hayemfr
عدد المساهمات : 23234 نقاط : 69351 السٌّمعَة : 7 تاريخ التسجيل : 28/09/2012 العمر : 42
| موضوع: مأساة مسلمي الاندلس بعد سقوط غرناطة الخميس ديسمبر 06, 2012 4:36 am | |
| في يوم 2 يناير من سنة 1492 تم تسليم مفاتيح قصر الحمراء و بوابات مدينة غرناطة آخر المماليك الإسلامية بالأندلس. ففي مثل هذا اليوم نهض الملك عبد الله الصغير من نومه و فتح باب غرفته على صوت دق وزيره يوسف بن كماشه ليخبره بموعد الخروج لمقابلة الملك فرناندو خارج المدينة. و بعد أن سلم المفاتيح لرسوله تقدم إليه ليضع بين يديه خاتمه الذهبي الذي كان يبصم به المراسيم و القرارات. ثم سار إلى إحدى التلال المشرفة على المدينة و أخذ يبكي على ملكه، فصاحت أمه عائشة [ أجلّ، فلتبك كالنساء، ملكا لم تستطع أن تدافع عنه كالرجال]. و قد بقي ذلك المكان إلى يومنا مزارا للسياح يسوقهم سكان المنطقة إليه و قد أطلقوا عليه [ زفرة العربي الأخيرة]. و قبل عدة سنوات إحتفل الاسبان في مدينة بلنسيا بمناسبة مرور خمسة قرون على طرد المسلمين من الأندلس. و من سخرية الأقدار أن يشارك في هذا الحفل العالمي البهيج ممثلون رسميون عن بلدان عربية كثيرة، حيث خصصت لها أجنحة لعرض ثقافة بلادها!
و الواقع أن هذا التاريخ اصطلاحي أكثر مما هو حقيقي، فسقوط الأندلس كان قد بدأ منذ قرنين و نصف من ذلك. و قد كانت طليطلة أول المدن الكبرى التي استولي عليها الصليبيون سنة 1058. فرغم هزيمتهم النكراء في معركة الزلاقة الكبرى على يد المرابطين الذين أمد القدر على أيديهم عمر الأندلس أزيد من قرنين، فقد استطاعوا في آخر الأمر أن يوحدوا صفوفهم و يعبؤوا جميع طاقاتهم في حربهم ضد المسلمين. و هكذا فقد أخذت مدن الأندلس الإسلامية تسقط الواحدة تلو الأخرى مثل حبات الماس التي تنسل من العقد المقطع. فقد سقطت قرطبة سنة 1236، ثم إشبيلية سنة 1248، ثم مرسية سنة 1266 ، و بعد مدة جاء دور مدينة مالقة خمس سنوات قبل غرناطة.
و لنفهم ما حدث آنذاك يجب أن ننظر إلى التاريخ الإسلامي ككتلة واحدة لا يمكن فهمه كأجزاء. ففتح القسطنطينية على يد العثمانيين سنة 1453 كان له الوقع الكبير في أوربا، مما جعل السلطة الدينية تستنفر الهمم لفك حصار ذلك الهلال الذي يحيط بأوربا مثل إحاطة السوار بالمعصم. و لذلك فلم ينعم الإسلام باتساع رقعته إلا خمسين سنة حيث بدأ الدوران العكسي حول البحر الأبيض المتوسط. و هكذا فكلما كان العثمانيون يتوغلون في شرق أوربا في بلاد البلقان بما فيها البوسنة و الهرسك و كوسوفا كان القشتاليون يتقدمون في غرب أوربا نحو الجنوب ليصل بهم الحال إلى احتلال مدن شمال إفريقيا ابتداء بمليلة و وهران ثم شرشال و الجزائر و بجاية.
و لذلك فإن الكلام عن الغرب الإسلامي لا يمكن فهمه إلا إذا اقترن بالشرق الإسلامي و العكس صحيح. و ذلك رغم التشرذم السياسي الذي عرفته البلاد الإسلامية آنذاك. و كأن ذلك عبرة لمن يعتبر في زمننا هذا.
