دأت بعض الجهات التركية تشكو من نشاط اللوبي الايراني في تركيا، وذلك بشكل علني بعدما كان الحديث عن الموضوع يقتصر على مناقشته غالبا في الاوساط المغلقة وفي اطار محدود وضيق منعا لاثارة أي حساسيات. لكنّ تسارع الأحداث الاقليمية، وتضارب رؤى وبرامج البلدين اقليميا واشتعال الثورة في سوريا، كل ذلك سرّع من المحاولات الايرانية لصد تركيا أو اثارة المشاكل لها على الأقل في عدد من المواقع والبلدان.
لا تختلف طريقة عمل اللوبي الايراني في تركيا، والذي يضمّ عادة أفراد او مؤسسات او جماعات موالية لايران، عن طريقة عمله في الدول العربية وان كان لايران نفوذ أكبر وأوسع واكثر تأثيرا في العالم العربي عنه في أنقرة، حيث يصار عادة الى تجيير طاقات عمل هذا اللوبي لدعم المصالح الايرانية أينما وجدت في المنطقة، وفي حالتنا هذه دعم النظام السوري.
وتعتمد طريقة العمل الايرانية في هذا المجال على ثلاثة مداخل رئيسية: الأقليات الطائفية المرتبطة بايران عقائديا او سياسيا، وغالبا في هذه الحالة الأقليات الشيعية والعلوية. التيارات المتعاطفة مع النموذج الايراني سواءً من الناحية الثورية او من الناحية الدينية والتي باستطاعتها ان تخدم الأجندة الايرانية في البلد المستهدف، أو تغطي على الطابع الطائفي للعنصر الأول سواء أكانت اعلامية أو ثقافية أو حزبية أو أكاديمية، وغالبا ما تكون سنيّة في هذه الحالة. واخيرا هناك المدخل المالي الذي يتم من خلاله شراء ذمم ضعاف النفوس او الذين عادة ما يقوم بعرض ولائهم مقابل أتعاب مالية او خدمات اخرى.
تاريخيا وضع علويو تركيا الذين يمثلون نحو 15 في المئة من اجمالي عدد المواطنين ذي الغالبية السنيّة، مسافة بينهم وبين العلويين في الدول المجاورة. لكن ما أن اندلعت الثورة السورية، حتى بدأت بعض الجهات تعمل على تجييشهم في اطار حملة دعم النظام السوري، حيث شهدت اسطنبول مؤخرا توزيع عدد من المنشورات تحثهم على دعم النظام السوري. وعلى الرغم من انّ هذه التحركات ليست على مستوى كبير بل ما دون الصغير، الا انها تحمل رسائل في مضامينها.
وبدا انّ خطابا داخليا لدى بعض الجهات في الأقلية العلوية التركية على سبيل المثال بدأ يتفاعل مع السياسة الايرانية والدعاية الرسمية للنظام السوري، فالرويات حول ما يجري في سوريا بالنسبة لهم واحدة، وهي مطابقة لما يقوله بعض النافذين في صفوف الحركات او الاحزاب او التجمعات الشيعية التابعة أو المتأثرة بالنفوذ الايراني في العالم العربي، وجلّ روايتهم تقول إنّ "لا شيء يجري في سوريا، وان هناك بضعة ارهابيين يعكّرون صفو الأمن والاستقرار في البلاد ويمنعون الرئيس الأسد من المضي قدما في الاصلاحات، وعدا عن ذلك فالحياة طبيعية والناس تخرج وتتفسح"!
يقول علي ييرال رئيس جمعية اهل البيت في هاتاي – تركيا: "نحن نعرف تماما أنّه لا تجري أية عمليات قمع في سوريا، طبعا هناك بعض المشاكل الصغيرة، لكن يجب اعطاء نظام الرئيس الأسد الوقت اللازم لتطبيق الاصلاحات الديمقراطية فالملايين تقف في صفّه". ونستطيع من خلال المقارنة ان نرى مدى التقارب الشديد على سبيل المثال بين هذا التصريح وبين ما صرح به أمين عام "حزب الله" حسن نصرالله مؤخرا حول الوضع في حمص.
