سيتم في السادس والعشرين من شهر تشرين الأول/أكتوبر الجاري وفي ضاحية ماركسلوه في مدينة دويسبورغ الألمانية افتتاح أكبر مسجد في ألمانيا، وذلك بعد مضي أكثر من ثلاثة أعوام على بدء أعمال بنائه، الذي يبلغ ارتفاع قبته ثلاثة وعشرين مترًا ومئذنته أربعة وثلاثين مترًا، ما يشكِّل بناءً فخمًا في ضاحية متعدِّدة الثقافات.


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

تعد ضاحية ماركسلوه في مدينة دويسبورغ الألمانية ضاحية متعدِّدة الثقافات، وقد هرب منها في أثناء الحرب العالمية الثانية الكثير من المواطنين الألمان - كما أنَّ مبانيها استخدمت في الفترة اللاحقة للحرب ككواليس لتصوير فيلم عن ألمانيا بعد الحرب.

مبانٍ مبنية بالآجر (الطابوق الناري) ذات لون أحمر قاني تصطف واجهاتها بمحاذاة بعضها بعضًا وتغطيها طبقة من غبار الفحم القاتم الذي يضفي على المشهد صبغة سوداوية. وتعتبر ضاحية ماركسلوه في يومنا هذا منطقة شعبية. وفي هذه الضاحية يلاحظ المرء الكثير من النساء المحجّبات. وكذلك تنتشر في شوارعها الحوانيت والمتاجر التركية.

ولكن كثيرًا ما يظهر في هذه الضاحية - بسبب بناء المسجد وافتتاحه المنتظر قريبًا، أيضًا أشخاص ألمان يدفعهم فضولهم إلى هنا. وبعضهم يجدون هذا المبنى الفخم مدهشًا من الناحيتين المعمارية والجمالية، كما أنَّهم يذهبون بجولة إلى المسجد لمشاهدته عن كثب. أما الآخرون فيرغبون في الدخول في حوارات مع المسلمين وذلك من أجل التعرّف قليلاً على الدين الإسلامي.

تنامي الاهتمام في بناء المسجد

لقد تنامى اهتمام المسلمين في بناء هذا المسجد منذ فترة. وكذلك سوف يأتي قريبًا المزيد من المسلمين من أجل أداء الصلاة في المسجد الكبير. وهذا يسعد مجموعة المتقاعدين الأتراك الذين يعيشون في ألمانيا منذ عدّة عقود ويتناقشون أمام المسجد بعيون بارقة. يقول عثمان كاليك: "أبوابنا هنا مفتوحة للجميع"، ويتابع قائلاً: "هذا المسجد مركز للحوار، والكلّ يستطيع الحضور والمشاركة، إذ لا توجد هنا قوميات".

وعثمان كاليك يأتي كلّ يوم إلى موقع بناء المسجد. فقد كان يرغب بأن يكون مهندسًا، بيد أنَّه استقرّ قبل أربعين عامًا في آخر المطاف في العمل في مجال التعدين والمناجم. والآن يوجد لدى هذا الرجل المتقاعد أربعة أبناء وحفيدان ولدوا جميعهم هنا في دويسبورغ، كما أنَّهم مسلمون ملتزمون.

وما تزال أعمال التجهيزات النهائية من صبغ وتأثيث جارية في المسجد، إذ إنَّ هذا المسجد سوف يصبح في الوقت الحاضر أكبر مسجد في ألمانيا. ومن المفترض أن يقدِّم هذا المسجد بعد نهاية شهر تشرين الأول/أكتوبر جزءا من الوطن للمواطنين والمقيمين المسلمين في مدينة دويسبورغ.

ويترك المسجد المبني بحجارة فاتحة اللون أثرًا لطيفًا. وسترتفع مداخن مصنع الحديد المحاذي للمسجد أعلى مئذنته البالغ ارتفاعها أربعة وثلاثين مترًا. وبهذا من المفترض أن لا يتم اعتبار المئذنة كرمز للسلطة.

