شيكا خليل
عدد المساهمات : 10008 نقاط : 30030 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 25/06/2013
| موضوع: قصة الحمامة الذهبية ( قصة رائعة ) الخميس يوليو 04, 2013 6:28 pm | |
|
قصة الحمامة الذهبية ( قصة رائعة )
ما إن فرغَ جدُّنا من صلاة العشاء حتى أحطْنا به وأمسكنا بعنقه نُلِحَّ في أن يقصَّ علينا قصة طريفةً كما تعود كل ليلة…وجدُّنا طيب القلب لا يمكن أن يرفض لنا طلبا… ضحك من أعماق قلبه… عدل كوفيته جيدا فوق رأسه وقال وقد علا وجهَهُ حزنٌ عميقٌ:
-سأقص اليوم عليكم ياأحفادي الأعزاءَ قصةَ الحمامةِ والقردِ والخنزير …
يُروَى أن حمامة بيضاءَ ناصعةَ البياض لها رأس ذهبيُ اللونِ وجناحان خضراوان، وهي كما تلاحظون تحفةٌ عجيبةُ لم ترَ الخليقةُ مثلها قطُ وكانت هذه الحمامة تعيش آمنةً مطمئنةً في حضن شجرة زيتون وارفة الظلال كثيرة الثمارِ، ولم يكن لتلك الحمامةِ ما يشغلها غير الهديلِ والتحليق على التلال والتمتعِ بروعة الطبيعة أو كانت تقضي وقتها مع فراخها الصغارِ، تناغيها وتداعبها أو تقص عليها القصص الطريفةَ الجميلةَ، وحدث ذات يومٍ أن فاجأها قرد أبيضُ وجدته ممددا على فروع شجرة الزيتون النضرةِ، وهاجت الحمامةُ ذاتُ الرأس المذهَّبِ وصاحت في القرد: الشجرةُ شجرتي، عشت فيها منذ طفولتي، وفيها عاش آبائي وأجدادي، فما الذي جاء بك إليها؟
أظهر القرد غضبه الشديدَ وقال: ما ينبغي لك أيتها المعتوهة أن تنطقي، أنت ضعيفة وأنا قوي ولا حيلة لك سوى أن تغادري هذه الشجرة .
وهزت الدهشة الحمامةَ فرفرفت قريبا منه وقالت:
-أنت تهددني ظلما وعدوانا أيها المغتر بقوته، ولكن لا تنس أنني أقوى منك.
ضحك القرد حتى ظهرت أضراسه المسوسة وقال: كم أنا نهم إلى رأسِكِ المذهب وجناحيك الخضراوين.
خشيتْ الحمامة على نفسِها فحملت أولادها ورفرفت بهم بعيدا إلى أعلى غصن في الشجرة، وباتت مرتجفة بعيدة عن عشها… ولكنها باتَتْ تفكر في كيفيةِ الخلاصِ من هذا القرد اللعين، واهتدت في الليل إلى حيلة ذكيةٍ قررت أن تنفذها في تلك الليلة.
و ما كاد الظلام يخيمُ ويشتد حتى تركت الحمامة فراخها حيث هيَ، ونزلت إلى الأرض فاختارت صخرةً كبيرةً، وراحت تحدد منقارها عليها حتى إذا تأكدت من حدَّتِه رفرفت بهدوء إلى حيث يغط القرد في سبات عميق، واختارت عينَه اليمنى وبقوة نقرتها نقرة حادةً، وارتفع عويل القردِ وصياحُه يشقُّ عتَمَةَ الليلِ متألما، وقفزَ إلى الأرض …
فرِحت الحمامةُ المذهبةُ الرأس بهذا الانتصارِ وصاحت: أرني قوتَك أيُّها المُغترُّ بنفسه وبضخامة جثتِه...وراح القردُ يتمرغُ ويهدد، فلم تجبه الحمامة المذهبة الرأس، ورفرفت بجناحيها الخضراوين إلى قمة الزيتونةِ، فحملت فراخَها، وعادت بهم إلى عشِّها الهادئِ الآمنِ.
في الصباح حين أشرقت الشمسُ الذهبية استيقظت الحمامة من نومها، وأيقظَت فراخها الصغيرةَ ليبدؤوا جميعا يوما جديدا سعيدا لكنَّهم فوجئوا بصياح القرد مهددا:
- لن أدَعَكِ تهنئين بهذه الزيتونة المباركة، وإني عائدٌ إليك لا محالةَ، كل حلمي أن أحصل على رأسِك المذهب وجناحيك الخضراوين.
ضحكتْ منه الحمامةُ وقالت: لقد أشفقت عليك ففقأتُ أحدَ عينيك، وتركت لك الأخرى، فإنْ عاندت وعدتَ فقأتُ عينك الثانيةَ وتركتك أعمى لا تبصر شيئا، فلا تفكرْ في العودة أيها الشقيُّ.