محنة التنصير و التهجير
لقد بدأت الحملة على الأندلس من الشمال إلى الجنوب في شكل طرد جماعي لسكان المدن و مصادرة أملاكهم، حيث هاجر المسلمون نحو الممالك الجنوبية المحاذية لشمال إفريقيا. لكن القادة الصليبيون غيّروا خطتهم عند وصولهم إلى مملكة غرناطة حيث بدأوها من الجنوب و ذلك بعد انتشار أخبار عن إمكانية وصول المد الإسلامي من الجنوب، و لذلك فقد سقطت مالقة قبل غرناطة بحوالي خمس سنوات. هذا مع العلم أنه كانت اتفاقيات سرية بين آخر ملوك غرناطة مع الملك القشتالي بالتسليم إذا سقطت المدن التي حولها! و هكذا فبعد مقاومة شرسة قادها عم ملك غرناطة المسمى بمولاي الزغل الذي كان عدو الصليبيين و الغرناطيين المواليين للملك المهزوم تحققت أمنية الصليبيين في التفرد بغرناطة التفرغ لها. و لعل أحسن من كتب عن سقوط غرناطة و ما سبقه من أحداث السفير الأمريكي واشنطن إيرفينج ابتداء من سنة 1852 الذي كان يتردد على المخطوطات العربية في إسبانيا ليكتشف الحقيقة من مصادرها. و قد وصف الكاتب ما لحق من هوان بالمسلمين في مالقة بعد ما دخلها الصليبيون. فبعد أن استتب الأمر للملك القشتالي اقتيد المسلمون إلى حظيرة الحيوانات بجوار القصبة محاطة بأسوار عالية، ليقضوا فيها أياماهم في انتظار بيعهم في سوق النخاسة أو اقتسامهم كعبيد و أيامى. [و هكذا كان يرى الشيوخ و النساء الضعيفات و الفتيات الناعمات و بعض هؤلاء ممن ينحدرون من أسر نبيلة، و هم يمرّون في شوارع مالقة مثقلين بالسلاسل و الأغلال متجهين إلى الزريبة التي أعدت لإيوائهم. و كانت المسلمات يلطمن خدودهن و يضربن صدورهن و يرفعن عيونهن إلى السماء في حسرة و ألم]. و بعد ذلك تحدد مصير كل فرد منهم. فبعد قتل الكثير من الرجال المقاومين سواء من فتيان المدينة أو من الذين جاءوا من جهات أخرى، أخذ الكثير منهم كعبيد يشتغلون في التجديف و في خدمة الكنيسة، و أما الفتيات المسلمات فقد أرسل خمسون منهن إلى الملكة شقيقة الملك فرديناند و وجه ثلاثون فتاة أخرى هدية إلى ملكة البرتغال، و قدّم باقي الفتيات هدايا إلى نساء البلاط و إلى بعض الأسر النبيلة. و لم يذكر الكاتب حالات الإغتصاب الجماعية التي رافقت غزو المدن الأخرى و التي كانت تدفع إلى الكثير من الحرائر برمي أنفسهن من الأبراج الشاهقة قبل وصول الجيوش الصليبية. و من الطبيعي إذن أن معاهدة تسليم غرناطة التي وقعها الملك أبو عبد الله الصغير باسم سكان المدينة لم تكن إلا مرحلة لانتقال المدينة إلى الحكم الصليبي بأدنى تكاليف.
و هكذا فبعد سنوات من التسليم التي اتبع فيها طريقة التنصير بالإقناع أدرك الحكام الإسبانيون أن ذلك عبث و أنه يجب التنصير القسري أو التهجير. و قد بدأت المضايقات بمصادرة الأراضي و منع الآذان و تحويل المساجد إلى كنائس، ثم بالإجبار على التنصر. و ممّا قام به حاكم غرناطة المسيحي المسمى خيمنيث بعد أن يئس من محاجاة الفقهاء في دينهم إلزام المسلمين بإحضار جميع كتبهم و مخطوطاتهم إلى الساحة العامة. و بعد أن اختار منها ما هو متعلق بالعلوم الطبيعية مثل الطب و الفلك و الرياضيات و غيرها أشعل نارا رهيبة و ألقى فيها جميع الكتب الأخرى ليقطع عن المسلمين ارتباطهم بثقافتهم. و أما الكتب الأخرى فقد فتح بها جامعة سنة 1501 و التي حولت بعدها إلى مدريد باسم الإسكوريال، و التي لا تزال تحوي الكثير من المخطوطات الإسلامية. و في هذا الجو من تضاعف المضايقات، قامت عدة ثورات أهمها ثورة البشارات الأولى ثم الثانية التي انتهت بترحيل الكثير من أهل غرناطة و تهجيرهم قسرا. و أما الذين بقوا فقد مورس عليهم أشد أنواع المضايقات في دينهم و عيشتهم. فقد ذكر الكتاب الغربيون أنواع الضغوط التي كان يعيشها المسلمون يوميا منها منع الوضوء و الإغتسال و الصلاة، و ختان الأولاد، و أضطرارهم إلى أكل الخنزير و شرب الخمر، و ارتكاب باقي المحرمات التي ينهى عنها الإسلام.
