طفل ليس له مثيل

بينما شيطان ثقيف الحجاج بن يوسف الثقفى جالساً فى منظرة له وعنده وجوه أهل العراق أتى بصبى يزيد عمره عن العاشرة قليلاً،فلما أدخل عليه لم يعبأ بالحجاج،ولم يهتم به،وإنما صار ينظر إلى بناء المنظرة وما فيها من عجائب ويلتفت يميناً وشمالاً،ثم اندفع يردد قوله تعالى أتبنون بكل ريع آية تعبثون*وتتخذون مصانع لكم لعلكم تخلدون)..سورة الشعراء(128،129)،وكان الحجاج متكئاًفاستوى فى مقعده
وقال:ياغلام،إنى أرى لك عقلاً وذهناً أحفظت القرآن؟
قال الغلام: أو خفت عليه من الضياع حتى أحفظه وقد حفطه الله تعالى؟
قال:أفجمعت القرآن؟
قال [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]و كان مفرقاً حتى أجمعه؟
قال:أفأحكمت القرآن؟
قال الغلام:أو ليس الله أنزله محكماً؟
قال:أفستظهرت القرآن؟
قال الغلام: معاذ الله أن أجعل القرآن وراء ظهرى؟
فقال الحجاج وقد صار غاضباً:ويلك قاتلك الله ....ماذا أقول؟
قال الغلام:الويل لك ولأهلك...قل:أوعيت القرآن فى صدرك؟
فقال الحجاج :فاقرأ شيئاً
فاستفتح الغلام:أعوذ بالله من الشيطان الرجيم،بسم الله الحمن الرحيم،(إذا جاء نصر الله والفتح*ورأيت الناس(يخرجون من) دين الله أفواجاً)
فقال الحجاج:ويحك إنهم (يدخلون)
فرد عليه الغلام قائلاً:كانوا يدخلون أما اليوم فصاروا يخرجون
قال الحجاج:ولم؟
فقال الغلام:لأنه ولى عليهم شيطان ثقيف الحجاج
قال الحجاج:ويلك ..من رباك؟
قال الغلام :الذى زرعك
قال الحجاج:فمن أمك؟
قال الغلام :التى ولدتنى
قال الحجاج:فأين ولدت؟
قال الغلام: فى بعض الفلوات(الصحارى)
قال الحجاج:فأين نشأت؟
قال [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]:فى بعض البرارى
قال الحجاج:أفمريض أنت فأعالجك
قال الغلام:لو كنت مجنوناً لما وصلت إليك ووقفت بين يديك كأننى ممن يرجو فضلك أو يخاف عقابك
قال الحجاج:فما تقول فى أمير المؤمنين؟قال الغلام:رحم الله أبا الحسن _رضى الله عنه_وأسكنه جنات خلده
قال الحجاج:ليس هذا عنيت،إنما أعنى عبد الملك بن مروان
قال الغلام:على الفاسق الفاجر لعنة الله
قال الحجاج:ويلك...بم استحق اللعنة أمير المؤمنين؟
قال الغلام:أخطأ خطيئة ملأت ما بين السماء والأرض
قال الحجاج:ماهى؟
قال الغلام:استعماله إياك على رعيته،تستبيح أموالهم،وتستحل دماءهم
فالتفت الحجاج إلى جلسائه وقال:ما تشيرون على فى هذا الغلام؟
قالوا:اسفك دمه فقد خلع الطاعة وفارق الجماعة
فقال الغلام:ياحجاج..جلساء أخيك فرعون خير من جلسائك،حيث قالوا لفرعون عن موسى عليه السلام(أرجه وأخاه) ،وهؤلاء يأمرون بقتلى،إذن والله تقوم عليك الحجة بين يدى الله ملك الجبارين ومذل المستكبرين
فقال له الحجاج:هذب ألفاظك وقصر لسانك،فإنى أخاف عليك بادرة الأمر،وقد أمرت لك بأربعة آلاف درهم
فقال الغلام:لا حاجة لى بها،بيض الله وجهك وأعلى كعبك
فالتفت الحجاج إلى جلسائه وقال:هل علمتم ما أراد بقوله:بيض الله وجهك وأعلى كعبك؟
قالوا:الأمير أعلم
قال الحجاج:أراد بقوله:بيض الله وجهك:العمى والبرص،وبقوله:أعلى كعبك:التعليق والصلب
ثم التفت إلى الغلام وقال:ما تقول فيما قلت؟
قال الغلام قاتلك الله ما أفهمك!
قاستشاط الحجاج غضباً وأمر بقطع عنقه ،وكان الرقاشى حاضراً ،فقال:أصلح الله الأمير ،هبه لى
قال:هو لك ،لا بارك الله لك فيه
فقال الغلام:والله لا أرى أيكما أحمق من صاحبه،الواهب أجلاً قد حضر أم المستوهب أجلاً لم يحضر
فقال الرقاشى:استنفذتك من القتل وتكافئنى بهذا الكلام
فقال الغلام:هنيئاً لى السعادة إن أدركتنى الشهادة،والله إن القتل فى سبيل الله أحب إلى من أن أعود إلى أهلى صفر اليدين
فأمر له الحجاج بجائزة وقال :ياغلام قد أمرنا لك بمائة ألف درهم،وعفونا عنك لحداثة سنك،وصفاء ذهنك،وحسن توكلك على الله،وإياك والجرأة على أرباب الأمر فتقع مع من لا يعفو عنك
فقال الغلام:العفو بيد الله لا بيدك،والشكر له لا لك،ولا جمع الله بينى وبينك،ثم هم بالخروج فابتدره الغلمان
فقال الحجاج:دعوه فوالله ما رأيت أشجع منه قلباًولا أفصح منه لساناً،ولعمرى ما رأيت مثله قط،وعسى هو لا يجد مثلى،فإن عاش هذا الغلام ليكونن أعجوبة عصره.

لمزيد من القصص زوروا هذا الموقع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

لا تنسونا بدعائكم