hayemfr
عدد المساهمات : 23234 نقاط : 69351 السٌّمعَة : 7 تاريخ التسجيل : 28/09/2012 العمر : 41
| موضوع: بحث حول حكم القوانين الوضعية الأربعاء ديسمبر 05, 2012 1:18 am | |
| بحث حول حكم القوانين الوضعية للامام ابو حفص الجزائرى رحمه الله
قلت انا: نظرا لما يدندن به المروجون لفقه المقاصد هته الايام من استحالة تطبيق الشريعة في وقتنا الحاضر كما جاءت نقية صافية من الشوائب والاخذ بالتدرج فى ذلك حتى يقوم الدين ويظهر متناسين ان التدرج فى التشريع فعل الرب وليس فعل العبد اردت ان اجعل هذا البحث القيم بين ايديكم حتى تتضح الامور اكثر لمتصفحى سبيلنا الرائد فى مجال الدعوة ومرحبا بكل الملاحظات والتعقيبات فما يكتب هو من فعل عبد مجتهد لا اكثر وليس وحيا مقدسا ... يقول الامام ابو حفص : سأتطرّق إلى مسألة محدّدة وهي " الحكم بالقوانين الوضعية كما نراها في واقعنا المعاصر " .
ولا أتكلّم عن مطلق الحكم بغير ما أنزل الله ، و لعلّ الباحث يعرف الفرق بين المسألتين ، و ألخّصها بالقول - أنّ الحكم بغير ما أنزل الله لها صور : - منها ما هو كفر مخرج من الملّة - و منها ما هو كفر غير مخرج من الملّة أمّا مسألة القوانين الوضعية المعاصرة هي نوع من أنواع الحكم بغير ما أنزل الله فليكن هذا على بال حتّى لا ندخل في مهاترات لا قيمة لها .
هذه القوانين الوضعية المعاصرة لم تعرفها الأمّة إلاّ في مرحلتين وهما :
الأولى : يوم غلب التتار على بعض بلاد المسلمين وحكّموا فيها ما يسمّى بالياسق وهو قانون ملفق من مجموع الديانات منها الإسلام .
و سنعرف أقوال الأئمة الذين عاشوا هذه النازلة كشيخ الإسلام ابن تيمية و المحدث الحافظ إبن كثير .
و الثانية: هي ما حصل بعد سقوط الخلافة العثمانية من تشتت بلاد المسلمين و خضوعها للقوانين الوضعية الإستخرابية و جعلها مصدرا للتحاكم و التقاضي .
إذا عرفنا هذه الحقيقة الواقعية للقوانين الوضعية ، نبدأ بالبحث عن حكم الشرع فيها على وفق المنهجية المتفق عليها سابقا ، والله وليّ التوفيق .
أوّلا : أقوال العلماء في هذه القوانين الوضعية المعاصرة :
قبل سرد بعض أقوال أهل العلم في شأن هذه القوانين الوضعية ، لابدّ أن نعرف المقصود من هذه القوانين الوضعية ، و بإختصار أقول :
المقصود من القوانين الوضعية هي تلكم القوانين المناقضة لشريعة الله تعالى ، ولا نقصد القوانين الإدارية والّتي تنظّم المجتمع أو المؤسسات بما لا يخالف شرع الله جلّ و علا .
الّذين عاصروا هذه القوانين قسمان :
- قسم عاصر الياسق - وقسم عاصر القوانين المعاصرة .
أ- الّذين عاصروا الياسق : الياسق هو عبارة عن دستور كان يتحاكم إليه التتار ، ففرضوه على الأمّة الإسلامية في فترة ضعفها والّتي لم تدم طويلا ، حيث وجد التتار مقاومة من المسلمين ، فدحروهم ، بل ما لبث حتّى دخل التتار الإسلام ورضخوا إلى شريعة الإسلام ، و لله الحمد .
و هذه كلمات بعض من عاصر الياسق :
1- شيخ الإسلام إبن تيمية : قال في قوله تعالى : " أو تقولوا لو أنّا أنزل علينا الكتاب لكنّا أهدى منهم فقد جاءكم بيّنة من ربّكم و هدى و رحمة فمن أظلم ممّن كذب بآيات الله و صدف عنها سنجزي الذين يصدفون عن ءاياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون " الأنعام [157]
: ذكر سبحانه أنّه يجزي الصادف عن ءاياته مطلقا سوء العذاب سواء كان مكذبا أو لم يكن ، بما كانوا يصدفون ، يبيّن ذلك أنّ كلّ من لم يقر بما جاء به الرسول فهو كافر - سواء اعتقد كذبه - أو استكبر عن الإيمان به - أو أعرض عنه إتباعا لما يهواه - أو ارتاب فيما جاء به فكلّ مكذب بما جاء به فهو كافر .إنتهى
وقال : ومعلوم بالاضطرار من دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين أنّ من سوغ اتباع غير دين الإسلام أو اتباع شريعة غير شريعة محمد عليه الصلاة والسلام فهو كافر وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض كما قال تعالى : " إنّ الّذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقاً وأعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً "...إنتهى
وقال رحمه الله تعالى : و الإنسان متى حلّل الحرام المجمع عليه ، و حرّم الحلال المجمع عليه ، أو بدّل الشرع المجمع عليه ، كان كافرا مرتدّا بإتفاق الفقهاء . إنتهى
وقال : فمن أجاز إتباع شريعة غير شريعة الإسلام وجب خلعه وألغيت بيعته و حرمت طاعته ، لأنّه في مثل هذه الحالة يستحق وصف الكفر.إنتهى
2- الإمام إين القيّم رحمه الله تعالى ، قال في تفسيره لقول الله تعالى : " فلا و ربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم " : فجعل الإعراض عمّا جاء به الرسول صلّى الله عليه وسلّم ، والإلتفات إلى غيره هو حقيقة النفاق ، كما أنّ حقيقة الإيمان هو تحكيمه وارتفاع الحرج عن الصدور بحكمه والتسليم لما حكم رضًى واختيارا ومحبة فهذا حقيقة الإيمان وذلك الإعراض حقيقة النفاق . إهـ
3- الإمام إبن كثير رحمه الله تعالى ، قال : فمن ترك الشرع المنزّل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء و تحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر ، فكيف بمن تحاكم إلى الياسق و قدّمها عليه ، من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين . إنتهى
و تأمل إلى قوله : بإجماع المسلمين .