محاكم التفتيش
فما كان يقوم به رجال محاكم التفتيش لا يضاهيه في عصرنا إلا ما حدث في البوسنة و الهرسك و كوسوفو و في صبرا و شتيلا و دير ياسين من حيث الشدة و التوحش. بل إن هذه الأحداث تكاد تكون يومية في الأندلس طيلة القرنين الذين تليا سقوط غرناطة إلى غاية 1614، تاريخ اعتبار تنصل الأندلسيين كليا من الدين الإسلامي و قبولهم في المملكة كنصارى. و لعل هذا ما يمكن تقديمه كتفسير لمحو شعب بأكمله و حضارة عمرها ثمانية قرون من جذورها. و يعود أصول محاكم التفتيش إلى العصور الوسطى المسيحي الذي تميز بالصراع المذهبي الدموي. حيث كان الناس يحرقون بسبب اعتقادهم المخالف للكاثوليكية أو الكنيسة بشكل عام. و لذلك فلم يذهب ضحيتها المسلمون فقط بل كان اليهود و البروتستانت كذلك. و لكن مهمة هذا الجهاز لم تكن دينية فحسب . فقد كان لها الدور الكبير في مصاردة أموال المتهمين و ملء الخزينة العامة بها. و قد نشطت هذه المحاكم بعد سقوط غرناطة مباشرة و بدء حملة التنصير . و هكذا نصب في كل مدينة فرع لها لتتبع أخبار المورسكيين أو المسلمون الذين بقوا في الأندلس تحت السلطة النصرانية. و قد كانت التهم عديدة و متنوعة تهدف كلها إلى طمس معالم الدين الإسلامي من الحياة الخاصة للمورسكيين. كما كان أي مورسكي معرض بحكم انتمائه الديني السابق للمحاكمة حيث يكفي أن يبلّغ عنه و لو بالكذب أنه يمارس دينه سرا أو يتفوه بشيء ضد النصرانية. و قد ألف المؤرخ الفرنسي المعاصر كاديلاك كتابا جمع فيه نماذج من التهم و النزاعات التي كانت تحدث من حين لحين بين السكان النصارى و المورسكيين. أما مقرات تلك المحاكم فقد كانت ملحقة بالكنيسة و مزودة بسراديب عميقة و مظلمة و رطبة يتم فيها التعذيب دون أن يسمع للضحية صوت. و قد برع موظفو المحاكم في التفنن في التعذيب حيث صنعوا آلات خاصة بذلك. و عندما دخل الفرنسيون في حملة بونابرت على إسبانيا كانت هناك بقايا محاكم التفتيش. و قد وجد بعض الأحياء في تلك الزنزانات قيل أن بعضهم كان يأكل من لحوم إخوانه البشر الذين ماتوا بقربه.و من الآلات التي وجدوها تمثال مجوف يسمى المرأة الجميلة حيث يتم وضع الضحية في أحضانها ثم يطبق عليه الباب المليء بالخناجر و المسامير و الأسلاك فتنغرز في جسمه و يموت على تلك الحال. و قد نشرت بعض المجلات المعاصرة صورا لهياكل بشرية تمثل جماعات كبيرة من المسلمين وضعت تحت الأرض و ماتت جوعا و إرهاقا، من بينها هياكل نساء مع أولادهن الرضع قد ماتوا على صدورهن. و يروي بعض المؤرخين أن تلك المحاكم قد استمر عملها إلى غاية سنة 1826.
