مفكرة الإسلام :
يعود تواجد المسلمين على هذه الأرض إلى فجر اكتشاف القارة الأميركية، فعندما رست سفينة 'كابرال' على ساحل البرازيل، كان برفقته ملاّحون مسلمون ذوو شهرة عظيمة أمثال شهاب الدين بن ماجد وموسى بن ساطع، ويؤكد المؤرخ البرازيلي الشهير جواكين هيبيرو في محاضرة ألقاها عام 1958م ونشرتها صحف البرازيل، أن العرب المسلمين زاروا البرازيل، واكتشفوها قبل اكتشاف البرتغاليين لها عام 1500م ، وأن قدوم البرتغاليين إلى البرازيل كان بمساعدة البحارة المسلمين الذين كانوا أخصائيين ومتفوقين في الملاحة وصناعة السفن.




أ ـ وصول المسلمين الأندلسيين إليها: هاجر بعض المسلمين الأندلسيين سراً إلى البرازيل هرباً من اضطهاد محاكم التفتيش في إسبانيا بعد هزيمة المسلمين فيها، ولما كثرت الهجرة الإسلامية الأندلسية إلى البرازيل، أقيمت هناك محاكم تفتيش على غرار محاكم التفتيش في إسبانيا، وحددت صفات المسلم، وعمدت إلى حرق الكثيرين منهم أحياء.





ب ـ المسلمون الزنوج: تؤكد الوثائق التاريخية المحفوظة في المتاحف البرازيلية، أن أكثرية المنحدرين من الأفارقة الذين جيء بهم 'كعبيد' إلى البرازيل هم من جذور إسلامية، وأنهم كانوا يقرأون القرآن باللغة العربية، وقد وصلت أفواج 'الرقيق' إلى البرازيل عام 1538، ولم تمضِ 40 سنة حتى نقل إليها 14 ألف مسلم مستضعف والسكان لا يزيدون على 57 ألفاً، وفي السنوات التالية أخذ البرتغاليون يزيدون من أعدادهم إذ جلبوا من أنغولا وحدها 642 ألف مسلم زنجي، وجلّ هؤلاء السود جيء بهم من غرب أفريقيا، على أن أبرز مجموعاتهم هي التي اختطفت من المناطق السودانية: مناطق داهوتي، وأشانتي، والهاوسا، والفولان، والبورنو، واليوربا..وحُمِل هؤلاء المسلمون في قعر السفن بعد أن رُبطوا بالسلاسل الحديدية، ومات منهم من مات وألقي في البحر من أصيب بوباء أو حاول المقاومة.





اقتلع هؤلاء بالقوة من محيطهم ليكونوا آلات [خدماً مسخرين] في هذه البلاد، وليس سهلاً تقدير أعداد هؤلاء المنكوبين الذين كانوا يعدّون بالملايين، والذين ظلوا ينقلون من أفريقيا إلى البرازيل وإلى كل أميركا مدة تزيد عن ثلاثة قرون.





شهادة مؤرّخ


يقول المؤرّخ 'فريري': كان هؤلاء المسلمون السود يشكلون عنصراً نشيطاً مبدعاً، ويمكن أن نقول إنهم من أنبل من دخل إلى البرازيل خلقاً، اعتبروهم عبيداً.. لم يكونوا حيوانات جر أو عمّال زراعة في بداية دخولهم.. لقد مارسوا دوراً حضارياً بارزاً، وكانوا الساعد الأيمن في تكوين البلد الزراعي.. إن البرازيل مدينة لهم في كل شيء: في قصب السكر والقهوة التي جلبوها والقطن والحبوب، حتى الأدوات الزراعية الحديدية كلها أفريقية.





كانت وسائل التقنية عندهم أكثر تقدماً من وسائل الهنود ومن وسائل البرتغاليين أنفسهم كان هؤلاء المسلمون الزنوج أهم عنصر في عملية تحضّر البلاد، ويُذكر أن أسيادهم الأميين الذين جلبوهم لاسترقاقهم كانوا يتخاطبون مع الأوروبيين من خلال هؤلاء العبيد المتحضرين، يكتب العبد المسلم رسالة السيد إلى زميله السيد الآخر الذي يقرأ له الرسالة عبده المسلم المتعلّم!!





