جماعة المسلمين - بين حازم الأمة .. وشاطرها!
بقلم :د.طارق عبد الحليم
الاثنين 02 أبريل 2012
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا شك أن الحدث الأكبر اليوم، والذي له دلالات ستبقى طويلاً في ذاكرة الشعب وضميره، هو ذلك الترشيح الخائب للشاطر، الذي سيشطر الأمة وأصواتها، ولن يعود على أحدٍ بأية فائدة، إلا العلمانيين الذين يريدون تفتيت الكتلة الإسلامية، والعسكر الذين يريدون القضاء على حازم أبو اسماعيل خاصة، من حيث أنه يمثل التوجه الإسلاميّ الصحيح، نحسبه كذلك.
الموقف الإخوانيّ، غامض منذ بدء أحداث ثورة 25 يناير. إذ هو موقف لا يتناسب ولا يتفق بأي حالٍ من الأحوال مع ما تشيعه الجماعة عن نفسها، وما توارثته الأجيال من العامة عنها، أنها الجماعة التي تمثل "الدين"، وأنه إذا أطلق لفظ الإخوان، فهنالك التدين. الموقف الإخوانيّ، يتفق في كافة تفاصيله، مع ما يعرفه المتخصصون عن هذه الجماعة، سواءً على المستوى العقديّ أو المستوى السياسي الحركيّ. وقد ذكرنا من قبل أن هذه الجماعة، إن كان يصح أن يطلق عليها في لحظة من لحظات التاريخ، أنها جماعة إسلامية، فإنّ هذا التَوصيف لا يصحّ على الإطلاق، إلا عند العامي من الدَهماء. فهي جماعة وطنية ليبرالية ديموقراطية سياسية، تستصحب وصف الإسلامية منذ عقود، دون أن يكون له أثر حقيقيّ على إتجاهها الرسميّ. وهذا الموقف الخادم لمصلحة الجماعة على حساب أي شئ في دنياهم، قد أفرز أخيراً هذا الترشيح الهزلي لخيرت الشاطر.
هذه اللعبة السياسية كلها، بالنسبة لنا، ما هي إلا تفريغ لطاقات الأمة، وإلهاء لها عن المسار الإصلاحيّ الصحيح الذي يتمثل في ثورة إسلامية صافية عارمة، تنزع الفساد من جذوره، وتزرع مكانه شجرات التقوى والصلاح، لوجه الله تعالى، قبل أن يكون لوجه مكتب الإرشاد. لكنّ الواقع المنحرف الذي جرتنا اليه هذه الجماعة، والذي وقفت في سبيل أيّ تطهير حقيقيّ للنظام القائم، ونزع فتيل الجيش الذي يلوح به مجلس العسكر على الدوام، والتى رضىت بالصفقات المريبة، تمرر لها أموراً، وتغضى للعسكر عن أمور أكثر وأبعد خطراً، هذا الموقف المنحرف عن الجادة شرعاً وعقلاً، التابع للآلية الديموقراطية المنحوسة، والذي أسبغ صفة القداسة على قضاءٍ أقل ما يقال فيه العمالة والرشوة، ليتمكن تحت شعار إحترام القانون أن يخرج على كلّ قانون، أصبح موقفاً واقعاً عملياً، لا يمكن للمسلم أن يتجاهله،
ما الذي يمكن أن يخدمه هذا الترشيح، بأي مقياس من المقاييس؟
عبد المنعم أبو الفتوح صنيعة الإخوان لعقود، وقد اثبتت الأحداث صحة رؤيته، وخطأ قادته، بمقياس ديموقراطيتهم، حين أصروا على عدم ترشيح أحد منهم. ثم إذا ثبت فشلهم، لم يتراجعوا ويتخذوا الرأي الأصوب بالنسبة لجماعتهم، فالرجوع إلى الحق، عند هؤلاء، نقيصة. فإذا بهم يرشحون غيره! هذا من الكبر والسذاجة.
حازم ابو اسماعيل، رجل واضح صريح مستقيم، دلت اقواله ومواقفه خلال الثورة، على أنه لا يبيع ضميره ولا دينه بمقاعد ولا يعقد عليها صفقات. تحدث عن الشريعة، وعن الحلال والحرام، وعن مصائب الفساد والعلمانية، ووقف في وجه العسكر، مما دفع الجهلاء السفهاء الجبناء أن يصفونه بالتهور! وهم يَسِمون أنفسهم بالسلفية!
لكن قلنا من قبل، العسكر، والإخوان، وعدد من مشايخ السلفية الحاسدين، لن يتركوا الحق الأبلج يضيع عليهم مآربهم الصغيرة الحقيرة. العسكر وميزانيتهم وسيطرتهم، والإخوان وسلطة مقاعدهم ومصالح قيادة جماعتهم المادية والمعنوية، مشايخ السلفية الحاسدين الحاقدين، وسمعتهم وأتباعهم. هذا بإختصار ما هو وراء ترشيح الشاطر، وإشاعة جنسية والدة الشيخ حازم.
