في فرنسا


: في معرض حديثنا عن الجاليات والأقليات الإسلامية التي نحاول اقتفاء أثرها أينما وجدت, نفتح اليوم ملف إحدى الأقليات الإسلامية ولكنها أقلية من نوع جديد وغريب, ألا وهي الأقلية الإسلامية القابعة خلف الأسوار في أحد البلدان الأجنبية, قد يستغرب البعض هذا الأمر ولكنها حقيقة أردنا من خلال موضوعنا اليوم أن نميط اللثام عنها, ونتفقد جوانبها وخفاياها, محاولين بذلك إكمال وإيضاح صورة للأقليات ربما لم تتضح بعد.





لقد أصبح الإسلام في أوروبا، وخصوصاً في فرنسا، دين المضطهدين, كما كانت الماركسية في أوربا في وقت من الأوقات, فبالأمس كانت قضية الحجاب, واليوم نتحدث عن المسلمين خلف القضبان في فرنسا, فلقد أصبح الإسلام يشكل الديانة الأولى في السجون الفرنسية, ويعتبر تزايد نزلاء السجون من المسلمين دليلاً على أن الطبقات الدنيا من المسلمين تنتشر في أوروبا, وأنه على هامش هذه الطبقات, يزداد التعاطف مع أيديولوجيات الإسلام السياسي.


كما تشير كل التقارير والأبحاث الواردة من وعن السجون الفرنسية في السنوات الأخيرة إلى أن الإسلام أصبح الديانة المهيمنة في السجون، وأن المسلمين - فرنسيين كانوا أم مهاجرين من بلدان إسلامية - يشكلون الكثافة الأولى بالسجون، وأنهم بصدد تركيز 'مملكتهم' على حد تعبير أحد المرشدين المسلمين بالسجون الفرنسية.





وعلى الرغم من عدم توفر إحصاءات دقيقة؛ لأنه يمنع في فرنسا إحصاء الأشخاص على أساس انتمائهم الديني, ولكن الأسماء العربية ولون البشرة وعدم أكل لحم الخنزير، كلها مؤشرات تدل على أن أغلب السجناء من المسلمين رغم أنهم لا يمثلون إلا 10% فقط من نسبة سكان فرنسا, أي أنهم يشكلون أكبر نسبة من نزلاء السجون، كما تتزايد نسبتهم في معظم الدول الأوربية, ويعتبر هذا مؤشرًا على وجودهم في قاع هرم القارة.


لقد ازداد نزلاء سجون فرنسا بنسبة 20% في السنوات الثلاثة السابقة, ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الملاحقة الشرسة للجرائم الصغيرة.


ومن الملاحظ أن نسبة المسلمين في السجن تتزايد بشكل أسرع, حيث إنه من جملة 60.775سجينًا فرنسيًا هناك حوالي 70% من المسلمين, وهي تعكس بشكل كبير نسبة الشباب بين المهاجرين إلى أوروبا من المسلمين.





وتختلف النسبة من سجن إلى آخر؛ حيث يشكل المسلمون ما بين 50% و80% من المساجين في السجون القريبة من المراكز الحضرية التي توصف بأنها ذات حساسية بالغة, وكذلك يتراوح متوسط أعمار المسلمين المسجونين ما بين 18 و35 عامًا معظمهم من سكان الضواحي الفقيرة والمهمشة.


وعلى الرغم من ارتفاع نسبة السجناء المسلمين إلا أن هناك قلة في عدد المرشدين داخل السجون, فعلى سبيل المثال فهناك ثمانية مرشدين مسلمين فقط لحوالي 20 ألف سجين مسلم في منطقة باريس وحدها, وكذلك فإن هناك مشرفًا واحدًا على 9 سجون من أصل 25 سجنًا في المنطقة.





بينما تشير الإحصائيات إلى ضرورة مضاعفة عدد المرشدين المسلمين في السجون؛ حيث يبلغ عددهم في الوقت الحالي 69 مرشدًا يغطون 185 سجنًا، في حين يبلغ عدد المرشدين الكاثوليك نحو 500 مرشد على الرغم من أن عدد السجناء النصارى يقل كثيرًا عن عدد المسلمين, ولكن وللأسف فإن السلطات الفرنسية رفضت الموافقة على وجود عدد كاف من المرشدين المسلمين للسجون؛ لخوفها من أن الرقابة الناقصة قد تدخل مجاهدين جددًا إلى المنظومة.


ويعتقد أحد الأئمة وأيضًا المرشد لبعض السجون في العاصمة باريس أنه ستمضي سنوات قبل أن يكون هناك ما يكفي من المرشدين لتغطية حاجات نزلاء السجون في فرنسا, والذي يقدر أن 70% منهم مسلمون كما ذكرنا من قبل.


كما يعاني المسلمون من السجناء من تمييز واضح من جانب إدارة السجن التي يتهمونها بتفضيل المسيحيين واليهود من السجناء. ففيما لا يحق للمسلمين من السجناء في بعض السجون الحصول على اللحم الحلال، فبالمقابل يحق لليهود الحصول على اللحم الكاشر المذبوح على الطريقة اليهودية. كما يمنع المسلمون في بعض السجون من أداء صلاة الجمعة.


