فوائد من قصة موسى عليه السلام في سورة القصص
1 - أن آيات اللّه تعــالــى وعبره ، وأيامه فــي الأمــم
السابقة ، إنمــا يستفيد بها ويستنير المؤمنون ، فعلى
حسب إيمان العبد تكون عبرته ، وإن اللّه تعـالى إنما
يسوق القصص، لأجلهم ، وأما غيرهم ، فلا يعبأ اللّه
بهم ، وليس لهم منها نور وهدى .
2- أن اللّه تعـالى إذا أراد أمرا هيأ أسبابه ، وأتى بها
شيئا فشيئا بالتدريج ، لا دفعة واحدة .
3 - أن الأمـــة المستضعفة ، ولــو بلغت فــي الضعف
ما بلغت ، لا ينبغي لها أن يستولي عليها الكسل عــن
طلب حقها، ولا الإياس من ارتقائها إلى أعلى الأمور
خصوصا إذا كانوا مظلومين ، كـمــــا استنقذ اللّه أمة
بني إسرائيل ، الأمة الضعيفة ، مــن أســـر فرعون
وملئه ، ومكنهم في الأرض ، وملكهم بلادهم .
4- أن الأمــة ما دامت ذليلة مقهورة لا تــأخـــذ حقهــا
ولا تتكلم بـه ، لا يقــوم لهــا أمـــر دينها ولا دنياها
ولا يكون لها إمامة فيه .
5 - لطف اللّه بأم موسى ، وتهوينه عليهـــا المصيبة
بالبشارة ، بأن اللّه سيرد إليها ابنها ، ويجعله مــن
المرسلين .
6 - أن اللّه يقدر عـلى عبـــده بعــض المشاق ، لينيله
سرورا أعظم من ذلك ، أو يدفع عنه شرا أكثر منـــه ،
كمــا قدر عـلى أم موسى ذلك الحزن الشديد ، والهــم
البليغ ، الـــذي هــو وسيلة إلى أن يصل إليها ابنها ،
على وجه تطمئن به نفسها، وتقر به عينها ، وتزداد
به غبطة وسرورا .
7 - أن الخوف الطبيعي من الخلق ، لا ينافي الإيمــان
ولا يزيله ، كـمـا جرى لأم موسى ولموسى مـن تلك
المخاوف .
8 - أن الإيمان يزيد وينقص . وأن مــن أعظم ما يزيد
به الإيمان ، ويتم به اليقين ، الصبر عند المزعجات ،
والتثبيت من اللّه عند المقلقات كما قال تعــالى ( لَوْلَا
أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) أي: ليزداد
إيمانها بذلك ويطمئن قلبها .
9- أن مــن أعظم نعم اللّه على عبده ، و أعظم معونة
للعبد على أموره، تثبيت اللّه إياه ، وربط جأشه وقلبه
عنــد المخاوف وعند الأمور المذهلة فإنه بذلك يتمكن
مــن القــول الصواب ، والفعل الصواب ، بخلاف من
استمر قلقه وروعه وانزعاجه ، فإنـه يضيع فكره ،
ويذهل عقله ، فلا ينتفع بنفسه في تلك الحال .
10- أن العــبــد - ولو عرف أن القضاء والقدر ووعد
اللّه نافذ لا بد منه - فـإنــه لا يهمل فعل الأسباب التي
أمر بها ،ولا يكون ذلك منافيا لإيمانه بخبر اللّه ، فإن
اللّه قد وعد أم موسى أن يرده عليهـــا ، ومــع ذلك ،
اجتهدت على رده ، وأرسلت أخته لتقصه وتطلبه .
11 - جــواز خروج المــرأة فــي حوائجها ، وتكليمها
للرجال ، مـن غيــر محذور ، كما جرى لأخت موسى
وابنتي صاحب مدين .
12- جواز أخذ الأجرة على الكفالة والرضاع، والدلالة
على من يفعل ذلك .
13 - أن اللّه مــن رحمته بعبده الضعيف الــــذي يريد
إكرامه، أن يريه من آياته ويشهده من بيناته ،ما يزيد
به إيمانه ، كمـــا رد الله موسى على أمه ، لتعلم أن
وعد اللّه حق .
14 - أن قتل الكافر الـــذي لــه عهــد بعقد أو عرف ،
لا يجوز ، فـــإن موسى عليه السلام عدَّ قتله القبطي
الكافر ذنبا ، واستغفر اللّه منه .
15- أن الذي يقتل النفوس بغير حق يعد من الجبارين
الذين يفسدون في الأرض .
16- أن مــن قتــل النفوس بغير حق ، وزعم أنه يريد
الإصلاح فـــي الأرض ، وتهييب أهل المعاصي ، فإنه
كاذب في ذلك ، وهـو مفسد كما حكى اللّه قول القبطي
( إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّاراً فِـي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن
تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ) على وجه التقرر له لا الإنكار.