وقال رحمه الله تعالى في تفسير قول الله تعالى : " أفحكم الجاهلية يبغون و من أحسن من الله حكما لقوم يوقنون " المائدة .
: ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كلّ خير ، النّاهي عن كلّ شرّ ، عدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء و الاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله ، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات و الجهلات ممّا يضعونها بآرائهم و أهوائهم ، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكزخان الّذي وضع لهم الياسق ، وهو عبارة عن كتاب مجموع من الأحكام قد اقتبسها من شرائع شتّى : من اليهودية و النصرانية ، و الملّة الإسلامية و غيرها ، و فيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره و هواه ، فصارت في بنيه شرعا متبعا يقدّمونه على الحكم بكتاب الله و سنة رسول الله ، فمن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله و رسوله فلا يحكّم سواه في قليل و لا كثير .إنتهى.
و هذا يلتقي مع ما قاله الإمام إسحاق بن راهويه : وقد أجمع العلماء على أنّ من دفع شيئا أنزله الله و هو مع ذلك مقر بما أنزل الله أنّه كافر .إنتهى
ب- أقوال العلماء الّذين عاصروا القوانين الوضعية العصرية :
أمّا علماء هذا العصر الّذين عاصروا و يعاصرون هذه القوانين الوضعية المناقضة لشريعة ربّ البريّة .
1- الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى ، بعد أن ذكر بعض الأوصاف القبيحة الّتي يتحلّ بها بلد سمّاه ، قال : منها أنّهم يحكمون و يتحاكمون إلى من يعرف الأحكام الطاغوتية منهم في جميع الأمور الّتي تنوبهم و تعرض لهم من غير إنكار و لا حياء من الله و لا من عباده ولا يخافون من أحد ، وهذا الأمر معلوم لكلّ احد من النّاس، لا يقدر أحد على إنكاره ودفعه ، و هو أشهر من نار على علم ؛ و لا شكّ و لا ريب أنّ هذا كفر بالله سبحانه و تعالى وبشريعته الّتي امر بها على لسان رسوله و إختارها لعباده في كتابه و على لسان رسوله ، بل كفروا بجميع الشرائع من لدن آدم عليه السّلام إلى الآن ، و هؤلاء جهادهم واجب و قتالهم متعيّن حتّى يقبلوا أحكام الإسلام و يذعنوا لها و يحكموا بينهم بالشريعة المطهّرة و يخرجوا من جميع ما هم فيه من الطواغيت الشيطانية . إنتهى
2- الشيخ صالح بن إبراهيم البليهي في حاشيته على زاد المستقنع المسماة بالسلسبيل في معرفة الدليل : ...فالحكم بالقوانين الوضعية المخالفة للشريعة الإسلامية إلحاد وكفر وفساد وظلم للعباد، فلا يسود الأمن ولا تحفظ الحقوق الشرعية إلاّ بالعمل بشريعة الإسلام كلّها عقيدةً وعبادةً وأحكاماً وأخلاقاً وسلوكاً ونظاماً، فالحكم بغير ما أنزل الله هو حكم بعمل مخلوق لمخلوق مثله، هو حكم بأحكام طاغوتية... ولا فرق بين الأحوال الشخصية والعامّة والخاصة فمن فرق بينها في الحكم فهو ملحد زنديق كافر بالله العظيم.إنتهى
3- العلاّمة حامد الفقي رحمه الله تعالى ، قال معلّقا على كلام ابن كثير الّذي نقلته آنفا :
ومثل هذا وشرّ منه من اتّخذ من كلام الفرنجة قوانين يتحاكم إليها في الدماء و الفروج و الأموال و يقدّمها على ما علم و تبيّن له من كتاب الله و سنة رسوله فهو بلا شك كافر مرتد إذا أصر عليها و لم يرجع إلى الحكم بما أنزل الله و لا ينفعه أيّ اسم تسمّى به و لا أيّ عمل من ظواهر أعمال كالصلاة و الصيام و نحوها .إنتهى
4- المحدث العلاّمة أحمد شاكر رحمه الله تعالى ، قال : أفيجوز مع هذا في شرع الله أن يحكم المسلمون في بلادهم بتشريع مقتبس عن تشريعات أوربا الوثنية الملحدة ؟ بل بتشريع تدخله الأهواء و الآراء الباطلة يغيّرونه و يبدّلونه كما يشاءون ، و لا يبالي واضعه أوافق شرعة الإسلام أم خالفها ؟.
إنّ المسلمين لم يبلوا بهذا قط فيما نعلم من تاريخهم إلاّ في ذلك العهد عهد التتار ، و كان من أسوأ عهود الظلم و الظلام ، و مع هذا فإنّهم لم يخضعوا له ، بل غلب الإسلام التتار ، ثمّ مزجهم فأدخلهم في شرعته ، و زال أثر ما صنعوا بثبات المسلمين على دينهم و شريعتهم ، و أنّ هذا الحكم السيء الجائر كان مصدره الفريق الحاكم إذ ذاك ، لم يندمج فيه أحد من أفراد الأمّة الإسلامية المحكومة ، و لم يتعلّموه ، و لم يعلموه أبناءهم ، فما أسرع ما زال أثره .
