بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته


تصل نسبة المسلمين إلى أكثر من عشرة في المائة من سكان الصين الشعبية، وقدرت (دائرة المعارف البريطانية) عدد سكانها سنة 1992م ...15,823 نسمة، لكنها ذكرت أن المسلمين 2,4 في المائة فقط. وترجع المصادر الصينية المسلمة أن عددهم 150 مليون نسمة، ويتكثف الوجود الإسلامي فى تركستان الشرقية أو إقليم سنكيانغ ومساحته 1,710,745 كم2 بينا احتلت روسيا السوفيتية تركستان الغربية واقتسمتها مع قازاقستان وقيرغيزستان وطاجيكستان. ويؤكد التركستانيون أن عددهم أكثر من عشرين مليون نسمة فى المقاطعة المذكورة وينتسب بعض أهالي تركستان إلى العرب الذين استوطنها بعدما فتح القائد الأموي قتيبة بن مسلم الباهلي مدينة كاشغر سنة 96هـ (417م) وسماها الصينيون (شوفو). وبقيت تركستان وعاصمتها كاشغر من ديار الإسلام حتى احتلتها الصين فى عهد الأسرة المنشورية فى القرن الثامن عشر الميلادي .

وفى 139هـ (756م) أرسل الخليفة العباسي جيشا أعاد للإمبراطور الصيني تان سوتشونغ عرشه. واستقر الجيش الإسلامي فى العاصمة تشانغ آن وتزوج العسكر الصينيات وشكلوا نواة الجالية الإسلامية فى الصين ثم استمرت الدعوة التى بدأت فى عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وبلغ عدد وفود الدعاة 76 وفدا حتى سنة 604هـ .

أعلن مؤسس جمهورية الصين الوطنية صن يات صن أن الأمة الصينية تتكون من خمسة شعوب هى : الهان، والمانشو، والمنغ، والمسلمون "الهوي" ، والشانج. وأعطيت الشعوب الخمسة حق المساواة فى القانون الأساسي المعلن سنة 1332هـ (1913هـ) . واستمرت الصين الوطنية من سنة 1911 حتى 1948 فجاء الشيوعيون وجاء معهم الشر المستطير ضد المسلمين .

شكل المسلمون فى عهد الصين الوطنية جمعية مسلمي الصين الوطنية، والجمعية الاتحادية الإسلامية، وجمعية اتحاد المسلمين، الجمعية الثقافية الإسلامية الصينية. وكان لهم 40327 مسجدا عدا مساجد تركستان الشرقية التى ضمنت وحدها 2045 مسجدا وجامعا. وكان فى ولاية (كانسو) 3891 مسجدا، وفى الولايات الشمالية الشرقية 6570 مسجدا ، وفى ولاية يونان 3971 مسجدا ،وفى ولاية شانسى 3612 مسجدا، وفى ولاية هاوبي 2942 مسجدا، وفى ولاية هاونان 2703 مسجدا، وفى ولاية شانتونج 2513 مسجدا، وفى ولاية سى تشوان 2275 مسجدا، وفى ولاية أنخووي 1515 مسجدا، وفى ولاية شانسى 1931 مسجدا ، وفى ولاية شنغهاي 1031 مسجدا، وفى ولاية هوبي 1134 مسجدا ، وفى ولاية كيانجسى 1302 مسجدا. وبالإضافة إلى المساجد والجوامع شيد المسلمون آلاف المدارس الإسلامية فى الصين.

شارك المسلمون فى الحياة السياسية إذ كان لهم أكثر من مئة نائب لهم فى البرلمان الصيني سنة 1366هـ (1946م ). وساهموا فى الوزارات والقوات المسلحة. لكن الصينيون كانوا دائما ينظرون إليهم نظرة عداء وشك .

تركستان الشرقية

تبلغ مساحة تركستان الشرقية 1,710,745 كم2 توجد فيها صحارى واسعة. مثل صحراء تاكلامكان التى تبلغ مساحتها 6470220 كم2 وأجرت فيها الحكومة المركزية تجاربها النووية فأثرت على مظاهر الحياة ووصلت الإشعاعات إلى معظم أرجاء المقاطعة .

عاصمة تركستان القديمة هى مدينة كاشغر التى سماها الصينيون (شوفو) أما العاصمة الحديثة فيسميها الأتراك أورومتشى، وسماها الصينيون (تيهوا) ، والمدينة الثالثة يارقند التى سماها الصينيون (سوجى). وشمل تغيير الأسماء مختلف أسماء الأماكن كما شمل أسماء البشر حيث أصبح محمد ومسعود (ما) والحسن والحسين (حا) وناصر ونصر ونصير الدين (نا) .

