كتب: محمد عرفات


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) (الحجرات: 13) صدق الله العظيم
.. التعارف والتآلف حكمة خلق الله للناس شعوباً وقبائل ، وما أحوجنا شعوب وادي النيل إلى أن يعرف بعضنا بعضاً .. ويفهم بعضنا بعضاً .. كي تنمو العلاقات الطيبة بيننا .. نحن الذين نشرب من مياه واحدة، وتجمعنا بقعة جغرافية واحدة ، وتواجهنا عقبات وتحديات واحدة.
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


فإذا أردت أن تغوص في أعماق شيء ما كي تفهمه وتدركه .. فعليك أن تفهم ثوابته التي يدور في فلكها ، وعليك أن تفهم قوانينه التي يسير على نهجها ، فهذا هو محو الفهم .. تستطيع بعدها أن ترسم صورة ذهنية لهذا الشيء ذات ملامح معينة وحدود معروفة.
وينطبق هذا على الإنسان .. فالمحور الرئيسي لفهم أي إنسان أن تتعرف على عقائده التي يؤمن بها ، فهي بمثابة نقطة مركزية داخل كيانه ، يدور في فلكها ، ويحافظ عليها ، ومن هنا تستطيع فهم هذا الإنسان وفهم سلوكه .. بل من خلال فهمك العميق له سوف تتوقع سلوكياته المختلفة في المواقف المختلفة تبعاً للدوافع المنبثقة من عقائده التي يؤمن بها .
وبذلك سوف يكون يسيراً عليك أن تفهم الحوارات البناءة وتفهم طبيعة العلاقات التي تربطك بالآخر بل وتستطيع أن توطدها لأنك تمتلك المفتاح السحري لفهمه وفك رموزه.
عقائد شعوب الوادي في أرقام:
مصر: يبلغ عدد سكانها 74.5 مليون نسمة ، منهم مسلمون بنسبة 94% ، وأقباط بنسبة 6% .
السودان: يبلغ عدد سكانها 38 مليون نسمة ، منهم 70 % مسلمون ، 25% معتقدات محلية (سحر أوثان) ، 5 % مسيحيون.
إريتريا: ويبلغ عدد سكانها يبلغ 4.5 مليون نسمة ، منها 45 % مسلمون ، 45 % مسيحيون وأقباط ، 10 % كاثوليك وبروتستانت .
أوغندا: يبلغ عدد سكانها 25.5 مليون نسمة ، منها 45 % كاثوليك ، 30 % بروتستانت ، 10 % مسلمون ، 15 % معتقدات محلية (سحر أوثان) .
كينيا: يبلغ عدد سكانها 31.6 مليون نسمة ، منها 38 % بروتستانت ، 28 % كاثوليك ، 7 % مسلمون ، 26 % معتقدات محلية (سحر أوثان) ، 1 % معتقدات أخرى.
بوروندي: يبلغ عدد سكانها 6 مليون نسمة ، 62 % كاثوليك ، 5 % بروتستانت، 33 % عقائد أخرى .
إثيوبيا: ويبلغ عدد سكانها 66.5 مليون نسمة ، منها 45 % مسلمون ، 35 % مسيحيون أورثوزوكس ، 17 % معتقدات محلية (سحر أوثان) ، 3 % معتقدات أخرى .
تنزانيا: يبلغ عدد سكانها 36 مليون نسمة ، 45 % منها مسيحيون ، 35 % منها مسلمون ، 20 % منها وثنيون.
الكونغو: يبلغ عدد سكانها 56.5 مليون نسمة ، منها 50 % كاثوليك ، 20 % بروتستانت ، 10 % مسلمون ، 10 % كيمبونفيست ، 10 % ديانات أخرى.
ملحوظة: الإحصائيات السابقة لعام 2003 ومنقولة عن المركز الدولي للبحث العلمي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] Cirs_tm.org
ومن تلك اللقطات السريعة يتضح لنا أن شعوب وادي النيل شعوب عقائدية ومتدينة .. منهم لهم عقائدهم وأديانهم التي يؤمنون بها بغض النظر عن صحة تلك الأديان أو بطلانها.
ونستطيع أن نلخص الأديان والعقائد إلى ثلاثة يدين بها شعوب الوادي وهم : الإسلام والمسيحية والعقائد الإفريقية ..
وكلنا يعلم الكثير عن الإسلام والمسيحية ولكن الكثير لا يعلم شيء عن الأديان الإفريقية.
فالعقائد في القارة الإفريقية متعددة ، وهي عقائد موروثة تتصل بالقبائل ، فكل قبيلة لها معبودات خاصة ، وهذه المعبودات إما أن تكون أوثان أو نجوم أو طلاسم ، ولها رجال دين ولهم طقوسهم الخاصة وتظهر بعض هذه الطقوس لنا في بعض المباريات الكروية التي يستخدم فيها هؤلاء بعض أعمال السحر والشعوذة .
وبحسبة بسيطة نستطيع أن نتوصل للنتائج التالية:
نسبة المسلمون في شعوب وادي النيل تبلغ 54 % من إجمالي سكان شعوب الوادي
نسبة المسيحيين في شعوب وادي النيل تبلغ 30 % من إجمالي سكان شعوب الوادي
نسبة الأديان الإفريقية في شعوب وادي النيل تبلغ 16 % من إجمالي سكان شعوب الوادي
أي أن الإسلام هو العقيدة التي يدين بها أغلبية شعوب وادي النيل .
وبعد أن تعفنا من خلال لقطات سريعة لوادي النيل على هوية وعقائد شعوبه نشير إلى كيفية انتشار الإسلام في دول حوض النيل .
في شهر رجب من السنة الخامسة للبعثة أذن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم لأصحابه بأن يهاجروا إلى الحبشة كي يأمنوا على دينهم وأنفسهم وأموالهم وذلك (لأن بها ملكاً لا يظلم أحد عنده) وكانت هذه أولى خطواتهم في إفريقيا .. وقد تشرف وادي النيل بأن تكون على أرضه تلك الخطوات.
وهكذا هاجر عدد من الصحابة إلى الحبشة ثم وصلتهم بعد فترة وجيزة إشاعة أن أهل مكة أسلموا فعاد هؤلاء الصحابة ثم أدركوا أن الأمر بخلاف ما بلغهم فعادوا إلى الحبشة مرة أخرى ، وكانوا في هذه المرة أكثر من 80 صحابياً مهاجراً ، وظل هؤلاء الصحابة في الحبشة فترة طويلة حوالي 16 سنة ، وفي خلال هذه الفترة اعتنق عدد كبير من الأفارقة الإسلام.
فلقد هيأ لهم النجاشي الذي أسلم -تبعاً لأقوى الروايات- الأجواء المناسبة بعدله واعترافه بما هم عليه من عقيدة صحيحة لا تختلف عما جاء به الأنبياء من قبل، وكانت تلك الفترة بمثابة قبسات نورانية تتوهج في أرض الحبشة ومنها إلى إفريقيا .

