الدانمارك والقضاء البحرينى ...تدخل مرفوض
---
لم تبق من الكلمات الا الرفض تعليقا على طلب الدنمارك ترحيل عبد الهادي الخواجة إليها بعد صدور الحكم النهائى عليه بالادانة، حيث يمثل تكرار المطلب الدانماركى حالة من الافلاس القانونى والسياسى الذى اصاب القوى السياسية المخالفة للقانون فى المملكة. فقد تعددت تحركاتها واختلفت سياساتها وتباينت الطرق التى انتهجتها من اجل الوصول الى اهدافها الخبيثة، فتارة تقدم شكاوى لدى المنظمات الدولية ضد المملكة، وتارة اخرى تبث معلومات مغلوطة واكاذيب ملفقة عن اوضاع المملكة واحوال مواطنيها، وتارة ثالثة تلتقى ببعض ممثلى الدول الكبرى لايهامهم بان الوضع فى المملكة على وشك الانفجار كما حدث فى الموقف الامريكى منذ ما يقرب من شهرين ومطالبته الباطلة بشأن الاوضاع فى المملكة.
واليوم يأتى المطلب الدانماركى بتسليمها عبد الهادي الخواجة ليفتح المجال واسعا حول مجموعة من الحقائق واجبة التسجيل، وذلك على النحو التالى:
أولاً- اذا كان صحيحًا ان للشخص حاملة جنسية دولة ما الحق فى ان يطلب مساعدة دولته فى حالة وقوعه تحت طائلة القانون فى دولة أخرى، بحيث تقوم دولته بمتابعة قضيته ومساعدته قدر الامكان فى ضوء قانون الدولة المرتكب علي ارضها الجريمة، دون التدخل فى شئونها الداخلية او احكامها القضائية احتراما لقدسية حق السيادة الذى يعد المرتكز الاساسى فى حماية وصون الدول وضمان استقرارها.
ثانيًا- اتساقا مع ما سبق، اصبح مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الركيزة الأساسية لحماية شخصية وسيادة الدول من كل تهديد أو اعتداء خارجيين، كما اضحى واحد من اهم المبادئ الأساسية للقانون الدولي والتي نص عليها ميثاق الأمم المتحدة في الفقرة السابعة من المادة الثانية صراحة على عدم جواز التدخل في الشؤون التي تعد من صميم السلطان الداخلي للدول. وهو ما تأكد جليا فى تكثيف جهود المنظمة الدولية لإصدار العديد من القرارات التي تعزز سيادتها من داخل الجمعية العامة, ونذكر في هذا الخصوص: القرار 2131 /1965 المرتبط برفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول وحماية استقلالها وسيادتها والقرار 2625/1970 المرتبط بمبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول. ونظرا لأهمية هذا المبدأ فقد تم تضمينه في مختلف مواثيق المنظمات الدولية والإقليمية، وهو يتمحور حول حظر كل الأعمال والسلوكات والتصريحات التي تصدرها أو تقوم بها جهات أجنبية(دول, منظمات دولية..) بشأن قضايا ومشاكل تندرج ضمن الاختصاص الداخلي لدولة أخرى ذات سيادة, وتتزايد خطورة ذلك عندما يتعلق الأمر بتدخل عسكري، والجدير بالذكر أن مبدأ عدم التدخل لا يستبعد فقط استعمال القوة وإنما يمتد إلى كل شكل من أشكال الضغط والتدخل أو التوجه الذي يمس بشخصية الدولة أو بأحد عناصرها السياسية والاقتصادية والثقافية.