و لم يبرحِ القردُ المكانَ إلا وهو يهددُ الحمامةَ بالويل والثبورِ، وأنه عائدٌ لا محالةَ لينتقم منها ويستوليَ على الشجرةِ المباركةِ.
فكَّر القردُ كثيرا حزينا منكسرَ البالِ والدمُ ينزفُ من عينهِ المفقوءةِ، ولمعتْ في ذهنِه فكرةٌ جهنميةٌ فصرخَ بأعلى صوتِه: قضيتُ عليكِ أيتُها الملعونةُ، قضيتُ عليك.
وراح يحدِّث نفسه، لا حيلة لي إلاَّ أن أستعينَ بصديقي العزيزِ في تحقيقِ هدفي، هو لنْ يردَّ لي طلبا إذْ طالما خدمتُه خدَماتٍ جليلةٍ.
وانطلق القردُ يطوي الجبالَ والوديانَ حتى وصلَ إلى بيتِ صديقِه، دقَّ البابَ مرةً وثانية وثالثةً، فلما يئِسَ ولَّى راجعا، وإذا بالباب يُشقُّ ببطءٍ شديدٍ وحذرٍ كبيرٍ، ويطلُّ منه رأسُ الخنزيرِ الأسودِ، وماكادَ يتعرفُ على الطارقِ حتى خرجَ إليه وارتمى في حضنِه قائلا:
-لا تلُمْني ياصديقي أنتَ تعرفني كثيرَ الحرصِ والحذرِ، ضحكَ القردُ متناسياً آلامَه وقال:
-أهو الحذرُ أمِ الجبنُ أيها الرِّعديدُ؟
ثم سكت فجأةً، ووضع يدَه على عينه المفقوءةِ، وراحَ يئِنُّ ويتألمُ قائلا: أنا في ورطةٍ ياصديقي العزيزَ، تصورْ مجردُ حمامةٍ لعينةٍ فقأتْ عيني بهذا الشكلِ المَشينِ، لقد ذهبْت إليها، أتَرَجاها مرةً، وأُرْهِبُها مرةً، كي تتنازلَ لي عن شجرةِ الزيتونِ المباركةِ التي تسكنُها في أعلى الربوةِ، فرفضتْ ذلك وقابلتُ أنا الأمرَ باستهزاءٍ وإذا بها تباغِتُني ليلاً فتفقأ عَيني.
صاحَ الخنزيرُ هلعًا وقال: ما أشرسَها ! ، حمامةٌ هذه أم أفعى سامةٌ؟ وأنتَ يا صديقي العريزَ ما الذي قرَّبَك من هذه الملعونةِ؟
حزنَ القردُ لما سمعَ هذا الكلامَ وقال بغضبٍ:
- تَعسًا لك أيُّها الجبانُ، وأنا الذي قلتُ لن يأخذَ بثأري، ولن يشفيَ غليلي إلا صديقي العزيزَ الخنزيرُ الشجاعُ الجميلُ.
وأحسَّ الخنزيرُ أن القردَ يغريهِ كيْ يحققَ بهِ حلمَه، ففتحَ فاهُ ليرفضَ فكرةَ صديقِه، لكن القردَ قاطعَه مواصلا كلامَه: ولقدْ أشفقتُ عليك لا تنسَ أنك لا تملكُ بيتاً، وأنت مطاردٌ في الأرضِ، منبوذٌ محتقرٌ، وهذا الغارُ الذي تسكنُه الآن ليسَ ملكَك، وقد تُطردُ منه في أيةِ لحظةٍ.
كان الخنزيرُ يستمعُ إلى صديقِه والحزنُ يجلِّلُه، حقيقةٌ أنه يعيشُ من زمنٍ طويلٍ مشرداً منبوذاً هائماً كأنَّ لعنة الله قد حلَّتْ به … وفطنَ من شرودِه والقردُ يكملُ حديثَه بقوله:
-أما إذا تغَلبتَ على الحمامةِ المذهبةِ الرأسِ الخضراءِ الجناحينِ فإنك ستأخذُ بثأري أولاً، وتعيشُ في شجرةِ الزيتونِ المباركةِ هانئاً آمناً يحترمُك الجميعُ ويقدرونَك.
ردَّ الخنزيرُ وقد اختلطَ عليه الطمعُ والخوفُ: فكرةٌ جميلةُ ياصديقي العزيز ولكنَّ فرائصِي تصطَكُّ من شدةِ الخوفِ، لقد فقأتُ عينَك، وأخشى أن تفقئَ لي عينيَّ الاثنتين.
