يبدو الرئيس السوري بشار الأسد مزدوج الشخصية بحسب تقارير إعلامية غربية، إذ يبدو في بعض الأحيان ان هناك رئيسين لسوريا. أحدهما يشن قصفاً عنيفاً وممنهجاً على الأحياء المدنية التي يموت سكانها يوماً بعد يوم، أما الثاني، فيقدم نفسه كنموذج للتسوية والعقل والحوار.
.......................................
سوريا يحكمها أسدان: الأول يقتل الشعب والثاني يُنكر
الرئيس السوري بشار الأسد ما زال مقتنعاً أن الشعب يحبه ويريده، على الرغم من أنه يقتلهم منذ اندلاع الثورة التي مر على بدايتها ما يقرب العام، عندما انتهج سياسة القمع الوحشية ضد معارضيه.
نشرت صحيفة الـ "تليغراف" مقالاً اعتبرت فيه ان الرئيس الأسد مزدوج الشخصية، إذ يبدو في بعض الأحيان ان هناك رئيسين لسوريا. أحدهما يشن في الاسابيع الثلاثة المنصرمة قصفاً عنيفاً وممنهجاً على الأحياء المدنية التي يموت سكانها يوماً بعد يوم.
أما الثاني، فيقدم نفسه كنموذج للتسوية والعقل والحوار، وتحديداً عندما أجرى مقابلة مع صحيفة الـ "تليغراف" قبل أربعة أشهر، في أول حديث له مع الصحافة الغربية منذ بدء الانتفاضة في آذارـ مارس الماضي.
في ذلك الوقت، اعتبرت الصحيفة ان الأسد كان مسؤولاً عما يحدث، مشيرة إلى أنه حتى ذلك الحين قتل 3000 مدنياً، من بينهم 187 طفلاً، على يد قوات النظام الأمنية والعسكرية.
خلال المقابلة التي استمرت لمدة 30 دقيقة، ترك الأسد انطباعاً بأنه يصدّق العديد من الاشياء التي كان يقولها، خصوصاً أنه زعيم محبوب، وأن الثورة هي مؤامرة خارجية، وأنه يعمل على برنامج حقيقي للإصلاح، الأمر الذي كرره في خطابه من ساحة دمشق قبل ستة أسابيع.
هذه الأقوال بحسب الصحيفة عبارة عن "أوهام"، على الرغم من أنها ليست خطأً مئة بالمئة. واضافت: "أجرى الرئيس الاسد عدداً من التنازلات السياسية التي، لو تم اعتمادها في العام الماضي، لكانت نجحت في الحفاظ على أاوضاع السياسية".
تضمنت هذه الخطوات إضفاء الشرعية على بعض المجموعات المعارضة المرخص لها داخل الحدود، والسماح لبعض الأحزاب السياسية بالحصول على رخص، على الرغم من العقبات البيروقراطية.
لكن أثناء المقابلة السابقة، أكّد الأسد ان المادة الثامنة من الدستور السوري التي جعلت من حزب البعث الحاكم الوحيد، غير قابلة للتفاوض.
أما اليوم فيصوت السوريون على استفتاء بشأن هذا الإقتراح.
على الرغم من الاستفتاء، يبدو أن نسبة المشاركة، وبالتالي النتيجة، ستتأثر بمشكلة أو اثنتين. فالمواطنين في حمص، حماه، الديرة، إدلب والعديد من المدن الاخرى ستجد صعوبة في الوصول إلى مراكز الاستفتاء، لأن حكومتهم، وبدرجات متفاوتة، تحاول قتلهم، في حين أن 7000 نائب على الأقل لن يتجهوا للاقتراع، ذلك لأنهم لقوا حتفهم.
وأضافت الصحيفة أن عمليات القتل غيّرت المعادلة في سوريا بشكل كبير، فالتغيير الدستوري الذي كان واحداً من مطالب المعارضة في وقت مبكر من الثورة، بات الآن موضع ازدراء من قبل المتظاهرين، الذين لم يعد يرضيهم غير إسقاط الأسد ومحاكمته.
ومع ذلك، سيكون هذا الاستفتاء مثيراً للإهتمام باعتباره مؤشراً على مدى الدعم الذي يحظى به النظام، أو عدد "المجبرين" على تقديم الدعم له.
