البحرين بين الاطماع الايرانية والتخاذلات الامريكية
---
لم يعد مقبولا ما تعيشه المنطقة العربية اليوم من تفتت وانقسام يصب فى مصلحة القوى الاقليمية والدولية التى اتفقت مصالحها وأهدافها سويا من أجل التكالب على الامة العربية وضياع مجدها وتفتيت شعوبها وتقسيم ثرواتها والاعتداء على شرفها تحت مسميات مختلفة وادعاءات متنوعة ما بين ديمقراطية كاذبة وطائفية ممقوتة ومذهبية مرفوضة. فالأمس البعيد اغتصب الكيان الصهيونى مساحات كبيرة من الاراضى العربية من مصر وسوريا ولبنان والأردن وفى القلب من كل ذلك فلسطين وما زال يمارس عربدته وسطوته واعتداءاته المتكررة وانتهاكات المستمرة بحق الشعب الفلسطينى الأعزل وبالأمس القريب وقعت العراق تحت سطوة الاحتلال الامريكى البريطانى ليعيد الى الذاكرة العربية سوءات الاحتلال الغاشم فى نهاية القرن التاسع عشر والقرن العشرين حينما توالت القوى الاوروبية على تقسيم مناطق نفوذها فى المنطقة. واليوم ينضم الى القافلة بعض القوى الاقليمية كما كان الامر فى السابق تمام، حينما قامت بعض القوى الاقليمية باحتلال الاراضى العربية تحت مسميات بعضها دينى والأغلب سياسى.
واليوم يفاجأ العالم العربى بردة جديدة تسعى الى اعادة احتلاله وتقسيمه، حيث تتلاقى الارادة الدولية متمثلة فى القوى الكبرى او القائدة فى النظام الدولى وتحديدا الولايات المتحدة الأمريكية مع ارادات بعض القوى الاقليمية متمثلة فى اسرائيل وأطماعها المستمرة فى المنطقة، وإيران وطموحاتها الواسعة نحو اقامة امبراطورية فارسية على حساب الدول العربية، وتمثل مملكة البحرين البوابة الايرانية لبدء تنفيذ مخططاتها الاقليمية بمساندة أمريكية مباشرة، ويدلل على ذلك العديد من السياسات التى تنتهجها الدولتين (الامريكية والإيرانية)، ومن ذلك ما يلى:
- اعتبار الولايات المتحدة الامريكية جمعية الوفاق البحرينية من المعارضة الديمقراطية، متناسية ان المعارضة الديمقراطية تلك التى تنتهج الاساليب السلمية القانونية فى التعبير عن وجهة نظرها او فى تقييم سياسات الحكومة كما يحدث فى كافة الديمقراطيات ومن بينها الديمقراطية الامريكية التى تتشدق بها على مستوى العالم وتقدمها كنموذج مثالى يسعى الجميع الى الحذو على نهجه. لكن ما تمارسه هذه الجمعية وأنصارها من اعتداءات على الشرطة وانتهاكات بحق المواطنين وخروقات مستمرة لكافة القواعد القانونية والأعراف المجتمعية يؤكد على خروجها عن منظومة المعارضة التى يجب ان تسعى الى التطوير والتحسين وليس الى الهدم والتخريب، يضاف الى ذلك ان المعارضة الديمقراطية هى تلك المعارضة الوطنية التى تقدم الولاء للوطن على كافة ولاءاتها سواء مذهبية او طائفية او عنصرية او عرقية، ولكن النهج الذى تسير عليه هذه الجمعية فى ولائها لنظرية ولاية الفقيه المتبعة ايرانيا يؤكد على ان الولاء المذهبى الطائفى له الاولوية على الولاء للوطن، يدلل على ذلك الطرح الاخير الذى قدمه أمين عام جمعية الوفاق بمقولته (الديمقراطية التوافقية الطائفية) أي تحويل المشروع الديمقراطي البحريني إلى نظام محاصصة مذهبية وطائفية على الطريقة العراقية الراهنة، كذلك المناشدات المستمرة من جانب اتباع لطهران من اجل التدخل فى الشئون البحرينية وفرض ارادتهم على ارادة المجتمع بأسره، وكأنهم يعيشون بمفردهم فى هذا العالم.
- مثلّت مشاركة جماعة راديكالية طائفية مقيمة في بريطانيا في اجتماع محافظات إيران بالعاصمة طهران محافظة البحرين نقطة تحول حاسمة فى توجهات السياسة الايرانية حيال مملكة البحرين، حيث كشفت عن حجم الاكاذيب والادعاءات الباطلة التى تطلقها طهران فى مختلف وسائل الاعلام عن وقوفها على الحياد حيال الاحداث التى تشهدها البحرين، فإذا كان تقرير لجنة تقصى الحقائق المعروفة بلجنة بسيونى قد اكدت ان الحكومة البحرينية رفضت تقديم الادلة عن التدخل الايرانى فى الازمة البحرينية، إلا ان هذا لا يعنى تبرئة طهران من تهمة التدخل فى الشأن البحريني وإنما ارتأت الحكومة البحرينية ان مقتضيات ودواعى الأمن القومى تستوجب عدم الخوض فى تلك القضية. ولكن كافة الادلة والمستندات والمؤشرات تؤكد على سعى طهران الى تأجيج الصراع الطائفى المذهبى فى البحرين كخطوة اولى من اجل فرض هيمنتها وسيطرتها على المملكة كبداية لتحقيق الحلم الفارسى باستعادة مجدها الغابر.
خلاصة القول أن البحرين واقعة بين الاطماع الايرانية كبوابة لتحقيق طموحاتها والفارسية وبين التخاذل الامريكى فى ادارة شئون المنطقة وتوجيهها بما يحقق مصالحها القاصرة دون ان تمتد نظرتها الى مستقبل المنطقة برمتها فما حدث فى العراق وتقديمه كلقمة سائغة لطهران يؤكد لواشنطن انها بحاجة الى اعادة قراءة سياستها وتوجهاتها حيال قضايا المنطقة برمتها وحيال الاوضاع فى منطقة الخليج على وجه الخصوص.