مئذنة وقبة بهلالين ذهبيي اللون

وكذلك لن يتم رفع الأذان للصلاة بمكبرات الصوت - مثلما جرت العادة في الإسلام. وتعتبر قمة المئذنة والقبة اللتين يعلوهما هلالان ذهبيا اللون الجزء الوحيد اللامع خارج المسجد الذي يتَّسع لألف ومائتي شخص. وكذلك تلفت النظر النوافذ الكبيرة التي تصل حتى أرض المسجد.
زولفية كايكي مديرة مركز اللقاء في ضاحية ماركسلوه وعضو الجمعية التركية الإسلامية؛ تم منحها وسام الشرف والاستحقاق في ألمانيا عن جهودها من أجل الحوار بين الثقافات، تقول فيما يتعلَّق بطراز بناء المسجد: "بطبيعة الحال تناقشنا كثيرًا وبشكل واسع جدًا حول بناء المبنى الخرساني بشكل أكثر بساطة وشفافية وانفتاحًا. والشفافية تضمن إمكانية رؤية ما في داخل المسجد وبذلك أيضًا إزالة الفزع والمخاوف من الإسلام. وبالتالي فإنَّ ذلك يشكِّل أيضًا بناءً رمزيًا، بحيث يمكن للناظر من خلال النوافذ النظر إلى داخل المسجد".

ويجب أن يعرف المواطنون ما يحدث في بيت العبادة الإسلامي هذا، حسب قول زولفية كايكي: "في آخر الأمر نقول إنَّه لا يوجد لدى المسلمين شيء يخفونه، كما أنَّ المرء يستطيع نقل هذا الأمر إلى الخارج". ويعتبر المسجد في الداخل أكثر فخامة عما يبدو عليه من الخارج - حيث تغطيه من الداخل رسومات وزخارف ذهبية وحمراء وزرقاء اللون وفيه أضواء كبيرة ومطلية باللون الذهبي ولوحات فسيفسائية جدارية.

تعزيز الحوار بين الثقافات

وكذلك تأمل زولفية كايكي في أن يجد غير المسلمين طريقهم إلى داخل المسجد. فمن المفترض أن يصبح هذا المسجد مكانًا عامًا، مركزًا للقاء متعدِّد الثقافات والأديان فيه مكتبة وصالات للحلقات الدراسية والمحاضرات ومقهى.

ولم يأتِ المسلمون بفكرة بناء المسجد على هذا النحو، بل أتت الفكرة من أعضاء الإدارة البلدية؛ إذ قدّمت مقاطعة شمال الراين - فيستفاليا الألمانية والاتحاد الأوروبي مبلغ ثلاثة ملايين ومائتي ألف يورو من أجل بناء المسجد، أي ثلث تكاليف البناء. وكذلك شاركت "مجموعات من غير المسلمين" مشاركة فعّالة منذ عقد من الزمن في تخطيط البناء وتنفيذه.

ولكن على الرغم من ذلك توجد لدى بعض المواطنين الألمان مخاوف من أنَّ هذا المشروع سوف ينمِّي المجتمع الموازي والانعزال بدلاً من الاندماج، إذ إنَّ الصلاة والخطب لن تؤدّى باللغة الألمانية بل بالتركية. كما أنَّ الأئمة في هذا المسجد قادمون من تركيا.

ومصطفى كوجوك يدعو إلى التفاهم: "نحن نعلم أنَّه من الممكن فقط منذ بضعة أعوام دراسة الفقه الإسلامي في مدينتي مونستر وفرانكفورت. وكذلك توجد لدينا هنا فقيهة تعمل في مركز اللقاء وقد درست اللاهوت الإنجيلي". وكذلك يتابع مصطفى كوجك قائلاً: "إنَّ الكوادر الفقهية ما تزال غير متوفّرة، ولكن يمكننا الابتهاج بأنَّه كانت لدينا في السابق إمكانية اختيار أئمة من بين هؤلاء الأئمة. وأنا شخصيًا أقصد أنَّه بإمكاننا الابتهاج بأنَّ الحال كانت على ذلك النحو، لاسيما وأنَّه كان من الممكن أن يكون لدينا الكثير من الأصوليين والمتطرِّفين في هذا الوسط؛ كما أنَّ الكثيرين لا يعلمون شيئًا قطّ عن ذلك، الأمر الذي يجب على المرء أن لا ينظر إليه بمنظور سلبي على الإطلاق".