menimeVEVO
عدد المساهمات : 5082 نقاط : 12489 السٌّمعَة : 1 تاريخ التسجيل : 19/03/2010
| موضوع: في ذكرى رحيل مفكر القرن العشرين مالك بن نبي.. ذلك المشروع الذي لم يكتشف بعد الأربعاء أكتوبر 31, 2012 5:39 pm | |
| ـــــ مالك بن نبي.. ذلك المشروع الذي لم يكتشف بعد ــــــ لم يكن لأحد أن ينتظر من بعد ميلاد طفل من أبناء المستعمرات في إحدى مدن الشرق الجزائري كشف خيوط شبكة الصراع الفكري، التي حاول الاستعمار من قبل و من بعد بمختلف و سائله و أدواته المتاحة أن يخفيها تحت جنح الظلام لكي لا يطالها احد، و يظل هو عابثا بممتلكات هذه الشعوب الضعيفة المستعمرة حرا طليقا. فكانت اللحظة الحاسمة بعد ميلاد فكر مالك بن نبي، هذه الشعلة التي حطت على ارض أنهكها الاستعمار و أثقلتها لوثة العادات و الأعراف البالية، فكانت بمثابة الفانوس الذي تتحدي خيوط أنواره ظلام الليل البهيم. و ما كاد القرن العشرين يفتح أبوابه إلا و هو حاملا معه البشرى للعالمين فاتحا نوافذ الحرية و الخلاص للإنسانية جمعاء، إنها اللحظة الحاسمة لحظة ميلاد ذلك الرجل عام 1905 بمدينة قسنطينة، و الذي يقول هو نفسه في هذا الصدد:” إن من ولد بالجزائر سنة 1905 يكون قد أتى في فترة يتصل وعيه بالماضي الممثل في أواخر شهوده، و بالمستقبل المتمثل في أوائل صانعيه”. حقا انه لفذ عظيم ذلك الرجل الذي ملأ الدنيا بأنواره و شغلها بأفكاره ناشدا الحضارة بامكانيها المادي و المعنوي لمحور طنجة-جاكرتا، التي أضاعها عالمنا الإسلامي بعدما كانت حقيقة بين يديه، في سديم اللاأخلاق و اللاوعي، غارقا بعدها في متاهات التخلف، تاركا سلطته و إمكاناته الباقية للوصاية و الانتداب، فبات الاستعمار واقعا معاشا. إن هذا التقديم يجعلنا أكثر فضولا في البحث عن شأفة و منبت هذا الرجل المعلم، الذي قال فيه الأستاذ محمد شاكر:” فهذا المفكر الخبير، قد استطاع بحسن إدراكه و بقوة بيانه و بدقة ملاحظاته أن يفتح عيوننا على الخيوط التي تنسج منها حياتنا تحت ظلام دامس أطلقه المستعمر ليخفي عنا مكره و خداعه لنا”. ـــــــــــــــــــ صفحات مضيئة من حياته ــــــــــــ المسافر في حياة مالك بن نبي (1905-1973) يلحظ أن الطريق طويل و شاق، لا يكاد ينتهي لكثرة محطاته و تعدد منعطفاته، إلا أن البحث عن التجربة و حب الاستطلاع يجعلاه يصمد أمام وعثاء السفر و مشقته. ـــــــــــــ المحطة الأولى.. أسرته و أهله ـــــــــــــــــــــــــ أبصر النور في أسرة بسيطة، محافظة تبحث عن الكفاف، أبوه عاطل عن العمل و أمه الكريمة تشتغل في الخياطة، و ما تحصل عليه من النزر القليل من المال تدفعه لأجل توفير لقمة العيش و ضرورات الحياة، و لنترك الشاهد على هذه الظروف يتكلم:”… و لا أزال أذكر كيف أنها اضطرت ذات يوم لكي تدفع لمعلم القرآن الذي يتولى تدريسي، بدل المال سريرها الخاص…”، و قبل ذلك كفله خال أمه في قسنطينة لترجعه زوجة الخال فيما بعد إلى تبسة لوفاة زوجها حيث تقيم أسرته، إلا أن بقاء الحال على حاله من المحال، و بفضل من الله ورحمة منه تقلد الأب وظيفة خوجة بالإدارة المحلية بتبسة مما فتح أمام هذه الأسرة أفاق أرحب في الحياة، و هو صاحبنا يكمل:” لقد أرسلوني إلى المدرسة الفرنسية، إلا أنني في الوقت نفسه ثابرت على التردد على مدرستي القديمة