونتأمل بالمقابل ما كشفه لنا الهدي النبوي الشريف عن هذه الظاهرة قبل ذلك بأربعة عشر قرناً.
حجر قديم يعود لآلاف السنين وقد نُقش عليه التصور السائد في ذلك العصر عن كسوف الشمس والقمر من خلال مجموعة من الحيوانات كالطائر والضفدع .
ما هو الكسوف؟
بكل بساطة نقول إن ظاهرة الكسوف تتعلق بثلاثة أجرام هي الشمس والقمر والأرض. فالقمر يدور حول الأرض بفلك محدد. والأرض تدور مع قمرها بفلك محدد حول الشمس. وهذا ما تحدث عنه القرآن بقوله تعالى: (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [يس: 40].
هذه المدارات تتشابك مع بعضها وعلى الرغم من ذلك يبقى كل جرم من هذه الأجرام محافظاً على مداره ولا يحدث أي صدام في هذه المنظومة الكونية العجيبة، ولذلك قال الله تعالى يصف لنا هذا المشهد: (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [يس: 40].
ولكن الذي يحدث أحياناً أن القمر يمرّ من أمام الشمس فيحجب ضوءها عنا وهذا ما يسمى بكسوف الشمس. وإذا مرّ القمر بشكل كامل أمام الشمس فإن الشمس تختفي بشكل كامل وهنا يحدث الكسوف الكلي. أما إذا مرّ القمر بشكل يحجب قسماً من ضوء الشمس فهذا ما يسميه العلماء بالكسوف الجزئي.
إن القمر جسم صخري بارد يبلغ قطره أقل بقليل من 3500 كيلو متر تقريباً. ويدور القمر حول الأرض دورة كل 29.5 يوماً، وخلال رحلة دورانه الشهرية يمر بعدة أطوار فيكون هلالاً ثم بدراً ثم يعود هلالاً وهكذا.
كيف يحدث كسوف القمر؟
هذه العملية نفهمها اليوم بغاية البساطة، بينما كانت في الماضي من الأسرار الخفية للكون حيث كان الناس يعتقدون أشياء لا أساس لها من الصحة، فكانوا ينسبون هذه الظواهر للآلهة، مثل أي شيء غريب يعجزون عن تفسيره فينسجون الأساطير حوله.
لقد بينت الأبحاث العلمية في العصر الحديث أن كسوف القمر أي اختفاء القمر لفترة من الزمن ناتج عن وقوع الأرض بين الشمس والقمر فتحجب الأشعة المنعكسة عن القمر فنظن أن القمر اختفى ولا يُرى منه إلا آثار بسيطة. ويحدث الكسوف للقمر دائماً عندما يكون القمر بدراً.
يوضح هذا الرسم كيف تقع الأرض بين الشمس والقمر مما يؤدي لحجب أشعة الشمس عن القمر وتحدث ظاهرة الكسوف الكلي للقمر.
إن كسوف القمر يحدث مرة على الأقل في كل عام، وعند حدوث الكسوف الكلي للقمر يمكن رؤيته بسهولة من أي مكان على الأرض بشرط أن يكون في الجهة المقابلة للقمر. والعجيب أن الذي يجلس على القمر في هذه اللحظة أي لحظة كسوف القمر فإنه يرى كسوف الأرض! أي أنه لن يرى الأرض ولكن يرى ظلها لأن الشمس تقع خلفها. وسوف تظهر الأرض من على القمر محاطة بحلقة حمراء رائعة!
تبلغ سرعة القمر خلال الكسوف حوالي 1 كيلو متر في الثانية، ويستمر الكسوف لمدة مئة دقيقة عادة. إن القمر يبدو خلال الكسوف الجزئي مثل قرص من النحاس العتيق. ويظهر عليه شيء