عجائبٌ لا عدَّ لها ولا حد أوجدها الله في رسول الله صلي الله عليه وسلم حتى نعرف أن رسول الله حتى في البشرية كان له خصوصية وهذا ليس بعجيب على القدرة الربانية التي خصته بهذه الأوصاف الخصوصية إكراماً له صلوات الله وسلامه عليه مَن منا يتحمل رائحة عرَقه؟ نحن نضع عطوراً ومزيلات عرق من أجل رائحة العرق لكن رسول الله باتفاق جميع الرواة كانت رائحة عرَقه أزكى من رائحة المسك فكان صلي الله عليه وسلم إذا صافح إنساناً تظل رائحة النبي في يده ثلاثة أيام وإذا مشى في طريق ينتشر أريجه في هذا الطريق وكان الذي يسأل عن رسول الله ولم يجده يتتبع رائحته

وسيحدث ذلك معنا كلنا إن شاء الله ولكن في الجنة التي يقول النبي في أهلها {لاَ يَتَغَوَّطُونَ وَلاَ يَبُولُونَ وَلاَ يَمْتَخِطُونَ وَلاَ يَبْزُقُونَ أَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ وَمَجَامِرُهُمُ الألُوَّةُ وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ}[1] فهم يأكلون وفضلاتهم تخرج كرشحات عرق رائحته كرائحة المسك سيحدث ذلك معنا في الجنة لكنه كان مع النبي في الدنيا فكأنه وهو في الدنيا كان يعيش في الجنة كان صلي الله عليه وسلم يحب السيدة أم سليم وهى أم سيدنا أنس لأنها كانت امرأة من الصالحات [2] وكان حضرة النبي يحبها لصدقها وإخلاصها فكان صلي الله عليه وسلم في أيام الصيف يذهب في الظهيرة ليقيل عندها فكان إذا نام غزر عرقه

يروى سيدنا أنس عما حدث في بعض المرات فيقول {دَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ فَقَالَ عِنْدَنَا فَعَرِقَ وَجَاءَتْ أُمِّي بِقَارُورَةٍ فَجَعَلَتْ تَسْلُتُ الْعَرَقَ فِيهَا فَاسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ فَقَالَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا هذَا الَّذِي تَصْنَعِينَ؟ قَالَتْ: هذَا عَرَقُكَ نَجْعَلُهُ فِي طِيبِنَا وَهُوَ مِنْ أَطْيَبِ الطِّيبِ}[3] وفى رواية {وهو أطيب الطيب} وفى رواية أخرى قال سيدنا أنس {كَانَ النَّبِيُّ يَدْخُلُ بَيْتَ أُمِّ سُلَيْمٍ فَيَنَامُ عَلَى فِرَاشِهَا وَلَيْسَتْ فِيهِ قَالَ: فَجَاءَ ذَاتَ يَوْمٍ فَنَامَ علَى فِرَاشِهَا فَأُتِيتْ فَقِيلَ لَهَا: هذَا النَّبِيُّ نَامَ فِي بَيْتِكِ عَلَى فِرَاشِكِ قَالَ: فَجَاءَتْ وَقَدْ عَرِقَ وَاسْتَنْقَعَ عَرَقُهُ علَى قِطْعَةِ أَدِيمٍ عَلَى الْفِرَاشِ فَفَتَحَتْ عَتِيدَتَهَا فَجَعَلَتْ تُنَشِّفُ ذلِكَ الْعَرَقَ فَتَعْصِرُهُ فِي قَوَارِيرِهَا فَفَزِعَ النَّبِيُّ فَقَالَ: مَا تصْنَعِينَ؟ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ؟ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ نَرْجُو بَرَكَتَهُ لِصِبْيَانِنَا قَالَ: أَصَبْتِ}[4]

بل هناك ما هو أكثر مما رواه سيدنا أبو هريرة {أن رجلاً أتى النبي فقال: يا رسول الله إني زَوَّجْتُ ابنتي وإني أحبُّ أن تعينَني بشيء فقال: مَا عِنْدِي مِن شَيْءٍ ولَكِنْ إِذَا كانَ غَدٌ فَتَعَالَ فَجِيءَ بِقَارُورَةٍ وَاسِعَةِ الرَّأْسِ وَعُودِ شَجَرَةٍ وآيةُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ أَنِّ أُجِيْفُ نَاحِيَةَ البَابِ، فأتَاهُ بِقَارُورَةٍ وَاسِعَةِ الرَّأس وعودِ شجرةٍ فجعلَ يَسْلُتُ العرَقَ من ذراعيه حتى امتلأت فقال: خُذْ وَمُرِ ابْنَتَكَ إِذَا أَرَادَتْ أَنْ تَطَيَبَ أَنْ تَغْمِسَ هَذَا العُودَ في القَارُورَةِ وَتَطَّيََّبَ بِهِ قال: فكانت إذا تطيَّبَتْ شَمَّ أهْلُ المدينة رائحةَ الطِّيْبِ فسمُّوا بَيْتُ المُطَّيِّبين}[5] ووردت في بعض الروايات أنهم فتحوا حانوتاً أو دكاناً لبيع العطور وكان أساسه هذه القارورة المباركة وأسموا دكانهم " بيت المطيبين" كيف ذلك؟ حتى نعرف أنه صلي الله عليه وسلم بشر ولكن تولاه خالق القُوَى والقُدَر فرقَّى وصفَّى وشفَّى فأصبحت هذه البشرية نورانية في صورة بشرية

[1] عن أبى هريرة صحيح مسلم وأوله قال{ أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أَشَدِّ نَجْمٍ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً ثُمَّ هُمْ بَعْدَ ذَلِكَ مَنَازِلُ (الحديث أعلاه)}
[2] لما أراد أبو طلحة أن يتزوجها (وكان مشركاً) فذهب لها فقالت له: يا أبا طلحة إن مثلك لا يُرَد ولكنك كافر وأنا مسلمة والإسلام يرفض هذا الزواج فإن أردت الزواج بى فأنا أرضى بمهري (لا إله إلا الله محمد رسول الله) فذهب وأسلم ثم عاد فقالت لابنها أنس زوجني فتزوجت طلحة وكان مهرها (لا إله إلا الله محمد رسول الله).
[3] عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ صحيح مسلم وقال عندنا : أي نام القيلولة .
[4] صحيح مسلم وغيره
[5] رواه الطبراني في الأوسط، معجم أبى يعلى الموصلي عن أبى هريرة.



منقول من كتاب [السراج المنير]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]