أفرأيتم هذا الوصف القويّ من الحافظ ابن كثير ـ في القرن الثامن ـ لذاك القانون الوضعي الذي صنعه عدوّ الإسلام جنكزخان ؟، ألستم ترونه يصف حال المسلمين في هذا العصر في القرن الرّابع عشر إلاّ في فرق واحد أشرنا إليه آنفا ، أنّ ذلك كان في طبقة خاصّة من الحكام أتى عليها الزمان سريعا فاندمجت في الأمّة الإسلامية ، و زال أثر ما صنعت ثمّ كان المسلمون الآن أسوأ حالا و أشدّ ظلما و ظلاما منهم ، لأنّ أكثر الأمم الإسلامية الآن تكاد تندمج في هذه القوانين المخالفة للشريعة و التّي هي أشبه شيء بذلك الياسق الّذي إصطنعه رجل كافر ظاهر الكفر.
هذه القوانين الّتي يصطنعها ناس ينتسبون للإسلام ثمّ يتعلّمها أبناء المسلمين ، و يفخرون بذلك آباء و أبناء ، ثمّ يجعلون مردّ أمرهم إلى معتنقي هذا الياسق العصري ، و يحقرون من يخالفهم في ذلك ، و يسمّون من يدعوهم إلى الإستمساك بدينهم و شريعتهم رجعيّا و جامدا ، إلى أمثال ذلك من الألفاظ البذيئة .
بل إنّهم أدخلوا أيديهم فيما بقي في الحكم من التشريع الإسلامي ، يريدون تحويله إلى ياسقهم الجديد بالهوينى واللين تارة ، وبالمكر والخديعة تارة ، وبما ملكت أيديهم من السلطات تارات ، ويصرّحون ولا يستحيون بأنّهم يعملون على فصل الدولة عن الدّين .
أفيجوز إذن مع هذا لأحد من المسلمين أن يعتنق هذا الدّين الجديد أعني التشريع الجديد ؟ أو يجوز لأب أن يرسل أبناءه لتعلم هذا ، وإعتناقه وإعتقاده والعمل به ، عالما كان الأب أو جاهلا ؟.
أو يجوز لرجل مسلم أن يلي القضاء في ظلّ هذا الياسق العصري ، و ان يعمل به و يعرض عن شريعته البيّنة ؟ ما أظنّ أنّ رجلا مسلما يعرف دينه و يؤمن به جملة وتفصيلا ، ويؤمن بأنّ القرآن أنزله الله على رسوله كتابا محكما ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وبأنّ طاعته و طاعة الرسول الّذي جاء به واجبة قطعية الوجوب في كلّ حال ، ما أظنّه يستطيع إلاّ أن يُجرّم غير متردّد و لا متأوّل ، بأنّ ولاية القضاء في هذه الحال باطلة بطلانا أصليّا لا يلحقه التصحيح و لا الإجازة ، إنّ الأمر في هذه القوانين الوضعية واضح وضوح الشمس هي كفر بواح لا خفاء فيه ، و لا مداورة و لا عذر لأحد ممن ينتسب للإسلام كائنا من كان في العمل بها أو الخضوع لها ، أو إقرارها ، فليحذر امرؤ نفسه ، و كلّ امرئ حسيب نفسه .
ألا فليصدع العلماء بالحقّ غير هيّابين ، و ليبلّغوا ما أمروا بتبليغه غير موانين و لا مقصّرين، سيقول عنّي عبيد هذا الياسق العصري و ناصروه أنّي جامد ، و أنّي رجعي و ما إلى ذلك من الأقاويل ألا فليقولوا ما شاءوا ، فما عبأتُ يوما ما بما يُقال عنّي ، و لكنّي قلتُ ما يجب ان أقول . إنتهى .
5- العلاّمة عبد الرحمن آل الشيخ رحمه الله تعالى ، قال : وكذلك من دعا إلى تحكيم غير الله و رسوله صلى الله عليه وسلم فقد ترك ما جاء به الرّسول صلى الله عليه وسلم و رغب عنه ، وجعل لله شريكا في الطاعة وخالف ما جاء به رسول الله فيما أمره الله تعالى به في قوله : " و أن أحكم بينهم بما أنزل الله و لا تتبع أهواءهم و احذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك " و قوله تعالى : " فلا و ربّك لا يؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدون في أنفسهم حرجا ممّا قضيت و يسلّموا تسليما " فمن خالف ما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم بأن حكم بين النّاس بغير ما أنزل الله ، أو طلب ذلك إتباعا لما يهواه ويريده فقد خلع ربقة الإسلام والإيمان من عنقه ، وإن زعم أنّه مؤمن ، فإنّ الله تعالى أنكر على من أراد ذلك ، وأكذبهم في زعمهم الإيمان لما ضمن قوله : " يزعمون" من نفي إيمانهم، فإنّ " يزعمون " إنّما تقال غالبا لمن ادّعى دعوى هو فيها كاذب لمخالفته لموجبها ، و عمله بما ينافيها ، ويحقق هذا قوله" وقد أمروا أن يكفروا به " لأنّ الكفر بالطاغوت ركن التوحيد ، كما في آية البقرة ، فإذا لم يحصل هذا الركن لم يكن موحدا ، و التوحيد هو أساس الإيمان الذي تصلح به جميع الأعمال و تفسد بعدمه ، كما أنّ ذلك بيّن في قوله تعالى : " فمن يكفر بالطاغوت و يؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى " و ذلك أن التحاكم إلى الطاغوت إيمان به ـ إنتهى ـ
6- العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله تعالى ، قال في تحكيم القوانين : الخامس- أي من أنواع القوانين الكافرة - وهو أعظمها وأشملها وأظهرها معاندة للشرع ومكابرة لأحكامه ، ومشاقة لله ورسوله ، ومضاهاة بالمحاكم الشرعية إعدادا وإمدادا وارصادا وتأصيلا وتفريعا وتشكيلا وتنويعا ، وحكما و إلزاما و مراجع و مستندات ، فكما أنّ للمحاكم الشرعية مراجع و مستمدات ، مرجعها كلّها إلى كتاب الله و سنّة رسوله ، فلهذه المحاكم مراجع هي القانون الملفّق من شرائع شتّى ، و قوانين كثيرة ، كالقانون الفرنسي ، و القانون الأمريكي و القانون البريطاني ، و غيرها من القوانين و من مذاهب بعض البدعيين المنتسبين إلى الشريعة و غير ذلك .إنتهى .