وحول ماهية اللوبي الايراني في تركيا يعلّق الباحث التركي عثمان باهادير دينجر للجمهورية قائلا: "يضمّ هذا اللوبي صحفيين واعلاميين ومثقفين وسياسيين أيضا، كما ويضم الى جهده المجموعات التي لها تقاطع مصالح او تخاصم حزب العدالة والتنمية".
وعن هدف هذا اللوبي، يقول الباحث في منظمة البحوث الاستراتيجية (أوساك): "يستهدف هذا اللوبي مؤخرا التأثير على الرأي العام التركي وهو فاعل في هذا المجال، حيث تستطيع ان تجد سيلا من المقالات والتقارير التي يكتبها المحسوبون على هذا اللوبي في الاعلام التركي. ولا يقتصر عمل هذا اللوبي على بث الروايات التي تساند النظام السوري، بل انّ عمله يستهدف القرار السياسي للحكومة التركية أيضا، وهو ان لم يحقق كل اهدافه الا انه نجح على ما يبدو في ارباك المبادرات التركية الداعمة للثورة السورية، او التشويش عليها بحيث يعرقل عملها أو يصدّها".
ومن المفارقات انّ الاحزاب العلمانية التركية التي كانت تتهم حزب العدالة والتنمية باستمرار بأنه يحوّل البلاد الى ايران اخرى، أصبحت تصطف مع النظامين السوري والايراني لدوافع تتعلق بالسياسة المحلية التركية وبالخصومة مع حزب العدالة والتنمية. وفي الوقت الذي تملأ فيه الآلة الإعلامية للوبي الايراني والسوري وحلفائهما التابعين في المنطقة الساحة بالصراخ إزاء الأطماع "القومية التركية" والتوجهات "الإسلامية" لحزب العدالة والتنمية، قام النظام السوري بدعوة عدد من رؤساء وممثلي أحزاب المعارضة التركية إلى دمشق مؤخرا.
ومن بين الاحزاب التي تمت دعوتها، حزب الحركة القومية، وهو حزب كما يدل عليه اسمه ايضا حزب قومي تركي، وجميعنا استمع خلال الأشهر الماضية من عمر الانتفاضة السورية إلى سيل الأحاديث عن الأطماع "القومية" التركية في سوريا والمؤامرة التي تقودها أنقرة بدافع قومي!، كما تم دعوة "حزب الشعب الجمهوري" وهو حزب أتاتوركي، وجميعنا يعلم الماهية التي يوصف بها أتاتورك من قبل اتباع اللوبي الايراني.
ولم يكتف النظام السوري بدعوة هؤلاء فقط، بل وفي الوقت الذي يشن هجوما عنيفا فيه على المتظاهرين السوريين واصفا إياهم بالإسلاميين المتطرفين والمتشددين و"الإرهابيين"، ومتحدثا على الدوافع "الإسلامية" المبطنة والمبيّتة لدى حزب العدالة والتنمية التركي للإطاحة بالنظام السوري، قامت دمشق بدعوة "حزب السعادة الإسلامي" المعروف بخطّه شديد المحافظة والمعروف بقربه من ايران، بل وتلقيه الدعم المالي منها ايضا وفق عدد من المصادر.
من جانبه، يعتبر المحلل التركي جوك هان باجيك أنّه من المفارقات ان نلاحظ تأثير النفوذ الايراني على تركيا بما في ذلك على السياسة الداخلية في البلاد، في الوقت الذي يكاد التأثير التركي يكون منعدما على ايران. وعلى الرغم من وجود أقلية أذرية تركية كبيرة جدا في ايران، الا أنّ التأثير التركي عليها محدود، كما انّه من النادر جدا ان تجد تأثيرا تركياً على المثقفين أو الاعلاميين او الأكاديميين الايرانيين.
ويضيف باجيك لـ "الجمهورية": "لا يجب ان نهمل القوة المالية لهذا اللوبي فهناك أكثر من 1000 شركة تركية يملكها ايرانيون في تركيا، وهي مرتبطة ايضا بشبكة من الخدمات الاجتماعية والسياسية غير الرسمية التي تعمل على التأثير في الطرف المتلقي في الوقت الذي لا يوجد لتركيا شيء مماثل في ايران".
يقال نت