صلاة الجمعة واجبة على كل مسلم ذكر ، بالغ ، عاقل ، لا عذر له ، لقوله تعالى:
} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ {[الجمعة: 9] ولقوله  في حديث حفصة رضي الله عنها : (( رواح الجمعة واجب على كل محتلم )) رواه النسائي ، والإجماع منعقد على وجوبها .
فلا تجب على الكافر وجوب أداء ؛ لفقد التوحيد ، ولا على المرأة بالإجماع ، ولا على غير البالغ العاقل لعدم تكليفه .
ولا تجب الجمعة على مسافر سفر قصر ؛ لأن النبي  وأصحابه كانوا يسافرون في الحج وغيره ، فلم يصل أحد منهم .
الجمعة في السفر :
المسافر لا يخلو من أمرين :
الأول : أن يكون سائراً ، فلا تجب عليه الجمعة ، ولا تشرع منه إلا تبعاً لغيره من المقيمين ، فإذا مرَّ بمن يجمِّع بعد النداء الثاني صلى معهم .
الثاني : أن يكون مقيماً في البلد ، فيجب عليه أن يجمّع تبعاً للمقيمين ؛ لعمومات أدلة وجوب الجمعة .
ومن خرج إلى البر في نزهة أو غيرها ، ولم يكن حوله مسجد تقام فيه الجمعة ؛ فلا جمعة عليه ، ويصلي ظهراً ، فإن كان حوله مسجد ، لا يبعد أكثر من ثلاثة أميال ، وجب عليه أن يقصده .
ولا تجب على امرأة ، لكن إن حضرت الجمعة مع الرجال أجزأت . وكذلك إذا حضرها المسافر أجزأته ، وكذلك المريض ؛ لأن إسقاطها عن هؤلاء للتخفيف عنهم ، ولا يجوز لمن تلزمه الجمعة السفر في يومها بعد زوال الشمس حتى يصليها ، وقبل الزوال يكره السفر إن لم يكن سيصليها في طريقه وأجازه مالك بلا كراهة .
شروط صحة الجمعة :
1. الوقت ، لأنها صلاة مفروضة ؛ فاشترط لها دخول الوقت كبقية الصلوات ؛ فلا تصح قبل وقتها ولا بعده ؛ لقوله تعالى:  إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً  [النساء : 103] .
ويدخل وقتها بزوال الشمس ؛ لحديث سلمة بن الأكوع ، ويصح فعلها في الساعة السادسة قبل الزوال ؛ لحديث أبي هريرة  السابق .
2. أن يكون المصلون ثلاثة مستوطنين بمساكن مبنيَّة بما جرت العادة بالبناء به ؛ فلا تصح من أهل الخيام وبيوت الشعر الذين ينتجعون في الغالب مواطن القطر وينقلون بيوتهم ونحو ذلك ؛ فقد كانت قبائل العرب حول المدينة ، ولم يأمرهم  بصلاة الجمعة .
3. تقديم خطبتين ؛ لمواظبة النبي  عليهما ، وكذا لمواظبة خلفائه الراشدين ، قال ابن عمر : (( كان النبي  يخطب خطبتين وهو قائم ، يفصل بينهما بجلوس )) متفق عليه .
ويشترط لهما النية ، والموعظة التي تناسب الحال .



سنن الخطبة :
1. ويسن في خطبتي الجمعة أن يخطب على المنبر ؛ لفعله - عليه الصلاة والسلام - كما في حديث سهل بن سعد  ، ولأن ذلك أبلغ في الإعلام وأبلغ في الوعظ حينما يشاهد الحضور الخطيب أمامهم .
2. ويسن أن يسلم الخطيب على المأمومين إذا أقبل عليهم ؛ لورود ذلك عن الصحابة ، جابر ، وابن عمر ، وابن عباس ، وابن الزبير ، رضي الله عنهم ؛ ولعموم قول النبي ، في حديث أبي هريرة  : (( حق المسلم على المسلم خمس ، وذكر منها : وإذا لقيه فليسلم عليه )) رواه مسلم .
3. ومن سنن خطبتي الجمعة أن يجلس بينهما ؛ لحديث ابن عمر : (( كان النبي  يخطب خطبتين وهو قائم ، يفصل بينهما بجلوس )) متفق عليه .
4. أن يخطب قائماً ؛ لفعل الرسول  ، ولقوله تعالى : } وتركوك قائماً { ، وعمل المسلمين عليه .
5. أن يقصد تلقاء وجهه ؛ لفعله  ، لأن التفاته إلى أحد جانبيه إعراض عن الآخر ومخالفة للسنة ؛ لأنه  كان يقصد تلقاء وجهه في الخطبة ، ويستقبله الحاضرون بوجوههم ؛ لقوله ابن مسعود  : (( كان إذا استوى على المنبر استقبلناه بوجوهنا )) رواه الترمذي .
6. أن يقصر الخطبة تقصيراً معتدلاً ؛ بحيث لا يملوا وتنفر نفوسهم ، ولا يقصرها تقصيراً مخلاًُ ؛ فلا يستفيدون منها ؛ فقد روى مسلم عن عمار مرفوعاً : (( إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه ؛ فأطيلوا الصلاة ، واقصروا الخطبة )) ، ومعنى قوله ( مئنة من فقهه ) : أي علامة على فقهه .
ويطيل الخطبة أحياناً تبعاً للحاجة .
- ويسن أن يرفع صوته بها ؛ لأنه  كان إذا خطب ، علا صوته ، واشتد غضبه ، ولأن ذلك أوقع في النفوس ، وأبلغ في الوعظ ، وأن يلقيها بعبارات واضحة قوية مؤثرة ، وبعبارات جزلة .
- ويسن أن يدعو للمسلمين بما فيه صلاح دينهم ودنياهم ؛ لساعة الإجابة .
- ويسن إذا فرغ من الخطبتين أن تقام الصلاة مباشرة ، وأن يشرع في الصلاة من غير فصلٍ طويلٍ .
كيفية صلاة الجمعة :
صلاة الجمعة ركعتان بالإجماع ، ويجهر فيهما بالقراءة ، ويسن أن يقرأ في الركعة الأولى منهما بسوة الجمعة بعد الفاتحة ، ويقرأ في الركعة الثانية بعد الفاتحة بسورة المنافقين ؛ لأنه عليه الصلاة والسلام كان يقرأ بهما ؛ كما رواه مسلم عن ابن عباس ، أو يقرأ في الأولى بـ ((سبح اسم ربك الأعلى)) ، وفي الثانية بـ ((هل أتاك حديث الغاشية)) ؛ فقد صح أنه صلى لله عليه وسلم كان يقرأ أحياناً بالجمعة والمنافقين ، وأحياناً بـ (سبح) و (الغاشية) ، ولا يقسّم سورة واحدة من هذه السور بين الركعتين ؛ لأنَّ ذلك خلاف السنة .
ومن أدرك مع الإمام من صلاة الجمعة ركعة أتمها جمعة ؛ لحديث أبي هريرة مرفوعاً : (( من أدرك ركعة من الجمعة فقد أدرك الصلاة )) رواه البيهقي ، وأصله في الصحيحين .
وإن أدرك أقل من الركعة ؛ بأن رفع الإمام رأسه من الركعة الثانية قبل دخوله معه ؛ فاتته صلاة الجمعة ، فإذا سلَّم الإمام أتمَّها ظهراً .
مسألة : لا يجوز تعدد الجمعة في أكثر من موضع ، إلا لحاجة ، فإن تعدَّدت لغير حاجة صحَّت صلاةُ المأمومين ، والإثم على من أذن بالتعدُّد .

  