7- عبد الرحمن ناصر السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره لقوله تعالى : " فلا و ربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم " : الرّد إلى الكتاب و السنّة شرط في الإيمان .... فدّل ذلك على أنّ من لم يرد إليهما مسائل النزاع فليس بمؤمن حقيقة بل مؤمن بالطاغوت كما جاء في الآية ، فإنّ الإيمان يقتضي الانقياد لشرع الله و تحكيمه في كلّ أمر من الأمور فمن زعم أنّه مؤمن و اختار حكم الطاغوت على حكم الله فهو كاذب في ذلك ـ إهـ ـ
8- العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى ، قال في تفسير قوله تعالى: " و لا يشرك في حكمه أحدا " الكهف [26] ،: ما تضمّنته هذه الآية الكريمة من كون الحكم لله وحده لا شريك له فيه على كلتا القراءتين ـ و قال قبل ذلك – [ و حكمه جلا وعلا في الآية شامل لكلّ ما يقتضيه جل و علا ، و يدخل في ذلك التشريع دخولا أوّليا ] جاء مبينا في آيات أخر: كقوله تعالى : " إن الحكم إلاّ لله أمر ألاّ تعبدوا إلا ّ إلاّ إياه " يوسف [40] ، و قوله : " و ما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله " الشورى [10] و قوله : " ذالكم بأنّه إذا دعي الله وحده كفرتم و إن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العليّ الكبير " غافر [12] .
و قوله تعالى : " أفغير الله أبتغي حكما و هو الّذي أنزل إليكم الكتاب مفصّلا " الأنعام [114] إلى غير ذلك من الآيات .
و يفهم من هذه الآيات كقوله : " و لا يشرك في حكمه أحدا " أن متّبعي أحكام المشرعين غير ما شرعه الله أنّهم مشركون ، وهذا المفهوم جاء مبيّنا في آيات أخر ، كقوله فيمن اتبع الشيطان في إباحة الميتة أنّها ذبيحة الله : " و لا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم الله عليه و إنّه لفسق و إن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم و إن أطعتمومهم إنّكم لمشركون " الأنعام [112] ، فصرح بأنّهم مشركون بطاعتهم ، وهذا الإشراك في الطاعة وإتباع التشريع المخالف لما شرعه الله تعالى هو المراد بعبادة الشيطان في قوله تعالى : " ألم أعهد إليكم يا بني ءادم أن لا تعبدوا الشيطان إنّه لكم عدوّ مبين ، وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم " يس [60-61] .
.... و بهذه النصوص السماوية التي ذكرنا يظهر غاية الظهور : أنّ الّذين يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على ألسنة أوليائه مخالفة لما شرعه الله جل و علا على ألسنّة رسله صلى الله عليهم وسلم أنّه لا يشك في كفرهم و شركهم إلاّ من طمس الله بصيرته و أعماه عن نور الوحي مثلهم ـ إهـ
9- الشيخ ابن العثيمين رحمه الله تعالى ، قال رحمه الله تعالى مبيّنا سبب هذا الكفر : من لم يحكم بما أنزل الله استخفافا به ، أو احتقارا له أو اعتقادا أنّ غيره أصلح منه وأنفع للخلق فهو كافر كفرا مخرجا من الملّة ، و من هؤلاء من يصنعون للنّاس تشريعات تخالف التشريعات الإسلامية لتكون منهجا يسير النّاس عليه ، فإنّهم لم يصنعوا تلك التشريعات المخالفة للشريعة الإسلامية إلاّ و هم يعتقدون أنّها أصلح و أنفع للخلق إذ من المعلوم بالضرورة العقلية و الجبلة الفطرية أنّ الإنسان لا يعدل عن منهاج إلى منهاج يخالفه إلاّ و هو يعتقد فضل ما عدل إليه و نقص ما عدل عنه .إنتهى.
وقال رحمه الله تعالى: ونرى فرقا بين شخص يضع قانونا يخالف الشريعة ليحكم النّاس به ، و شخص آخر يحكم في قضية معينة بغير ما أنزل الله ، لأنّ من وضع قانونا ليسير النّاس عليه وهو يعلم مخالفته للشريعة ، ولكنّه أراد أن يكون النّاس عليه فهذا كافر كفرا مخرجا من الملّة ، و لكن من حكم في مسألة معينة يعلم فيها حكم الله و لكن لهوى في نفسه ، فهذا ظالم فاسق و كفره و إن وصف بالكفر كفر دون كفر ـ إنتهى ـ
10- الشيخ صالح الفوزان حفظه الله تعالى ، قال بعدما نقل كلام ابن كثير حول الياسق :
و مثل القانون الذي ذكره عن التتار وحكم بكفر من جعله بديلا عن الشريعة الإسلامية مثله القوانين الوضعية التي جعلت اليوم في كثير من الدول هي مصادر للأحكام و ألغيت من أجلها الشريعة الإسلامية إلاّ في ما يسمونه بالأحوال الشخصية .
و قال حفظه الله تعالى : من نحّى الشريعة الإسلامية وجعل القانون الوضعي بديلا عنها فهذا دليل على أنّه يرى أنّ القانون أحسن و أصلح من الشريعة و هذا لا شك أنّه كفر أكبر يخرج من الملّة و يناقض التوحيد ـ إه ـ
11- الشيخ عبد الرحمن البراك حفظه الله تعالى ، قال : ما يلزم منه لزوماً ظاهراً و يدل دلالة ظاهرة على عدم الإقرار بالشهادتين باطناً ، و لو أقر بهما ظاهراً و ذلك يشمل أمور – فذكر من بين هذه الأمور القوانين الوضعية ، فقال : - أن يضع الوالي قانوناً يتضمن أحكاماً تناقض أحكام قطعية من أحكام الشريعة معلومة من دين الإسلام بالضرورة ، و يفرض الحكم به ، والتحاكم إليه ، ويعاقب من حَكَمَ بحكم الشريعة المخالف له ، ويدّعي مع ذلك الإقرار بوجوب الحكم بالشريعة – شريعة الإسلام – التي هي حكم الله ورسوله ، ومن ذلك هذه الأحكام الطاغوتية المضادة لحكم الله و رسوله :
أ) الحكم بحرية الاعتقاد فلا يقتل المرتد ، ولا يستتاب .