ومما يدعو إلى الأسف أن كل ما ذكرناه من قبل لم يكن عن سجون العالم الثالث بل سجون تقع في فرنسا الدولة الأم لحقوق الإنسان كما يزعمون.





ويحذر العديد من الناس من أن تجاهل احتياجات السجناء المسلمين يخلق الاستياء ويترك المجال مفتوحًا لتفسير أكثر تطرفًا للإسلام, فيما يشتكي نزلاء السجون المسلمون في فرنسا, التي تحتوي على أكبر جالية مسلمة في أوروبا, من أنهم مهملون ضمن نظام مخصص للنزلاء المسيحيين, فقليلة هي السجون التي تقدم لحمًا حلالاً ذبح طبقًا للشريعة الإسلامية, وسجون أقل لا تزال تقيم الشعائر الدينية للمسلمين, بينما يستطيع معظم النزلاء الكاثوليك على سبيل المثال حضور قداس مرة في الأسبوع.


وفي حين أنه لا توجد معلومات رسمية عن الجنس والعرق في معظم أنحاء أوروبا، حيث يعد الاحتفاظ بمثل هذه البيانات أمرًا غير قانوني في العديد من البلدان، يتفق خبراء نزلاء السجون على الخلل الكبير في نسبة المسلمين هنا، في فرنسا، وفي أماكن أخرى.


وحتى لا تبدو الصورة قاتمة فإن الإسلام - رغم كل ما يعانيه أتباعه - ديانة مغرية لغير المسلمين حتى من المساجين؛ إذ لا يمر أسبوع واحد إلا ويحضر سجين مسيحي إلى الإدارة لمطالبتها بتوفير اللحم الحلال له؛ لأنه أصبح مسلمًا.


ووفق وزارة الداخلية الفرنسية فإن عدد معتنقي الإسلام من المسيحيين يزداد في السجون الفرنسية بصورة مطردة, حتى إن السلطات الفرنسية وجهت إنذارًا من نوع جديد لمواجهة خطر الأصولية الإسلامية والدعوة إلى الإسلام في السجون, فبعد مراقبة المدارس والأحياء الشعبية التي تقطنها أغلبية عربية وإفريقية، بدأ الأمن الفرنسي منذ أكثر من عام يوجّه أنظار عملائه السريين إلى السجون, حيث ينشط - على حد قولهم - غلاة المتطرفين من السلفيين, ويعملون على نشر دعوتهم إلى الجهاد وتطويع المجاهدين الجدد.





وجدير بالذكر أن قلق السلطات الفرنسية إزاء هذه الظاهرة دفع بوزير العدل الفرنسي العام الماضي إلى تنظيم دروس خاصة بهذا النوع من الأخطار الأصولية في أوساط حرّاس السجون, فيما عكفت أجهزة المخابرات السرّية ووزارة الداخلية على دراسة وسائل عمل ناجعة لدرء الخطر الإسلامي القابع خلف القضبان.


ومن العجيب أن ذات السلطات التي تحاول محاصرة ما تسميه التطرف الأصولي في العنابر إلى حد منع 'سجاد' الصلاة أحيانًا, هذه السلطات نفسها لا تجد أفضل من 'المتشددين الأصوليين' - المسموعة كلمتهم عادة - للدعوة إلى استتباب الأمن بين السجناء عندما تنشب الخصومات بين المنحرفين منهم.


وأخيرًا فنحن في انتظار تنظيم أحوال الجالية المسلمة داخل السجون الفرنسية, بل ونهيب بالمجتمع الإسلامي في فرنسا - والذي يريد أن ينسى سجناءه - أن يهتم بهم كي لا يُعزل المسلمون أكثر وأكثر.



وعلى العموم فإن مشكلة المسلمين في السجون ملف كبير ومتعدد الجوانب, ولا يعني فقط المجتمع الفرنسي وحسب بل أوروبا كلها: ألمانيا, والدانمارك وإسبانيا وإيطاليا؛ حيث إن لدينا معطيات دقيقة أن نسبة المسلمين في السجون هي عشرة أضعاف نسبة المسلمين في المجتمع الأوروبي, فهلا نظرنا بعين الاهتمام والمسئولية إلى تلك المشكلة العضال علنا نستطيع أن نجد لها حلاً نعذر به أمام الواحد الديان, يوم لا نستطيع أن نختلق الأعذار.
____________________________________
_____________________________________

في ألمانيا

نتحدث اليوم عن المسلمين القابعين خلف أسوار السجون الألمانية, وقبل أن نسترسل في الحديث عن هذا الموضوع يجب أن نعلم أولًا أن الإسلام يشكل في ألمانيا الديانة الرسمية الثالثة بعد البروتستانتية والكاثوليكية.





وحسب الإحصائيات الرسمية, فإن عدد أفراد الأقلية المسلمة حاليًا يبلغ حوالي 3.2 ملايين نسمة من إجمالي عدد سكان ألمانيا البالغ نحو 82 مليون نسمة، ويتركز غالبيتهم في القسم الغربي من البلاد لتوافر فرص العمل، وارتفاع مستوى المعيشة عن ولايات القسم الشرقي الفقيرة نسبيًا.