طمأنَه القردُ وأكَّدَ له أنه سيمُدُّه بالدعمِ الكاملِ مادياً ومعنوياً، وأنه سيكونُ إلى جانبِه في السرَّاءِ والضراءِ مادامَ عدوُهما مشتركاً، وانطلق القردُ من ساعته قاصدا التلةَ الجميلةَ التي تعرشُ فوقها الزيتونةُ المباركةُ، حينما وصلَها لم يجد فوقها الحمامةَ، فصعدَ بسرعةٍ، وقام برميِ الفراخِ بعيدا عن العشِ، ثم قام ببناء بيت محصنٍ فوق الشجرةِ التي بدت حزينةً كئيبةً.
عادتِ الحمامةُ في المساءِ منسابةً في الهواء، محلقةً في الجوِّ، حالمةً بعشِّها الدافئِ وبفراخها الصغارِ، وماكادت تقتربُ حتى هزتها المفاجأةُ، لقد رأتْ عشَّها متناثرا، وفراخَها على الأرض العراءِ يبكون، اشتد غضبُها حين علمتْ بالحقيقةِ، وزاد غضبُها حين خاطبها الخنزيرُ من داخلِ بيتِه الذي ابتناه فوق الشجرةِ قائلا:
-انتهى أمرُكِ أيتُها الحمامةُ المغرورةُ، لقد أصبحتِ الشجرةُ مِلكي، ولا تعتقدينَ أنني سهلُ المأخذِ كالقردِ فقأتِ عينه اليمنى بِيُسْرٍ، اذهبي بعيدا وابحثِي لك عن مكانٍ آخرَ تعيشين فيه … انتبهتِ الحمامةُ إليه والشررُ يتطايرُ من عينيها وصاحتْ فيه: إنك أجبنُ من القردِ وإلَّا ما كنتَ تحدثني من داخلِ البيتِ، انزلْ وسترى ما أفعلُ بك.
لم ينطقِ الخنزيرُ ولم يخرجْ إليها، سلامتُه في الاحتماءِ بجدرانِ بيته الحصينِ، وحينَ يئستِ الحمامةُ المذهبةُ الرأسِ الخضراءُ الجناحين حملت فراخَها واختارَت لهم مكاناً آمنا في سفح الجبلِ، ثم ضمتْهم تحت جناحَيها وهم يرتعدُون من البردِ والخوفِ، وقضتِ الحمامةُ ليلَها تواسيهُم وتشجعُهم وتعِدُهُم بالعودةِ.
ومضتِ الأيامُ الطويلةُ، تذهبُ الحمامةُ إلى الشجرةِ تصيحُ في الخنزيرِ القذرِ أن يخرجَ إليها، لكنه كان يرفضُ، يُرهبُها مرةً، ويبصقُ عليها مرةً ثانية، ويُغْريها أحياناً بأن يسمحَ لها بالعيْشِ في أسفلِ الشجرةِ مع فراخِها شريطةَ أن تخضعَ له وتكفَّ عن معاداتِه، وتعودَ الحمامةُ كلَّ مساءٍ إلى فراخِها الصغارِ يائسةً حزينة، تقصُّ عليهم وتواسِيهم، وتزرعُ في قلوبهم أملَ العودةِ إلى الشجرةِ المباركة.
وانصرفتِ الحمامةُ عن الذهاب إلى الشجرةِ، واكتفتْ بالبقاءِ ليلا ونهارا مع فراخِها لعلَّها يئستْ وصرفتْ تفكيرَها في الأمرِ.
تنهضُ الحمامةُ كلَّ صباحٍ باكرا فتوقظَ أطفالها، فتصعدَ بهم إلى الجبلِ تعلمُهم الطيرانَ والعملَ والقدرة على مواجهةِ المصاعبِ والشدائدِ.
مرتْ الأيامُ، غَدَتْ بعدَها الفراخُ قويةً تحسنُ الطيرانَ والتحليقَ والعملَ ومواجهة المتاعبِ كلِّها … ومساءً ذاتَ يومٍ جمعتهم جميعا في سفحِ ذاك الجبلِ، وراحت تذكرُهم أن بيتهم الحقيقي هو شجرةُ الزيتونِ التي اغتصبَها الخنزيرُ القذرُ، وأن الواجبَ يدعوهم إلى أن يعودوا إليه، وأن يسترجعوها، ولو كلَّف ذلك موتَهم جميعا.
وذكَّرَها أحدُ فراخها أن الخنزيرَ القذرَ ضخمَ الجثةِ، وأنه لا يخرجُ من حصنِه الذي أقامَه، وبالتالي فإن استردادَ الشجرةِ أمرٌ مستحيلٌ، ولا حلَّ إلا أن نبقى حيثُ نحن في عراءِ هذا السفحِ خاصةً وقد تعودْنا عليه، أو أن نقبلَ بفكرةِ الخنزيرِ فنعيشَ في أسفلِ الشجرةِ معه.