ب) حرية السلوك ، فلا يجبر أحد على فعل الصلاة ، و لا الصيام ، و لا يعاقب على ترك ذلك .
ج) تبديل حد السرقة – الذي هو قطع اليد – بالتعزير و الغرامة .
د) منع عقوبة الزانيين بتراضيهما إلاّ لحق الزوج أو نحو ذلك ممّا يتضمن إباحة الزنا و تعطيل حدِّه من الجلد و الرجم .
هـ) الإذن بصناعة الخمر ، و المتاجرة فيه ، و منع عقوبة شاربه .إنتهى
هذا عن رأي بعض من قالوا بكفر هذه القوانين الوضعية المناقضة لشريعة الله ربّ البريّة .
ثانيا : أدلّة المسألة :
ومن الآيات الدّالة على المقصود :
قال تعالى : " وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا "26 الكهف
وقال : " ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِير "ِ 12غافر ، وقال : " أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً " 114 الأنعام .
وقوله: " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا " النساء.
و من الأدلّة الدّالة على المقصود ما ذكره العلاّمة الشنقيطي رحمه الله في كتابه الماتع أضواء البيان ، أترككم على كلام فضيلته ، وتحمّلوا طوله فإنّه مهمّ غاية .
قال العلاّمة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى :
قوله تعالى: " وَمَا ٱخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَىْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ " . ما دلّت عليه هذه الآية الكريمة من أنّ ما إختلف فيه الناس من الأحكام فحكمه إلى الله وحده، لا إلى غيره، جاء موضحاً في آيات كثيرة.
فالإشراك بالله في حكمه كالإشراك به في عبادته قال في حكمه" وَلاَ يُشْرِكُ في حُكْمِهِ أَحَدًا " .
وفي قراءة ابن عامر من السبعة " وَلاَ تُشْرِكْ في حُكْمِهِ أَحَدًا " بصيغة النهي.
وقال في الإشراك به في عبادته: " فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَـٰلِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَا " ، فالأمران سواء كما ترى إيضاحه إن شاء الله.
وبذلك تعلم أنّ الحلال هو ما أحلّه الله، والحرام هو ما حرّمه الله، والدّين هو ما شرعه الله، فكلّ تشريع من غيره باطل، والعمل به بدل تشريع الله عند من يعتقد أنّه مثله أو خير منه، كفر بواح لانزاع فيه.
وقد دلّ القرآن في آيات كثيرة، على أنّه لا حكم لغير الله، وأنّ إتباع تشريع غيره كفر به، فمن الآيات الدالّة على أنّ الحكم لله وحده قوله تعالى : " إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ " وقوله تعالى: " إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ " . وقوله تعالى: " إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الفاٰصِلِينَ "
وقوله: " وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ الْكَاٰفِرُونَ " ، وقوله تعالى: " وَلاَ يُشْرِكُ في حُكْمِهِ أَحَدًا " ، وقوله تعالى: " كُلُّ شَىْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ " ، وقوله تعالى : " لَهُ الْحَمْدُ في الاّولَىٰ وَالاٌّخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ " والآيات بمثل ذلك كثيرة.
وقد قدّمنا إيضاحها في سورة الكهف في الكلام على قوله تعالى: " وَلاَ يُشْرِكُ في حُكْمِهِ أَحَدًا ".
وأمّا الآيات الدالّة على أنّ إتباع تشريع غير الله المذكور كفر فهي كثيرة جداً، كقوله تعالى: " إِنَّمَا سُلْطَاٰنُهُ عَلَىٰ الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ " ، وقوله تعالى: " وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ " ، وقوله تعالى: " أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ ياٰبَنِىۤ ءَادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ الشَّيطَـاٰنَ " .
والآيات بمثل ذلك كثيرة جداً ، كما تقدّم إيضاحه في الكهف.
مــســألــة : اعلم أنّ الله جل وعلا بيّن في آيات كثيرة ، صفات من يستحق أن يكون الحكم له. فعلى كلّ عاقل أن يتأمّل الصفات المذكورة التي سنوضحها الآن إن شاء الله ويقابلها مع صفات البشر المشرّعين للقوانين الوضعية ، فينظر هل تنطبق عليهم صفات من له التشريع.
سبحان الله وتعالى عن ذلك.
فإن كانت تنطبق عليهم ولن تكون، فليتّبع تشريعهم.
وإن ظهر يقيناً أنّهم أحقر وأخسّ وأذلّ وأصغر من ذلك ، فليقف بهم عند حدّهم ، ولا يجاوزه بهم إلى مقام الربوبيّة.
سبحانه وتعالى أن يكون له شريك في عبادته ، أو حكمه أو ملكه.
فمن الآيات القرآنية التي أوضح بها تعالى صفات من له الحكم والتشريع قوله هنا: " وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَىْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ " ، ثم قال مبيّناً صفات من له الحكم : " ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّى عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ فَاطِرُ السَّمَـاوَاتِ وَالاٌّرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الاٌّنْعَـامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ لَهُ مَقَـالِيدُ السَّمَـاوَاتِ وَالاٌّرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ " .
فهل في الكفرة الفجرة المشرّعين للنظم الشيطانية ، من يستحق أن يوصف بأنّه الربّ الذي تفوَض إليه الأمور، ويتوكل عليه، وأنّه فاطر السماوات والأرض أي خالقهما ومخترعهما، على غير مثال سابق ، وأنّه هو الذي خلق للبشر أزواجاً ، وخلق لهم أزواج الأنعام الثمانية المذكورة في قوله تعالى: " ثَمَـانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ " الآية ، وأنّه " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْء وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ " .
وأنّه " لَّهُ مَقَالِيدُ السَّمَـاواتِ وَالاْرْضِ " ، وأنّه " هُوَ الَّذِى يَبْسُطُ الرّزْقَ لِمَنْ يَشَاء وَيَقَدِرُ " أي يضيّقه على من يشاء " وَهُوَ بِكُلّ شَىْء عَلِيمٌ " ؟!.
فعليكم أيّها المسلمون أن تتفهموا صفات من يستحق أن يشرّع ويحلّل ويحرّم ، ولا تقبلوا تشريعاً من كافر خسيس حقير جاهل.
ونظير هذه الآية الكريمة قوله تعالى : " فَإِن تَنَازَعْتُمْ في شَىْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاٌّخِرِ ذالِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً " ، فقوله فيها: " فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ " كقوله في هذه : " فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ".
وقد عجب نبيّه صلى الله عليه وسلم بعد قوله : " فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ " من الذين يدّعون الإيمان مع أنّهم يريدون المحاكمة ، إلى من لم يتصف بصفات من له الحكم المعبّر عنه في الآية بالطاغوت، وكلّ تحاكم إلى غير شرع الله فهو تحاكم إلى الطاغوت ،
وذلك في قوله تعالى: " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءَامَنُواْ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّـٰغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالاً بَعِيداً " .
فالكفر بالطاغوت ، الذي صرّح الله بأنّه أمرهم به في هذه الآية ، شرط في الإيمان كما بيّنه تعالى في قوله : " فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى " .
فيفهم منه أنّ من لم يكفر بالطاغوت لم يتمسّك بالعروة الوثقى ، ومن لم يستمسك بها فهو متردّ مع الهالكين .
ومن الآيات الدالّة على ذلك قوله تعالى: " لَهُ غَيْبُ السَّمَـاوَاتِ وَالاٌّرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِىٍّ وَلاَ يُشْرِكُ في حُكْمِهِ أَحَدًا " .
فهل في الكفرة الفجرة المشرّعين من يستحق أن يوصف بأنّ له غيب السماوات والأرض؟ وأن يبالغ في سمعه وبصره لإحاطة سمعه بكلّ المسموعات ، وبصره بكلّ المبصرات؟
وأنّه ليس لأحد دونه من وليّ؟
سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً .
ومن الآيات الدالّة على ذلك قوله تعالى: " وَلاَ تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَـٰهاً ءَاخَرَ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَىْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ " .
فهل في الكفرة الفجرة المشرّعين من يستحق أن يوصف بأنّه الإله الواحد؟ وأنّ كلّ شيء هالك إلاّ وجهه؟ وأن الخلائق يرجعون إليه؟
تبارك ربّنا وتعاظم وتقدّس أن يوصف أخسّ خلقه بصفاته.
ومن الآيات الدالّة على ذلك قوله تعالى: " ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعي اللَّهُ وَحْدَهُ كَـفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ فَالْحُكْمُ للَّهِ الْعَلِـىِّ الْكَبِيرِ " .
فهل في الكفرة الفجرة المشرّعين النظم الشيطانية ، من يستحق أن يوصف في أعظم كتاب سماوي، بأنّه العليّ الكبير؟
سبحانك ربّنا وتعاليت عن كلّ ما لا يليق بكمالك وجلالك.
ومن الآيات الدالّة على ذلك قوله تعالى: " وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ في الاٍّولَىٰ وَالاٌّخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الَّيْلَ سَرْمَداً إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَآءٍ أَفَلاَ تَسْمَعُونَ قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَـهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفلاَ تُبْصِرُونَ وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ " .
فهل في مشرعي القوانين الوضعية ، من يستحق أن يوصف بأنّ له الحمد في الأولى والآخرة، وأنّه هو الذي يصرف اللّيل والنهار مبيّناً بذلك كمال قدرته ، وعظمة إنعامه على خلقه ؟!.
سبحان خالق السماوات والأرض جل وعلا أن يكون له شريك في حكمه ، أو عبادته، أو ملكه.
ومن الآيات الدالّة على ذلك قوله تعالى: " إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ " .
فهل في أولئك من يستحقّ أن يوصف بأنّه هو الإله المعبود وحده ، وأنّ عبادته وحده هي الدّين القيّم؟
سبحان الله وتعالى عمّا يقول الظالمون علواً كبيراً.
ومنها قوله تعالى: " إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ " .
فهل فيهم من يستحق أن يتوكل عليه ، وتفوض الأمور إليه؟
ومنها قوله تعالى: " وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَآ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ للَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَـٰسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَـاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ " .
فهل في أولئك المشرّعين من يستحق أن يوصف بأنّ حكمه بما أنزل الله وأنّه مخالف لإتباع الهوى؟ وأنّ من تولّى عنه أصابه الله ببعض ذنوبه؟ لأنّ الذنوب لا يؤاخذ بجميعها إلاّ في الآخرة؟ وأنّه لا حكم أحسن من حكمه لقوم يوقنون؟
سبحان ربّنا وتعالى عن كلّ ما لا يليق بكماله وجلاله.
ومنها قوله تعالى: " إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ " .
فهل فيهم من يستحقّ أن يوصف بأنّه يقص الحق ، وأنّه خير الفاصلين؟
ومنها قوله تعالى: " أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِى حَكَماً وَهُوَ الَّذِىۤ أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَـابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ ءَاتَيْنَـاهُمُ الْكِتَـابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاًوَعَدْلاً" .
فهل في أولئك المذكورين من يستحق أن يوصف بأنّه هو الذي أنزل هذا الكتاب مفصلاً ، الذي يشهد أهل الكتاب أنّه منزل من ربّك بالحق ، وبأنّه تمّت كلماته صدقاً وعدلاً أي صدقاً في الأخبار، وعدلاً في الأحكام ، وأنّه لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم؟
سبحان ربّنا ما أعظمه وما أجل شأنه.
ومنها قوله تعالى: " قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّآ أَنزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ " .
