بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين و افضل الصلاة و اكمل التسليم على سيدنا محمد خاتم النبيين و امام المرسلين وعلى اله و اصحابه اجمعين
و بعد
فان الاسحار هي اوقات تجليات الهية و تنزلات ربانية و نفحات رحمانية ينبغي للمؤمن ان يحرص عليها و يتعرض اليها لينال من اسرارها و انوارها و خيرها و برها
و قد نبه الله تعالى اليها عباده و رغب سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم في اكتساب فضائلها و تلقي فيوضاتها و يركاتها فقد قال تعالى // الصابرين و الصادقين و القانتين و المنققين و المستغفرين بالاسحار // 17 من سورة ال عمران
فقد بين الله تعالى في هذه الاية الكريمة فضل الاسحار و انها اوقات تجليه على عباده بالغفران و الاحسان و الرضوان و الامتنان و لذا اخبر عن اوليائه و احبابه انهم يستغفرون بالاسحار –
يعني انهم قاموا فصلوا له سبحانه ثم اقبلوا على الدعاء و الرجاء يسالونه و يدعونه و ان احوج ما يكون اليه العبد الغفران – فراحوا يستغفرونه.
و قد اشاد القران الكريم بمقام الاستغفار في الاسحار حيث ذكره في عداد نهايات المقامات العالية : الصبر و الصدق و القنوت الى اخر ما هنالك.
كما اشار الى ملازمة اوايائه الاستغفار و قت السحر حيث قال ( والمستغفرين بالاسحار ) و لم يقل في الاسحار لالتصاق استغفارهم بوقت السحر.
كما بين سبحانه وتعالى ان هذا مقام اهل القرب و الاحسان حيث قال : كانوا قليلا من الليل ما يهجعون و بالاسحار هم يستغفرون ).18 من سورة الذاريات
-فقد روى ابن جرير و غيره عن انس رضي الله عنه قال – امرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم ان تستغفر بالاسحار سبعين استغفارة.
كما بين سبحانه ان له فضلا و انعاما خاصا على احبابه في الاسحار حيث قال ( الا ال لوط نجيناهم بسحر ) 34 سورة القمر
وفي الاسحار تنزلات ربانية بالاسرار و الانوار و الفيض المدرار فتفتح الابواب و يرفع الحجاب عن الملكوت الاعلى.
- جاء في الصحيحين وغيرهما عن ابي هريرة رضي الله عنه قال – قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ينزل ربنا تبارك و تعالى كل ليلة الى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الاخر فيقول : من يدعوني فاستجيب له ؟ من يسالني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ وفي رواية لمسلم من يقرض غير عديم – اي فقير – و لا ظلوم ؟
- وفي بعض روايات هذا الحديث : هل من تائب فأتوب عليه ؟
من ذا الذي يسترزقني فأرزقه؟ من ذا الذي يستكشف الضر فاكشف عنه ؟ ألا سقيم يستشفي فيشفى؟ حتى ينفجر الفجر.
وفي الاسحار تفتح خزائن الفضل و الكرم على اهلها.
روى البخاري و غيره عن ام سلمة رضي الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه و سلم استيقظ ليلة فقال : سبحان الله ماذا انزل الليلة من الفتنة – اي على اهلها – وماذا فتح من الخزائن .
وفي رواية : وماذا انزل من الخزائن من يوقظ صواحب الحجيرات ؟ رب كاسية في الدنيا عارية في الاخرة .
وفي الاسحار قرب القبول و الرضا
حيث روى الترمذي و صححه النسائي .عن عمر بن عبسة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه و سلم: قال اقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الاخر فان استطعت ان تكون ممن يذكر الله تعالى في تلك الساعة فكن.
وفي هذا الحديث تاكيد التنبيه الى اغتنام المؤمن العبادة و ذكر الله تعالى في جوف الليل الاخير ليدخل في زمرة الذاكرين الله تعالى تلك الساعة من النبيين و المرسلين و الاولياء و الصالحين و هذا ابلغ مما قيل: ان استطعت ان تكون ذاكرا فكن.
وفي الاسحار نفحات ينبغي التعرض لها
-روى الطبراني و الحكيم الترمذي عن محمد بن مسلمة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ان لربكم في ايام دهركم نفحات فتعرضوا لها لعله ان يصيبكم نفحة منها فلا تشقون بعدها ابدا.
وفي رواية للبيهقي قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
اطلبوا الخير دهركم كله و تعرضوا لنفحات رحمة الله فان لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده و سلوا الله ان يستر عوراتكم و ان يؤمن روعاتكم.
و رواه ابن ابي الدنيا و الحكيم و صاحب الحليه عن انس و رواه البيهقي ايضا عن ابي هريرة.
والتعرض للنفحات هو الترقب لورودها بدوام اليقظة و الانتباه من سنة الغفلة حتى اذا مرت نزلت بفناء القلوب.
وقال بعض العارفين رضوان الله عليهم مقصود الحديث ان لله فيوضات ومواهب تبدو لوامعها من ابواب خزائن الكرم و المنن في بعض الاوقاتا قتهب فوراتها و مقدماتها لما وراءها من مدد الرحمة – الاختصاصية – فمن تعرض لها مع الطهارة الظاهرة و الباطنة بجمع الهمة و حضور القلب حصل له منها في دفعة و احدة ما يزيد عن النعم المنزلة من الله في الازمنة الطويلة على طول الاعمار.
وفي الاسحار يهتز العرش طربا و سرورا لعظمة تجلي رب العزة بالغفران والرضوان و الجود والاحسان.
-اخرج ابن ابي شيبة والامام احمد في الزهد عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : بلغنا ان داوود عليه السلام سال جبريل عليه السلام فقال: يا جبريل اي الليل افضل ؟ فقال يا داوود ما ادري الا ان العرش يهتز في السحر.
مما سبق يتبين لك ايها المؤمن ان اوقات السحر تتطلب منك الاكثار من الدعاء والرجاء و الاستغفار و الاستمطار من خزائن الا نوار و الاسرار.