الصمود والشهادة


كان مع هؤلاء العبيد شيوخهم الذين يعظونهم ويرشدونهم ويفقهونهم في الدين، وينزلون معهم الأكواخ ويعلمونهم القرآن ومبادىء الشريعة الإسلامية السمحاء وبعد أن ازداد عددهم، وقويت عزيمتهم، قاموا بعدة ثورات إسلامية تحررية، كان من أهمها تجمع المتمردين منهم في 'بالميرس' في شمالي البرازيل، في القرن السابع عشر، ولم تستطع السلطات البرتغالية إيقاف مد المسلمين إلا بعد مقاومة طويلة والاستعانة برجال الحدود من مقاطعة باوليستا أي 'ساوباولو'.





ثم حدثت سلسلة من الثورات في العقود الأولى من القرن التاسع، قام بها هؤلاء المسلمون في الأقاليم الساحلية خاصة في 'باهيا' وكانت قيادة الثورات بأيدي شيوخ الهاوسا، لكن ثوراتهم سحقت بمنتهى الوحشية والقسوة، وقد أجبرهم البرتغاليون على ترك دينهم وتغيير أسمائهم، لكن المسلمين لم يستسلموا وظلت ثوراتهم تتكرر وآخرها تلك الثورة الشاملة التي قامت في 'باهيا' عام 1835، بعد أن بلغ هؤلاء 'العبيد' المسلمون من قوة الشكيمة في الدين ومن الاعتداد بعقيدتهم.





وقد قاد الثورة ووجّهها الشيوخ ومعظمهم من ممالك البورنو وسكوتو، وكانوا مؤدبين ووعاظاً وأئمة مساجد ومعلمين للقرآن الكريم، لكن البرتغاليين سحقوهم بوحشية، وظلّت جثث المسلمين تتعفن مدة طويلة على قارعة الطريق.





وفي عتمة 'السنـزالات' الخربة، وهذه السنـزالات عبارة عن أقبية كان البرتغاليون يودعون فيها أولئك المسلمين الذين سُحقت ثورتهم، ويقال إن كلمة 'زنزانة' جاءت من هذه اللفظة البرتغالية.





وخمدت الثورة بعد ذلك إلى الأبد وتنصّر من المسلمين من تنصّر بالقوة واستشهد من استشهد، وعادت الوثنية إلى أعداد منهم، وما زالت بعض شعائر الوثنية تقام بينهم إلى اليوم في البرازيل.





وتقول الروايات أن النقوش الموجودة في سقوف كنائس باهيا والسلفادور فيها عدة آيات من القرآن الكريم دون أن يشعر القيمون عليها بذلك، لأنهم لا يجيدون العربية، ويتصوّرونها مجرد رسوم، وفي الأصل كانت هذه الكنائس مساجد.





قرار منع الرق


جاء قرار منع الرق وتحريمه في البرازيل عام 1888م متأخراً، حيث فقد هؤلاء الأفارقة هويتهم الإسلامية بعد ثلاثة أجيال من المعاناة والقهر والجهاد، وأصبح ابن الحفيد الأفريقي لا يعرف إلا أنه ابن حفيد منحدّر من جده الأعلى الذي جيء به عبداً إلى البرازيل.





وفي عام 1888م احتفلت ولاية 'باهيا' بالذكرى المئوية لإلغاء الرق وبذكرى شهادة 'زومبي' زعيم ثورة عام 1835م.





هجرات المسلمين في العصر الحديث


بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى بدأت طلائع المهاجرين الجدد تصل إلى البرازيل من بلاد الشام وفلسطين ولبنان، أملاً بكسب لقمة العيش، وبجمع المال بعد الفقر الذي عانوه في بلادهم، ولقد جاء هؤلاء المهاجرون الجدد بثقافة دينية عبارة عن عاطفة فطرية نحو هذا الدين، الأمر الذي أدّى إلى انعكاس هذا الضعف الديني على الجيل الأول، فخرج لا يعرف من الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه.





وبعد الحرب العالمية الثانية، كثرت هجرات المسلمين إلى البرازيل ولا سيما بعد احتلال فلسطين وما رافق ذلك من توترات سياسية في المنطقة العربية.





يشكّل المسلمون اليوم في البرازيل ما نسبته 1،5% من مجموع عدد السكان، وأكثر تجمعاتهم في ولايات ساوباولو وريو دي جنيرو وبارانا وريوغراندي دي سول، ولا توجد إحصائيات دقيقة بالنسبة إلى عددهم، إذ تقدّر بعض المصادر عدد المسلمين في البرازيل حوالي مليونين.