17 - أن إخبار الرجل غيره بما قيل فيه ، عـــلى وجه
التحذير لــه مــن شــر يقـع فيـه ، لا يكون ذلك نميمة
- بل قد يكون واجبا - كما أخبر ذلك الرجل لموسى ،
ناصحا له ومحذرا .
18 - أنــه إذا خاف القتل والتلف في الإقامة ، فـــإنــه
لا يلقي بيده إلى التهلكة ولا يستسلم لذلك ، بل يذهب
عنه ، كما فعل موسى .
19 - أنه عند تزاحم المفسدتين ، إذا كــان لا بد مـــن
ارتكاب إحداهما أنه ترتكب الأخف منهمــــا والأسلم ،
كما أن موسى لما دار الأمر بين بقائه في مصر ولكنه
يقتل أو يذهب إلى بعض البلدان البعيدة التي لا يعرف
الطريق إليها ،وليس معه دليل يدله غير ربه ، ولكن
هذه الحالة أقرب للسلامة من الأولى، فتبعها موسى.
20 - أن الناظر في العلم عند الحاجة إلى التكلم فيه ،
إذا لـم يترجح عنده أحد القولين ، فإنه يستهدي ربه ،
ويسأله أن يهديه الصواب من القولين ، بعد أن يقصد
بقلبه الحق ويبحث عنه ، فإن اللّه لا يخيب مَــنْ هـذه
حاله. كما خرج موسى تلقاء مدين فقال ( عَسَى رَبِّي
أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ ) .
21 - أن الرحمة بالخلق والإحسان على مـــن يعـرف
ومن لا يعرف من أخلاق الأنبياء ، وأن من الإحسان
سقي الماشية الماء وإعانة العاجز .
22- استحباب الدعاء بتبيين الحال وشرحها ولو كان
اللّه عالما لها ، لأنه تعالى يحب تضرع عبده وإظهار
ذله ومسكنته ، كمـا قال موسى ( رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ
إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) .
23 - أن الحياء - خصوصا من الكرام - مــن الأخلاق
الممدوحة .
24-المكافأة على الإحسان لم يزل دأب الأمم السابقين
25 - أن العبد إذا فعل العمل للّه تعالى ثـم حصــل لــه
مكافأة عليه من غير قصد بالقصد الأول ، أنــه لا يلام
على ذلك ، كمــا قبل موسى مجازاة صاحب مدين عن
معروفه الذي لم يبتغ لـه ، ولم يستشرف بقلبه عــلى
عوض .
26- مشروعية الإجارة وأنها تجوز على رعاية الغنم
ونحوها ، مما لا يقدر العمل ، وإنما مرده العرف .
27-أنه تجوز الإجارة بالمنفعة ولو كانت المنفعة بضعا
28- أن خطبة الرجل لابنته الرجل الذي يتخيره لا يلام
عليه .
29 - أن خير أجير وعامل يعمل للإنسان ، أن يكــون
قويا أمينا .
30 - أن من مكارم الأخلاق، أن يُحَسِّن خلقه لأجيره
وخادمه، ولا يشق عليه بالعمل لقــوله ( وَمَا أُرِيدُ أَنْ
أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ) .
31 - جواز عقد الإجارة وغيرها مـن العقود مـن دون
إشهاد لقوله ( وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ) .
32- ما أجرى اللّه على يد موسى من الآيات البينات،
والمعجزات الظاهرة ، من الحية ، وانقلاب يده بيضاء
من غير سوء ، ومن عصمة اللّه لموسى وهارون ،
من فرعون ، ومن الغرق .
33 - أن مــن أعظم العقوبات أن يكـون الإنسان إماما
في الشر، وذلك بحسب معارضته لآيات اللّه وبيناته ،
كما أن من أعظم نعمة أنعم اللّه بها على عبده ، أن
يجعله إماما في الخير هاديا مهديا .
34 - مـا فيها من الدلالة على رسالة محمد صلى اللّه
عليه وسلم ،حيث أخبر بذلك تفصيلا مطابقا، وتأصيلا
موافقا، قصه قصا، صدق به المرسلين، وأيد به الحق
المبين ، مــن غــيــــر حضور شيء من تلك الوقائع ،
ولا مشاهدة لموضع واحد من تلك المواضع، ولا تلاوة
درس فيها شيئا من هذه الأمور، ولا مجالسة أحد من
أهل العلم ، إن هو إلا رسالة الرحمن الرحيم، ووحي
أنزله عليه الكريم المنان ، لينذر به قوما جاهلين ،
وعن النذر والرسل غافلين ...