القاهرة – طلعت المغربي
دعا المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم في مصر إلى الحيطة والحذر خلال الفترة المقبلة، بسبب استمرار مخطط إفشال وإسقاط الدولة بتصعيد الاعتصامات والاحتجاجات واستهداف المرافق الحيوية للدولة.
وقال المجلس إن المخطط يتضمن أيضاً إبقاء الوضع على ما هو عليه بميدان التحرير لأكبر وقت ممكن، والعمل على تصعيد الأحداث وتوريط المجلس الأعلى للقوات المسلحة باستثمار تدخله كلما حدث ذلك من جانبه.
وأكد خبراء وسياسيون صحة فرضية وجود قوى داخلية وخارجية تسعى للانقضاض على الثورة كل وفق حساباته الخاصة، وقالوا إن أعمال الفوضى ظاهرة طبيعية تحدث بعد وقوع الثورات بسبب الفلتان الأمني، وإنها تتطلب المزيد من الوقت للقضاء عليها، وذكروا أن هدف "الأشباح" أو "اللهو الخفي" أو "الطرف الثالث" هو إشاعة الفوضى الشاملة وانهيار الدولة أو تحويلها الى دولة فاشلة على غرار الصومال، وطالبوا بعدم استخدام العنف مع المتظاهرين والحوار معهم وتعاون الأجهزة الأمنية، مع تحديد مواقع الاعتصام والتظاهر والمخالف يقع تحت طائلة القانون.
وقد استنكر حزب "حراس الثورة" في بيانه الأخير استخدام "العسكري" والحكومة، كلمة "الطرف الثالث" تفسيراً للكوارث التي تحدث، معتبراً أنها محاولة لإخفاء الحقيقة، والخروج من المأزق والتستر على الجاني الحقيقي بقصد، أو دون قصد.
ودعت حركة صوت الأغلبية الصامتة جموعَ الشعب المصري بالانضمام لجميع القوى السياسية الداعية لمليونية جمعة "لا للتخريب ولا للوصاية الأجنبية" في ميداني العباسية بالقاهرة ورأس التين بالإسكندرية.
خطر حقيقي
سعد الدين إبراهيم
وأكد الدكتور سعد الدين إبراهيم، أستاذ الاجتماع السياسي بالجامعة الامريكية مدير مركز ابن خلدون، في تصريح لـ"العربية.نت" أن "الطرف الثالث" أو "اللهو الخفي" او "الفوضويون"، ظاهرة اجتماعية حقيقية عرفتها الثورات الإنسانية الكبرى فهي ملازمة لها مثل توابع الزلازل، إنهم الغوغاء الذين يستغلون الثورة وحالة الهرج والمرج والفوضى الأمنية، للقيام بمغامرة ما او نهب ممتلكات الآخرين.
وأوضح أن الظاهرة تستغرق سنوات حتى تختفي او يتم القضاء عليها، وفي حالة الثورة الفرنسية استمرت الفوضى 10 سنوات بعد ان روّعت انتفاضة الرعاع المجتمع الفرنسي خصوصاً الطبقة الوسطى، ولم يجد قادة الثورة حلاً للقضاء عليهم سوى تكليف ضابط شاب يدعى نابليون بونابرت، الذي استطاع وقف جرائم السرقات والقتل والنهب بالقوة والحزم، وذكر أن هذا الانجاز حقق لنابليون شعبية كبيرة، فخطف الأضواء من قادة الثورة أنفسهم الذين لم يجدوا حلاً للقضاء على شعبيته سوى تكليفه بالحملة الفرنسية على مصر في عام 1798.
وتابع: "بالنسبة لمصر، أعتقد ان وزير الداخلية الجديد اللواء محمد إبراهيم أثبت كفاءة أمنية في استعادة الامن في الشارع، وفي ضبط الكثير من الرعاع والبلطجية خلال مدة وجيزة إلا مربع التحرير الذي أصبح خارج السيطرة الامنية بسبب الاعتصامات المستمرة واختلاط البلطجية بالثوار، وكانت نتيجة ذلك أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء وإحراق المجمع العلمي".
وحول خطورة الطرف الثالث أو الفاعل المجهول الذي يرتكب الجرائم ويتسبب في الوقيعة بين المجلس العسكري والشعب، أوضح إبراهيم ان سقوط الدولة أمر مستبعد، لكن استمرار الظاهرة ينذر بعواقب وخيمة، أقلها استمرار حالة الفلتان الامني والفوضى وسقوط المزيد من الضحايا.
وعن مسؤولية الأجهزة الامنية في ضبط الطرف الثالث، قال إن هناك مسؤولية ما لوجود سبعة أجهزة امنية في مصر، ولكن أخيراً تم ضبط بعض أطفال الشوارع الذين اعترفوا بارتكاب الجرائم في شارع محمد محمود ومجلس الشعب، وسوف يكشفون الكثير من المعلومات.
ويطالب مدير مركز ابن خلدون بضرورة تحلي الجيش والشرطة بأقصى درجات ضبط النفس في التعامل مع المعتصمين، وتجنب استخدام العنف مع تحديد اماكن للاعتصام لهم، ومن يتجاوز ذلك ويعطل المرور او يمنع مسؤولاً من أداء عمله، مثلما حدث مع رئيس الوزراء الدكتور كمال الجنزوري، يجب التعامل معه بحزم فوراً.