ثالثًا- بناء على ما سبق، ليست مبالغة القول أن التدخل في الشؤون الداخلية للدول مخالف للقانون الدولي، بل ويعتبر أسوأ ما يمكن أن يعتري العلاقات بين الدول، حيث يهدد هذا التدخل الأوضاع القائمة والتي على أساسها يقوم الأمن الدولي والاستقرار الذي يؤمن للشعوب فرصة العيش والبناء. وعلى هذا، يصبح المطلب الدانماركى خروج على الشرعية الدولية واحكامها المستقرة من ناحية، وانتهاكا صارخا وتجاوزا مرفوضا فى حق السيادة البحرينية. ولا يمكن تقبل القول أنه يحمل الجنسية الدانماركية، لان هذا الامر مردود عليه من زاويتين:
الاولى، من المعلوم أن كل بحريني يحمل أكثر من جنسية، فإن الجنسيات الأخرى تسقط قانوناً، ويُحاكم ويُحاسب على أنه بحريني، لأن قانون المملكة لا يسمح بازدواج الجنسية باستثناء جنسيات دول مجلس التعاون. وعليه، يمكن لحامل الجنسية الثانية أن يتنازل عن جنسيته البحرينية والاكتفاء بالجنسية الأجنبية. وفى هذه الحالة اذا ما ارتكب هذا الشخص جريمة على ارض الدولة المقيم عليها، يكون من المقبول النظر فى ظروفه وموقف دولته وخلافه. وهو ما يمكن ان يستفيد منه عبد الهادى الخواجة فى ان يتنازل عن جنسيته الاصلية (البحرينية) مقابل اية جنسية أجنبية أخرى.
الثانية، لا يعنى ما سبق ان تكف يد الدولة التى يقيم فى مركتب الجريمة عن معاقبته وتطبيق العقوبة عليه، بل هذا حق اصيل للدولة طبقا لقواعد القانون الدولة. وفى هذه الحالة، فمن حق البحرين محاكمة أي أجنبي يرتكب جرماً على أراضيها أو في سمائها، أى أنه ما دامت الجريمة وقعت على أرض البحرين، فمن حقها أن تحاكمه حتى لو كان أجنبياً حسب ما تؤكده القوانين الدولية. وكذلك من حقها الطبيعي أن تنفذ العقوبة علي هذا المتهم على أراضيها فمن حق الدولة التي اقترفت الجريمة على أراضيها أن تسجن الجاني، حتى لو ارتكبت الجريمة على متن طائرة في أجواء الإقليم. يستثنى من ذلك حالة وجود اتفاقات متبادلة بين البلدين لتسليم المجرمين وهو غير موجود فى حالة عبد الهادى الخواجة، فلا توجد هناك اتفاقات مبرمة بين البلدين لتسليم المحكوم عليه.
خلاصة القول، لم يعد مقبولا ولا منطقيا فى عالم اليوم ان تتدعى دولة من الدول بحقوق سيادية او سياسية حيال دولة اخرى دون ان يتم فحص الادعاء بصورة واضحة لاستجلاء الحقائق والوقوف على التفاصيل. وهو ما يستوجب من الجميع احترام سيادة الدول واستقلالها وكيفية ادارتها لشئونها الداخية، وهو ما ينطبق على الشأن البحرينى بصفة عامة والقضاء البحرينى على وجه الخصوص، حيث يمثل القضاء الحصن الحصين فى حماية الحقوق وصون الحريات، خاصة اذا كان القضاء البحرينى واحدا من الانظمة القضائية التى توصف – طبقا للتقارير الدولية والاقليمية- بالنزاهة والعدالة والحيادية وعدم تأثره بالضغوط الداخلية والخارجية فيما يصدره من احكام. كما انه من التحامل على المملكة البحرينية ان توجه طلبات الى الحكومة تمثل خروجا على الشرعية القانونية واللياقة الدبلوماسية، فهل ستقبل الدانمارك فى مثل هذه الحالة ان تسلم المتهم بارتكاب جرائم تهدد الوطن باسره بدءا من التخابر مع جهات أجنبية مرورا بالتحريض والدعوة لقتل رموز الحكم وتأجيج الصراع الطائفي وصولا إلى السعي لتغيير النظام بالقوة؟ فلم يثبت ان تنازلت دولة من الدول عن حقوقها السيادية وامنها الوطنى تحت ذرائع حقوق الانسان وادعاءات صون الحريات؟ فهل من احترام حقوق الانسان ان يهدد الفرد امن واستقرار المجتمع وأمان مواطنيه تحت دعاوى الحريات والحقوق؟ تساؤلات تتطلب الاجابة عليها من جانب الدانمارك وغيرها من الدول التى تتشدق ليلا ونهارا بهذه التركيبات اللغوية التى لا تستهدف من وراءها سوي مصالحها فحسب، وحينما يتعلق الامر بشئونها تلقى بهذه الحقوق وتلك الحريات فى مزبلة التاريخ كما حدث فى الولايات المتحدة فى حركة "احتلوا وول ستريت" وحدث فى بريطانيا مؤخرا.