بقيت تركستان -التى كانت تسمى قراخند- حرة حتى وقعت تحت الاحتلال الصيني سنة 1876 ثم أعلنت الصين ضمها سنة 1884 وسمتها (سنكيانغ) . ومعنى سنكيانغ باللغة الصينية : الأرض الجديدة ، وبدأت الحكومة المركزية إيفاد أعداد قليلة من المستوطنين إلى أن بلغ عددهم سنة 1949 حوالي 200 ألف نسمة، ارتفع إلى حوالي عشرة ملايين فى مطلع التسعينات. ويتشكل السكان المسلمون من تركمان وأويغور وقازاق ومغول وأوزبك وطاجيك. ويشكلون إلى الآن أكثرية السكان على رغم الغزو الاستيطاني الصيني .

بقى مسلمو تركستان أحرارا فى ظل أسرة تانغ التى انتهى حكمها سنة 295هـ (907) وتلتها أسرة سونغ حتى سنة 679هـ (1367م) ، فأعقبتها أسرة ين التى أسسها جنكيز خان المغولي واستمرت حتى سنة 770هـ (1368) ثم جاءت أسرة منغ التى ازدهر الإسلام فى أيامها فى عموم الصين. واستمر ذلك حتى سنة 1054هـ (1644م) فجاءت إلى الحكم أسرة تسونغ المنشورية فاستمرت فى الحكم حتى سنة 1329هـ (1911م) .

وكانت فترة حكم هذه الأسرة سيئة للغاية بالنسبة للمسلمين فى الأراضي الصينية إذ وقعت المجازر الجماعية فى أكثر من مدينة إسلامية. وقامت ثورات فى لانجو سنة 1196هـ (1781م) وفى شيفانو، وفى شانسى سنة 1279هـ (1862) وفى كانسو، وحصلت هبات فى يونان فى سنوات 1233هـ ،1241هـ ، وسنة 1249هـ ، وانفجرت ثورة يونانغو التى استمرت من سنة 1272هـ (1856) حتى سنة 1290هـ .

استمر وضع المسلمين يتجاذب إلى أن دب الضعف فى العالم الإسلامي جراء الضغط الأوربي فى الغرب والضغط الروسي فى الشمال والصراع المذهبي بين الصفويين والعثمانيين فاستغلت الأسرة الحاكمة آنذاك فى الصين الفرصة فى أيام جيانا ونغ (1736-1784م) فبدأت تقضم تركستان وأخذت بإسقاط حكم الخواجات المسلمين. وفى سنة 1318هـ (1900م) أرسل السلطان عبد الحميد الوزير أنور باشا إلى الصين بغية إنقاذ المسلمين ففشل. لكنه أنشأ باسم الخلافة مدرسة إسلامية فى بكين لكن الحكومة الصينية ضايقت المسلمين وطردت البعثة التعليمية .

قام أهالي تركستان إذن بثورات عديدة ضد الحكم الصيني أهمها ثورة سوسيان فى ولاية كانسو سنة 1172هـ (1758م) ، وثورة مامنسين سنة 1182هـ (1768م) ، وثورة جاهانكير سنة 1820م ،وثورة يونان 1272-1290هـ (1855-1873م) وثورة يعقوب بك سنة 1272-1292هـ (1855-1857)فى كاشغر. وقمعها الصينيون بشكل وحشي. وبدأ الصينيون العدوان على الأموال والأرواح والأعراض. ففى سنة 1349هـ (1930م) ، اعتدى قائد الشرطة الصينية على امرأة فثار المسلمون وقتلوه مع حراسة (32 حارسا) ، والتهبت الثورة ضد الوجود الصيني فسيطر الثوار على شانشان وطرفان واقتربوا من العاصمة أورومتشى ثم سيطروا عليها وطردوا الحاكم الصيني. واستولى المسلمون فى الشمال على أقصو بقيادة تيمور كما استولوا على خوتن بقيادة أمين. وتوجه القائدان فاستوليا على كاشغر وأعلنا حكومة كاشغر الإسلامية وانضم إليهم الشيخ خوجه نياز.

إعلان الجمهورية الإسلامية

انتصر المجاهدون المسلمون على القوات الصينية وتحررت المدن وأعلن قيام الجمهورية الإسلامية فى تركستان الشرقية فى 21 رجب سنة 1352هـ (12/11\1933)م وقررت الحكومة حسب الشريعة الإسلامية .