إننى لا أرى إلا أن ترويج هذه الشائعة، في هذا الوقت، وترشيح الشاطر، في هذا الوقت بالذات، قبل انتهاء مدة قبول أوراق الترشيح بايام، وبعد تقديم أوراق ترشيح حازم بيومين لا غير، هو دليل على وجود صفقة بين الإخوان وبين العسكريّ، أن يفتعل الجانبين معركة وهمية، ترفع من شعبيتهم المتدهورة، وكأنهم أبطال يقفون في وجه العسكر، ثم يرشحون الشاطر بالتواطئ مع العسكر، الذي لن يعترض على أوراقه رغم عدم صدور قرار بالعفو عنه. والسبب في عدم صدور قرار العفو هذا هو أنه سيكون دلليلاً قطعياً على التواطئ، فقرّروا أن يمرروا الأمر في ردهات اللجنة الرئاسية بقيادة العميل فاروق سلطان دون ضجة. ثم يقوم فاروق سلطان برفض أوراق حازم أبو اسماعيل قبل غلق الباب بيوم أو اثنين، بدعوى وجود جواز سفر أركيك باسم والدة حازم. أما عن هذا الجواز، فإنه يمكن تزوير أي جواز أمريكي بمائة دولار، في أيّ وقت. وعلى حازم أبو اسماعيل أن يثبت العكس، وهيهات هيهات في بضع أيام أن يتم له ذاك. فإن أثبت ذلك بعذ شهر أو اثنين "فياخسارة، وآسفين يا ريسّ"!
لا شك عندى اليوم أن ترشيح أبو اسماعيل لن، وأكرر، لن يتم، بأي حال من الأحوال، ولو رشحه الشعب كله. وهو ما كررته مراراً من قبل، لكن دون أن أعرف الصورة التي سيخرّجون بها هذا الرفض.
أمر حازم أبو اسماعيل، في الساحة السياسية الرسمية، وبالطريقة الديموقراطية، وخارج ساحة الميدان، قد انتهى، بلا تردد.
السؤال الآن، هل يسكت شعب مصر المسلم على هذه الجرائم التي يتعاون عليها العسكر مع الخائنين من الإخوان، ليخربوا بلادنا ويعيثوا فيها فسادهم وعمالتهم؟ إن الإخوان أبعد ما يكونوا عن دين الله وشرعه وسنة رسوله، وهم أكثر خراباً من العلمانيين الذين يعرف عنهم الناس لادينيتهم، فلا يخدعونهم بالكلمات والشعارات. فعل يسكت الناس على أن يمرر هؤلاء الخونة، حكماً ليبرالياً متخفياً تحت ثياب إسلام؟ ودستوراً كفرياً يحمل المادة الثانية الشركية؟
هل يَسكت الشعب على إهدار رغبته، وسَحلِ كرامته بعجلات الأنانية والعمالة، دون أن يهتز له بدن، أو يرتفع له صوت؟
إن مؤيدى حازم أبو اسماعيل، غالبية ساحقة في الشارع المصريّ، تفوق بعددها أتباع الإخوان والسلفيين مجتمعين. وسبحان الله، فإن هذا يدل على ضعف، بل إنهيار، هذه الشخصيات التى تتدعى القيادية، إذ يغلبها على أمرها رجل واحد، لا تنظيم، في أقل من سنة، وهم يعملون في الساحة ثمانين سنة أو يزيد؟ أليس هذا دليلٌ على نقص المصداقية، ونقص الموهبة، ونقص العلم، ونقص الحق، ونقص كلّ ما هو من مؤهلات النجاح؟ فلماذا إذن يكون هؤلاء المهرجين في كراسي القيادة؟ ومن الذي يستمع لمثل هؤلاء بعد اليوم؟
وإني أناشد حازم أبو اسماعيل أن ينشأ تنظيماً يضم كافة مؤيديه، على الفور، من العامة و العلماء، وتتم له البيعة الشرعية، ويكون هؤلاء هم القوة والمَنعة المُشترطة في البيعة، وهم أكثر من أهلٍ لمثل هذه المَنعة. ثم يتحرك بهذا التنظيم ليقضى الله أمراً كان مفعولاً. أما أن يترك هذه الجموع لتكون مجرد قاعدة إنتخابية، تنفضّ عُراها بعد الإنتخابات، فهذا تفريط خطيرٌ في القوى التي حَباه الله سبحانه بها، سواءً من الناحية العقلية أو الواقعية أو الشرعية.
ليس أمام المؤمنين المخلصين إلا أن يزيحوا تنظيم الإخوان من الساحة التي شغلوها بغير حق، ساحة العمل الإسلاميّ، عقوداً عدة، ليحل محلها من هم من أهل السنة والجماعة، حقاً وصدقاً، فالإخوان باعوا الدين، وأهل السنة بايعوا على الدين. وسوف نقف جميعاً وراء الرجل، في هذه الساحة، حتى يأتي نصر الله ونحن قائمون على ذلك.