مخالفة الرسول _صلى الله عليه وسلم_ لليهود في صيام عاشوراء، هي مثال عملي لما ينبغي أن يكون عليه المسلم، فلا يقع تحت تأثير معايشة غير المسلمين، وتأثير رؤية عاداتهم، وتأثير التعامل معهم، ولا يقلدهم ولا يعجب بعملهم، فالرسول _صلى الله عليه وسلم_ خالف اليهود في صيام هذا اليوم وسن للمسلمين صوم يوم معه، ولم يكن صيامه _صلى الله عليه وسلم_ تقليداً لهم؛ لأنه _عليه الصلاة والسلام_ كان يصومه في مكة، (ومختصر ذلك أنه _صلى الله عليه وسلم_ كان يصومه كما تصومه قريش في مكة، ثم قدم المدينة فوجد اليهود يصومونه فصامه أيضاً بوحي أو تواتر أو اجتهاد لا بمجرد أخبار آحادهم، والله أعلم).

قال الحافظ ابن حجر: "وقد كان _صلى الله عليه وسلم_ يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء ولا سيما إذا كان فيما يخالف فيه أهل الأوثان، فلما فتحت مكة واشتهر أمر الإسلام أحب مخالفة أهل الكتاب أيضا كما ثبت في الصحيح، فهذا من ذلك، فوافقهم أولا وقال: نحن أحق بموسى منكم، ثم أحب مخالفتهم فأمر بأن يضاف إليه يوم قبله ويوم بعده خلافا لهم.

وقال بعض أهل العلم: قوله _صلى الله عليه وسلم_ في صحيح مسلم: "لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع" يحتمل أمرين، أحدهما أنه أراد نقل العاشر إلى التاسع، والثاني أراد أن يضيفه إليه في الصوم، فلما توفي _صلى الله عليه وسلم_ قبل بيان ذلك كان الاحتياط صوم اليومين، وعلى هذا فصيام عاشوراء على ثلاث مراتب: أدناها أن يصام وحده، وفوقه أن يصام التاسع معه، وفوقه أن يصام التاسع والحادي عشر، والله أعلم).

قال: "قوله: "وأمر بصيامه" للمصنف في تفسير يونس من طريق أبي بشر أيضاً "قال لأصحابه: أنتم أحق بموسى منهم فصوموا ". واستشكل رجوعه إليهم في ذلك، وأجاب المازري باحتمال أن يكون أوحى إليه بصدقهم أو تواتر عنده الخبر بذلك، زاد عياض أو أخبره به من أسلم منهم كابن سلام، ثم قال: ليس في الخبر أنه ابتدأ الأمر بصيامه ، بل في حديث عائشة التصريح بأنه كان يصومه قبل ذلك ، فغاية ما في القصة أنه لم يحدث له بقول اليهود تجديد حكم ، وإنما هي صفة حال وجواب سؤال ، ولم تختلف الروايات عن ابن عباس في ذلك، ولا مخالفة بينه وبين حديث عائشة " إن أهل الجاهلية كانوا يصومونه " كما تقدم إذ لا مانع من توارد الفريقين على صيامه مع اختلاف السبب في ذلك، قال القرطبي: لعل قريشاً كانوا يستندون في صومه إلى شرع من مضى كإبراهيم ، وصوم رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ يحتمل أن يكون بحكم الموافقة لهم كما في الحج ، أو أذن الله له في صيامه على أنه فعل خير ، فلما هاجر ووجد اليهود يصومونه وسألهم وصامه وأمر بصيامه احتمل ذلك أن يكون ذلك استئلافا لليهود كما استألفهم باستقبال قبلتهم ، ويحتمل غير ذلك.

وعلى كل حال فلم يصمه اقتداء بهما ، فإنه كان يصومه قبل ذلك ، وكان ذلك في الوقت الذي يحب فيه موافقة أهل الكتاب فيما لم ينه عنه".

حينما يقرأ المسلم أو يسمع أن الصيام أصلاً كان هو صيام يوم واحد وهو عاشوراء ، لكن لتأكيد مخالفتنا لليهود والنصارى سن رسولنا _صلى الله عليه وسلم_ صوم التاسع ؛ تتأصل في نفسه عقيدة البراء من الكافرين وعملهم ، وتنتصر نفسه على فتن التغريب وطغيان عادات الغرب في هذا العصر.

وأمل.. دائم:
التأمل في هذا اليوم الذي نجى الله _تعالى_ في موسى _عليه السلام_ وقومه يبعث في النفس أملاً كبيراً ، وكلما تدبر المسلم آيات القرآن الكريم التي تحكي لنا الشدة التي كان فيها موسى _عليه السلام_ وقومه ، وكيف نجاهم الله _تعالى_ في مشهد عظيم ، ينشرح صدره ويطمئن إلى وعد الله _تعالى_ الدائم بنصر المؤمنين ، ونجاتهم من عدوهم ، قال _تعالى_: "ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِين" [يونس : 103].