من المعلوم أن أي دولة من دول العالم مهما بلغ رقيها وتحضرها -الذي يقاس بما تكفله تلك الدول لشعوبها من حرية- يجب أن يكون لديها معتقلات بما فيها ألمانيا.





و تمتلئ المعتقلات الألمانية بالمسجونين من الألمان أنفسهم، ولكنها لا تقتصر على السجناء الألمان فحسب، بل تضم بين جدرانها سجناء من جنسيات مختلفة إلى جانب عددًا لا يستهان به من أبناء الجالية المسلمة.





ولا توجد إحصائيات رسمية عن العدد الكلي للسجناء المسلمين خلف قضبان السجون الألمانية, إلا أنه يذكر أن من بين 770 معتقلًا في سجن أحد المقاطعات الألمانية هناك 146 معتقلًا مسلمًا أي حوالي 20% من العدد الكلي للمعتقلين من أجناس مختلفة.





وكما هو الحال في غالب الدول الغربية فإن حقوق المسلمين دائما مهضومة في تلك الدول، سواء كانوا طلقاء أو مسجونين, وعليه فإن المسلمين في السجون الألمانية يعانون من نقص في الإرشاد النفسي, وسوء في الحالة الاجتماعية على خلاف السجناء الألمان، وكذلك معتقلي الديانات الأخرى.





و لم يجد هذا الجيل من السجناء المسلمين حتى الآن الرعاية الدينية والنفسية اللازمة، التي تتوفر لأتباع الديانة المسيحية على سبيل المثال، حيث يقوم رجال مختصون من قبل الكنيسة بتقديم هذه الرعاية لهم, ويشعر الكثير من السجناء المسلمين بأنهم قد تُركوا وحدهم مع مشاكلهم الخاصة, ويعتقد أن السبب الرئيس في هذه المشكلة عدم وجود جهة رسمية واحدة تتكلم باسم الجالية المسلمة في ألمانيا.





كما أن الكثير من المؤسسات الإسلامية تنقصها الصفة القانونية من أجل القيام بذلك، إضافة إلى أنها تعاني في بعض الأحيان من مشاكل التمويل، ورغم وجود العديد من الجمعيات والشخصيات الإسلامية المستعدة إلى توفير نفقات رعاية السجناء المسلمين؛ إلا أن الخوف الذي يلم ببعض المؤسسات الإسلامية من الإفصاح عن مصادر التمويل؛ يقف عائقًا أمام السماح لمثل هذه المؤسسات من تقديم الإرشاد الروحي والاجتماعي, وتتخذ إدارات السجون الألمانية مثل هذه المواقف السلبية من قبل المؤسسات الإسلامية ذريعة لرفض السماح لهذه المؤسسات بتقديم المساعدة اللازمة للسجناء، وقد زادت حدة هذا الرفض في السنوات الأخيرة، و ما زالت مستمرة حتى يومنا هذا، وخاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.





ويؤمن الكثير من مدراء السجون الألمانية بأهمية توفير هذه الرعاية لأبناء الجالية المسلمة,كما يروا أنه لا بد من توفير الأئمة والوعاظ والمرشدين المسلمين المؤهلين لتقديم الإرشاد الروحي والاجتماعي للمسجونين من المسلمين.





ولكن المؤسف أن توفير هؤلاء المرشدين المؤهلين تواجهه صعوبات كثيرة, أهمها عدم وجود الأشخاص المناسبين للقيام بهذه المهمة, فعلى الرغم من أن المعتقلين الأتراك يتلقون تلك الرعاية من قبل أئمة الاتحاد التركي المسلم، إلا أن هذه الرعاية تكون مؤقتة، وكذلك فإنها لا تخلو من العقبات، حيث أن فترة إقامة هؤلاء الأئمة في ألمانيا تكون محدودة وفي الغالب لا تتجاوز أربعة أعوام؛ مما يؤدي إلى عدم إلمامهم بطبيعة المشاكل الاجتماعية التي تواجه الشباب المسلم في المجتمع الألماني, وكذلك فإن عدم إجادتهم للغة الألمانية؛ يجعل تبادل التعاون معهم صعب للغاية.





ومع كل هذا فإن السجناء من أبناء الجالية المسلمة يأملون أن يعاملوا معاملة مساوية لنظرائهم من الألمان من غير المسلمين، الذين يتلقون الدعم النفسي والإرشاد الروحي والرعاية الاجتماعية.





وهذه الآمال التي يتطلع لتحقيقها أسرانا خلف القضبان الألمانية-إن جاز أن نطلق عليهم هذا التعبير- ليست بعيدة المنال، حيث أن القانون الألماني يكفل للمعتقلين المسلمين الحق في الرعاية الروحية، لذلك فقد دعا العديد من رؤساء السجون الألمانية إلى السماح بتقديم ذلك من قبل متطوعين مسلمين.





وقد لاقت بالفعل هذه الدعاوى بعض الاستجابات، وكان لها صدى إيجابيًا في حياة المعتقلين، وكان من أهم ثمارها السماح لهم بأداء الصلوات، وكذلك إمكانية الاحتفال بشهر رمضان -حيث يسمح لهم بالإفطار الجماعي- وعيدي الفطر و الأضحى.