داخلي وخارجي
طلعت مسلم
وفي نفس السياق، يعتقد اللواء طلعت مسلم، الخبير العسكري والاستراتيجي، أن الطرف الثالث موجود ويعمل بقوة وبدأب، وهو طرف داخلي له أصابع او امتداد بالخارج.
وأوضح مسلم في تصريح لـ"العربية.نت" أن هناك الكثير من الجهات التي يمكن ان تكون طرفاً ثالثاً مثل الذين لم يعجبهم فوز الإسلاميين بالمرحلتين الاولى والثانية من الانتخابات، أو الذين يريدون استعادة مكانتهم التي كانت موجودة في العهد السابق (الفلول)، وبالتأكيد هناك دول عربية وإسلامية وأجنبية لا تريد لمصر ان تستعيد مكانتها؛ لأن هذا يهدد مصالحها في المنطقة، والخوف هنا ليس من حجم المؤامرات او من إسقاط الدولة لأن هذا مستبعد ولا يتحقق إلا بالحروب او الغزو، ولكن الخوف هو تحول مصر الى دولة فاشلة مثل الصومال واليمن وليبيا وسوريا حالياً.
وحول سبل منع الصدام بين الشرطة العسكرية أو أمن الداخلية مع المعتصمين، شدد على ان الجيش لم يعتد التعامل مع المعتصمين. وفي كل الاحوال، يجب ان تحدد الأجهزة الأمنية خطوط ومسارات ومواقع الاعتصامات، وأن تمهل المعتصمين كتابياً وشفهياً قبل فض أي اعتصام ، ومن يخرج عن ذلك او يعتدي على المنشآت العامة او الخاصة يتم التعامل معه بالقانون، الذي يتضمن إجراءات رادعة وأحكاماً قاسية ضد الخروج على الشرعية والنظام.
تحقيق جنائي
فؤاد علام
ويطالب المفكر السيد يس، مستشار مركز الدراسات السياسية بالأهرام، في تصريح لـ"العربية.نت" بعدم تعجل الحكم على الاحداث الحالية، موضحاً أن النيابة العامة هي صاحبة القرار في الحكم على المخربين والفوضويين من واقع الادلة التي تمتلكها، وبالتالي من الصعب حالياً القفز على التحقيق الجنائي الى التحقيق السياسي.
وقال الخبير الاستراتيجي اللواء سامح سيف اليزل، مدير مركز الجمهورية للدراسات الاستراتيجية، إن اتهام المخابرات العامة بأنها اللهو الخفي خيانة عظمى، موضحاً انه لا يجب بأي حال من الأحوال اتهام القوات المسلحة بأنها هي التي تدبر مثل هذه الأحداث.
ويحمل اللواء فؤاد علام، الخبير الامني، بعض وسائل الاعلام، خصوصاً الفضائيات، مسؤولية إشعال الاحداث الاخيرة في شارع محمد محمود ومجلس الوزراء، مؤكداً "أن الفضائيات تتعمد الإثارة والتهويل عند وقوع حدث ما لجذب أكبر من المشاهدين اليها للحصول على إعلانات أكثر، اي انها تفضل مصالح أصحابها على مصلحة الوطن كما حدث في ماسبيرو.
ويجزم علام بأنه من واقع الجرائم التي تورّط بعض أطفال الشوارع بارتكابها واعترافات بعضهم بالحصول على أموال للقيام بعمليات تخريب واعتداء على الامن، يمكن تأكيد وجود تنظيم يسعى للانقضاض على الثورة، وبالتالي نحن لدينا بلطجية وأطفال يستخدمهم آخرون في الداخل او الخارج لارتكاب جرائم السلب والنهب والقتل بهدف إشاعة الفوضى الشاملة وانهيار الدولة المصرية.
تنسيق أمني
ويطالب علام أجهزة الأمن بعدم إحالة هؤلاء المجرمين الى النيابة الا بعد التحقيق معهم جيداً وإجراء تحريات عنهم، ومعرفة ملابسات كل واحد منهم والجرائم التي ارتكبها في السابق ولحساب من يعمل، وأن يكون التحقيق جاداً لأن الامر يتعلق بالامن الوطني لمصر وبتحقيق الامن والاستقرار.
ودعا إلى ضرورة تنسيق الجهود بين كل أجهزة الامن في مصر سواء التابعة للقوات المسلحة او الشرطة، وإجرء حوار مجتمعي مع ثوار التحرير المعتصمين في الميدان للتعرف إلى آرائهم وأفكارهم وتوضيح مخاطر انحراف الثورة عن مسارها، وخطورة الانفلات الامني وتعطيل العمل والإنتاج على الاحتياطي النقدي والوضع الاقتصادي، وتلك مسؤولية الاحزاب السياسية.
وحول حل جهاز أمن الدولة بعد الثورة ودور ذلك في انتشار تلك الجرائم، يؤكد ان جهاز أمن الدولة كان به بعض المنحرفين وهؤلاء كان ينبغي محاسبتهم على جرائمهم، ولكن تسريح 70% من أفضل العاملين بالجهاز كان خطيئة كبرى ندفع ثمنها حالياً؛ لأن جهاز الامن الوطني بديل أمن الدولة يضم ضباطاً صغاراً يلزمهم سنوات حتى يكتسبوا الخبرة الأمنية اللازمة للتعامل مع مثل هذه النوعية من الجرائم.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]