اختار المجاهدون الشيخ (خوجة نياز) رئيسا للدولة، واختار لرئاسة الوزراء السيد ثابت داملا . آنذاك شعر الاتحاد السوفيتي بـ "الخطر الإسلامي" وخشي "امتداد الثورة إلى الأراضي الإسلامية التى يحتلها الروس، فأرسل إلى الأموال والأسلحة برا وجوا وأصبحت الجمهورية الفتية بين فكي الكماشة الصينية السوفيتية وتمكن المعتدون من اجتياح تركستان الشرقية فى ربيع الأول سنة 1353هـ (حزيران/ يونيو 1934م ) وتم إعدام الرئيس خوجة نياز، ورئيس الوزارة ثابت داملا، وأعدم أيضا كل أعضاء الحكومة، ومعهم عشرة آلاف من المجاهدين .

ضعفت الحكومة الصينية أمام اليابان التى احتلت منشوريا سنة 1357هـ (1938م) وهربت جنوبا إلى مدينة تشونغ كنغ ، وتحالفت مع القيصرية الروسية ضد اليابان واستغل الشيوعيون اضطراب الأوضاع وسيطروا على شمال غربي الصين بدعم روسي .

ثار مسلمو تركستان الشرقية على الظلم الروسي الصيني سنة 1355هـ (1936م) فقمعوا ثم ثاروا سنة 1356هـ (1937م) فقمعوا ثم ثاروا سنة 1359هـ (1940م) واستمرت هذه الثورات ثلاث سنوات فقد الروس خلالها العديد من القتلى فسحبت عسكرها ونهبوا ما استطاعوا من ثروات منقولة من تركستان. وسارعت الصين إلى احتلال تركستان الشرقية فور انسحاب الروس .

استمرت الحرب العالمية الثانية من سنة 1358هـ (1939م) حتى سنة 1365هـ (1945م) وانتشرت آنذاك فى وسط المسلمين ثلاث تيارات هى: التيار الياباني والتيار الشيوعي الصيني المدعوم من روسيا، والتيار الصيني الوطني. واستهدفت القوى الثلاث استغلال المسلمين فى أثناء الصراع ثم فتكت بهم بعد ذلك

استفاد على خان من العداء الروسي الصيني فاستولى على منطقة إيلى فى شمال تركستان وأنشأ إدارة مستقلة عن العاصمة أورومتشى، وثارت النواحي الأخرى ضد الحكم فنالت تركستان، استقلالا ذاتيا، وعين الدكتور مسعود صبرى بايكوزى رئيسا للحكومة. وعين محمد أمين بوغرا نائبا للرئيس ويوسف عيسى آلبتكين سكرتيرا عاما للحكومة المحلية فى تركستان الشرقية. وانتعش المسلمون وتمتعوا بحرية محدودة .

انتصر الشيوعيون يقيادة ماوتسى تونغ على حكومة الصين الوطنية فلجأ الوطنيون إلى جزيرة فرموز (تايوان ) وتابع الشيوعيون تصفية ما قبل الشيوعية. فاجتاحوا تركستان الشرقية في 16/2/1949. وارتكب الشيوعيون فظائع في الإقليم ليست أقل من الذين سبقوهم، وقتلوا أكثر من خمسين ألف مسلم .

في ظل ذلك الوضع الرديء غادر الشيوخ جلال الدين وانغ زين شان والجنرال حسين مابوفانغ ومحمد أمين بوغرا وعيسى يوسف آلبتكين وعبد العزيز عاشور جنكيز خان وغيرهم البلاد. وتوزع مهاجرو تركستان الشرقية فى الدول الإسلامية واستقرت جالية منهم فى السعودية، وجالية كبرى فى تركيا لا سيما إسطنبول. وتابع علماء تركستان جهادهم خارج البلاد وداخلها فطبعوا الكتب في مصر والسعودية وتركيا وأصدروا المجلات وحافظوا على لغتهم وتراثهم ودينهم .

عندما استولى الشيوعيون على الحكم في عموم الصين كان عدد المسلمين سنة 1950م 48 مليون نسمة، وكان مجموع عدد سكان الصين 480 مليونا. وهذا دليل على أن نسبة المسلمين فى الصين هى 10 في المائة فكيف يرتفع عدد الآخرين ويقل عدد المسلمين؟ في أيام ماوتسي تونغ شكل الصينيون (الجمعية الإسلامية الشعبية) وعبر الجمعية تمت مركسة المناطق الإسلامية في الصين، وأصدروا تفسيرا "ماركسيا" للقرآن الكريم. وأسس معهد بكين الإسلامي فأصدر مجلة (المسلمون في الصين) للدعاية فقط، ثم أغلق معهد بكين بعد أربع سنوات ومنعت بعثات الحج سنة 1384هـ (1964م) وفرضت الحياة الجماعية في المعسكرات المشتركة، وساءت الأحوال مع إعلان الثورة الثقافية سنة 13896هـ (1966م) فاستمرت عشر سنوات تم خلالها هدم وإغلاق آلاف المساجد في الصين وتركستان الشرقية .


منقول