الصباح/ حافظ الغريبي
ـدخلت الأسبوع المنقضي الأطراف الاجتماعية مارطون المفاوضات حول إصلاح أنظمة التقاعد، إصلاح قوامه تصوران انتهت إليهما الدراسة الإستراتيجية التي أعدها مكتب دولي مختص ألا وهما مراجعة سن التقاعد تدريجيا كي تكون بحلول سنة 2020 في حدود الخامسة والستين والرفع في مساهمات المؤجر والأجير بما يجنب الصناديق عجزا منتظرا في موازينها…
ولئن تركز حديث الناس عن هذا العجز فقط فإن موضوعه لا يجب بحال أن يكون بمثابة الشجرة التي تحجب الغابة من المشاكل التي قد تنتج عن التمديد في سن التقاعد أكثر مما قد يسببه الرفع في نسب المساهمات , لذلك وجب التحسب لذلك على أكثر من مستوى نفسي واجتماعي وصحي ومالي وتشريعي وفقا للملاحظات الأولية التالية... أولى الملاحظات تتعلق بمدى تقبل الأجير نفسيا التمديد في مدة العمل الفعلي وهو الذي يتمنى التقاعد في عديد الحالات بأسرع وقت ممكن في ظل مناخ مهني يطغى عليه «التكمبين» والانتماءات والولاءات التي تعيق أداء الكفاءات وتخلق أجواء مشحونة تنتهي بالبعض للعمل عن مضض دون أدنى اجتهاد مطبقا عليهم المثل القائل «يأكل في القوت ويستنى في الموت»... ورغم محاولة المسؤولين التقليل من وقع ما وصفته فكل العاملين يؤكدونه.
ثاني الملاحظات تتعلق بمؤشر معدل الحياة الذي وإن تطور في بلادنا فلن يمنع التساؤل عن الحال الصحية التي يعيش عليها من تقدمت بهم السن وعن عدد الأمراض المزمنة التي تصيبهم وتعيق بعضهم جزئيا أو كليا عن النشاط الطبيعي رغم أنهم يظلون على قيد الحياة ليصبحوا دعامة ايجابية لمؤشرات تطور معدل الحياة التي لا مرجع لها غير سجل الوفيات… واعتقادي أن مثل هذا التساؤل منطقي لأن من حق كل من استثمر للتقاعد أن ينعم بجزء مما سدده وهو في صحة جيدة تسمح له بالسفر والتنقل واستغلال كل النعم بفضل ما ادخره لمشوار عمره الأخير طوال حياته المهنية...
ولأن الحال الصحية لا تعني صاحبها وحده فإنه وفي ظل احتداد المنافسة وإيلاء أهمية قصوى للمردودية فإن الأعراف بدورهم وفي عديد أصناف المهن وفي ظل نظام التشغيل الحالي لا يستوي حال مؤسساتهم بعمال تقدمت بهم السن وتقلصت مردوديتهم وزادت معدلات غياباتهم لأسباب صحية... فالتركة الثقيلة من العمال الذين أنهكهم الكبر والمرض بما يحول وأداء ما يمكن أن يؤديه صغار السن بأقل التكاليف تعتبر عبءا لا يمكن أن تتحمله أي مؤسسة وسيطالب أصحابها حتما بمراجعة أنظمة التأجير ووضع حد للانتداب مهما طالت مدة التعاقد، بما يعني تعديل قانون الشغل بشكل يسمح للأعراف بتسريح المتقدمين في السن الذين لن تتوفر لهم فرص عمل أخرى وهو ما ينتهي بنا الى ما هو عليه الحال في عدد من الدول المتقدمة ,عندئذ تنخرم ميزانية الدولة بالمساعدات لتليها موازين الصناديق الاجتماعية لقلة المساهمات.
إن أي تعديل على أنظمة التقاعد رغم بساطة معادلته نظريا والذي أُختزل في موضوع الحال في إخراج الصناديق من أزمتها بالرفع من سن التقاعد والمساهمات يعسر تطبيقيا لأنه يتطلب تنازلا عن المكتسبات وتغييرا في العقليات وإعادة مراجعة للاستراتجيات والأولويات حتى لا يكون الرفع من سن التقاعد كضرس العقل التي لن تضيف للفم شيئا غير الكثير من الألم الذي ينتهي بصاحبه إلى كرسي طبيب الأسنان أو حتى لا يلتوي طوق النجاة الذي سينقذ الصناديق على رقاب المنخرطين والمساهمين فيها فيخنقهم...