فهل في أولئك المذكورين من يستحق أن يوصف بأنّه هو الذي ينزل الرزق للخلائق ، وأنّه لا يمكن أن يكون تحليل ولا تحريم إلاّ بإذنه؟ لأنّ من الضروري أنّ من خلق الرزق وأنزله هو الذي له التصرف فيه بالتحليل والتحريم؟
سبحانه جل وعلا أن يكون له شريك في التحليل والتحريم.
ومنها قوله تعالى: " وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَٰئِكَ هُمُ الْكَاٰفِرُونَ " .
فهل فيهم من يستحق الوصف بذلك؟
سبحان ربّنا وتعالى عن ذلك.
ومنها قوله تعالى: " وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـٰذَا حَلَـالٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَىٰ اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ مَتَـاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " .
فقد أوضحت الآية أنّ المشرّعين غير ما شرّعه الله إنّما تصف ألسنتهم الكذب ، لأجل أن يفتروه على الله ، وأنّهم لا يفلحون وأنّهم يمتعون قليلاً ثمّ يعذبون العذاب الأليم ، وذلك واضح في بعد صفاتهم من صفات من له أن يحلّل ويحرّم.
ومنها قوله تعالى: " قُلْ هَلُمَّ شُهَدَآءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَـٰذَا فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ " .
فقوله: " هَلُمَّ شُهَدَاءكُمُ " صيغة تعجيز ، فهم عاجزون عن بيان مستند التحريم ، وذلك واضح في أنّ غير الله لا يتصف بصفات التحليل ولا التحريم ، ولما كان التشريع وجميع الأحكام ، شرعية كانت أو كونية قدرية ، من خصائص الربوبية ، كما دلّت عليه الآيات المذكورة كان كلّ من اتبع تشريعاً غير تشريع الله قد اتخذ ذلك المشرع ربّا، وأشركه مع الله .
والآيات الدالّة على هذا كثيرة ، وقد قدّمناها مراراً وسنعيد منها ما فيه كفاية فمن ذلك وهو من أوضحه وأصرحه، أنّه في زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم وقعت مناظرة بين حزب الرحمن وحزب الشيطان ، في حكم من أحكام التحريم والتحليل ، وحزب الرحمن يتّبعون تشريع الرحمن في وحيه في تحريمه، وحزب الشيطان يتّبعون وحي الشيطان في تحليله.
وقد حكم الله بينهما وأفتى فيما تنازعوا فيه فتوى سماوية قرآنية تتلى في سورة الأنعام.
وذلك أنّ الشيطان لمّا أوحى إلى أوليائه فقال لهم في وحيه: سلوا محمداً عن الشاة تصبح ميتة من هو الذي قتلها؟ فأجابوهم أنّ الله هو الذي قتلها.
فقالوا: الميتة إذاً ذبيحة الله ، وما ذبحه الله كيف تقولون إنّه حرام؟ مع أنّكم تقولون إنّما ذبحتموه بأيديكم حلال ، فأنتم إذا أحسن من الله وأحل ذبيحة.
فأنزل الله بإجماع من يعتدّ به من أهل العلم قوله تعالى:" وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ " يعني الميتة أي وإن زعم الكفار أنّ الله ذكّاها بيده الكريمة بسكين من ذهب: " وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ " والضمير عائد إلى الأكل المفهوم من قوله: " وَلاَ تَأْكُلُواْ " وقوله: " لَفِسْقٌ " أي خروج عن طاعة الله، واتباع لتشريع الشيطان : " وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَـادِلُوكُمْ ".
أي بقولهم: ما ذبحتموه حلال وما ذبحه الله حرام ، فأنتم إذاً أحسن من الله وأحل تذكية ، ثمّ بيّن الفتوى السماوية من ربّ العالمين في الحكم بين الفريقين في قوله تعالى: " وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ " فهي فتوى سماوية من الخالق جل وعلا صرّح فيها بأنّ متبع تشريع الشيطان المخالف لتشريع الرحمن مشرك بالله.
وهذه الآية الكريمة مثل بها بعض علماء العربية لحذف اللام الموطئة للقسم ، والدليل على اللام الموطئة المحذوفة عدم اقتران جملة إنّكم لمشركون بالفاء ، لأنّه لو كان شرطاً لم يسبقه قسم لقيل: فإنكم لمشركون على حد قوله في الخلاصة :
واقرن بفا حتما جواباً لو جعل شرطاً لإن أو غيرها لم ينجعل
وهو مذهب سيبويه ، وهو الصحيح ، وحذف الفاء في مثل ذلك من ضرورة الشعر.
وما زعمه بعضهم من أنّه يجوز مطلقاً ، وأنّ ذلك دلّت عليه آيتان من كتاب الله.
إحداهما قوله تعالى: " وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ".
والثانية قوله تعالى: " وَمَآ أَصَـابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ " بحذف الفاء في قراءة نافع وابن عامر من السبعة خلاف التحقيق.
بل المسوغ لحذف الفاء في آية : " إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ " تقدير القسم المحذوف قبل الشرط المدلول عليه بحذف الفاء على حد قوله في الخلاصة:
واحذف لدى اجتماع شرط وقسم جواب ما أحرت فهو ملتزم
وعليه: فجملة " إنّكم لمشركون " جواب القسم المقدر، وجواب الشرط محذوف ، فلا دليل في الآية لحذف الفاء المذكور.
والمسوغ له في آية " بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُم " أنّ " ما " في قراءة نافع وابن عامر موصولة كما جزم به غير واحد من المحققين ، أي والذي أصابكم من مصيبة كائن وواقع بسبب ما كسبت أيديكم.
وأمّا على قراءة الجمهور: فما موصولة أيضاً ، ودخول الفاء في خبر الموصول جائز كما أنّ عدمه جائز فكلتا القراءتين جارية على أمر جائز.
ومثال دخول الفاء في خبر الموصول قوله تعالى: " الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِالَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُم عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ " وهو كثير في القرآن .