ونحن في هذا الصدد نضم أصواتنا إلى صوت إخواننا المعتقلين في السجون الألمانية لدعوة المسلمين لتوحيد صفهم وكلمتهم، وذلك بتوحيد الجمعيات والمنظمات الإسلامية، والسعي للتعاون مع إدارات السجون في ألمانيا، وخاصة أنها أبدت استعدادًا في هذا المجال, وكذلك دعوة المراكز الإسلامية في ألمانيا للنظر بعين الاعتبار إلى تلك الأقلية القابعة خلف القضبان الألمانية, ومحاولة تكوين هيئة رسمية لرعاية السجناء من كافة الجهات روحية ونفسية واجتماعية.


هذا الجيل من السجناء المسلمين لم يجد حتى الآن الرعاية الدينية والنفسية اللازمة، التي تتوفر مثلا لأبناء الديانة المسيحية، حيث يقوم رجال مختصون من قبل الكنيسة بتقديم هذه الرعاية لهم. هذا الجيل من السجناء المسلمين لم يجد حتى الآن الرعاية الدينية والنفسية اللازمة، التي تتوفر مثلا لأبناء الديانة المسيحية، حيث يقوم رجال مختصون من قبل الكنيسة بتقديم هذه الرعاية لهم.





ويشعر الكثير من السجناء المسلمين بأنهم قد تُركوا وحدهم مع مشاكلهم الخاصة.يأمل السجناء من أبناء الجالية المسلمة بمعاملة مساوية لزملائهم الألمان


_____________________________________________
____________________________________________


.في أسبانيا

اليوم نطرق أبواب أحد معاقل الإسلام في عصوره الزاهرة في الماضي؛ لندخل ونتفقد أحوال المسلمين المعتقلين خلف الأسوار هناك بالقرب من قصر الحمراء وقرطبة و غرناطة في الأندلس سابقًا, وأسبانيا حاليًا.





· مملكة أسبانيا.


· رئيس الدولة: الملك خوان كارلوس دي بوربون.


· رئيس الحكومة: خوسيه رودريجيز ثاباتيرو.


· العاصمة: مدريد


· عدد السكان: 39.9 مليون نسمة.


· اللغات الرسمية: الأسبانية القشتالية، الكتالانية، الباسكية والغالسية.


· الديانة: حوالي 94% من السكان هم مسيحيون كاثوليك ويشكل البروتستانت والمسلمين أقلية دينية في إسبانيا.


· عقوبة الإعدام: ملغاة بالنسبة لجميع الجرائم.



أسبانيا ماضٍ عريقٍ وحاضر ينتظر المزيد، فهي والبرتغال كانتا أرض الأندلس وشريان الإسلام في قلب القارة الأوربية على امتداد ثمانية قرون، حضارة نهلت من قطوفها البشرية، ولا تزال إسهاماتها واضحة في نهضة أوروبا، وآثارها الإسلامية لم تزل شاهدة على الحضارة الإسلامية، التي عمرت تلك البلاد لقرون عديدة.


والمفردات والأسماء العربية لا تخطئها الأذن في كافة المدن الأسبانية، فهي من أنكى الجراح في قلب تاريخ الأمة الإسلامية، ولهذا فرغم حسرات المسلمين على الفقدان والخسران وزفرات الضياع ولوعة الحرمان من تلك البقعة، التي طالما أضاءت بنور الإسلام، إلا أن هذا الفردوس ظلّ حيًّا باقيًا؛ لأنه شعَّ ولا يزال على العالم في كثير من الأصعدة من علم و فنًّ و فكر.


ولكن الوجه الآخر من الحقيقة الأندلسية أن الوجود البشري الإسلامي قد انعدم من أرض الأندلس بسبب سياسة الاستئصال الإسبانية المتعصبة، التي بلغت ذروتها بالطرد الجائر للمسلمين فيما بين سنتي 1609م إلى1614م.


هكذا وطبقًا للتاريخ الرسمي لم يبق بالأراضي الأسبانية مسلم واحد بعد سنة 1614م، باستثناء الرعايا المغاربة المسلمين سكان مدينتي سبتة و مليلة، اللتين دخلتا تحت الاحتلال الأسباني منذ حوالي أربعة قرون، الأولى في سنة1580م والثانية في1556م.


كما كان لخروج المسلمين من الأندلس تاريخ، فإن للعودة أيضًا تاريخها، ففي منتصف السبعينيات من القرن العشرين كانت أزمة البترول العالمية، والتي كان من نتائجها بطء النمو الاقتصادي لدول شمال ووسط أوربا، مما أجبر حكومات هذه الدول مثل ألمانيا وهولندا وفرنسا على غلق حدودها أمام تيار الهجرة الاقتصادية القادم من العالم الثالث والعالم الإسلامي، و مع ذلك لم تتوقف الهجرة، وأنّى لها أن تتوقف؟ فثمة أزمة اقتصادية طاحنة كانت تعصف بدول العالم الثالث منذ أوائل السبعينيات وطوال حقبة الثمانينيات، بالإضافة إلى زيادة سكانية كانت تضغط على الشباب العاطل أو المحبط للبحث عن الرزق في أراضي أخرى, وكذلك فهناك أيضًا هجرة سياسية من جراء الحروب و الاضطرابات والنزاعات السياسية؛ مثل الثورة الإسلامية في إبران عام1979، وأحداث لبنان في الثمانينيات، وحربي الخليج الأولى والثانية، وأحداث الجزائر في التسعينيات.