لتعلم القرآن، فكنت اقصدها كل يوم في الصباح الباكر لأكون فيما بعد عند الثامنة صباحا في المدرسة الفرنسية”، و كان لذلك المنعطف أثر كبير في نفسه، ومما زاد في تكوين شخصيته ووعيه الديني جده من أمه، الذي كان يحمل في جنباته فكرا اصطلاحيا وقتذاك. ــــــــــــ المحطة الثانية.. ترحاله .. و دراسته في قسنطينة ـــــــــــ و كان لحله و ترحاله في أولى حياته، الأثر الأبرز و المنعطف الأحسم نحو استكمال شخصيته العلمية و بناء نفسه الروحي، و لندعه يعبر:”…أما بالنسبة لي فان حدثا مهما جاء ليغير مجرى حياتي، في مساء أحد الأيام كنت عائدا من المدرسة إلى المنزل فوجدت أمي بانتظاري عند أعلى درج السلم، متأبطة حقيبة وضعت فيها ملابسي. عانقتني بحنان ورافقتني نحو السلم و هي تقول: أسرع نحو عربة البريد لتجد والدك فترافقه إلى قسنطينة”، بين تبسة و قسنطينة تتحاور الطبيعة و الحضارة في نفسه و تتزاوج الروح و المادة في شخصيته، حيث يقول محدثا:” ففي تبسة كنت أرى الأمور من زاوية الطبيعة و البساطة، أما في قسنطينة فقد أخذت أرى الأشياء من زاوية المجتمع و الحضارة واضعا في هذه الكلمات محتوى عربيا و أوروبيا في آن و احد”. ففي قسنطينة رغم اجتهاده في دراسته و نيله درجة ” جيد جدا” إلا أن هذه النتيجة لم تكن لتسمح له دخول الثانوية، لكن أنى له ذلك و السلطات الاستعمارية لا تبيح لأبناء المستعمرات ” الأهالي” التفوق، حتى تحرمهم من المناصب العليا، كل ذلك لم يكن لثنيه عن استكمال دراسته المتوسطة باكمالية سيدي جليس، قصد الدخول للمدرسة الرسمية ليتأهل عونا قضائيا، فكان النجاح حليفه. ـــــــــــــ المحطة الثالثة.. مصادر إطلاعه ـــــــــــــ كان مالك بن نبي شديد الإطلاع على الأحداث الدائرة في محيطه و في العالم آنذاك، والذي كان يعج بالأحداث الكبرى و خاصة تلك المتعلقة بتوسع دول المركز على حساب دول الأطراف، أو بالأحرى دول الهامش، من بينها أحداث تسليم فلسطين للصهاينة، الحربين العالميتين، الأزمة الاقتصادية.. حريصا على متابعة كل صغيرة و كبيرة من خلال الإطلاع على الجرائد الصادرة داخل الوطن و خارجه ( الإقدام، العصر الجديد، الزهرة، الرايــة،l’etedard،الإنسانيـةl’humanite، la lutte sociale ، صوت المساكيـنla voix des humbles ،…)، و هاهو مالك بن نبي يحدثنا عن صحيفة الإقدام، التي كان يصدرها الأمير خالد الجزائري: ” فالإقدام و ضعت في فكري الحدود السياسية الدقيقة، فكانت تكشف عمليات استغلال الفلاح الجزائري..فكانت الإقدام تفضح رجعية الإدارة المستعمرة و سوء استغلالها للسلطة، فالأرقام التي كانت تنشرها عن مساحة الأراضي الممنوحة للمعمرين، و عن عدد الأولاد الجزائريين الذين لا يذهبون إلى المدارس تثيرنا و توجهنا”، كما اطلع على أمهات الكتب العربية و الفرنسية التي أكسبته منهجا علميا دقيقا و فكرا وقادا، فاطلع على ابن خلدون بالفرنسية، و جوبلو، و أم القرى للكواكبي، و المسعودي بالفرنسية، و كان يعد احمد رضا من خلال كتابه (الإفلاس المعنوي للسياسة الغربية في الشرق) و الشيخ محمد عبده من خلال ( رسالة التوحيد)، الينابيع البعيدة و المحددة لاتجاهه الفكري، و في الصالون الأدبي الذي كان يعقد في مقهى ( بوعربيط)، اكتشف مالك بن نبي بهاء الأدب العربي القديم و إمكاناته