وادي النيل جسر المسلمين الأوائل لأفريقيا

كان من أسباب اختيار إفريقيا كمجال للدعوة في بدايتها أن إفريقيا هي الامتداد الجغرافي الطبيعي للمنطقة العربية والعلاقات بين الجزيرة العربية وإفريقيا علاقات ممتدة وقديمة جداً في التاريخ حتى إن البحر الأحمر يعتبر شيء طارئ للتاريخ الطبيعي ، فضلاً عن العلاقات الثقافية الممتدة بينهما أيضاً منذ القدم ويدلل على ذلك المعلومات الوثيقة التي كانت لدى الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال لصحابته "أرسلكم إلى ملك لا يظلم عنده أحد" إذن فهناك تواصل ثقافي بين المنطقتين .
وفي عهد الخليفة عمر رضي الله عنه كانت مصر من أوائل الدول التي فتحها المسلمون ومنها انتشر الإسلام إلى شمال القارة وإلى جنوبها ثم إلى شرقها وغربها ، ولم تعد هناك دولة في إفريقيا لا يوجد بها مسلمون.
كما أننا نجد أن عقبة بن نافع حاول أن يدخل إفريقيا ، وفعلاً دخلها بدخوله مصر وبرقة بليبيا واجتاز منطقة فزان إلى منطقة كوار التي تقع الان في جمهورية تشاد بعد التقسيمات الاستعمارية ثم إلى جنوب كوار ومكث هناك ستة أشهر ولكنه رجع بالصحابة رفقاً بهم لقلة المياه ووعورة الطرق وفي ذلك الوقت سنة 56 للهجرة بدأ الإسلام يتسرب لتلك المنطقة حيث وصل إلى نيجريا حالياً على أيدي أناس دخلوا الإسلام على يدي عقبة بن نافع ، وبذلك كانت مصر البوابة التي دخل منها عقبة بن نافع في طريقه لكل هذه المناطق الإفريقية.
كما أننا نجد أن الإسلام انتشر بدون فتوحات خاصة وسط إفريقيا عن طريق السياح من العباد والزهاد حيث يتنقلون من مكان إلى آخر ومعهم ماء الوضوء والمصحف فأثروا في الأهالي بحسن سلوكهم مع الناس وحسن مظهرهم ومحافظتهم على الخلق الإسلامي الرفيع وتبعهم على هذا بعض التجار من العرب الذين وصلوا إلى اسواق تلك المناطق بوسط إفريقيا عن طريق (طريق الأربعين عبر السودان القديم) ، عبر سنار والحبشة.
وهكذا نجد أن وادي النيل مرتبط بالإسلام منذ مهده وهو الجسر الذي عبر من خلاله المسلمون إلى ربوع إفريقيا .
ويفخر المسلمون في شرق إفريقيا (أرض الوادي) بأن الإسلام دخل إفريقيا قبل أن يدخل يثرب ، وهناك قبور لبعض الصحابة في منطقة إريتريا وإثيوبيا والسودان تدل على ذلك.



منقوووووووول