والجدير بالذكر أن كلمة 'توركو' كلمة يطلقها البرازيليون ـ ومن قبلهم أطلقها البرتغاليون ـ على كل عربي مهما كانت ديانته، وسبب هذه التسمية كما يقال في البرازيل، أن الدولة العثمانية العليا كانت تحكم كثيراً من أقطار العالم، وصادف أن عيّنت سفيراً لها في البرازيل، فعند وصول السفير العثماني إلى ميناء ريو دي جنيرو، أثناء احتفال البرازيل بكرنفال شباط، لم يحلُ للسفير العثماني ما يقام في الكرنفال، حيث الناس يكونون شبه عراة، فقطع زيارته على الفور، وعاد إلى بلاده، فغضبت حكومة البرازيل آنذاك، واعتبرته متخلفاً متوحشاً، وأطلق الناس على كل من يمت بصلة إلى الإسلام أو المسلمين أو للعروبة اسم 'توركو'.





من المناسب أن نعرف أن أرض البرازيل التي تعيش عليها هذه الأقلية المسلمة، أرض شاسعة تبلغ مساحتها أكثر من ثمانية ملايين ونصف من الكيلو مترات المربعة ، أي إن مساحتها تبلغ مساحة أربعة أضعاف مساحة شبه الجزيرة العربية كلها.





كما أن سكان البرازيل يبلغ عددهم الآن 160.000.000 [مائة وستون مليون نسمة]، وديانة البرازيل الرسمية هي النصرانية [الكاثوليكية]، بالإضافة إلى وجود ديانات أخرى يمثل الأفراد المنتمون إليها نسب مختلفة من عدد السكان، ومن بينهم المسلمون.





نظرة على الواقع





التعليم


حالة التعليم الديني واللغة العربية لا تبعث على التفاؤل، فلا توجد مدارس بالمعنى الكامل لتعليم الدين واللغة العربية وإنما هي فصول محدودة تقوم بهذا العمل بإمكانيات ضعيفة، ويعاني أبناء المسلمين صعوبة بالغة في الالتحاق بها بسبب البعد الشاسع وصعوبة المواصلات، وخاصة على الأطفال فإذا أضفنا لذلك النقص في عدد المدرسين المتخصصين، وعدم وجود الطرق الحديثة لتعليم اللغات، وعدم وجود الكتاب المشوق للأطفال، وعرفنا أسباب واقع التعليم المتواضع للمسلمين في البرازيل.





الزواج


أصبح الجيل الجديد الناشئ في أرض البرازيل أقرب إلى العقلية البرازيلية منه إلى الروح الإسلامية، بمعنى أن الشاب يريد أن يختار زوجته، وكثيراً ما يختار زوجته من فتيات الوطن الجديد، والمشكلة الكبرى هنا هي عندما تتزوج المسلمة من غير المسلم حيث كثرت هذه الظاهرة في السنين الأخيرة وتلك عقبة أولى في تكوين أسر لها قوام إسلامي في أرض المهجر.





وسائل الإعلام


للأسف لا يوجد للطائفة الإسلامية إلى الآن أي نوع من وسائل الإعلام فليس لهم مجلة تنشر المقالات عن الإسلام وعظمته وترد على الافتراءات والشبهات التي ينشرها المغرضون، فأكثر البرازيليين لا يعلم شيئاً عن الإسلام إلا ما يصله من مصادر مضللة، وليس لهم إذاعة مسموعة ترشد الأم في بيتها والفتاة في خدرها والأب في متجره، كما أنه ليس لهم إذاعة مرئية توضح العبادات وتشرح العقيدة وتوصل إلى الأطفال ما عجزوا عن فهمه عن طريق القراءة، وتعرض على الشباب بالصورة الحية المنتقاة هدى القرآن الذي يهدي للتي هي أقوم.





أول مسجد في البرازيل


يرجع تاريخ بناء المساجد إلى الثلاثينات من هذا القرن، بدأت قصة أول مسجد بتأسيس أول جمعية خيرية إسلامية عام 1929م، واشترت أرض المسجد في سنة 1935م ووضع حجر أساسه في سنة 1948م ، وأُكمل بناؤه في حوالي سنة 1960م.





وعندما تم بناء المسجد ظهر كيان الأقلية المسلمة واتسع نشاطها فأخذوا في بناء مدرسة إسلامية، ثم حصلت الجمعية الخيرية الإسلامية على أرض من الحكومة لتكوين مقبرة للمسلمين.