بيد أن الجديد أن تيار الهجرة في مجمله غيَّر وجهته إلى بلدان أوربية أخرى، كانت حتى منتصف السبعينيات مناطق طرد، بالتحديد إلى جنوب أوروبا، وعلى وجه الدقة إلى إيطاليا وأسبانيا؛ لأن هاتين الدولتين منذ منتصف السبعينيات وخلال الثمانينيات شهدتا نموًا اقتصاديًا مرتفعًا، مما حوَّلهما إلى دولتين جاذبتين للمهاجرين، وخاصة من الدول الإسلامية المجاورة، لاسيما من بلاد المغرب العربي، و يشكِّل المغاربة الغالبية العظمى من المسلمين المهاجرين في أسبانيا، وإلى جانبهم توجد أعداد أخرى من شمال إفريقيا والشرق الأوسط ومناطق أخرى, وهؤلاء المسلمون -خاصة المغاربة- موزَّعون في غالبية الولايات الأسبانية، ولكنهم يتركزون أكثر في مقاطعات مدريد و قطاَلونيا و أندلوثيـَّا.


وقد وقعت حوادث عنصرية متفرقة هنا وهناك في بعض المدن الأسبانية أنَّى وجدت الجالية الإسلامية بكثافة، وتمثلت في الاعتداء على بعض المسلمين من النساء المحجبات، والمحلات التجارية الإسلامية [محلات اللحوم الشرعية، المخابز، المطاعم العربية، وبعض محلات بيع الأغذية]، والمساجد، والمراكز الإسلامية، وزادت شدتها بعد أحداث سبتمبر 2001م، وتنامي التيار النازي الشبابي الذي يمثله جماعات 'السكين هايد'، وكانت الحجة التي ترفعها هذه الأقلية المناوئة للوجود الإسلامي في أسبانيا أنهم لا يفضِّلون إقامة علاقة مع الأجانب وخاصة المسلمين منهم، حتى لا تمتزج الدماء العربية والإسلامية بدمائهم الأسبانية المسيحية الخالصة، وحتى لا يتكرر مسلسل أو سيناريو فتح الأندلس على أيدي أحفاد طارق بن زياد وموسى بن نصير، ويعتقدون أن على الأقليات الإسلامية أن تتكيف مع العادات والقيم النصرانية الأسبانية المتوارثة منذ قرون.


وقد عملت الحكومة الأسبانية على التقليل من هذه الحوادث 'المتفرقة'، وحاولت طمأنة الجالية الإسلامية ببعض المبادرات الميدانية التي تخدم الهدوء والسكينة، فعقدت وزارة الداخلية اجتماعات مع المؤسسات الإسلامية لتفادي آثار هذه الحوادث، والعمل سويًا للحفاظ على التماسك الاجتماعي بين جميع أبناء هذا الوطن، وقد أخذت هذه الحوادث حيزًا مهمًا في الإعلام الأسباني، الذي غالبًا ما يندد بهذه التجاوزات.


و هكذا يعيش الكثير من أفراد الجالية المسلمة في ظروف غير طبيعية بسبب افتقار الكثير منهم لوثائق الإقامة القانونية في البلاد، وخوف صليبي أسبانيا من وجودهم مما يشعرهم بعدم الأمان والاستقرار.


وقد سجلت التقارير الصحفية اعتمادًا على إحصاءات الشرطة والهيئات الاجتماعية البلدية أن نسبة الإجرام في الوسط الإسلامي المهاجر في تصاعد خطير، وأن السجون والإحداثيات الأسبانية بدأت تسجل مستويات عالية من المتورطين في قضايا الإجرام، وخاصة تجارة المخدرات واستهلاكها، والسرقات الموصوفة، وتكوين جمعيات الأشرار، إضافة إلى تزوير الوثائق والجوازات وتصاريح الدخول والتأشيرات، وتفكيك الخلايا المتورطة في قضايا ما يسمى بمكافحة الإرهاب، هذا بحسب زعمهم والله أعلم.


وحسب آخر التقارير الذي أصدرته لجنة الشئون الدينية بوزارة العدل الأسبانية عام 2004م، فإن عدد المسلمين في أسبانيا يتراوح بين 600 ألف إلى قرابة المليون شخص, يقبع منهم خلف القضبان الأسبانية نحو 8 آلاف سجين، يشكلون أكثر من 70% من المجموع العام للسجناء الأجانب في أسبانيا بحسب الإحصاءات الرسمية، وهم من نعنى بالحديث عن أحوالهم في موضوعنا اليوم.





وقد انتقدت 'المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان' إسبانيا لعدم إجراء تحقيقات وافية على وجه السرعة في شكاوى التعذيب وسوء المعاملة، حيث كان هناك عدد كبير من ادعاءات التعذيب وسوء المعاملة في أقسام الشرطة وكذلك في المعتقلات، والتي يعود كثير منها لأسباب عنصرية، وترددت أنباء عن زيادة ملحوظة في سوء المعاملة ووقوع هجمات لأسباب عنصرية في حق الأقليات ومنها المسلمة، وتعرض الكثير من المسلمين للإيذاء بوصفهم 'إرهابيين'.