أحد التفسيرات للإصلاحات التي يجريها الأسد هو أنه صادق، انما قصير النظر.
والآخر هو أنه يهدف إلى إرضاء روسيا التي تؤيده وتبدو مصممة على توفير غطاء ديبلوماسي لنظامه.
ما عزز هذه التفسيرات الساخرة هو الحملة الوحشية التي شنتها قوات الأسد، خصوصاً الهجوم الذي تعرضت له مدينة حمص عشية اجتماع مجلس الامن الدولي من أجل التصويت على قرار لإدانة النظام السوري.
لكن روسيا تقف بالمرصاد دائماً لأي قرارات تدين سوريا في مجلس الأمن، ومن ضمنها قرار معتدل إلى حد ما من قبل مجلس الأمن، يدعو للضغط على الأسد للتنازل عن بعض السلطات لنائبه، في انتظار نتائج المحادثات.
ويبدو أن الأسد يراهن على أن المجتمع الدولي لن يكون قادراً على اتخاذ اي خظوة فعالة لمساعدة شعبه الذي يعاني، معتمداٌ على الدعم الروسي الذي ينعكس باستخدام الفيتو في مجلس الأمن.
إلى ذلك، فإن الأسد كان محقاً عندما قال ان بلاده "مركز المنطقة" وأن أي "تدخل فيها من شأنه أن يخلق "زلزالاً يؤدي إلى أفغانستان أخرى". ويبدو أن هذا الاحتال ترك أثراً كبيراً في عقول صنّاع القرار في الغرب.
بدون مساعدة دولية، تبقى المعارضة السورية في الوقت الراهن عاجزة عن النجاح من تلقاء نفسها. فالمجلس الوطني السوري، الجماعة المعارضة الرئيسية في الخارج، فشلت في بناء صلات وثيقة مع ما يكفي من الناشطين داخل سوريا، وتعاني أيضاً من الانقسامات الداخلية.
وقال المعارض السوري البارز المقيم في القاهرة، هيثم المناع، إن "الأسد أصبح أقوى لأننا ضعفاء. فإذا كانت المعارضة لا تستطيع توحيد صفوقها، فإن النظام سيكتسب المزيد من القوة بسبب هذا الإنقسام".
وأشارت صحيفة الـ "تليغراف" إلى أن الأسد يعرف انه لا يزال يحمل الكثير من البطاقات لاستخدامها. خلافاً لما حدث في ليبيا، لم تكن هناك أية انشقاقات تُذكَر من القوات المسلحة أو السلك الديبلوماسي. وسفراء سوريا في جميع أنحاء العالم لا يزالوا موالين للأسد، كما أن دمشق لا تزال هادئة نسبياً، وإن كانت هناك مظاهرات وأعمال قتل قوات الأمن في الضواحي.
وعلى الرغم من أن تسعة عشر من الدول العربية الـ 22 تتنكر للأسد على خلفية حملته القمعية، إلا أنه لا يزال يحظى بالدعم الحيوي من لبنان، العراق، حزب الله - وإيران.
الاحتمال الذي تحدث عنه الأسد بشأن "زلزال" في سوريا يؤدي إلى زعزعة المنطقة، قد يتحول إلى حقيقة، إنما ليس من خلال التدخل العسكري الأجنبي، بل من تلقاء نفسها.
تعمل دول الخليج العربي على تسليح المعارضة ومدها بمزيد من الاسلحة، كما أن دور تركيا، التي تحولت بشكل حاد ضد حليفها السابق، يمكن أن يكون حاسماً. كما ان إدلب قد تتحول إلى نموذج شبيه بمدينة بنغازي الليبية، في الوقت الذي قد تتحول فيه سوريا إلى نسخة عربية عن البوسنة، الأمر الذي سيجعل التدخل الغربي لا مفر منه.
وختمت الصحيفة بالقول ان "المثير للاهتمام هو أن الأسد ليس عرضة لاتهام من المحكمة الجنائية الدولية على غرار العقيد الليبي السابق الراحل معمر القذافي. وهذا قد يكون علامة على ان الأسد ما زالت أمامه فرصة للهروب. واي شيء خلاف ذلك، يعني أن مستقبل سوريا سيكون مظلماً".