الهجرات الجماعية و دور العثمانيين
لقد كان الأندلسيون الذين تمكنوا من الهجرة إلى دار الإسلام أكثر حظا من إخوانهم الذين آثروا البقاء في الأندلس أو لم يستطيعوا لسبب أو لآخر المغادرة. و قد بيّنت الوثائق العثمانية وجود مراسلات كثيفة بين الأندلسيين و السلطان العثماني في طلب النصرة. و قد كانت يد العثمانيين ممدودة بقدر إمكانهم ابتداء بمؤازرة ثورة البشارات ثم بمساعدة المهاجرين في محنتهم. و من أهم ما جاء في تلك الرسائل استعداد السلطان العثماني للتدخل لإعادة فتح الأندلس مباشرة بعد التفرغ من المسألة البلقانية - البوسنة و الهرسك و كوسوفو و ألبانيا- و لكن الأقدار شاءت ألا يتحقق ذلك لتسارع الأحداث آنذاك و فتح أكثر من جبهة قتال. و مع ذلك فقد كان للعثمانيين اليد البيضاء في تنظيم حملات الهجرات الجماعية للمسلمين باتجاه مختلف أقاليم السلطنة العثمانية.و للعلم فقد امتدت الهجرة في التاريخ من سقوط غرناطة 1492 ( و حتى قبلها) إلى غاية سنة 1614 تاريخ إعلان الرضا الصليبي على بقايا المورسكيين و انتهاء حملة التنصير القسري بفناء المسلمين في الجزيرة الخضراء. و قد لعبت الجزائر التي كانت أول عاصمة رسمية للحكم العثمانية في إقليم المغرب تحت حكم القائدين التاريخيين عروج و خير الدين بربروس دور نقطة العبور للمهاجرين الأندلسيين إلى داخل السلطنة. و قد اختلف المؤرخون في عدد المهاجرين الأندلسيين. فمنهم من قدرهم بمليون و نصف المليون و منهم من زاد عن ذلك و منهم من ذكر عددا أقل. غير أن التقديرات الإجمالية للأندلسيين تشير إلى أن عددهم كان ما بين الثلاثة و الستة ملايين نسمة لكونها كانت من أكبر حواضر أوربا آنذاك. و بالنظر إلى امتداد الهجرات عبر التاريخ، و الطريقة المنتظمة للتطهير العرقي الديني، لا يستبعد أن تكون وحدة القياس بالملايين.
و تكتمل صورة الهجرة أكثر إذا استعرضنا خريطة توزع الجاليات الأندلسية في ربوع البلاد اإسلامية بل و حتى أوربا و أمريكا الجنوبية. و يبدو أن الشمال الإفريقي كان الوريث الأساسي في التركة الأندلسية بحكم قربه الجغرافي و ارتباطه التاريخي مع الأندلس. و هكذا فقد شهد الشريط الساحلي لبلدان المغرب الإسلامي حركة تعمير واسعة بوصول الأندلسيين تمثلت في نشأة مدن جديدة و إحياء مدن مندثرة و توسع المدن الموجودة. و قد سهّل العثمانيون الإقامة للمهاجرين جماعات و حيثما اختاروا. و لذلك فقد كان لسياسة الإستقبال التي اتبعها العثمانيون صورة عمرانية تمثلت في انزلاق مدن بأكملها من الأندلس إلى الشمال الإفريقي محتفظة بنسيجها الإجتماعي إلى حد ما. و لعل استقرارهم على الشريط الساحلي يمكن تفسيره بعدة عوامل منها وجود الأراضي الخصبة و حضور السلطة العثمانية في البحر و وجود سوابق عمرانية. و لعل هناك عامل نفسي لا يقل أهمية عن التي سبقت تمثل في الحلم الكبير للأندلسيين في العودة يوما ما إلى بلادهم. و يذكر الإداري الفرنسي الجزائري أنه عند احتلال الجزائر سنة 1832 و ما بعدها كانت عائلات أندلسية تحتفظ بمفاتيح بيوتها بالأندلس آملين باستعمالها عند العودة.
ما أشبه اليوم بالبارحة
إن أهم ملامح المسرح الأندلسي قبيل سقوط غرناطة هو ما كان يتسم به من تشرذم و تطاحن بين ملوك الطوائف. فلم يقف الوضع إلى حد الإنقسام بل تعداه إلى إستعانة كل طائفة بالقوات الصليبية ضد الأخرى بغرض توسيع رقعتها. و قد كانت غرناطة آخر مثال لذلك بسبب ما حدث بين الملك عبد الله الصغير و عمه مولاي الزغل. ففي الوقت الذي كان تتحرك فيه أوربا بمختلف مذاهبها ضد الخطر الإسلامي الداهم و فرض رسومات على الشعوب باسم الحرب المقدسة لم يكن لأولئك الملوك الأقزام أي منظور جيو-سياسي لتلك الفترة. كما كان للإنحلال الخلقي الكبير أثره في تخضيد شوكة الدول و الممالك الإسلامية، فقد كانت المجالس الأميرية لا تخلو من الخمر و مغازلة النساء و الغلمان و قد دوّنت تلك الأشعار في الكثير من الكتب. و لم يكن حال العامة بأحسن من حال الملوك من لبس الحرير و الولع بالموسيقى و الإنغماس في اللذات و لعل أكبر فرصة تاريخية ضاعت من المسلمين هو صعود القوة العثمانية التي انزوت لها بلاد الشرق و الغرب الإسلاميين .
| |
|
Zino
عدد المساهمات : 1516 نقاط : 1516 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 20/05/2012
| |