وشهد عدد المسلمين في السجون الأسبانية ارتفاعًا كبيرًا خلال العقد الماضي، وغالبيتهم من المهاجرين غير الشرعيين، الذين اعتقلوا بالإضافة إلى عشرات المسلمين الذين اعتقلوا عقب تفجيرات قطارات مدريد في مارس 2004م، والتي اتهمت السلطات خلية تابعة 'للقاعدة' بتدبيرها.


وقد أفادت التقارير الواردة في هذا الشأن أنه على مدار العام أُلقي القبض على أكثر من 100 مسلم، فيما يتصل بعديد من التحقيقات القضائية في التفجيرات، وما زُعم عن الإعداد لجرائم أخرى.


وقد وردت أنباء عن حدوث وفيات ناجمة عن العنف وأعمال تعذيب وإساءة معاملة في عديد من السجون، التي يعاني كثير منها من الاكتظاظ الشديد وخاصة بين المسلمين، فقد تصل نسبة الاكتظاظ في هذه السجون إلى نحو 200%، وأُجريت تحقيقات قضائية في عدة شكاوى بخصوص ضلوع موظفين بالسجون في ارتكاب أعمال وحشية ضد السجناء، وقد تعرض أكثر من 70 سجينًا بإقليم قطالونيا ذو الغالبية المسلمة لمعاملة سيئة على أيدي الحراس.


وورد أن اثنين من الضباط ضربا مواطنا مغربيًا إلى أن فقد الوعي، ثم ضربه الطبيب ثانية وقال ممثل الادعاء: إن هذا المواطن تعرض للتبول عليه ووُجهت إليه شتائم عنصرية ووُصف بأنه 'إرهابي'.


و أثبتت المحكمة الإقليمية في غيرونا أن مواطنًا مغربيًا أيضا يدعى 'إدريس الزريدي' قد تعرض 'بلا أدنى شك' للتعذيب ولإيذاء عنصري في مركز شرطة روسيس بقطالونيا, ولكن ما يدعو للعجب أن المحكمة برأت 14 من ضباط شرطة قطالونيا لأنها لم تستطع تحديد هوية الضباط الضالعين في الأمر، كما قررت أن التعذيب الذي وقع عليه كان على الأرجح تعذيبًا 'خفيف الشدة'، اتخذ شكل الدفع والهز بعنف بعد ساعات من إصابة إدريس بكسور في الضلوع، وأفادت الأنباء بأن وزير الداخلية في قطالونيا أبدى دهشته من الحكم، وطلب من المحكمة العليا إعادة النظر فيه.


وقدم 'مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالتعذيب' تقريرًا عن زيارة قام بها لأسبانيا في عام 2003م لدراسة ضمانات حماية المعتقلين في سياق إجراءات 'مكافحة الإرهاب', ومن التفاصيل الواقعية الدقيقة التي حصل عليها بخصوص عدد من الادعاءات أوصى بأنه يجب على الحكومة وضع خطة شاملة لمنع التعذيب والتصدي له، ووضع حد لممارسة الاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي, وظلت الحكومة السابقة التي أنكرت بقوة ما خلُص إليه التقرير ترفض وضع ضمانات للمحتجزين بمعزل عن العالم الخارجي حتى وقت قريب.


وبما أننا بصدد الحديث عن السجناء المسلمين فقد بدأت السلطات الأسبانية منذ أوائل عام 2005م بتطبيق قانون جديد أعدته وزارتا الداخلية والعدل، يقضي بمنح الأقليات داخل السجون نفس الحقوق التي يتمتع بها الكاثوليك الذين يمثلون الغالبية العظمى من السكان وتصل نسبتهم إلى حوالي 94%, ومن هذه الحقوق المساواة في المعاملة, والسماح لهم بإنشاء زوايا ودور عبادة للمسلمين داخل السجون، كما يسمح للكاثوليك بأن تقيم لهم الكنيسة قداس صلاة كل يوم أحد، إضافة إلى أيام الأعياد.


إلا أن وسائل الإعلام الأسبانية نشرت في حينها أن القانون يشترط لإنشاء مراكز العبادة داخل السجون أن يطلب 10 سجناء على الأقل ذلك, كما أعلنت عزم السلطات فرض رقابة مشددة على هذه الزوايا والقائمين عليها من الأئمة والوعاظ، بدعوى منع انتشار أي أفكار متطرفة فيها.


وبالفعل فإن الهيئة القضائية الأسبانية التي أبدت تخوفها من سيطرة من وصفتهم بالمتطرفين على تلك الزوايا ومراكز العبادة، دعت في مذكرة أرسلتها لإدارة السجون إلى 'الحذر الشديد' في اختيار الأشخاص الذين سيصبحون مسؤولين عن إمامة الصلاة وتقديم الدروس والنصائح الدينية والأخلاقية للسجناء، متعللة بمنع انتشار أي أفكار متطرفة, كما قامت السلطات الأسبانية بتحديد مهام وأنشطة مراكز العبادة داخل السجون بالتفصيل، وقالت إنها: 'تتمثل في إقامة الشعائر الدينية والتثقيف والتوعية والتكوين والاستشارة الدينية والأخلاقية'، إضافة إلى مهام أخرى في حالة حدوث وفيات بين السجناء أو طوارئ أخرى، وشددت على أن الأئمة الذين سيقيمون الشعائر في هذه الزوايا سيخضعون 'لرقابة مشددة'.