وقال بعضهم: إنّ " ما " في قراء الجمهور شرطية ، وعليه فاقتران الجزاء بالفاء واجب .
أمّا على قراءة نافع وابن عامر، فهي موصولة ليس إلاّ كما هو التحقيق إن شاء الله.
وكون " ما " شرطية على قراءة ، وموصولة على قراءة لا إشكال فيه ، لما قدّمنا من أنّ القراءتين في الآية الواحدة كالآيتين.
ومن الآيات الدالّة على نحو ما دلّت عليه آية الأنعام المذكورة قوله تعالى: " إِنَّمَا سُلْطَاٰنُهُ عَلَىٰ الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ " ، فصرّح بتولّيهم للشيطان أي بإتباع ما يزيّن لهم من الكفر والمعاصي مخالفاً لما جاءت به الرسل، ثمّ صرّح بأنّ ذلك إشراك به في قوله تعالى : " وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ " وصرّح أنّ الطّاعة في ذلك الذي يشرّعه الشيطان لهم ويزيّنه عبادة للشيطان.
ومعلوم أنّ من عبد الشيطان فقد أشرك بالرحمٰن قال تعالى: " أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يابَنِىۤ ءَادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ الشَّيطَـانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِين ٌوَأَنِ اعْبُدُونِى هَـذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً "، ويدخل فيهم متبعوا نظام الشيطان دخولاً أولياء " أَفَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ " .
ثم بيّن المصير الأخير لمن كان يعبد الشيطان في دار الدنيا ، في قوله تعالى: " هَـذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ اصْلَوْهَا لْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ٱلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَٰهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ " ، وقال تعالى عن نبيّه إبراهيم : " ياأَبَتِ لاَ تَعْبُدِ الشَّيْطَـانَ إِنَّ الشَّيْطَـٰنَ كَانَ لِلرَّحْمَـنِ عَصِيّاً " ، فقوله : " لا تعبد الشيطان " : أي بإتباع ما يشرّعه من الكفر والمعاصي ، مخالفاً لما شرّعه الله.
وقال تعالى: " إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَـاناً مَّرِيداً " ، فقوله: " وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاٰناً " يعني ما يعبدون إلاّ شيطاناً مريداً.
وقوله تعالى: " وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَـٰئِكَةِ أَهَـؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ قَالُواْ سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْـثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ " .
فقوله تعالى: " بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ الْجِنَّ " أي يتّبعون الشياطين ويطيعونهم فيما يشرّعون ويزيّنون لهم من الكفر والمعاصي على أصحّ التفسيرين.
والشيطان عالم بأنّ طاعتهم له المذكورة إشراك به كما صرّح بذلك وتبرأ منهم في الآخرة ، كما نصّ الله عليه في سورة إبراهيم في قوله تعالى: " وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِىَ الاٌّمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ " إلى قوله: " إِنِّى كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ " ، فقد إعترف بأنّهم كانوا مشركين به من قبل أي في دار الدنيا، ولم يكفر بشركهم ذلك إلاّ يوم القيامة.
وقد أوضح النبيّ صلى الله عليه وسلم هذا المعنى الذي بيّنا في الحديث لمّا سأله عدي بن حاتم رضي الله عنه عن قوله: " اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَـانَهُمْ أَرْبَاباً " كيف اتخذوهم أرباباً؟ وأجابه صلى الله عليه وسلم «أنّهم أحلّوا لهم ما حرّم الله وحرّموا عليهم ما أحلّ الله فاتبعوهم ، وبذلك الإتباع اتخذوهم أرباباً».
ومن أصرح الأدلّة في هذا أنّ الكفار إذا أحلّوا شيئاً يعلمون أنّ الله حرّمه ، وحرموا شيئاً يعلمون أنّ الله أحله ، فإنّهم يزدادون كفراً جديداً بذلك مع كفرهم الأوّل، وذلك في قوله تعالى: " إِنَّمَاالنَّسِىۤءُ زِيَادَةٌ في الْكُفْرِ " إلى قوله : " وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَاٰفِرِينَ " .
وعلى كلّ حال فلا شكّ أنّ كلّ من أطاع غيرالله ، في تشريع مخالف لما شرعه الله ، فقد أشرك به مع الله كما يدلّ لذلك قوله: " وَكَذٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَاٰدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ " فسمّاهم شركاء لمّا أطاعوهم في قتل الأولاد.
وقوله تعالى: " أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُواْ لَهُمْ مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ " ، فقد سمّى تعالى الذين يشرّعون من الدّين ما لم يأذن به الله شركاء ، وممّا يزيد ذلك إيضاحاً ، أنّ ما ذكره الله عن الشيطان يوم القيامة ، من أنّه يقول للّذين كانوا يشركون به في دار الدنيا ، " إنّي كفرت بما أشركتمون من قبل " ، أنّ ذلك الإشراك المذكور ليس فيه شيء زائد على أنّه دعاهم إلى طاعته فاستجابوا له كما صرّح بذلك في قوله تعالى عنه : " وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَاٰنٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِى " ، وهو واضح كما ترى.إنتهى كلام العلاّمة الشنقيطي رحمه الله .
نتيجة البحث
بعدما عرفنا حكم الشرع في هذه القوانين الوضعية ممّا لا يدع الشكّ لمريد الحقّ ، فليس من الإنصاف بعد ذلك أن نُصنّف ظلما وعدوانا بسبب هذه المسألة المتّفق عليها بين علماء الأنام بأنّها- أي القوانين الوضعية - كفر بالله العظيم .
و الّذي يريد أن يبحث في هذه المسألة يلزمه أن يتجرّد من كلّ الحسابات ، و يخلص أمره لله جلّ و علا ، حيث الكثير يدلّس في هذه المسألة و يحرّف شرع الله فيها ، و يفتري على الله الكذب.
| |
|
mEnimE
عدد المساهمات : 5387 نقاط : 7531 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 20/05/2012
| |
mossab12
عدد المساهمات : 2044 نقاط : 2044 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 11/06/2013 العمر : 34
| |