ولم تمتلِكِ الحمامةُ نفسَها فصفعَتْ ابنَها حتى أسقطتْه أرضاً، فلزمَ إخوانُه الصمتَ، ولم ينطقْ هو ثانيةً، بل قامَ من مكانِه ووقفَ صامتاً معهم.
صمتَتِ الحمامةُ لحظاتٍ تتجرعُ حزنا غاضباً وقالت: اسمعوا يا أولادي سنذهبُ هذه المرةَ جميعا، ولن نعودَ حتى ننتصرَ، فإن الله لا يخيِّبُ كلَّ مطالبٍ بحقِه … صمتتْ برهةً ثم واصلَت: لقد استقرَّ تفكيرِي على حيلةٍ، إن الخنزيرَ في الشجرةِ ينزلُ ليلا لينالَ طعامَه، وطعامُه يوفرُه له القردُ اللعينُ، وأنا أخطأتُ أولَ الأمرِ حينَ حاربتُ الخنزيرَ نهارا ونسيتُه ليلا، وحين حاربتُ الخنزيرَ ونسيتُ القردَ.
واستبشرَ الأولادُ خيرا، وانطلقوا مع أمِّهم، وكلُّهم إصرارٌ على النصرِ، وماكادوا يقتربونَ من الشجرةِ المباركةِ حتى كَمَنوا ينتظرونَ الليل، وماكادَ يظلمُ حتى لمحوا من بعيدٍ القردَ الأعورَ يتعثرُ في مِشيتِه، يسقطُ وينهضُ، وهو معبأُ بأكياسِ الطعامِ، وأعطتِ الحمامةُ إشارةَ الانطلاقِ فانطلق أبناؤها بكلِّ عزمٍ صوبَ القردِ الأعورِ، ونزلوا فيه ضرباً مبرحاً، وهو يصيحُ ويستغيثُ حتى أسقطوه أرضاً جثةً هامدةً لا حراك بها.
وانتظرَ الخنزيرُ صديقَه القردَ تلك الليلةَ فلم يحضرْ، وثانية وثالثة حتى يئسَ واشتدَّ به الجوعُ فتحَ البابَ بحذرٍ شديدٍ، وتسلَّل خارجا، لكنه ما كادَ يحسُّ بوجودِ حركاتٍ غريبةٍ حتى عادَ وأغلقَ البابَ خلفَه وهو يصيحُ:
-أين أنت ياصدِيقي القرد أنقذنِي.. كدت أموتُ جوعا؟ أين أنت ياصديقي لقد وعدْتني بالمساعدةِ فلماذا تخليتَ عني؟
ولم يجبْه أحدٌ، عندَ ذاك نطقتِ الحمامةُ وهي تحلقُ قريبا منه: إما أن تخرجَ لنقتلَك أيُّها القذرُ، أو أن تبقى خلفَ جدرانِ حصنِك لتموتَ جوعاً …
وانفجرَ الخنزيرُ القذرُ باكياً نادباً حظَّه التعيسَ صائحا: أين أنت أيها القردُ الحقيرُ؟ تبا لك لقد ورَّطْتَنِي أين أنت أيها القرد الحقير؟
الكلُّ كان يسمعُه، وكانت الجبالُ المحيطةُ ترددُ صياحَه وصراخَه ونداءه لكن القردَ لم يكن يسمعُه أبدا.
ضحكتِ الحمامةُ البيضاءُ المذهبةُ الرأسِ الخضراءُ الجناحينِ وقالتْ لأبنائها:
-هل رأيتم جزاءَ الظالمِ المغترِّ بقوته؟ تستطيعون قهرَ كلِّ الظالمين بإصرارِكم وإرادتِكم.
بقيَ الخنزيرُ أياما بلياليها سجيناً يتألمُ من شِدةِ الجوعِ منتظرا قدوم صديقه القردِ، ولما يئسَ وخارتْ قوَاهُ لجأَ إلى الحيلةِ فطلبَ من الحمامةِ أن تسمح له بمغادرة البيتِ، وأقسم بأغلظِ الأيْمان أنه لن يعودَ إلى فعلته أبدا، بل سيكونُ صديقا حميماً وسيعوضُها عن كلِّ ما لحق بها.
فرح الفراخُ بهذا العرضِ وطالبوا أمَّهم أن تقبَله لمِاَ يعودُ عليهم مِنه من الفائدةِ الجَمَّةِ.
ما يملكون. | |
|
sari
عدد المساهمات : 236 نقاط : 236 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 20/05/2012
| |
robotico
عدد المساهمات : 6979 نقاط : 7133 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 20/05/2012
| |