ولكن رغم كل التشديدات السابقة فإنه يحسب لهذا القانون -الذي جاء ثمرة تعاون بين جمعيات وهيئات إسلامية والحكومة الأسبانية- أنه سمح للمسلمين في السجون الأسبانية بأداء شعائرهم الدينية في ظروف أفضل، إضافة إلى سجناء من أصحاب معتقدات أخرى، مثل البوذيين واليهود على الرغم من قلتهم في السجون الأسبانية,كما قامت إدارات عدد من السجون الأسبانية التي تضم عدد كبير من المعتقلين المسلمين بتعديل أوقات تقديم الأكل وتخصيص أماكن استثنائية للصلاة وقراءة القرآن خلال شهر رمضان، وكان هذا لأول مرة عام 1425هـ,حيث أن أوائل هذا العام شهدت مشاحنات و اشتباكات وقعت بين السجناء المسلمين وبين عدد من السجناء الآخرين، بسبب عدم وجود أماكن خاصة للصلاة، وخاصة خلال شهر رمضان بسبب عدم احترام بعض السجناء لفترة الصيام.


وقد أبدت الهيئة الإسلامية المتحدث الرسمي باسم المسلمين أمام الحكومة الأسبانية ترحيبًا مشوبًا ببعض التحفظات على الجزء المنوط بفرض رقابة مشددة على الأئمة الذين سيتولون مهمة الإرشاد داخل السجون, ورغم ذلك اعتبرت هذا القانون إيجابيًا وضروريًا، ويحفظ للأقلية المسلمة في أسبانيا حقوقها, كما اعتبرته إحدى خطوات الاتفاق الذي أبرمته الهيئة مع الحكومة الأسبانية عام 1992م، والذي يقضي بمنح حقوق للمسلمين داخل السجون.

______________________________________________
______________________________________
الولايات المتحدة الأمريكية

في سياق حديثنا عن المسلمين خلف الأسوار, نقوم اليوم بتسليط الضوء على المسلمين القابعين خلف القضبان في السجون الأمريكية, ولمعرفة حجم مشكلة السجون في الولايات المتحدة يجدر بنا أن نشير إلى أن الولايات المتحدة تشكل 5% فقط من سكان العالم، لكن لديها 25% من سجناء العالم.





وتأوي السجون الأمريكية خلف أسوارها ما يقرب من 2.3 مليون شخص حاليًا، وهي النسبة الأعلى لعدد المساجين مقارنة بعدد السكان في كل دول العالم، ويمثل هذا الرقم مؤشرًا خطيرًا لكونه يعكس حقيقة أن هذه النسبة العالية من السجناء تزايدت على مدى العقود الثلاثة الماضية فقط، ففي عام 1972 كانت النسبة 160 سجينًا فقط مقابل كل 100 ألف مواطن، إلا أن هذه النسبة تبلغ الآن ما يقرب من 790 لكل 100 ألف نسمة.


ويعتقد أن ذلك النمو الكبير في عدد المسجونين بالولايات المتحدة يرجع إلي تبني كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي سياسات متشددة جدًا مع مقترفي الجرائم، دون النظر إلى حجم تلك الجرائم, وقد أدت هذه السياسات إلى زيادة نسبة المسجونين منذ السبعينات بنسبة 400%.





وما يدعو للتعجب أن يصبح الإسلام جزءًا هامًا من ثقافة السجون الأمريكية في العقود الثلاثة الأخيرة، وتبلغ نسبة المساجين المسلمين في السجون الفيدرالية نسبة 6% من إجمالي 150 ألف سجين، هذا على الرغم من أن عدد المسلمين في الولايات المتحدة لا يتجاوز 2.5% من إجمالي عدد السكان.


وتزيد نسبة المسلمين في بعض الولايات، ففي ولايتي نيويورك وبنسلفانيا تبلغ نسبة المسلمين 18% في السجون الفيدرالية, وفي سجن جزيرة ريكرس بولاية نيويورك المخصص لأخطر المجرمين تبلغ نسبة المساجين المسلمين 25% من إجمالي المساجين, أما في سجون الولايات المختلفة فلا توجد بيانات عن أعداد المساجين المسلمين فيها.


ورغم وجود خلاف كبير حول إجمالي عدد المسلمين في السجون الأمريكية، فإنه يوجد اتفاق عام على أن نسبة المسجونين من المسلمين إذا ما قورنت بعددهم الكلي فإنها تفوق بصورة كبيرة نسبة المسجونين من أي ديانة أخرى إلى عدد معتنقي هذه الديانة.


ولم تثبت أية بيانات دقيقة لدى منظمات المسلمين الأمريكيين عن المسلمين في السجون الأمريكية، وتحاول بعض هذه المنظمات رصد ما قد يتعرض له المسلمون من حالات تفرقة أو سوء معاملة بسبب الدين, وقد سجل مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية منظمة 'كير' في أحد تقاريره السنوية ما يقرب من 1522 حالة انتهاك لحقوق المسلمين في السجون الأمريكية.