الحاضرة، فاكتشف عبقرية شعراء الجاهلية و المدرسة الحديثة، و شعراء المهجر، و فعلت فيه كتب مصطفى لطفي المنفلوطي فعلتها، كما مكنته ثقافته الفرنسية من الإطلاع على أدب لامرتين، و فلسفة كونديلا و غيرها من الكتب و المراجع التي لا تعد و لا تحصى. ـــــــــــــ المحطة الرابعة.. سفره إلى فرنسا وزواجه ــــــــــــــــ سافر إلى فرنسا سنة 1930 قصد دراسة ليسانس في الحقوق ليتخرج محاميا، إلى آن أيادي الاستعمار – مرة أخرى- من خلال بعض المستشرقين، منعته من الالتحاق بكلية الحقوق، فكان لذلك الحادث الأثر المؤلم على نفسه، فأضطر الأستاذ بعدها إلى دخول مدرسة اللاسلكي.. تزوج بفرنسية يوم جمعة من عام 1931 اعتنقت الإسلام، و كانت زوجته خديجة كما يصفها الأستاذ:” فنانا ماهرا في فن التجميل و ربما تفوقه بما تصنع بيديها من آيات الذوق، ببعض خشب و بعض قماش مزركش من نوع الكريتون الرخيص جدا، إني اذكر هذه التفاصيل لاني أعدها دالة على التطور النفسي الذي سيجعلني اشد نفورا لكل ما يسيء لذوق الجمال، و لأنها تفسر ثورتي على بعض جوانب تخلفنا التي تصبح موضوع السخرية في بعض المجلات..”. و في فرنسا تعرف مالك بن نبي على أناس كثيرين من بينهم و أهمهم الأستاذ ” محمود الساعي”؛ الذي كان الأستاذ يدين له باتجاهه كاتبا متخصصا في شؤون العالم الإسلامي.. و في سنة1935 تخرج مهندسا كهربائيا، ليعود إلى الجزائر، ثم بعدها إلى مصر، لطبع كتابه ” الفكرة الأفروآسيوية” بمساعدة وزارة الإعلام في القاهرة، كما ترجم هناك كتبه بمعاونة الطلاب، ليرجع إلى الجزائر عام 1963 مديرا عاما للتعليم العالي، ثم استقال من مهامه سنة 1967 ليتفرغ للنشاطات الفكرية و الحضارية، مخلفا أكثر من عشرين مؤلفا ( الظاهرة القرآنية، لبيك، شروط النهضة، في مهب المعركة، مشكلة الأفكار في العالم الاسلامي، ميلاد مجتمع، البناء الاجتماعي الجديد، المسلم في عالم الاقتصاد، دور المسلم و رسالته في الثلث الأخير من القرن العشرين، شروط النهضة، و جهة العالم الإسلامي، مشكلة الثقافة…)، و له ما ينوف عن العشر مخطوطات ( خطاب مفتوح لخروتشوف و إيزنهاور، المشكلة اليهودية، العفن، اليهودية أم النصرانية، دراسة حول النصرانية…). هاهو مالك بن نبي المعلم يرحل عنا في صمت، مثقلا بهموم العالم الإسلامي منشغلا بالبحث عن المخارج الموصلة للمقصود الحضاري، للخروج من دائرة التخلف الذي ينخر مجتمعاتنا العربية و الإسلامية حتى الموت، ليلقى ربه في 31 أكتوبر من العام 1973. و هاهو المتأمل في حياة هذا الرجل طولا و عرضا يقف حيرانا متسائلا: ٭بعد أن لقي المتاعب من قبل الاستعمار، هو و أسرته من أجل فكره، لماذا تعاد الكرة أثناء الاستقلال، و يصادر للمرة الثانية شخصه و فكره..؟ ٭و إلى متى يظل فكره الانساني متخفيا على الاجيال الحالمة بالحضارة و الرقي الانساني..؟ هذه دعوة تمليها علينا مسؤولياتنا أمام التاريخ و أمام الإنسانية جمعاء، الى كل المثقفين الأحرار و أصحاب الأقلام النزيهة، لرفع الحصار عن فكر الرجل و تحريره من الإهمال و النسيان، لأنه حقا كما قال أحد طلابه واصفا فكره بأنه:” ذلك المشروع الذي لم يكتشف بعد”.
بقلم الاستاد بلكبير بومدين | |
|
شيكا
عدد المساهمات : 6824 نقاط : 8827 السٌّمعَة : 1 تاريخ التسجيل : 21/06/2013
| |