وتتهم إدارة السجون الأمريكية على المستوي الفيدرالي ومستوى الولايات بأن الأساليب السيئة التي تنتهجها تلك الإدارة تؤدي إلى نمو ظاهرة العنف والوحشية والتطرف لدى المسجونين، وغالبًا ما تنتج عصابات عنيفة تقوم على أسس عنصرية ومتطرفة.


والسجناء الضعفاء يتعرضون لسوء المعاملة والاعتداءات الجنسية، لذا يتجمع المسجونين مع بعضهم البعض تحت ستار ديني أو لغوي أو اجتماعي أو إقليمي داخل السجون، من أجل الحصول على مميزات عضوية إحدى الجماعات، وما يوفره هذا من أمان وحماية وشعور بالانتماء.


ولأن الإسلام ليس له سلطة أو مؤسسة مركزية تدير شؤونه لا في الولايات المتحدة، ولا في سجونها؛ يتم الاستعانة بمسلمين من كل ولاية لتقديم خدمات دينية، مثل الوعظ والإصلاح وإمامة الصلاة في بعض الأحيان, دون أدنى اهتمام من إدارات السجون بمؤهلات هؤلاء الوعاظ وصلاحيتهم للقيام بهذا الدور.


وذكر مدير المباحث الفيدرالية للجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ أن :'السجون تستمر في كونها حقولًا خصبة لخلق وتجنيد إرهابيين خلال فترات الاعتقال، أو باستغلال الظروف السيئة الاجتماعية والاقتصادية التي يعانون منها بعد قضاء فترات العقوبة وخروجهم من السجون'، هذا وينتاب الجهات الأمنية الأمريكية حالة تخوف شديدة من تجنيد مسلحين ممن اعتنقوا الإسلام داخل السجون الأمريكية.


لذلك فإن المباحث تجعل من أئمة مساجد السجون الأمريكية عيونًا لها, بل وتطلب منهم تقارير عمن يشتبه في انتهاجهم لسلوكيات متطرفة على حد زعمهم.





ولأننا دائمًا لا نحب أن نظهر الجانب المظلم فقط من أي قضية نتناولها فلابد أن نبين الجانب المشرق أيضًا تيمنًا بما دعانا إليه ديننا الحنيف من تبني التفاؤل في شتى مناحي حياتنا, لذلك تحتم علينا أن نشير إلى أن رغم سوء المعاملة التي يتعرض لها المسجونين في أمريكا بصفة عامة، والمسلمين بصفة خاصة؛ إلا أن الإسلام ينتشر بصورة كبيرة بين من يقضون فترات في السجون الأمريكية، بنسبة تصل إلى أكثر من مثيلاتها خارج هذه السجون, وكان لما توفره تعاليم الإسلام العظيم من السماحة والخلق الرفيع بصفة عامة، والمساواة بين البشر بصفة خاصة دور كبير في جذب الأمريكيين الأفارقة بصورة أكبر من غيرهم لاتخاذ الإسلام دينًا لهم.





ويري العديد من الأمريكيين الأفارقة أن المسيحية استغلت من قبل الجنس الأبيض ضد السود بصورة لا تغيب عنها التفرقة الواضحة في الولايات المتحدة, وقد ازداد اعتناق الأفارقة السود للإسلام في السبعينات، وذلك على الرغم من تبنيهم مواقف متطرفة ضد الحكومة الأمريكية, ومع مرور الوقت طورت صورة مختلفة عن الإسلام التقليدي.


بل وأصبح الإسلام خلال العقود الثلاثة أحد الألوية الهامة التي يتجمع تحتها أعداد كبيرة من المسجونين, لذلك تمثل هذه القضية عقبة كئود فيما يتعلق بانتشار الإسلام في الولايات المتحدة، واندماج الجالية الإسلامية مع بقية فئات المجتمع الأمريكي.





لذلك تقوم منظمات صغيرة مثل 'التجمع الإسلامي في أمريكا الشمالية' بإمداد مكتبات السجون بالكتب والمصاحف سعيًا للتعريف بالإسلام، ويدعم هذا التجمع الجهود الفردية لنشر الإسلام بين المساجين؛ لأنهم أكثر فئات المجتمع إقبالًا على الإسلام، وتحتوي معظم مكتبات السجون على نسخ من ترجمة معاني القرآن الكريم وتفسيرها باللغة الإنجليزية، وعدد من الكتب وأشرطة تعليمية تتناول المبادئ العامة والمفصلة التي يحتاجها المسلم الجديد في أمور العقيدة والعبادة والأخلاق والمعاملات، بلغة وأسلوب ميسر، بالإضافة إلى أشرطة فيديو لتعليم الوضوء والصلاة وسائر تعاليم الإسلام، ونأمل أن تساهم المؤسسات والمنظمات والهيئات الإسلامية الدولية في دعم المنظمات الإسلامية المحلية في الاهتمام بشأن ذلك الجزء الجريح من جسد الأمة الإسلامية، والذي يحتاج لتضافر كل الجهود المخلصة للتخفيف من معاناته ورفع الظلم الصليبي عنه.